بدء محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في قطر.. ما أبرز التوقعات؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد توقف دام أكثر من ثلاثة أشهر، استؤنفت المحادثات الغربية الإيرانية بشأن الملف النووي، لكنها هذه المرة ليست في العاصمة النمساوية فيينا، وإنما على أرض الدوحة القطرية، التي جمعت وفدي الولايات المتحدة وطهران لإجراء حوارات غير مباشرة بينهما.

في 28 يونيو/حزيران 2022، رحبت وزارة الخارجية القطرية، باستضافة المحادثات خلال الأسبوع ذاته برعاية أوروبية، مشيرة إلى أنها مستعدة لتوفير مساحة للمساعدة على النجاح.

وأعربت قطر عن أملها في أن تتوج جولة المحادثات غير المباشرة بنتائج إيجابية تسهم في إحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، بما يدعم ويعزز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة ويفتح آفاقا جديدة لتعاون وحوار إقليميين بشكل أوسع مع إيران.

لماذا قطر؟

وعن أسباب اختيار الدوحة مكانا لإجراء المحادثات النووية بدلا من فيينا، قال المستشار الإعلامي للفريق النووي الإيراني محمد مندري لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية إن "طهران اختارت قطر لأنها دولة صديقة".

وأوضح مرندي في 27 يونيو أن "استئناف المفاوضات لا يعني أن الاتفاق بات قريبا وهو يتوقف على الإرادة الأميركية"، مشيرا إلى أن "واشنطن لم تتخذ بعد قرارا لازما للتوصل إلى اتفاق، والقضايا العالقة بالمفاوضات حقوقية وفنية تشمل رفع العقوبات وتقديم ضمانات".

وفي هذا الصدد، قال الكاتب والباحث السياسي العراقي مسار عبد المحسن راضي، إن "الدوحة تُمثل عالما من البدائل الإستراتيجية استطاع العالم أن يرى جزءا صغيرا منها، عبر الثقب الأفغاني"، مؤكدا أن "لها بعد نظر في استضافتها هذه المفاوضات".

ولفت راضي خلال تصريحات لموقع "الخليج أونلاين"، في 27 يونيو إلى أن "طهران تريد أن تحاور واشنطن عبر الدوحة، علما أن الأخيرة شريك إستراتيجي للثانية من خارج حلف الناتو (شمال الأطلسي)".

أيضا هي تريد عبر الدوحة أن ترسل رسالة للسعودية: لدينا بدائل. إذ لا يُمكِنُنا أن نتغاضى عن تزامن قمة الرياض والإعلان الإيراني.

ومن المقرر انعقاد قمة في السعودية يحضرها قادة الخليج والعراق والأردن ومصر بالإضافة إلى الرئيس الأميركي في 15 يوليو/تموز 2022، لمناقشة أوضاع المنطقة والهدنة في اليمن، وتهديدات إيران، وملف الطاقة.

وزاد راضي، قائلا: "طهران تريد أن تحقق هدفين من نقلة فيينا – الدوحة، الأول: تقديم نفسها عربيا وعن طريق دبلوماسية ناجحة ومُجرَّبة، لا تبحث عن صفقة شاملة تُقحم ملفات معقَّدة كنفوذ إيران المليشاوي في بعض الدول العربية؛ بل دبلوماسيّة تتعهد بتوفير أدوات حِوار تنجح في خفض سقف التصعيد وليست قابلة للمُضاربة في الميديا".

أما الهدف الثاني، فهو "اعتراف طهران بأن صفقة فيينا النووية فنيّة تقنية، أمّا البنود العملية الضامنة لها فهي في المشرق والخليج العربيين، بأن تكون دولة فاعلة لا مهيمنة إقليمياً لتصدير الثورة ومخالب الحرس الثوري"، وفقا للباحث.

دولة محورية

وفي السياق ذاته، قال الباحث في القانون الدولي بجامعة "نانتير" في باريس ماجد الخطيب إن "قطر أصبحت دولة محورية على المستوى الإقليمي والدولي وذلك يعود لسلسلة من النجاحات حققتها وزارة الخارجية القطرية".

ومن ذلك على سبيل المثال نجاحها في إدارة ملف المحادثات بين حركة طالبان والولايات المتحدة والتي أدت من حيث النتيجة إلى الانسحاب الأمن للقوات الأميركية من أفغانستان.

وأضاف الخطيب خلال حديث نقلته وكالة "أنباء تركيا" في 28 يونيو، أنه "من ناحية ثانية، إدارة الحكومة القطرية للملف اليمني واستضافتهم للمعارضة اليمنية بين جماعة الحوثي والقوى الشرعية، الأمر الذي جعل من قطر بمثابة صمام أمان لكل أطراف النزاع، فالجميع يشعر بالراحة عندما يكون ساعي البريد والوسطي لحل الأزمة هي الدوحة".

ورأى الباحث أن "هذا النجاح دفع بالولايات المتحدة إلى منح قطر صفة الشريك لأكبر تحالف عسكري عرفته البشرية ما يعرف بـ (الناتو)".

وأشار إلى أن "هذه الانتصارات الدبلوماسية عززت من مكانة قطر كطرف محايد يمكن الوثوق به، فمن ناحية الدوحة ترتبط مع إيران بعلاقات وثيقة وحيوية وإستراتيجية، الأمر الذي جعل منها بيئة مناسبة ومناخا آمنا لاستضافة أي نوع من المباحثات أو الازمات الدولية".

وأردف: "ناهيك طبعا عن نجاح قطر أخيرا في أن تكون ملاذا آمنا للغرب لتعويض النقص الحاصل بالغاز ولو بكميات قليلة في الوقت الحالي، بسبب ارتباط شركة الغاز القطرية مع زبائن آخرين".

ولفت إلى أن "كل ذلك جعل أنظار العالم تيمم وجهها شطر الدوحة، لإيمان الجميع بقدرة الدبلوماسية القطرية على تبريد أي أزمة دولية مهما بدت ساخنة".

وقبل أكثر من عام، بدأت إيران والقوى التي لا تزال منضوية في اتفاق 2015 (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين) مباحثات في فيينا تشارك فيها بشكل غير مباشر خاصة بعد أن انسحبت الولايات المتحدة أحاديا من الاتفاق عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب.

وأتاح اتفاق 2015 الذي يسمى "خطة العمل الشاملة المشتركة"، رفع عقوبات كانت مفروضة على إيران مقابل تقييد أنشطتها وضمان سلمية برنامجها.

إلا أن إدارة ترامب أعادت فرض العقوبات الأميركية إثر انسحابها من الاتفاق، ما أثار غضب إيران.

توقعات منخفضة

وعن التغير الذي يمكن أن يحصل بعد نقل المحادثات من فيينا إلى الدوحة، قالت الدبلوماسية الأميركية السابقة هيلاري مان ليفرت إنها "لست متأكدة من أن الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن راغبة في تقديم شيء يكون جيدا ومنسقا بشكل له تبعات قد تؤدي إلى إحياء الاتفاق النووي. ربما يكون هناك اتفاق جديد يتمخض عن هذه المفاوضات".

وأضافت الدبلوماسية الأميركية السابقة خلال مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية في 28 يونيو أن "إدارة بايدن تكاد تكون غارقة بمعطيات السياسة الداخلية مما يجعل من الصعوبة بمكان رؤية ماذا يمكن أن تقدمه بحيث يكون بنّاء في نظر إيران لكي يتجاوز عقبات السياسة الداخلية الأميركية".

وأشارت ليفرت إلى أن "الولايات المتحدة تقلق باحتمال اندلاع سباق تسلح، وإدارة بايدن تكرر كلامها منذ عام تقريبا أنه إذا لم يكن هناك استئناف للاتفاق النووي سيكون الوقت قد تأخر ويكون بإمكان إيران امتلاك  قدرات نووية".

وتابعت: "أما ما يتعلق بأزمة الطاقة فهي موجودة الآن وأسعار الطاقة في الولايات المتحدة مرتفعة جدا، لكن في الوقت نفسه الأخيرة تمتلك ما يكفي من الطاقة داخليا، والمشكلة في دول الاتحاد الأوروبي".

وأوضحت ليفرت أن "سبب عودة الولايات المتحدة إلى المفاوضات مع إيران، هو الأوروبيون لأنهم يحتاجون إلى النفط والغاز الإيراني أن يعودا إلى السوق، وأن الأوروبيين يريدون بديلا عن امتدادات الغاز الروسية".

ولهذا السبب استجابت الولايات المتحدة لطلباتهم بأن تعود إلى الانخراط مجددا في عملية هذه المفاوضات غير المباشرة مع إيران، بحسب تقديرها.

وأعربت عن أملها بأن "يكون الأوربيون قادرين على التقدم بمقترحات من شأنها ردم الهوة وتكون بمثابة حركة صحيحة باتجاه تحقيق النجاح، لكني لا أتوقع مجيء هذه المقترحات من إدارة بايدن، وإنما قد تأتي من الأوروبيين لأنهم يحتاجون لمثل هذا الاتفاق".

وقالت الدبلوماسية الأميركية، بالقول: "أنا غير متفائلة من أن إدارة بايدن ستقف إلى جانب حلفائها الأوروبيين وتنويع مصادرهم للطاقة بعيدا عن روسيا".

في سياق متصل، صرح المتحدث باسم خارجية طهران سعيد خطيب زادة، لوكالة الأنباء الإيرانية في 28 يونيو بأن إيران ستركز خلال الجولة القادمة من المفاوضات، على القضايا العالقة ذات الصلة برفع الحظر وليس الأبعاد النووية.

وقال خطيب زادة: "لن نتفاوض حول القضايا النووية التي تمت مناقشتها في فيينا، وإنما النقاط العالقة ذات الصلة بإلغاء الحظر عن البلاد"، مؤكدا أن استئناف المفاوضات "يأتي بعدما أظهرت إيران ردا جادا على التصرفات الأميركية غير العقلانية".

ونقلت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية في 28 يونيو عن مسؤول أميركي مطلع على ملف المفاوضات النووية مع طهران (لم تكشف هويته)، أن "التوقعات منخفضة للغاية" تجاه المحادثات التي يتوقع أن يتوسط فيها مسؤولون أوروبيون لأن إيران ترفض التعامل مباشرة مع الولايات المتحدة.