حكومة تستمر شهرين فقط.. ما علاقة تكليف ميقاتي بانتخابات الرئاسة اللبنانية؟

مصطفى العويك | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أجرى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في 23 يونيو/حزيران 2022، الاستشارات النيابية الملزمة بموجب الدستور لتكليف رئيس جديد للحكومة. 

وأسفرت تلك الاستشارات عن إعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتشكيل واحدة جديدة، وذلك للمرة الرابعة في تاريخه السياسي، بأكثرية باهتة بلغت 54 صوتا، أي أقل من نصف عدد نواب البرلمان وهم 128 نائبا.

اللافت أن منافس ميقاتي الأقوى كان شخصا معنويا هو "لا أحد"، إذ امتنع 46 نائبا عن التسمية. في حين نال مرشح القوى الثورية، سفير لبنان الأسبق في الأمم المتحدة، والقاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام 25 صوتا. 

كما حصل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري على صوت واحد، وكذلك الدكتورة الجامعية روعة الحلاب، وهي شخصية من خارج الوسط السياسي. 

عهد الفراغ

ويعد الرقم الذي ناله ميقاتي هو الأدنى في حقبة "الجمهورية الثانية". أي منذ دخول التعديلات الدستورية الكبرى حيز التنفيذ بعد إقرارها في وثيقة الوفاق الوطني في السعودية عام 1989، والتي اشتهرت باتفاق "الطائف" الذي أوقف الحرب الأهلية اللبنانية. 

تلك التعديلات قلّصت من الصلاحيات الهائلة التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية الماروني، وأعادت توزيعها على مجلس الوزراء مجتمعا كونه يضم كل الطوائف والمذاهب في البلاد. 

كما أنها منحت منصب رئيس الحكومة السني، وفق العرف القائم منذ الاستقلال، قسما من هذه الصلاحيات، ليتحول من منصب هامشي نسبيا، إلى مقام سياسي رفيع، يشكل مع رئاسة الجمهورية المارونية قاعدة التوازن الأساسية في حكم البلاد ذات التوازنات الطائفية الهشة. 

ومع أن ميقاتي من الشخصيات المعتدلة، فقد حصل في الاستشارات على أصوات حزب الله وحلفائه من دون أصوات التيار الوطني الحر المسيحي الذي يتزعمه جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي امتنع عن التسمية. 

كما حذا حذوه حزب القوات اللبنانية المسيحي صاحب الكتلة النيابية الأكبر (19 نائباً)، ما أعطى لتكليف ميقاتي طابعا إسلاميا رغم حصوله على 11 صوتا مسيحيا بينها 3 من الموارنة.

لكن امتناع الكتلتين المسيحيتين الأكبر عن تسمية أي شخصية لرئاسة الحكومة أثار امتعاض بطريرك الموارنة بشارة الراعي الذي قال في عظته الأسبوعية "كنا نتمنى لو شاركت في تسمية الرئيس المكلف، أيا كان المسمى، فئات نيابة أوسع لتترجم، بفعل إيجابي ودستوري وميثاقي، الوكالة التي منحها إياها الشعب منذ أسابيع قليلة".  

كما أنه استفز شطرا واسعا من الجمهور السني لما عدوه فصلا جديدا من فصول التآمر المسيحي على موقع رئاسة الحكومة، والذي يقوده عون منذ انتخابه رئيسا للجمهورية عام 2016. 

إذ يصر الأخير على استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية من خلال إرساء أعراف وتقاليد دستورية تعيد جعل رئيس الحكومة أقرب الى كونه موظفا تابعا لرئاسة الجمهورية. 

وهو ما دفع برؤساء الحكومات السابقين إلى اتهامه بخرق الدستور خلال بيان مشترك في 4 ديسمبر/كانون الأول 2019.

وكان موقع "النشرة" المحلي قد نشر في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تقريرا أحصى فيه انقضاء ما نسبته 38 بالمئة من عهد عون في ظل فراغ حكومي. 

ومن أصل 1825 يوما أمضاها عون في قصر بعبدا، كان هناك 696 يوما منها من دون حكومة أصيلة. 

ويورد التقرير أن حكومة حسان دياب بقيت تصرف الأعمال لمدة 366 يوما، لتحل بالصدارة في تاريخ الحكومات اللبنانية منذ الاستقلال عام 1943.

واللافت أن مدة تصريفها للأعمال تجاوزت أيام عملها كحكومة أصيلة والبالغة 200 يوم فقط، بعد أن تشكلت في 21 يناير/كانون الثاني 2020، وقدمت استقالتها في 10 أغسطس/ آب 2020 عقب انفجار مرفأ بيروت المدمر.

وما بين حكومتي دياب وميقاتي الأخيرة، استهلك رئيس الجمهورية ثلاثة رؤساء مكلفين. الأول هو سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب، الذي اعتذر عن عدم إكمال مهمته بعد 27 يوما من تكليفه. 

تلاه سعد الحريري الذي اعتذر بعد 267 يوما من تكليفه بعدما رفض عون التوقيع على المسودات الحكومية المتتالية التي قدمها له. 

ومن ثم استقر الحال عند ميقاتي الذي أفلح في الحصول على موافقة عون وتوقيعه على اقتراحه الحكومي بعد 47 يوما من تكليفه. 

استحقاق ثانوي

وفي اليوم التالي لتكليفه، زار ميقاتي مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان في مقر دار الإفتاء، وانتقلا معا لتأدية صلاة الجمعة في رسالة تأييد واضحة من أكبر مرجعية روحية سنية لميقاتي.

بيد أن هذا التأييد ليس لشخص رئيس الوزراء المكلف بقدر ما هو دعم لموقع ومقام رئاسة الحكومة. 

إذ يحرص المفتي دريان في الأشهر الأخيرة على جعل دار الفتوى تسمو فوق الاصطفافات السياسية، وأن تكون حاضنة لجميع السياسيين السنة. 

كما أنه يواظب على حض السنة على الإقبال والمشاركة بزخم في الحياة السياسية، وعدم الانكفاء مهما كانت الأسباب. 

وقال دريان في كلمة له في حفل تخريج حفظة للقرآن الكريم، في 25 يونيو 2022، إنه "لا أحد يستطيع أن يهمش أهل السنة في لبنان أو ينهش شيئا من حقوقهم". 

وأكد أن "أهل السنة والجماعة في لبنان بخير رغم كل ما يتعرضون له من أزمات متلاحقة. وسيبقى دورهم ومكانتهم وموقعهم الشعبي والدستوري والأساسي في المجلس النيابي، وفي الحكومة ورئاستها في الدولة اللبنانية".

من جانب آخر، وفي كلمة له عقب اجتماع كتلة حزبه النيابية، قلل رئيس حزب القوات سمير جعجع من أهمية تشكيل الحكومة في معرض تبريره قرار حزبه عدم تسمية أحد في استشارات التكليف. 

وقال جعجع إنه بوجود رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون "لا أمل في تغيير كبير يمكن أن تنجزه أي حكومة".

وأردف بأن حزبه لن يشارك في الحكومة "وبعد انتهاء ولاية الرئيس عون ربما نشارك، ونتمنى على رئيس المجلس النيابي أن يبدأ منذ الآن الإعداد للاستحقاق الرئاسي".

وتساءلت الكاتبة راكيل عتيّق في مقالة لها بصحيفة "الجمهورية" المحلية، في 25 يونيو قائلة: "ما قيمة وأهمية المشاركة في حكومة بأواخر أشهر ولاية رئيس الجمهورية، والتي لن تقدم ولن تؤخر. فالإنقاذ الذي لم يتحقق في سنوات لن يجرى تحقيقه في الأشهر الأخيرة من ولاية عون".

ورأت عتيّق أن قوى المعارضة "كان يمكنها مجتمعة أو منفردة، فرض معادلات جديدة في التأليف، والمشاركة في الحكومة بحجم وازن. 

بالإضافة إلى منع فريق العهد (رئيس الجمهورية) والثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) وحلفائهم من الاستئثار بالوزارات أو حتى بالثلث المعطل (لتشكيل الحكومة)". 

لكنهم فضلوا عدم الاتجاه إلى تلك الخطوة خلال هذه المرحلة "لأن خوض معركة التأليف ممكن في حكومة غير محدودة زمنيا. فيما أن الحكومة المرتقبة لن يتخطى عمرها الشهرين، هذا إذا ألفت". 

وتلفت عتيّق إلى أن "الجو السني كان ميالا إلى ميقاتي". كما أن الشخصيات السنية الطامحة لترؤس الحكومة لا مصلحة لها في التكليف خلال هذه المرحلة "فأي شخصية لن تضع عنقها بين فكي عهد تحترق أوراقه". 

وتخلص إلى أنه في هذه المرحلة "يجب أن يكون الهدف هو الوصول إلى انتخابات رئاسية تعيد إنتاج السلطة التنفيذية".

حكومة رئاسية

تأسيسا على ما سبق، تبدو مهمة ميقاتي في تشكيل الحكومة غاية في الصعوبة، ولا سيما مع اقتراب استحقاق انتخاب رئيس جمهورية جديد، وتحول البرلمان إلى هيئة ناخبة في نهاية أغسطس/آب 2022. 

وفي حال شغور منصب الرئاسة، تؤول صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب الدستور إلى الحكومة مجتمعة. 

وهو ما سبق أن خبرته البلاد مع الرئيسين الأخيرين للجمهورية: إميل لحود وميشال سليمان على التوالي، واللذين غادرا قصر الرئاسة دون انتخاب خلف لهما. 

لذلك يحرص ميشال عون على أوسع حضور لصهره وتياره في الحكومة الجديدة، كي يضمن أن يكون شريكا في القرار بعد انتهاء ولايته. 

علما ان عون أكد تكرارا ومرارا أنه سيغادر قصر بعبدا في اليوم الأخير لولايته في 31 أكتوبر 2022 مهما كانت الظروف.

وقالت الصحفية كلير شكر في صحيفة "نداء الوطن" المحلية، في 27 يونيو 2022، إنه "سيكون أمام رئيس الحكومة المكلف حوالي شهرين من الزمن فقط قبل أن تتحول حكومته المنتظرة إلى تصريف أعمال أيضا، في حال حصول الاستحقاق الرئاسي في موعده. 

ما يعني أن زمن مشاورات التأليف محدود ويكاد لا يتجاوز الأسابيع إن لم نقل الأيام المعدودة".

وتشير شكر الى أن ميقاتي "يطرح فكرة تقديم تشكيلة حكومية تضم عددا لا بأس به من الوزراء الحاليين، وفق موازين القوى القائمة راهنا، وذلك من باب تخفيف الإشكاليات والشروط المضادة قدر الإمكان". 

في حين رأت ملاك عقيل الكاتبة في موقع "أساس ميديا"، أن "مسار التأليف سيكون الأصعب لآخر حكومات العهد ورابعة حكومات ميقاتي".

وأوضح في 27 يونيو 2022، أن "أمام ميقاتي أكثرية مضادة من 74 نائبا وتضع فيتو بالأساس على أهليته السياسية لتشكيل فريق حكومي منتج لإدارة عملية الإنقاذ".

وبالتالي فإن "التعقيدات المتشعبة والمتداخلة وغير المألوفة سابقا تقود بمجملها إلى انحياز ميقاتي إلى النوم على الجنب الذي يريحه، وهو بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية وتفعيل عملها". 

وتلفت إلى وجود "رهانات جدية على عدم قدرته (ميقاتي) على تأليف حكومة خلال شهرين وخمسة أيام قبل بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية في 31 أغسطس. وستؤدي عطلة عيد الأضحى وأداء ميقاتي مناسك الحج إلى تقصير هذه المدة أكثر".

وتخلص عقيل استنادا إلى مصادر مطلعة على مسار التأليف "أن يقتصر التغيير على أسماء ستة وزراء من جانب القوى السياسية التي اختارت الطقم الحالي". 

مع الإشارة إلى أن احتمال تسلم الحكومة المقبلة صلاحيات رئيس الجمهورية وتحول الوزراء فيها إلى رؤساء، سيدفع (جبران) باسيل لفرض أسماء محسوبة عليه في السياسة ومن الصقور".

وهو ما ذهب إليه المحلل السياسي أمين قمورية الذي يرى أن "ميقاتي لن يستطيع تشكيل حكومة خلال هذه الفترة، إنما قد يلجأ إلى تعديل وزاري في حكومته الحالية، على أن يحظى ذلك بموافقة البرلمان بطبيعة الحال".

ويعزو قمورية ذلك في حديثه لـ"الاستقلال" إلى "التغير في موازين القوى داخل البرلمان الذي أفضت إليه الانتخابات النيابية الأخيرة". 

ويؤكد قمورية "وجود غطاء دولي وعربي نسبي لميقاتي، وخاصة من قبل فرنسا التي تدعم بقاءه في رئاسة الحكومة لتمرير بعض الأمور المطلوبة من لبنان في هذه المرحلة، لكن ذلك لا يعني أنه سيتمكن من تشكيل حكومة جديدة".