رغم ادعائها الانفتاح.. هكذا تضيق حكومة المغرب على منظمات حقوق الإنسان

جمال خطابي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تشتكي عديد من المنظمات الحقوقية بالمغرب، تضييق السلطات المغربية، من خلال عرقلة عقد مؤتمراتها ورفض منح وصولات الإيداع المؤقتة والنهائية لها، ومنعها أيضا من عقد أنشطتها في القاعات العمومية وحتى الفضاءات الخاصة.

في المقابل، ترى شخصيات سياسية وحقوقية أخرى، أنه حان الوقت لتجاوز ما سمته بـ"التوتر" الحاصل بين المنظمات الحقوقية والدولة المغربية، داعية إلى تجاوز مرحلة "معارضة" المنظمات الحقوقية للدولة وتجسير العلاقات عبر الحوار. 

بينما يرى آخرون أن السلطات المغربية تواصل التضييق بشكل منهجي على جمعيات حقوق الإنسان عبر استخدامها القوانين المنظمة لعملها وفق رغبتها، فضلا عن استغلالها فرصة جائحة فيروس كورونا لإحكام سيطرتها على المشهد.

عرقلة واضحة

وفي 23 يونيو/ حزيران 2022، انتقد الكاتب العام لمنظمة العفو الدولية فرع المغرب "أمنيستي"، محمد السكتاوي في ندوة بالعاصمة الرباط، استمرار التضييق على عمل المنظمات الحقوقية بالمغرب، من خلال حرمانها من حق الحصول على وصولات التأسيس وتجديد مكاتب فروعها.

وحسب القوانين المؤطرة للعمل الجمعوي بالمغرب، فإنه يجب أن تُقدم كل جمعية تصريحا يتضمن معطيات عن الجمعية سواء عند التأسيس أو تجديد الهيكلة إلى مقر السلطة الإدارية المحلية، وتتسلم عنه وصلا مؤقتا مختوما ومؤرخا في الحال.

وفي 24 يونيو 2022، قال مدير التواصل والمرافعة بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" أحمد رضا بنشمسي، إن المغرب يعرقل عمل المنظمات الحقوقية بطرق "متطورة".

وأوضح بنشمسي، في ندوة دولية نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) بالرباط، أن المغرب استعمل القيود المفروضة لمحاربة انتشار فيروس كورونا، للتضييق على حقوق الإنسان بشكل غير مباشر.

وأضاف أنه خلال العشر سنوات الأخيرة، زاد المغرب من وتيرة التضييق على حقوق الإنسان، مبينا أن "طرق تضييق الدولة على المدافعين على حقوق الإنسان، تخدع وتُعرقل عمل المنظمات الحقوقية الدولية والمعنية بحماية حقوق الإنسان".

وما فتئت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر منظمة حقوقية بالمغرب/ غير حكومية) تنبه لمسلسل التضييق التي تتعرض له سواء على المستوى المركزي أو على مستوى فروعها التي تغطي مدن البلاد.

وفي 21 يونيو 2022، أعلنت الجمعية، أن 74 من فروعها لا تتوفر على وصولات الإيداع، في المقابل حصل 11 فرعا لذات الجمعية على الوصل النهائي.

وأكدت، خلال تقديمها بالرباط للتقرير السنوي حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2021، أن حرمان العديد من فروعها من وصولات الإيداع، "خرق فاضح للقانون"، معتبرة أن "الدولة تمارس حظرا تقنيا على الجمعية فيما يشبه الحظر غير القانوني".

ورأت أن التضييق على الجمعيات عبر حرمانها من حقها في التنظيم، "يعرقل أنشطتها، ويجعلها لا تتلقى أي دعم مادي، ويمس بحقها في عقد شراكات، خاصة مع المؤسسات وفي إطار البرامج الدولية".

وسجل التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن عدم تسليم وصول نهائية، نال منظمات حقوقية أخرى، منها الهيئة المغربية لحقوق الإنسان وبعض فروع العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان.

ونبه التقرير إلى "استمرار حرمان بعض الهيئات من الحق في الوجود القانوني، كالجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، وجمعية "أطاك"، والتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، وجمعية الحرية الآن".

دائرة المنع، حسب ذات التقرير، اتسعت لتشمل حرمان جمعيات محلية وبعض جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ من الوجود القانوني، بدعوى وجود أشخاص غير مرغوب فيهم بسبب انتمائهم السياسي أو الحقوقي.

المغرب ليس جنة 

وفي مقابل انتقاد حقوقيين لتضييق المغرب على عمل المنظمات الحقوقية، دعا عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الحاكم محمد أوجار، إلى تجاوز ما سماه بـ"التوترات" التي تبرز بين الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان والدولة.

وفي 23 يونيو، قال أوجار وهو أيضا وزير سابق لحقوق الإنسان والعدل، إن المغرب "لا يمكن أن يظل أسير توترات تفرزها ضغوط مرحلية، وما ينتج عنها لا يليق ببلدنا وبمساره الديمقراطي الحقوقي".

ورأى في لقاء نظمه "مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان" (مستقل) بالرباط، أن "المغرب ليس جنة ديمقراطية، لكنه في المقابل ليس بالسوء الذي يتصوره البعض".

من جهته، رأى الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) محمد النشناش، أن "زمن معارضة منظمات حقوق الإنسان بالمغرب انتهى".

وأكد النشناش، خلال اللقاء ذاته، أنه "آن الوقت لتغيير المواقف المعارضة للدولة، والاستعاضة عن ذلك باستثمار القوة الاقتراحية للمجتمع المدني لتجسير الحوار مع السلطات العمومية".

وسجل النشناش، أن الدولة غيرت ويجب أن تغير أكثر علاقتها مع المجتمع المدني بما يصب في صالح دعم المصلحة العامة، مبينا أن كل الإجراءات التي يمكن أن تمس حقوق الإنسان، يجب ألا تستمر، لأن ذلك ليس في صالح المغرب.

ونبه النشناش، إلى ضرورة مراجعة جمعيات المجتمع المدني، خاصة المنظمات الحقوقية، لطريقة تعاملها حتى مع المواطنين.

وأردف أنه "لا يمكن لهذه المنظمات أن تظل في بُرجِها العاجي ويجب أن تتواصل مع المواطنين وألّا تكتفي بالاعتماد في التواصل على الندوات النخبوية".

وفي رد رسمي على انتقادات التضييق على المنظمات الحقوقية، أكدت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان (حكومية)، أنه لا يجب اتخاذ موضوع الوصولات المتعلقة بتأسيس الجمعيات "مشجبا أو ذريعة للمظلومية".

وفي 21 فبراير 2022، أكدت المندوبية، في بلاغ لها، أنه من منظور سياسة حقوق الإنسان "يجب ألا يُصبح موضوع الوصولات، مشجبا أو ورقة للمظلومية، ولا مطية لاستغلال سياسوي".

وأعلنت المندوبية، أنها "تُعاين، وجود فراغ بَيِّن على مستوى القانون المنظم للجمعيات"، داعية إلى التفاعل الإيجابي مع المبادرات المقدمة، من قبل السلطات الحكومية حول موضوع الجمعيات. 

وخلصت إلى أن تدبير موضوع الوصولات بات يتطلب إعادة النظر فيه، ضمن رؤية شمولية لموضوع قانون الجمعيات، في ضوء الدستور وما أطلقه من ديناميات مدنية، جمعوية، في أعماق جغرافية المغرب.

تضييق ممنهج

من جانبه، سجل المنسق السابق للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان عبد الرزاق بوغنبور، "تعرض المنظمات الحقوقية الجادة والممانعة والتي ترفض الانبطاح لتضييق متواصل من قبل السلطات المغربية".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه "لا يُسمح للعديد من المنظمات الحقوقية بعقد مؤتمراتها سواء أثناء مرحلة التأسيس أو التجديد"، مبينا أن "السلطات المحلية ترفض تسلُم ملفاتها، وحتى إذا تسلمت الملفات لا تمنح لها وصول الإيداع سواء المؤقتة أو النهائية".

وتابع أن هذه الممارسات، نوع من التضييق يخالف مقتضيات قانون الحريات العامة بالمغرب الذي يؤكد أن السلطات معنية فقط بِعدّ الأوراق والتأكد من مدى مطابقتها للمادة الخامسة من قانون الحريات العامة، ثم بعد ذلك تمنح وصل إيداع مؤقت للفرع أو المكتب المركزي.

ولفت بوغنبور إلى أنه إذا ما تبين للسلطات وجود خلل ما في عملية تأسيس الجمعية، فإن لها الحق في أجل شهرين، أن تلجأ للقضاء لحل الجمعية.

وشدد على أن "القانون يُطبق لصالح الجمعيات الخاصة والتي تُمجد الدولة، في حين أن الجمعيات الحقوقية الممانعة لا يتم التعامل معها بشكل مطلق".

وأردف بالقول: "وهذا ما حدث لمجموعة من الجمعيات الحقوقية من قبيل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، والفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان، والفضاء المغربي لحقوق الإنسان، والهيئة المغربية لحقوق الإنسان".

وأكد المنسق السابق للائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، أن "المس بالحق في التنظيم والتجمع السلمي بدأ منذ سنة 2014 ويستمر إلى الآن".

وأبرز أنه "تم إطلاق مبادرة وطنية للدفاع عن الحق في التنظيم والتجمع السلمي، للرد على التضييق الممنهج الذي لجأت إليه الدولة للضغط على المنظمات الحقوقية من أجل الانبطاح"، مردفا "وهو ما ترفضه المنظمات الحقوقية الجادة والمسؤولة إلى حدود الآن".

وأشار بوغنبور، إلى أن خير مثال على ما تتعرض له المنظمات الحقوقية من تضييق، هو ما تعرضت له أخيرا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، موضحا أن الدولة رفضت في البداية أن ترخص لها بعقد مؤتمرها في مدينة بوزنيقة (قرب العاصمة الرباط).

وتابع أنه بعد إطلاق مبادرة وطنية من أجل الدفاع عن حق الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في التجمع السلمي والحق في التنظيم، سُمح لها بعقد مؤتمرها الوطني في 25 يونيو 2022.

وأطلقت 20 هيئة ومنظمة سياسية وحقوقية ومدنية و10 شخصيات وطنية وازنة، في 7 يونيو 2022، مبادرة تدافع عن حق الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في التجمع السلمي والتنظيم.

وجاءت المبادرة، بهدف اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية الحق في التجمع السلمي والحق في التنظيم للجميع، عبر فرض احترام السلطات للقانون وجعل حد لتعسفاتها والشطط في استعمال السلطة الذي تمارسه.