مجلس العدل والمساواة.. جماعة ضغط تركية تنشط في فرنسا وتزعج ماكرون

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في الآونة الأخيرة، بدأت تتحدث تقارير إعلامية عن انزعاج إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جميعة حقوقية يديرها مواطنون من أصل تركي، تدعى "مجلس العدل والمساواة والسلام".

وفي مطلع يونيو/ حزيران 2022، أكدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في الشأن الاستخباراتي، أن هناك تحالفا بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وهذه الجمعية المعنية بشؤون الجالية الإسلامية في فرنسا، لا سيما الأتراك.

ولفتت إلى أن مجلس العدل والمساواة والسلام، المعروف بـ "Cojep" ومقره بمقاطعة ستراسبورغ شرقي فرنسا، كثف أنشطته في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، ما أثار انتباه السلطات. 

تاريخ المؤسسة 

"إنتيليجنس أونلاين" أوضحت أن السلطات تابعت مشاركة أعضاء بمجلس العدل والمساواة والسلام في الانتخابات التشريعية (عقدت في 19 يونيو 2022، وأسفرت عن فقدان ماكرون الأغلبية البرلمانية).

إذ خاض 3 مرشحين من المجلس، يحملون الجنسية التركية أيضا، الانتخابات بصورة مستقلة، وهم: "جلال يلماز"، عن الدائرة الخامسة لإقليم "أين"، و"يالتشين أيفالي"، عن الدائرة الرابعة عشرة في "الرون".

وكذلك "رمضان جالي"، عن الدائرة الخامسة في إقليم "سون ولوار"، لكنهم لم يتمكنوا من دخول البرلمان.

ويرجع الفضل في تأسيس مجلس العدل والمساواة والسلام، إلى التركي "علي جديك أوغلو"، المولود عام 1965 في مدينة أنطاليا التركية.

وهاجر جديك أوغلو واستقر في فرنسا منذ عام 1983، ثم انخرط بنشاط في الحياة النقابية الفرنسية عام 1985. 

بعدها تم اختياره لتولي مناصب مهمة في المنظمات النقابية الإقليمية الرائدة في البلاد. 

وتأثر جديك أوغلو بشدة بطبيعة عمل جمعيات المهاجرين من خلفيات مختلفة، لا سيما الأتراك وحاول العمل على جمعهم وتوحيد أنشطتهم الاجتماعية والثقافية.

وكان من الواضح لديه أنه من الضروري ترك العمل التقليدي، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع السلطات الفرنسية. 

وبادر جديك أوغلو في نهاية الثمانينيات بإنشاء جمعية "الأتراك الشباب" في مدينة بلفور الفرنسية، ونجحت في تحقيق مجموعة من النتائج الجيدة في العمل الاجتماعي والنقابي. 

وفي عام 1993 اندمجت الجمعية مع عدد من الاتحادات التركية الصغيرة على الأراضي الفرنسية، وتجمعوا تحت اسم "COJEP" اختصارا لـ "مجلس العدل والمساواة والسلام". 

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح أحد الأنشطة الرئيسة لـ "COJEP "France هو تنظيم المعسكرات والإقامة وأنشطة الطلاب في العطلات. 

وشهد هذا النشاط مرور آلاف الشباب الأتراك داخل المجلس، حيث نجح في الحفاظ على هويتهم التركية وتعميق دورهم إزاءها.

لكن كانت هناك إشكالية تواجه عمل المجلس، إذ كان منغلقا إلى حد ما غير منفتح على الخارج. 

وفي عام 1998 ، قطع جديك أوغلو  الطريقة التقليدية واختار الانفتاح على الخارج والاشتباك مع الحركات السياسية والمجتمعية، مع القدرة على رسم مسار خاص بالمؤسسة. 

حيث أدرك جديك أوغلو أن الناس من تركيا اختاروا الاستقرار بشكل دائم في فرنسا، وشارك هذه الملاحظة مع من حوله، وأقر أنه لا بد أن يلعب دورا رئيسا في هذا الوضع من الآن فصاعدا.

فترة التوسع 

حينها أصبحت المشاركة الديمقراطية ونتائجها الطبيعية مثل التحركات الفعالة، وإطلاق حملات تدعو إلى قيم المساواة في الحقوق ومكافحة التمييز والمواطنة، من أولويات "مجلس العدل والمساواة والسلام".

وفي عام 2003 ، حدثت نقلة أخرى للمجلس، حيث أنشأ "جديك أوغلو" فرع "COJEP International"، لينقل المسؤوليات على المستوى الوطني للتنسيقات الإقليمية بين الأتراك في أوروبا. 

وعلى مستوى الهيكل، أعطى الحق للأعضاء النشطين منذ 25 عاما، والذين كانوا حاضرين في جميع مراحل تطور الحركة، أن يشكلوا المجلس الرئاسي للجمعية. 

في الوقت نفسه انضم كثير من الشباب إلى الحركة، وبفضل هذا تقدمت بسرعة أكبر نحو أهدافها. 

وولدت هياكل جديدة في مجالات مختلفة ومتنوعة مثل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، استطاعت أن تثبت نفسها كواجهة للأتراك في فرنسا. 

وأصبح لها كذلك وضع راسخ وجيد في بلدان أوروبا الغربية، ثم اتجهت نحو الشرق وتمركزت في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط وأوراسيا.

ومنذ عام 2010 تميزت هذه الفترة بتنفيذ العديد من الأنشطة مع الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، واليونسكو.

وبفضل هذا العمل، بنى "مجلس العدل والسلام والمساواة" علاقات دبلوماسية ودولية متينة. 

تلك القوة للمجلس دفعت قناة "تي آر تي" التركية الرسمية إلى إنتاج فيلم وثائقي عن المؤسسة وعن دورها في احتواء أتراك فرنسا. 

روابط وثيقة 

وترتبط هذه الجمعية غير الحكومية التي ترفع شعار "تعزيز عدالة السلام والحقوق والحريات والديمقراطية"، بعلاقات قوية مع "حزب العدالة والتنمية" التركي، بقيادة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان. 

كما يعمل السكرتير العام للمجلس جلال يلماز، الذي شغل منصب المستشار السابق لمدينة "نانتوا" شرق فرنسا، جنبا إلى جنب مع مؤسس الجمعية "علي جديك أوغلو". 

والأخير تربطه صداقة منذ فترة طويلة مع وزير الخارجية التركي، العضو المؤسس في حزب العدالة والتنمية، مولود تشاووش أوغلو.

وساهم "مجلس العدل والسلام والمساواة" في تعضيد رواية الدولة التركية داخل فرنسا من خلال الرفض الكامل لسردية "الإبادة الجماعية للأرمن"، وأصبح بمثابة جماعة ضغط تواجه القوى المعادية للأتراك هناك. 

وفي عام 2017 أسس "جديك أوغلو" حزب المساواة والعدالة الفرنسي (PEJ)، من رحم المجلس، وقدم حوالي 50 مرشحا في الانتخابات التشريعية لنفس العام، قبل أن يحل الحزب في أكتوبر/ تشرين الأول 2021. 

واتهم مكتب المدعي العام في باريس، يلماز (سكرتير المجلس) عام 2018 بـ "التحريض على الكراهية"، حيث أظهر قدرته على حشد الناس إلى جانبه.

وذلك عندما تمكن في يناير/ كانون الثاني من نفس العام، وفي غضون دقائق قليلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من حشد 100 تركي لمواجهة مظاهرة مؤيدة لحزب العمال الكردستاني أمام قنصلية أنقرة في مدينة ليون الفرنسية.

وتصنف تركيا حزب العمال الكردستاني صاحب الأجندة الانفصالية "تنظيما إرهابيا"، لضلوعه في عمليات مسلحة استهدفت آلاف الأبرياء على مدار عقود داخل البلاد.

يذكر أنه في عام 2010، ترسخت المشاركة بين "مجلس العدل والسلام والمساواة"، و"حزب العدالة والتنمية" إلى درجة كبيرة. 

وظهر ذلك في الانتخابات التشريعية الفرنسية من خلال الدفع بالأعضاء الحاصلين على الجنسية التركية للترشح. 

وقتها دعا أردوغان (رئيس الوزراء آنذاك) من ساحة زينيت في باريس، الأتراك الحاصلين على الجنسية الفرنسية إلى المشاركة في الانتخابات، ليصبح المجلس بالفعل بمثابة قوة ضغط تركية في أوروبا. 

كما انخرط قطاع منه في "اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين"، الذي أنشأه حزب العدالة والتنمية في بروكسل عام 2003 لدعم ترشيح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. 

ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الكيان المرجع الأساسي والنموذج للعديد من الأحزاب الصغيرة المقربة من حزب العدالة والتنمية.

مثل حزب (Be.one) في بلجيكا، وحزب القانون "متعدد الثقافات (Multicultural Recht Partij)" في هولندا، و"التحالف من أجل الابتكار والعدالة (Bündnis für Innovation und Gerechtigkeit)" في ألمانيا.

700 ألف تركي 

وما يدلل على مدى العمق التركي في فرنسا، تأكيد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، أن فرنسا تحتضن نحو 700 ألف تركي ما بين مقيم أو فرنسي من أصل تركي. 

وكان الرئيس ماكرون قد تحدث في يونيو/ حزيران 2020، عن تمويلات ضخمة من قبل تركيا للمساجد والهيئات الإسلامية في البلاد وصلت إلى 35 مليون يورو في عام واحد. 

وذكر أن الحكومة التركية تدعم نحو 300 مسجد في فرنسا من خلال الاتحاد التركي الإسلامي التابع لرئاسة الشؤون الدينية.

إضافة إلى 300 جمعية إسلامية من خلال حركة "مللي غوروش"، التي تضم في صفوفها 100 ألف عضو ناشط في عموم أوروبا، نصفهم في ألمانيا وحدها، وفقا لتقديرات نشرتها السلطات الألمانية نهاية 2021. 

وعززت تركيا عمقها في فرنسا من خلال "مجلس العدل والسلام والمساواة" الذي يوازي النشاط الديني للحركات التركية، بالنشاط السياسي والاجتماعي. 

وعندما سأل السيناتور الفرنسي "بيير أوزولياس" في أبريل/ نيسان 2019، وزير الدولة للشؤون الداخلية في فرنسا، لوران نونيز عن "محاولات الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية للتدخل في الانتخابات البلدية"، عبر "مجلس العدل والسلام والمساواة".

أجاب الأخير بأن الدعم من حزب سياسي أجنبي (يقصد حزب العدالة والتنمية)، لا ينبغي أن يكون سببا لمنع أحد من الترشح للانتخابات.

يذكر أن المجلس دخل في مواجهة ضد المرشحة الرئاسية اليمينية المتطرفة ماريان لوبان المعروفة بعدائها للإسلام والمهاجرين، بعدما أصدرت تصريحات تطاولت فيها على شخص الرئيس أردوغان، ومؤسسات وأشخاص من أصول تركية موجودين في فرنسا.

ليرد عليها المجلس في 25 مايو/ أيار 2018 ببيان استهجن فيه تصريحاتها ضد جمعيات، ومؤسسات صحفية، وكيانات سياسية تنشط في فرنسا، وتمثل ثقافات مختلفة"، مؤكدا أن لوبان "نموذج صارخ للعدوانية".