أزال آثار عملية "الأقصر".. هل يغير حكم قضاء النمسا أوضاع مسلميها؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مدينة "غراتس" النمساوية، في 30 يونيو/حزيران 2022، حكمها فيما يتعلق بمؤسسة (ليغا كولتور - Liga Kultur) الإسلامية في البلاد.

وقضى الحكم، الذي حصلت "الاستقلال" على نسخة منه، بمجموعة إجراءات تخفف من القبضة الأمنية على المؤسسة التي تمثل قطاعا واسعا من المسلمين، وذلك بعد سنوات من الاضطهاد والقمع الذي مارسته حكومة حزب الشعب النمساوي الحاكم في البلاد (يمينية). 

فالحزب الذي كان تحت قيادة المستشار السابق "سيباستيان كورتس"، والمستشار الحالي "كارل نيهامر"، ضيق الخناق على المسلمين، وشدد عليهم، وأقدم على عمليات أمنية واسعة ضدهم.

كان أهمها وأشهرها "عملية الأقصر" التي تسببت في تشديد الإجراءات ومحاكمة رموز الجالية الإسلامية في فيينا. ولم يعرف لماذا أطلق عليها هذا الاسم.

وشارك في هذه العملية نحو 930 رجل أمن نمساويا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حيث داهموا عشرات المقار والمنازل في 4 ولايات، بما فيها فيينا والنمسا السفلى وكارينتين وستايرمارك.

 

حكم تاريخي

وكان أهم ما صدر عن الحكم القضائي للمحكمة الإدارية العليا النمساوية، فيما يخص "عملية الأقصر"، أنه تقرر إلغاء إجراء مراقبة الحسابات البنكية لمؤسسة (Verein Liga Kultur) الإسلامية، مع الأمر بإتلاف المعلومات التي جمعتها النيابة العامة نتيجة هذه المراقبة.

وكذلك عدم قانونية مراقبة مقر المؤسسة (بالصورة والصوت)، والأمر بإتلاف كل التسجيلات الناتجة عن هذه المراقبة.

كما ورد في حيثيات الحكم أن التهم الموجهة للمؤسسة لا ترتقي لاتخاذ مثل هذه الإجراءات الرقابية ولا تبررها.

وأضاف أنه كانت هناك شكوك، لكن لم يكن هناك اشتباه في عمل تحريضي من قبل المؤسسة الإسلامية، وبالتالي فإن إجراءات الحكومة كانت "انتهاكا للقانون". 

وقد عدّ الحكم الصادر عن المحكمة في "غراتس" انتصارا تاريخيا للجالية الإسلامية العريضة في البلاد، وضربة لحكومة حزب الشعب التي تناصبهم العداء. ويذكر أن هذا الحكم ليس الأول فيما يخص "عملية الأقصر" لكنه الأكثر أهمية.

وفي 3 أغسطس/ آب 2021، أصدرت المحكمة العليا بمقاطعة "غراتس" النمساوية أيضا، حكما بشأن شكاوى تقدم بها بعض المسلمين الذين داهمت منازلهم ومقار أعمالهم أجهزة الأمن النمساوية (خلال عملية الأقصر)، ما بين أفراد ومؤسسات تابعة للمراكز الإسلامية بالنمسا.

المحكمة أكدت أن حملة المداهمات والاعتقالات التي جرت ضمن العملية غير قانونية، وأعلنت قبولها جميع الشكاوى المقدمة ضد الحملة من ضحايا العملية التي اعتبرت أنها تفتقد لأي أدلة قوية.

وأعلن المسؤولون في المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب النمساوي "BVT" أن الشروع في التحقيق له دوافع سياسية خاصة بحكومة كورتس. 

المؤسسة الإسلامية

ولعبت الجمعية الإسلامية الثقافية في النمسا أو (Verein Liga Kultur) دورا بارزا للنهوض بمكانة المجتمع الإسلامي النمساوي.

وتأسست المنظمة عام 1976 على يد السوري "أحمد عبد الرحيمسي"، وحينها عدتها الحكومة المؤسسة الوحيدة التي تمثل وتدير احتياجات المسلمين في النمسا، وذلك وفقا للقانون الإسلامي الذي ينظم حقوق مجتمع المسلمين في البلاد، والذي صدر في وقت مبكر خلال العام 1912.

وعملت الجمعية الإسلامية الثقافية، خلال السنوات اللاحقة على تقديم خدمات جليلة للمسلمين على أرض النمسا، حيث أسست أكاديمية التربية الدينية الإسلامية.

وكان الهدف إعداد جيل من المدرسين والطلاب الذين يستطيعون ربط المجتمع بالدين، مع عدم استيراد معلمين من الخارج.

وتهدف أيضا إلى الإشراف على المساجد والمراكز الإسلامية، وتنظم المناسبات الخاصة والعامة للمسلمين.

كما تقدم ممثلين عن مسلمي النمسا في الاجتماعات المرموقة مع الحكومة، والبرلمان الأوروبي.

ويعد الإسلام ثاني أكبر دين في النمسا، ويمارسه نسبة 8 بالمئة من مجموع السكان وفقا لتقديرات حكومية. 

ويقارب عدد المسلمين على الأراضي النمساوية مليون مواطن. والغالبية العظمى من المسلمين ينتمون إلى المذهب السني وأقلية شيعية. 

ومعظم المسلمين جاءوا إلى النمسا خلال عقد الستينيات كعمال مهاجرين من تركيا والبوسنة والهرسك. وهناك أيضا مجتمعات عربية وأفغانية الأصل. 

وفي ظل "قانون الإسلام" لعام 1912، الذي يعود إلى عائلة هابسبورغ المالكة حينذاك، كانت النمسا واحدة من الدول الغربية المعدودة التي اعترفت قانونا بالإسلام دينا.  

وعرفت فيينا منذ وقت طويل بأنها واحدة من أكثر العواصم انفتاحا واستيعابا للمسلمين والسماح بممارسة شعائرهم الدينية.

لكن أمور الجالية الإسلامية انقلبت رأسا على عقب بعد صعود أحزاب اليمين، واليمين المتطرف إلى سدة الحكم، وخلقها حالة تحفز مطلقة ضد الإسلام والمسلمين، بقيادة مستشار النمسا السابق "سيباستيان كورتس". 

حملات كراهية

وكانت تلك الأحزاب تتخذ من ذريعة "المهاجرين المسلمين" سببا رئيسا في حملاتها الانتخابية، وتعمل على التحريض ضدهم، والتضييق عليهم.

ووصل الأمر إلى حد طرد أئمة المساجد من البلاد، بالإضافة إلى وصم الزي الإسلامي الخاص بالنساء المسلمات المتمثل في "الحجاب" بأنه رمز للإرهاب والرجعية.

وفي 21 مارس/ آذار 2019، كشف تقرير نشرته جمعية "العمل ضد العنصرية والاستجابة المدنية"، ارتفاع الاعتداءات العنصرية على المهاجرين والمسلمين في النمسا خلال العام 2018 إلى 1920 اعتداء.

وأكد التقرير وقوع 16.3 بالمئة من تلك الاعتداءات العنصرية في أماكن عامة، وأن نسبة من تعرضوا لمعاملة عنصرية من العاملين في قطاعي الخدمات والترفيه وصلت إلى 7.9 بالمئة.

وفي 17 مايو/أيار 2019، وافق مجلس النواب في النمسا على مشروع قانون قدمه الائتلاف الحكومي اليميني والذي ينص على "حظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية في النمسا".

وأظهر حينها سيباستيان كورتس، موقفه الصارم ضد المهاجرين، وحذر حكومة بلاده منهم، واصفا إياهم بـ"المجتمعات الموازية". وأكد أن تغطية رؤوس الفتيات الصغيرات هو "شيء لا يجب أن يكون له مكان في النمسا".

وقد جرى تمرير هذا القانون وسط انتقادات من أحزاب اليسار والمنظمات الإسلامية في البلاد.

ومع كل هذا فإن الأسوأ بالنسبة للمسلمين لم يأت بعد، فقد كان في انتظارهم إجراءات قمعية أشد. 

عملية الأقصر 

ففي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، شنت أجهزة الأمن النمساوية، بأمر مباشر من حكومة حزب الشعب، تحت قيادة كورتس (آنذاك) واحدة من أشرس العمليات، وأشدها ضد مؤسسات وأفراد تابعين لجماعة الإخوان المسلمين في النمسا.

بلغ عدد الأماكن التي اقتحمت في عموم البلاد، 60 عنوانا، ووصل عدد الاعتقالات إلى 30 ناشطا وأكاديميا مسلما فيما عرف بعملية "الأقصر"

وفي 5 أغسطس/ آب 2021، انتقد اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا -المشرف على الجاليات الإسلامية والأنشطة- استخدام جهاز الأمن النمساوي للقوة غير المتناسبة ضد أشخاص معروفين ومعاملتهم كإرهابيين.

القوة المفرطة من الشرطة النمساوية خلال المداهمات تركت بصماتها على أفراد عائلة مسلمة تعرضت للعنف من قبل قوات الأمن.

إذ بدأ أكثر من 10 أطفال في تلقي العلاج النفسي بعد العمليات، فيما واجه الأشخاص الـ30 الذين اعتقلوا وعائلاتهم صعوبات مالية بسبب حظر حساباتهم المصرفية.

ودعت العديد من المنظمات غير الحكومية والصحفيين والكتاب إلى توضيح هذه المسألة على وجه السرعة.

وتعليقا على تطورات الأوضاع بحق الجالية الإسلامية في النمسا، يقول أحمد زيدان، إمام أحد المراكز الإسلامية في أوروبا، إن "الملجأ الوحيد أمام المراكز الإسلامية في ظل هجمات حكومات وأحزاب اليمين المتطرف، هو القضاء وجمعيات حقوق الإنسان المدنية في أوروبا". 

واستطرد في تصريحات لـ"الاستقلال": "الحكم القضائي للمحكمة الإدارية العليا النمساوية خفف كثيرا من الضغوطات على المسلمين، لكنه لم يحسم الأمر أمام موجات الكراهية والعنصرية المتصاعدة ضدهم". 

وأضاف: "يجب على الجمعيات الإسلامية أن تتحد بمختلف توجهاتها وتطلق حملات توعية ودفاع عن حق المسلمين في الوجود والعبادة، وأن تعمل ضد القنوات المغذية للإسلاموفوبيا في أوروبا وهي ممولة من جهات معروفة ومعلومة للجميع". 

وذكر أن "الإسلام بالفعل هو الدين الثاني في القارة الأوروبية، وكثير من دول أوروبا تعمل على التعايش مع المسلمين، الذين أصبحوا يشكلون قوة ضغط نافذة، لكن ينقصهم الاتحاد والتنظيم، ولو فعلوا لاختلف الأمر تماما عما هو واقع بهم، ففي ظل الحالة القائمة فإن الاتحاد واجب لابد منه".