الانتخابات الإسرائيلية نذير الشؤم على الاحتلال

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يظن أحد أن عنوان هذا المقال فيه حزن أو حسرة على الاحتلال الذي سيذهب غير مأسوف عليه على عادة سنن التاريخ الماضية في البشر، ولكنه توصيف لواقع يعبر عنه عدد من المحللين والأكاديميين الإسرائيليين اليوم وهم يرون المشروع الصهيوني يتداعى من الداخل بفعل الصراعات الشديدة بين الأحزاب اليمينية المتطرفة نفسها، تلك التي تدعي أن تطرفها ما هو إلا محاولة للحفاظ على هذا المشروع.

تدخل دولة الاحتلال لأول مرة في تاريخها في نفق سياسي غير محسوب النتائج اليوم عندما قرر أقطاب أحزاب اليمين المتطرف الذهاب إلى انتخابات مبكرة، قبل مرور شهرين على انتخابات الكنيست الماضية التي أفرزت تقدماً نسبياً لليمين الإسرائيلي في مقابل يسار الوسط الذي يمثل قوة المعارضة الأبرز في هذا الكنيست، في حين تعيش الأحزاب اليسارية اليوم أضعف حالاتها.

لأول مرة، لم تتمكن أحزاب اليمين من تشكيل حكومةٍ بالرغم من امتلاكها أغلبية مريحةً نسبياً في الكنيست الحادي والعشرين، أكثر مما كانت تملك من مقاعد في الكنيست العشرين الذي كان بنيامين نتنياهو يعيش فيه بأغلبية مقعد واحد فقط. كثير من المحللين يتساءلون عن سر هذا الفشل في تشكيل الحكومة التي كان العالم كله –وعلى رأسه الإدارة الأمريكية الحالية– يترقب تشكيلها ليبدأ تنفيذ عدة مشاريع كان على رأسها مشروع ما يسمى "صفقة القرن" التي يروج لها عرابها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب.

يحاول أستاذ القانون الدولي الإسرائيلي، عاميخاي كوهين، الوصول إلى أسباب وتداعيات هذا الفشل في إدارة الأزمة والتوصل إلى حكومة يمينية، فيقول إن ما حدث وضع دولة الاحتلال بكاملها أمام أزمة دستورية عنوانها الجمود السياسي، خاصة وأن قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو تعتبر عاملاً أساسياً في تفضيله الذهاب إلى انتخابات مبكرة خوفاً من الخروج من التشكيلة الحكومية، إذ كان ليبرمان يضغط باتجاه إحراج نتنياهو لاكتساب أكبر عدد ممكن من النقاط على حسابه في التشكيل الحكومي الذي كان مرتقباً، أو مضايقته إلى درجة مغادرة التشكيلة الحكومية، متوقعاً أن نتنياهو لن يجرؤ على الذهاب إلى انتخابات جديدة مع كل ما يلاحقه من قضايا فساد قد تؤدي إلى اعتقاله لاحقاً، لكن نتنياهو ضرب بكل هذه التهديدات عرض الحائط وذهب إلى انتخابات مبكرة يأمل منها أن يفوز بمقاعد أكبر على حساب ليبرمان. وهذه مفارقة كبيرة، إذ أنه لم يعد يعتبر أن خصمه في هذه الانتخابات أحزاب اليسار أو يسار الوسط، وإنما أحزاب أقصى اليمين المتطرف التي يتزعمها ليبرمان، حيث تدور حملة نتنياهو الانتخابية حالياً على تشويه ليبرمان –صديقه اليميني اللدود– وإظهار بصورة المتسبب في فشل إنجاز هذه الحكومة.

في المقابل يسعى غانتس زعيم تكتل (أزرق أبيض) الذي يمثل يسار الوسط لاقتناص هذه الفرصة لإضعاف خصميه: نتنياهو وليبرمان، والفوز برئاسة الحكومة وكسر تفرد نتنياهو بالحكم منذ عشر سنوات. إلا أن الصورة –التي لم تتضح نهائياً بعد– تشير إلى أن غانتس قد لا يكون قادراً على تشكيل الحكومة القادمة إلا في حال سقوط نتنياهو نهائياً، فهو عدوه الأول الذي يخشاه في هذه الانتخابات، وليس ليبرمان. فغانتس يعتبر ليبرمان مجرد مراهق سياسي روسي الأصل لا يحمل رصيداً كبيراً لدى الجمهور الصهيوني بالرغم من تطرفه الشديد وعنترياته الخطابية فيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة بالذات.

عند ظهور نتائج الانتخابات الماضية علق الصحفي الإسرائيلي، عكيفا ألدار ،قائلاً إن حالة الدولة بعد ظهور النتائج ستكون على الأرجح مماثلة في انقسامها الشديد لما قبل الانتخابات بغض النظر عن الفائز برئاسة الحكومة، وهو ما يعكس انقساماً عميقاً في المجتمع الصهيوني لم تعد الانتخابات فيه عامل حسم. إن مجرد ذهاب الدولة إلى انتخابات مبكرة وبهذه السرعة غير المتوقعة يعتبر ضربةً لكل من علق آماله على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة لتنفيذ مشروعاته المختلفة.

فجاريد كوشتر كان ينتظر بفارغ الصبر نتائج هذه الانتخابات ليعلن مشروعه "صفقة القرن" التي حشد لها هو وحموه دونالد ترمب على مدار سنتين، ووصل الأمر بهما إلى إعلان المؤتمر الاقتصادي في المنامة ليكون مقدمةً لتطبيق هذا المشروع وتحميل بعض الدول العربية – المستعدة لتحمل الثمن للأسف– تبعات تنفيذه. فجاء إعلان الانتخابات المبكرة ليقضي فعلياً على هذا المؤتمر وهذا المشروع أو على الأقل يؤجله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية عام 2020م. فالانتخابات الإسرائيلية الحالية ستتم في شهر سبتمبر القادم، وما إن تنتهي وتتشكل الحكومة –فيما لو تشكلت– حتى شهر أكتوبر أو نوفمبر حتى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في خضم المعركة الانتخابية القادمة لعام 2020، وهو ما يعني فعلياً عدم إمكانية الدخول في أي مشاريع غير محسوبة في هذه المنطقة المضطربة.

لذلك، فإنه يمكن القول ببساطة إن مَن أفشل صفقة القرن لم يكن العرب الذي استعد عدد منهم بملياراتهم لدعمها وتصفية القضية الفلسطيينية، بل ستفشلها إسرائيل نفسها لسبب بسيط، وهو أن ساسة دولة الاحتلال اليوم باتوا يقدمون مصالحهم الحزبية الخاصة على مصلحة دولتهم، وبات بأسهم بينهم شديداً، وباتت قلوبهم شتى وإن بدت مجتمعةً، وهذا ما يجعل هذه الانتخابات نذير شؤم على دولة الاحتلال، وبشير خير لكل من أصابه ظلم هذا الاحتلال.