آخرها الترجي والوداد.. خلافات العرب الكامنة تطفح في ملاعب الكرة

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا يغيب عن ذاكرة العرب أحداث مباراة مصر والجزائر في العام 2009، في إطار تصفيات كأس العالم 2010، والتي تعتبر أحد أبرز حوادث الخلاف الرياضي التي شهدتها المنطقة وساهم إعلام البلدين في تأجيجها سياسيا إلى درجة وصف المباراة بـ"المعركة" والمنافسين بـ"الأعداء".

كاد الأمر يتكرر في نهائي رابطة الأبطال الإفريقیة مساء 31 مايو/ أيار 2019التي جمعت بين فريقي الترجي التونسي والوداد البيضاوي المغربي، وما رافقها من أحداث وصلت إلى توقيف المباراة لأكثر من ساعة ونصف الساعة قبل أن يعلن الحكم انسحاب الوداد من المباراة، وفوز الترجي وتتويجه باللقب الإفريقي.

المباراة وما صحبها من أحداث مؤسفة صارت حديث الصحافة العالمیة التي وصفت ما حدث بـ"الضربة المخزية" لكرة القدم الإفريقیة، فيما تبادل الجمهور الرياضي في المغرب وتونس الاتهامات والسباب، وارتفعت وتيرة الخلافات بين البلدين ما أعاد للأذهان حوادث رياضية سابقة أثّرت على العلاقات بين الدول والشعوب العربية.

مهزلة كروية

"الكارثة الكروية والمهزلة الغريبة"، بهذا الوصف تداولت صحف عالمية مجريات مباراة الترجي وضيفه الرجاء البيضاوي، حيث أكدت شبكة فوكس سبورت الأمريكیة على الدور الذي لعبته تقنیة الفار (VAR) في الأزمة، وجاء عنوانها "الفار يفسد نهائي دوري أبطال إفريقیا".

وقالت الشبكةُ الأمريكیة إن الحكم لم يتحقق من تقنیة الفیديو للتأكد من صحة ھدف الوداد المغربي، لأنها كانت معطلة.

"ديلي میل" الإنجلیزية ركزت على عدم استكمال النهائي، وجاء عنوانها "لأول مرة في 55 عاما"، في إشارة إلى أنها المرة الأولى في تاريخ مسابقات الأندية الإفريقیة، التي لم تُكتمل فیه مباراة نهائیة.

المباراة توقفت في الدقيقة 58 بعد احتجاج لاعبي الوداد على حكم المباراة الغامبي باكاري قاساما الذي ألغى هدف التعادل للوداد، حينها أصر لاعبو الوداد والجهاز الفني على العودة لتقنية الفار للتثبت من صحة قرار الحكم.

تبين بأن الفار لا يعمل منذ بداية المباراة وهو ما دفع بفريق الوداد إلى الإنسحاب من المباراة التي توقفت لأكثر من ساعة ونصف، منح بعدها الحكم الفوز للترجي ويتوج للمرة الثانية على التوالي والرابعة في تاريخه كبطل للقارة السمراء.

مسلسل المباراة لم ينته عند تتويج الترجي التونسي، فبعد أيام قليلة وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم الإفريقية، قرر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف" يوم 5 حزيران/ يونيو 2019، إعادة المباراة على أرض محايدة مطالبا الترجي بإعادة  الكأس والميداليات الذهبية، مع اعتماد نتيجة مباراة الذهاب (1-1) بين الفريقين.

تقنية الـVAR

الفار أو تقنية الفيديو المساعدة للحكم هي عبارة عن حكم مساعد إضافي يشاهد اللعبة وينصح المسؤولين بالقرارات، وتم تطبيقها لأول مرة في كأس العالم بروسيا 2018.

وتقنية VAR استشارية فقط، إذ إن أي قرار في نهاية المطاف يقع على عاتق الحكم، حتى ولو كان قد نُصح بالطريقة المعاكسة من VAR، وهناك 4 أنواع مختلفة من الحوادث التي يمكن مراجعتها من قبل الفار:

الأهداف: يمكن استخدام التقنية الجديدة للتحقق مما إذا كان الهدف قد دخل بالفعل، بطريقة واضحة. لكن بإمكانها أيضًا أن تفصل في الفترة التي تسبق الهدف، وليس فقط الكرة التي تمر في الشبكة - إذا كان هناك تعدٍ واضح فبإمكان VAR إيقاف الهدف.

ضربات الجزاء: يمكن استخدام هذه التقنية للتحقق مما إذا كان من المفترض منح ركلة جزاء أو لا.

البطاقات الحمراء: إذا قرر الحكم أنه تم ارتكاب خطأ، فيمكن استخدام VAR لتحديد ما إذا كان يجب منح بطاقة.

الهوية الخاطئة: يسمح لحكام الفار بتحديد ما إذا كان اللاعب قد تم تأديبه بالخطأ، وإذا كان كذلك يتم تغيير الحُكم.

إعادة المباراة

لم يقبل مسؤولو فريق الوداد الرياضي المغربي، ما اعتبروه حرمانا من كأس نهائي دوري أبطال إفريقيا بسبب ضياع حقهم في التأكد من صحة هدفهم بسبب عطل تقنية الفار، كما أن المسؤولين التونسيين رفعوا أصواتهم رفضا لقرار الكاف بإعادة المباراة وسحب اللقب من الترجي.

تصريحات مسؤولي الكاف أثارت حفيظة التونسيين، فقال مستشار رئيس الكاف الجزائري هادي هامل: إن "شروط اللعب والأمن لم تكن متوفرة خلال مباراة إياب الدور النهائي لدوري الأبطال، ما حال دون اكتمال المباراة. بالتالي، ستعاد المباراة على أرض خارج تونس".

وهو ما دفع رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد بوصف قرار الكاف سحب اللقب من الترجي بـ"المهزلة"، مؤكدا أن حكومته "لن تسلم في حق الترجي".

الشاهد قال في تدوينة عبر حسابه بـ "فيسبوك": "إثر مهزلة الكاف.. تحية لقواتنا الأمنية مثال يحتذى به في العالم، ومن يشكك في أمن تونس يتحمل مسؤوليته"، كما حيا الشاهد جمهور فريق الترجي على انضباطه في المباراة الأخيرة مع الوداد، مشددا "لن نسلم في حق الترجي وفي حق أي جمعية تونسية".

في المقابل قال رئيس نادي الوداد سعيد الناصيري، في تصريح لـ"هسبورت" المغربية، أنه سيسلك كل الطرق القانونية لاستخلاص حق ناديه، مشيرا إلى أن فريقه لم ينسحب من المواجهة.

مضيفا: "ما يعني عدم شرعية إنهاء المباراة لتتويج الترجي في وقت كان فيه النادي يطالب بحقه باللجوء إلى تقنية الفيديو للاستفادة من هدف مشروع له، بعدما تم رفض احتسابه، على غرار الظلم التحكيمي الذي عانى منه الفريق الأحمر في مباراة الذهاب".

عقب الحادثة اشتعلت حرب كلامية بين مشجعي الفريقين على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى الصحف الورقية والبرامج الرياضية الإذاعية والتلفزيونية في البلدين.

في خضم هذه النقاشات والتجاذبات الكلامية، أعلن الترجي اللجوء إلى المحكمة الرياضية رافضا قرار "الكاف" بإعادة اللقاء، معتبرا أنه مجحف وغير منصف ويأمل النادي التونسي في أن تنصفه محكمة التحكيم الرياضي بقرار يعيده بطلا للقارة السمراء.

دعوة للهدوء

وفي استباق لأي طارئ قد يصله المنحى الذي تتجه فيه التصريحات، خاصّة إذا تم رفض اعتراض الترجي على قرار الكاف وإعادة المباراة، أصدرت كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بيانا مشتركاً دعتا فيه الصحافيين التونسيين والمغاربة إلى ضبط النفس وعدم السقوط في لعبة الاستفزازات وتبادل الاتهامات.

كما طالب إعلاميون مغاربة بـ"التوقف الفوري عن أية كتابات أو ردود تساهم في توتر العلاقات بين المغرب وتونس"، على خلفية إعلان "كاف" إعادة المباراة.

وجاء ذلك في بيان أطلق عليه اسم "المحبة"، يحمل توقيعات عشرات الإعلاميين المغاربة، ولا يزال مفتوحا للتوقيع حيث يتم تداوله في مجموعات بمنصات التواصل الاجتماعي.

وناشد البيان "الجميع بالتحلي بروح المسؤولية والدفع نحو تلطيف الأجواء واحترام قرارت الهيئات الرياضية القارية والدولية، والإبقاء على المنافسات الرياضية في إطارها الأمثل والنأي عن أي خطاب يعادي طرفا على حساب آخر".

وأضاف أن الإعلاميين الموقعين على البيان يتأسفون لما آلت إليه بعض التعليقات على قرار "الكاف"، ويدينون "كافة أشكال التحامل والتراشق بين الجانبين المغربي والتونسي".