قصف متكرر.. إلى ماذا يسعى كردستان العراق بتدويل استهداف منشآته النفطية؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

دفعت الهجمات الصاروخية المتكررة، سلطات إقليم كردستان العراق، إلى اتخاذ قرار مثير للجدل بتدويل قضية القصف المتصاعد الذي يستهدف في الغالب آبار نفط وحقول غاز، ما أثار تساؤلا ملحا عن رسائل هذه الخطوة وقدرتها على إيقاف الاعتداءات.

وخلال أربعة أيام فقط، وقعت ثلاث هجمات بصواريخ الكاتيوشا في إقليم كردستان، نالت حقل كورمور الغازي التابع لشركة "دانة غاز" الإماراتية في منطقة جمجمال، بين محافظتي السليمانية وكركوك، آخرها كان في يوم 25 من يونيو/ حزيران 2022.

تحركات الإقليم

على ضوء الهجمات، أصدر رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني في 27 يونيو، بيانا أكد فيه تدويل قضية القصف المتكرر الذي ينال الإقليم، مؤكدا تواصله مع عدد من المسؤولين والشركاء السياسيين داخل العراق وخارجه بشأن ذلك.

وقال البارزاني: "لقد لجأ الجبناء الذين ينفذون تلك الهجمات إلى الاعتداءات الإجرامية لأنهم فقدوا تعاطف الرأي العام في باقي أنحاء البلاد، وبدلا من التركيز على المستقبل والتكامل الاقتصادي مع بقية العالم لخلق فرص عمل للشباب، تطلق تلك الجماعات الخارجة على القانون صواريخ على قرانا وعلى المدنيين عامة".

وأضاف: "تحدثت مع الشركاء السياسيين الرئيسيين في إقليم كردستان والعراق، إلى جانب أصدقائنا في الخارج"، مؤكدا أنه "طلب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تشكيل قوة مشتركة من البيشمركة (قوات حماية الإقليم) والقوات الاتحادية لملء أي فراغ قائم في مناطق تستخدمها الجماعات الخارجة عن القانون لزعزعة الاستقرار".

وأفاد رئيس حكومة الإقليم بأنه شرح للكاظمي أن "الهجمات تهدد الاستقرار والمناخ الاستثماري للبلاد قاطبة، ودعوته إلى اتخاذ إجراءات علنية وعملية لكبح جماح تلك المجاميع".

ومضى يقول: "كذلك وجهتُ وزيري شؤون البيشمركة والداخلية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية البنية التحتية العامة الحيوية ومنشآت النفط والغاز. وفي إطار الخطة، اتفقنا على تعزيز المنطقة بقوات إضافية، وستتم مراجعة المزيد من الإجراءات في الأيام المقبلة".

وعلى الصعيد الدولي، قال البارزاني: "تحدثت مع منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بريت ماكغورك. وعلى مدار الأيام القليلة المقبلة، سأحث أصدقاءنا وشركاءنا الدوليين، ومجلس الأمن الدولي على تجديد الجهود مع أربيل وبغداد وإيجاد سبل لنا على حد سواء للحماية من المزيد من الهجمات الإرهابية".

وشدد على أن "حكومته ستدافع عن الاستثمارات وتحميها في قطاع النفط والغاز وجميع البنية التحتية العامة. وأوضحت أن أي هجوم على كردستان في أي مكان هو اعتداء على كل كردستان وشعبها".

في السياق، أدانت الخارجية الأمريكية الهجمات. وقال المتحدث باسمها، نيد برايس، إن “الولايات المتحدة تقف مع شركائها في إدانة الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون المستمرة التي تستهدف إقليم كردستان العراق، بما في ذلك الهجمات الثلاث على البنية التحتية للنفط والغاز في السليمانية في الأربعة أيام الماضية”.

وأضاف نيد برايس خلال بيان له في 26 يونيو، أن "هذه الهجمات تهدف لتقويض الاستقرار الاقتصادي وتحدي السيادة العراقية، وزرع الانقسام والترهيب"، داعيا إلى "التحقيق في هذه الهجمات ومحاكمة المسؤولين عنها".

اتهامات لإيران

وبخصوص الجهات التي تقف وراء الهجمات والأهداف التي تسعى إليها، قال رئيس لجنة الثروات الطبيعية في برلمان إقليم كردستان ريبوار بابكي، إن قصف حقل كورمور المتكرر "استهداف سياسي يحاول زعزعة الاستقرار في الإقليم".

وأضاف بابكي خلال تصريح لقناة "يو تي في" العراقية في 26 يونيو، أن القصف المتكرر "يصب في صالح أجندات دولة جارة لا ترغب في أن يكون الإقليم مصدرا يصدّر غازه"، في إشارة إلى إيران.

وفي السياق، قال الناشط السياسي العراقي، أنس الشيخ مظهر عبر "تويتر" في 25 يونيو، إن " قصف حقل كورمور الغازي في الإقليم للمرة الثالثة خلال أسبوع يكشف أمرين".

وأضاف: الأول "مدى خسة الحرب التي تشنها إيران على كردستان لمنعها من زيادة كمية الغاز التي تنتجها، ليبقى العراق يستورد الغاز الإيراني".

وتابع، الثاني "يفضح عمالة المليشيات لإيران وتفضيلهم مصلحتها على حساب مصلحة دولتهم. يا لحقارتكم".

وتصدّر طهران نحو ​​1.2 غيغاوات من الكهرباء إلى بغداد، ويعادل هذا الرقم 7 بالمئة تقريبا من إجمالي احتياجات العراق من الكهرباء البالغة 18.4 غيغاوات، إضافة إلى 49 مليون متر مكعّب من الغاز يوميا.

من جهته، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، الناصر درير، خلال مقابلة مع قناة "وان نيوز" المحلية في 27 يونيو، إن "الشكوى وتدويل القصف قد يعرض الإقليم إلى نوبات من الغضب القادمة من طهران وقد يعرضه إلى خسائر أكبر، أو أن يرضى بتسوية لما تريده طهران وهو كبير جدا أكبر من مجرد التسوية".

ورأى دريد أنه "إذا مضى إقليم كردستان في قضية تدويل الهجمات التي يتعرض لها، فإني أعتقد أن القصف والضغط سيزداد، وربما يحرم الإقليم من المشاركة في الحكومة العراقية المقبلة، وهذا أمر يتجنبه الأخير بكل الطرق".

وأعرب عن اعتقاده بأنه "ثمة ترتيب إقليمي سيحدث خلال قمة الرياض، وأن الدول المشاركة مصممة على طلب شيء، لكن لا نعرف ماذا في جعبة الرئيس الأميركي جو بايدن القادمة إلى الرياض، لكنه يجب أن يرضيها من أجل أن يكسبها في معركة النفط والغاز القادمة بخصوص أوروبا".

وفي 15 يوليو/ تموز 2022، تعقد قمة في السعودية تجمع بايدن بقادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق، لـ"مناقشة الهدنة باليمن وتوسيع التعاون الاقتصادي والأمني، وملف الطاقة، ودفاع واشنطن عن الشركاء من تهديدات إيران"، حسبما أعلن البيت الأبيض في 14 يونيو.

خطوة مهمة

وعلى صعيد خطوة الذهاب لتدويل القضية، قال الخبير العراقي في القانون الدولي علي التميمي، إن "مسألة الهجمات المتكررة على مناطق متفرقة من إقليم كردستان، تعد انتهاكا للقانون الدولي، طبقا للمواد (1، 2، 3) من ميثاق الأمم المتحدة.

وأضاف التميمي لـ"الاستقلال"، أن "هذه المواد أكدت على احترام سيادة الدول، فإذا كان القصف من دول، فباستطاعة العراق الطلب من مجلس الأمن وضع تلك الدولة تحت طائلة البند السابع".

وأوضح أن "الضربات التي نالت كردستان أخيرا وهي مجهولة المصدر، رغم أنها تشكل خطرا على الإقليم، لكن الشكوى إلى الأمم المتحدة يجب أن تكون من بغداد وليس من أربيل، لأن الأخيرة جزء من العراق، ونظامنا فيدرالي وليس كونفدراليا حتى يتيح للإقليم التحرك دوليا وحده بمعزل عن حكومة المركز".

وأشار الخبير إلى أن "الشكوى تكون بالتنسيق بين الإقليم والحكومة العراقية لطلب من الأمم المتحدة بتشكيل فريق للتحقيق لمعرفة الدولة الفاعلة أو الأطراف الفاعلين، وإذا كانت دولة تقف وراء من ينفذ القصف فيمكن مساءلتها دوليا لأن ذلك يعد انتهاكا للسيادة وبالتالي يجرى محاسبتها دوليا".

ورأى التميمي أنه "وفق القانون الدولي، فإن مثل هذه العمليات الهجومية التي تنال الدول، يجيب على الدولة نفسها في بادئ الأمر أن تجري تحقيقات لمعرفة من يقف وراء الهجمات، وإذا كانت جهات داخلية فباستطاعة الدولة كبح جماحها ومحاسبتها لأن هذا يعد عملا إرهابيا وفق القانون الداخلي العراقي".

ومضى الخبير العراقي يقول: "إذا تبين أن هناك دولة تقف وراء شن هذه الجهات، فهنا يبدأ التحرك الدولي ويقدم العراق الشكوى إلى الأمم المتحدة على تلك الدولة".

وتابع: "ميثاق الأمم المتحدة في مواده بيّن الإجراءات التي تتخذ ضد الدول المارقة التي تخرق السلم والأمن الدوليين، والتي تبدأ بالتنبيه والإنذار والحصار وحتى باستخدام القوة كما حصل مع العراق عندما اجتاح الكويت عام 1990، وأن القرار يتخذ من مجلس الأمن الدولي".

وخلص التميمي إلى أن "تدويل القصف أمر مهم بالنسبة للعراق ويعطي القضية اهتماما أكبر من المجتمع الدولي بخصوص ما يتعرض له، وذلك لمعرفة الحد الفاصل هل ثمة دول تقف وراء ذلك، لذلك يجب التحرك الدولي لأن مجلس الأمن والأمم المتحدة لا تتدخل إلا بطلب من الدولة".

وكشفت حكومة إقليم كردستان العراق أخيرا عن عزمها تأسيس شركتين لإدارة النفط والغاز في الإقليم، تشرف إحداها على الإنتاج باسم كروك، والثانية للتسويق واسمها كومو، حيث تتولى الشركتان التنسيق مع وزارة النفط الاتحادية بغية التعاون لحل أزمة ملف الطاقة.

وتوصلت تحقيقات سلطات إقليم كردستان إلى أن الصواريخ أطلقت على حقل كورمور من منطقة محاذية لناحية قادر كرم التابعة لقضاء طوز خورماتو في محافظة كركوك، والتي توجد فيها قوات من "الحشد الشعبي" (يضم فصائل موالية لإيران)، وقريبة من منطقة إطلاق الصواريخ نحو كورمور.

وفي الآونة الأخيرة بدأ إقليم كردستان يسعى لتعزيز استقلاله الاقتصادي، فبعد تصدير النفط بمعزل عن حكومة بغداد، يحاول حاليا فتح ملف الغاز مع أوروبا في ظل توجه القارة العجوز للبحث عن بدائل للغاز الروسي بعد الحرب على أوكرانيا.