تونس دولة مسلمة أم بلا دين؟.. هكذا انقلب قيس سعيد حتى على آرائه

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشف الرئيس التونسي قيس سعيد خلال حديث مقتضب لوسائل إعلام محلية في 21 يونيو/ حزيران 2022، أن الإسلام لن يكون "دين الدولة" في الدستور الجديد الذي سيعرض على استفتاء شعبي في 25 يوليو/ تموز 2022.

وفي 20 يونيو، تسلم قيس سعيد مشروع الدستور الجديد من رئيس "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، المكلفة بصياغة الدستور، الصادق بلعيد.

وسبق وأن صرح بلعيد مطلع يونيو، أنه سيعرض على الرئيس سعيد مسودة للدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، بهدف "التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة"، ما أثار جدلا  واسعا في البلاد.

وفي 4 يونيو، انطلقت في تونس جلسات "الحوار الوطني" الذي دعا إليه سعيد تمهيدا لتنظيم استفتاء على دستور جديد، بهدف الخروج من الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، وسط مقاطعة كبيرة من القوى السياسية والنقابية.

يذكر أن دستور عام 2014 حافظ على نفس نص الفصل الأول في دستور عام 1959 الذي سنه المجلس القومي التأسيسي المنتخب مباشرة بعد الاستقلال، وينص على أن " تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".

دين الأمة

لدى حضوره بمطار تونس قرطاج الدولي لتوديع الحجيج التونسيين في أولى رحلاتهم إلى البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج، صباح 21 يونيو، قدم الرئيس سعيد بعض ملامح الدستور الجديد لتونس.

وقال سعيد، إنه لن يكون هناك حديث عن "دولة دينها الإسلام" في الدستور القادم لتونس، وإنما عن "أمة دينها الإسلام"، والأمة مختلفة عن الدولة.

وأضاف للصحفيين، أن "الله قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ولم يقل (كنتم خير دولة)، والدولة هي ذات معنوية كالشركة والمؤسسة العمومية، ولن تمر على الصراط ولن تحاسب لتدخل الجنة أو النار، الأمر يتعلق بالإنسان. والدولة تسعى لتحقيق مقاصد الإسلام والشريعة"، حسب تصوره.

وتابع ادعاءاته بالقول: "أهم شيء هو ألا نشرك بالله أحدا، لكن في ظل الأنظمة الدكتاتورية يصنعون الأصنام ثم يعبدونها، وهو نوع من الشرك والإسلام منهم براء".

من جانبه، أكد بلعيد  وهو أستاذ جامعي متخصص في القانون الدستوري (83 عاما)، أن "ذكر الدين في الفصل الأول من الدستور ليست مسألة مصيرية من حيث تنظيم السلطة في البلاد وهذا الفصل له تبريرات".

وادعى في حديث لقناة "يورونيوز" الناطقة بالعربية، أن "هذا الفصل جاء لفض الجدال في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، بين التقدميين و المحافظين".

وأضاف بلعيد، أن "المسألة الدينية موجودة في توطئة دستور 59، وفي التحوير العميق لدستور 76،  وفي دستور 2014، والذي فيه تأكيد على (إسلامية الشعب التونسي).

ومضى يقول: "الواجبات الإسلامية تهم علاقة الفرد بالإله و ليست تطبيقا للفصل الأول من الدستور. فلا اختلاف على أن التونسيين مسلمون".

تناقض غريب 

في محاضرة حملت عنوان "دينها الإسلام" ، ألقاها أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية حينها، قيس سعيد في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، تطرق الرئيس الحالي في  12 سبتمبر/أيلول 2018 إلى مسألة تحديد العلاقة بين الدين والدولة في تونس وضبط أطرها.

وقال سعيد: "حافظ دستور 2014 على الفصل 1 من دستور 1959، وقد جاء في التقرير العام للدستور المؤرخ في 24 يناير/كانون الثاني 2013 في فقرة المبادئ العامة أنه (بتوافق وطني واضح وبمبادرة تاريخية، تم الاتفاق على الاحتفاظ على الفصل 1 من دستور 1959). ولكن أضيفت لهذا الفصل فقرة ثانية تنص على منع تعديله".

وأضاف، "المجالس بالأمانات ولكن الله وحده يعلم الدور الذي قمت به من أجل الإقناع بضرورة الإبقاء على الفصل 1 من دستور 1959 في دستور 2014".

وأكد سعيد أن "المجلس الوطني التأسيسي أراد وضع حد لهذا الحكم المتعلق بدين الدولة وأن يحسم مسألة المضاف والمضاف إليه، والتأويل الذي يتبناه البعض بأن الضمير المتصل لا يتصل بالدولة وإنما بتونس، وأن الأمر لا يتجاوز مرتبة الإقرار بوضع اجتماعي دون ترتيب أي نتائج قانونية عليه".

ويذكر التونسيون جيدا خلال الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2019 وقبلها بقليل، التصريحات المتكررة لقيس سعيد حول قضية المساواة في الميراث.

حيث عد أن "إلاسلام كان واضحا في هذه المسألة بتحديد طبيعة العلاقات ومسؤولية الزوج والزوجة، والقرآن حسم هذا الموضوع إذ من البديهي أن يتكفل الزوج بتكاليف ومصاريف عائلته كونه كافلها والمسؤول الأول عنها".

وفي إجابته عن سؤال حول قضايا الشذوذ الجنسي، عد سعيد في حوار مع صحيفة الشارع المغاربي نشر بتاريخ 12 يونيو 2019، أن "الشواذ يحصلون على الدعم من الخارج لضرب الأمة وضرب الدولة".

وأضاف في نفس الحديث، "أذكر أن مجموعة من الطلبة منذ 3 سنوات تقريبا طلبت مني أن أتدخل لأن أحد الطلبة الذكور تم إغراؤه بالمال وصار يتزين كما تتزين البنات وتحصل على المال من جهات أجنبية".

ومضى يقول: "يعني أن العملية مقصودة وقيل لي أن بعض المنازل يتم تسويغها من قبل جهات أجنبية، الشواذ موجودون عبر التاريخ ولكن هناك من يسعى إلى أن يكون هناك شذوذ وأن ينتشر هذا الشذوذ الجنسي".  

عودة الجدل 

وفي قراءته للمشهد، رأى الكاتب العام للمجلس النقابي للأئمة وإطارات المساجد التابع للمنظمة التونسية للشغل (مستقلة ذات مرجعية إسلامية) شهاب الدين تليش أن "الهوية العربية الإسلامية كانت واضحة في دستور العام 2014 في التوطئة وفي عدد من الفصول، فبحسب النص كما نفهمه فتونس دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية" .

وأضاف تليش لـ"الاستقلال"، أن "توطئة الدستور ابتدأت ببسم الله الرحمن الرحيم، والفصل الأول الذي نص على أن الإسلام دين الدولة والشعب وكذلك التنصيص على رعاية الدولة للدين في الفصل السادس".

وأردف بالقول: "كما نص الفصل السابع على مفهوم الأسرة كونها  الخلية الأساسية للمجتمع ،وعلى الدولة حمايتها، وتنصيص الفصل 39 على أن الدولة تعمل على تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وانتمائها الوطني وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها".

وأكد تليش وهو أيضا إمام وخطيب الجمعة، "اليوم لا يسعنا إلا التفاعل مع الشأن العام وخاصة الشأن الديني، والتعبير عن خطورة هذا الأمر".

كما أعرب عن خشيته إزاء "حذف المضامين الإسلامية من المنظومة القانونية مثل قانون الأحوال الشخصية أو القانون الجنائي، وكذلك هنالك خشية من رفع الدولة يدها عن رعاية الدين الإسلامي كونها كما يروج شخصية معنوية غير مكلفة بذلك".

وشدد الكاتب العام لنقابة الأئمة على أن "الدساتير لا تكتب بإقصاء طرف دون طرف، بل تكتب للتعبير عن إرادة الشعب، ولتنظيم حياة الشعوب وفق ما لديها من مرجعية توحدها دون أن تفرقها، والحديث عن أن الدستور الجديد كتب لإقصاء طرف معين فهذا يعد مهزلة وهراء". 

وعد تليش أن "من يكتب هذا الدستور الجديد يحملون موقفا أيديولوجيا إقصائيا متطرفا، والبعض منهم يحمل موقفا سلبيا من الدين في حد ذاته، واليوم وإن كنا لا نعلم محتوى هذا الدستور إلا من بعض التسريبات إلا أن ما تسرب لا يبشر بخير" . 

وينتظر أن يصدر قيس سعيد النص النهائي للدستور الجديد يوم 30 يونيو 2022، قبل يومين فقط من انطلاقة الحملة الانتخابية للاستفتاء الذي تشرف عليه هيئة انتخابات عينها بموجب مرسوم يوم 23 مايو/ أيار 2022.