الإيكونوميست: من وراء تفجير السفن في الخليج؟

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، يقوم رئيس وزراء ياباني بزيارة إلى طهران لتخفيف حدة التوتر بينها وبين واشنطن، وقد أعرب شينزو آبي أنه يأمل أن تسود الدبلوماسية في الشرق الأوسط والخليج العربي، وحذر أثناء زيارته من انزلاق المنطقة عن طريق الخطأ في منعطف خطير يؤدي في نهايته إلى الحرب، إلا أنه وفي أعقاب الزيارة التاريخية، وعلى الساحل الجنوبي لإيران وقع ما حذر منه رئيس الوزراء الياباني وما قد يجر المنطقة إلى الحرب.

تفجير ناقلتي نفط في خليج عُمان، يوحي إلى وجود لعبة خطيرة وغامضة قد تؤدي إلى الحرب في الشرق الأوسط، بحسب تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية نشرته صباح اليوم الجمعة، تحت عنوان "من وراء تفجير ناقلتي النفط في الخليج؟".

وأوضح التقرير أنه في 13 من يونيو/ حزيران أطلقت ناقلتي نفط في خليج عُمان نداءات استغاثة بسبب وقوع انفجارات ضخمة داخلهما؛ وهما "فرونت ألتير"  التي ترفع علم جزر المارشال، وهي شركة نقل نرويجية، كانت تقوم بنقل شحنة من النفط ومشتقاته من أبوظبي، والثانية تُدعى "كوكوكا" المسجلة في بنما، وتديرها شركة يابانية تُسمى "كوكوكا سينجو"، كانت محملة بمادة الميثانول، وكانت كلتا الناقلتين متجهتين إلى الموانئ الآسيوية.

وقالت المجلة، إن صوراً بثتها وكالة الأنباء الإيرانية أظهرت حريقا في الجانب الأيمن من الناقلة "فرونت ألتير"، وكانت أعمدة الدخان الأسود الكثيف ترتفع من الناقلتين، مشيرة إلى أن الصور القادمة من الأقمار الصناعية كانت واضحة جدا، مما يدل على شدة الانفجار. وذكر التقرير أن خُمس إمدادات العالم من النفط يمر من خلال مضيق هرمز، ما يجعله واحداً من أهم وأخطر المضايق البحرية في العالم.

هل هي صدفة؟

وأشار إلى أنها المرة الثانية التي تتعرض فيها ناقلات نفط للتدمير في الخليج في أقل من شهر، ففي 12 من مايو/ أيار الماضي تعرضت 4 ناقلات نفط قريبة من ميناء الفُجيرة في الإمارات العربية المتحدة لأضرار جسيمة بسبب ما أفادت التحقيقات الأولية بأنه "ألغام أرضية واستهدفت الناقلات عن طريق عمل تخريبي، ما أجبر الطاقم على إخلاء السفن. بينما أشارت التقارير إلى أنه تم استخدام طوربيدات حربية في الهجوم علي السفن (صاروخ يصعب اكتشافه بفضل مرونة حركته، يستعمل لمحاربة السفن الحربية والتجارية، ويمكن إطلاقه من غواصة أو طائرة)، إلا أن الأمر قد يستغرق أسابيع عديدة قبل التوصل إلى ماهية الهجوم وكيفية حدوثه، في حين ذكر رئيس شركة "كوكوكا سينجو" مالكة إحدى ناقلتي النفط أنها تعرضت للهجوم مرتين خلال ثلاث ساعات.

واستبعدت "الإيكونوميست" البريطانية على أن يكون ضرب ناقلات النفط في الخليج خلال أسابيع صدفة، على الرغم من عدم إلقاء الإمارات -التى تقود فريق تحقيق دولي في عملية التخريب الأولى التي وقعت في الشهر الماضي- اللوم على أي جهة؛ إلا أنها أشارت إلى أنه من المحتمل أن يكون ممثلان حكوميان وراء العملية التخريبية.

وفي سياق متصل، ألقت الولايات المتحدة اللوم على إيران، واتهمتها أنها تقف وراء محاولة استهداف ناقلات النفط في الخليج بعمليات تخريبية؛ ما نفته إيران، المنافس التقليدي للسعودية والإمارات حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. ووصف وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، الأمر بأنه عمل مشبوه في منطقة الخليج العربي، وذكر ذلك في تغريدة له على موقع"تويتر" أمس الخميس.

وذكرت المجلة أن إيران كانت قد هددت سابقاً بأنها ستقوم بإغلاق مضيق هرمز حال تعرضه للهجوم، ما يجعل الاتهامات توجه إليها لاتخاذ العمليات التخريبية ضد السفن التجارية في الخليج ذريعة ستستفيد منها لتنفيذ تهديدها بإغلاق المضيق.

وقد يرى كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته ظريف، أن استهداف السفن التجارية في الخليج بعمليات تخريبية هو لعب بالنار، إلا أنهم ينفون وقوف إيران وراء هذه الهجمات، إذ أنه بات من الواضح أنهما عالقان في صراعهما الداخلي مع حكومة الملالي والحرس الثوري، التي لايثق بها الغرب.

ترامب أشعل الصراع

وواصل التقرير موضحا: "لإيران وحرسها الثوري ميليشيات تدين لها بالولاء في كل من سوريا واليمن، وتحارب ضد قوات التحالف العربي السعودي والإماراتي في اليمن، فلدى إيران سجل حافل بالحرب غير النظامية التي تسمح لها بقدر كبير من المناورة والإنكار". مذكرا بأنها "قامت خلال ثمانينيات القرن الماضي بإشعال حرب ناقلات النفط والشحن أثناء الحرب مع العراق في الخليج العربي".

وذكّرت المجلة البريطانية، بأن الصراع في منطقة الخليج العربي كان قد ازداد اشتعالاً منذ الربيع الماضي، عندما انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي يقضي بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.

وقام ترامب بإعادة العقوبات، ولم يكتف بذلك، بل قام بفرض المزيد من العقوبات الجديدة رامياً إلى عزل إيران عن الاقتصاد الدولي؛ ومن جانبها أعلنت ايران، بعد عام من الالتزام ببنود الاتفاق النووي، ولخطب ود الأوروبيين، أنها على وشك البدء في تخصيب اليورانيوم المشع بما يفوق قدرتها الحالية.

وذهب روحاني إلى حد التهديد بأنه، في حال لم تساعد الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي: فرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي، بلاده على تجاوز العقوبات الأمريكية فإن إيران ستبدأ في تخصيب اليورانيوم، وهو أمر مستبعد -بحسب المجلة- في الوقت الذي حذر فيه منتقدو ترامب بأن العقوبات والعزل سيؤدي إلى أزمة اقتصادية في إيران، ما سيؤدي بها في النهاية إلى التفلت من المجتمع الدولي والتزاماتها نحوه.

الاختباء وراء الحليف القوي 

أما بالنسبة لدول الخليج، يقول التقرير: "يبدو أن العمليات التخريبية تقلقها، ليس فقط ناقلات النفط في الخليج، بل إن الأمر امتد إلى الداخل السعودي، حيث دمر انفجاران لأنابيب نقل النفط الخام عبر الأراضي السعودية على بعد 700 ميل من الحدود السعودية-الإيرانية، بعد يومين من حادث تخريب السفن في ميناء الفجيرة الإماراتي".

وتابعت المجلة، وفي 12 يونيو/ حزيران أصاب هجوم صاروخي مطار أبها السعودي الذي يبعد 200 ميل عن الحدود مع اليمن مما أسفر عن إصابة 26 مواطناً سعودياً، ويُعتقد أن الحوثيين -ميليشيات شيعية مسلحة مدعومة ايرانياً وتسيطر على أجزاء شاسعة من اليمن- هي من قامت بالهجومين، إذ قالت لجنة خبراء من الأمم المتحدة أنها تعتقد أن إيران تمد الحوثيين بالأسلحة منها الطائرات المسيرة والصورايخ، على الرغم من أنهم لا يعملون دوماً وفقاً للصالح الإيراني.

ورأت الإيكونوميست أن المملكة وحلفاءها لا يميلون إلى التصعيد في الوقت الحالي ضد إيران، مخافة أن يمتد التأثير السلبي ويلحق الضرر بصادراتها النفطية وبالتالي يؤثر سلبا على اقتصادها، أما الإمارات فهي تتوخى الحذر في بياناتها الرسمية، على الرغم من أن مسؤوليها، في قرارة أنفسهم وفي أحادثيهم غير المعلنة، يلقون باللوم في حادث الفجيرة علي إيران، بحسب التقرير الذي أفاد أن العرب يرغبون في أن يأتي الرد من الولايات المتحدة الأمريكية.

موقف أمريكا المتأرجح

وعلى الجانب الأمريكي فإن الفاعل في الأزمة، هو مستشار الأمن القومي المتشدد، جون بولتون، وهو من أكثر الداعين إلى تغيير النظام في إيران، وترامب الذي يتأرجح بين الترغيب تارة والتهديد تارة أخرى. واستدلت المجلة على ذلك باستنادها إلى تقارير أفادت بأن ترامب أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، عبر رئيس وزراء اليابان، إلا أن خامنئي رفض تسلمها قائلاً: "إن الولايات المتحدة لا تسعى بشكل جدي إلى مفاوضات حقيقية مع ايران، وأن المفاوضات الحقيقية لن تكون أبداً مع شخص مثل الرئيس الأمريكي ترامب".

وبيّن التقرير بأن الرئيس الأمريكي عزز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي، حيث وجّه مجموعة حاملات طائرات أمريكية بالتوجه فوراً إلى الخليج دون عبور مضيق هرمز لتجنب المزيد من التوتر، ومن المحتمل أن تصعد القوات الأمريكية في الخليج من دورياتها. وفي نفس الوقت، بحسب المصدر ذاته، قامت مدمرة أمريكية بنقل بعض من بحارة ناقلتي النفط المستهدفتين، في حين أعلنت إيران أنها أنقذت بعضا من هؤلاء البحارة، كما قام البنتاجون بنشر 1500 جندي إضافي في قواعد قطر والبحرين والعراق، في الوقت الذي يقوم فيه ترامب باستدعاء قوة الطوارئ في مواجهة اعتراضات الكونجرس على بيع الأسلحة إلى كل من السعودية والإمارات.

وختتمت الإيكونوميست التقرير بقولها، إن الجميع يدّعي بأنه لا يريد الحرب، وحتى إذا افترضنا صدقهم، فإن النوايا الحسنة لا تفيد، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تهمل تهديدات سفن الشحن العالمية في هذه المنطقة شديدة الأهمية والخطورة في الوقت ذاته، وبالتالي، "نخلص إلى أن رئيس الوزراء الياباني كان محقاً في أهمية استدعاء الدبلوماسية، إلا أن الأحداث المتصاعدة لا تذهب في هذا الاتجاه".