بمواجهة شذوذ نتفلكس وديزني.. لماذا لا ينتج العرب أعمالا فنية للأطفال؟

محمد السهيلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تثار تساؤلات عن أسباب ضعف الإنتاج الفني العربي الخاص بالأطفال، في وقت ينتاب فيه القلق ملايين الأسر العربية على أبنائها من خطورة ما يقدمه صناع المحتوى الغربيون.

وشهدت السنوات الأخيرة طفرة غربية في تقديم أفلام كارتون وألعاب تحمل أفكارا شاذة، وتوجهات تخالف الفطرة البشرية وعادات وتقاليد المنطقة العربية التي يعد الإسلام دين الأغلبية فيها.

وتواجه المجتمعات العربية والإسلامية حملة غربية شرسة وممنهجة لنشر الشذوذ والإلحاد، وصلت حد الترويج لتلك التوجهات عبر دراما الكبار وأفلام كارتون الأطفال.

وتنتج تلك الأعمال شركات عالمية مثل "والت ديزني" و"نتفلكس" الأميركيتين بجانب ما تحتويه الألعاب الإلكترونية من عنف وشذوذ وأفكار صادمة.

الحالة الأحدث في هذا الإطار، تمثلت بتقديم "ديزني" شخصيات شاذة جنسيا بفيلم "لايتيير"، للأطفال، والذي عرض بأميركا في 17 يونيو/حزيران 2022، ثم كندا.

و"لايتيير" يدور حول رائد الفضاء "بوز" الذي يحاول العودة للأرض برفقة طاقمه عبر سفينة فضائية ويواجه صعوبات. ويعرض الفيلم مشهدا لقبلة بين شابين شاذين جنسيا.

اللافت هنا، أن شخصية "بوز" شهيرة بعالم "ديزني" والعالم العربي والإسلامي وأعجب بها الكثير من الأطفال، خاصة فيلم "حكاية لعبة"، الفائز بجائزة "أوسكار" عام 2020.

وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أكدت  في 16 يونيو أن 14 دولة هي: البحرين، ومصر، وإندونيسيا، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وماليزيا، وعمان، وقطر، والسعودية، وسوريا، والإمارات، وفلسطين، منعت عرض الفيلم.

الوكالة أكدت أن مقاطعة الفيلم الذي تتعاون فيه "ديزني" وشركة "بيكسار" وتبلغ تكلفته 200 مليون دولار، تمثل خسارة مالية كبيرة.

وأشارت إلى أن المحللين قدروا إجمالي دخل عرض الفيلم بأسبوعه الأول بأكثر من 100 مليون دولار، ومع ذلك تصر "ديزني" على عدم حذف المشهد.

فكرة الاعتياد

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي العربية رفض ناشطون هذا التوجه من الشركة، محذرين من محاولاتها هي والمنصات العالمية الأخرى لعرض وإنتاج الأفلام والمسلسلات ومحتوى الأطفال تمرير رسائل وأفكار خطيرة على الشباب والنشء تهدد العالم الإسلامي.

الداعية الفلسطيني جهاد حلس، كتب عبر تويتر: "مخيف جدا حد الرعب ما يحصل في العالم من انحطاط وسقوط"، متسائلا: "من كان يتخيل أن يبعث قوم لوط، وتسخر لهم الإمكانيات، وتطوع تحت أيديهم القوانين، حتى تظن أنهم يحكمون العالم؟".

وحذرت استشاري الطب الجنسي هبة قطب، الأسر العربية من مشاهدة الأطفال لأفلام الكارتون والألعاب ذات المحتوى المروج للشذوذ.

وقالت لفضائية "إم بي سي مصر" في 13 يونيو إن مشاهدة الطفل لهذه الأفلام قد يكون سببا في تحوله الجنسي بسبب "فكرة الاعتياد".

قطب ذكرت أن التقارير الأميركية حول الظاهرة يجري حجبها، لافتة إلى أن "95 بالمئة من الذكور يتعرضون للتحرش الجنسي هناك، و3 بالمئة منهم يكملون بهذا الطريق، وأكثر من 97 بالمئة من الشواذ يزورون أطباء نفسيين، و 92 بالمئة من الشواذ يحاولون الانتحار خلال 5 سنوات".

وفي أول رد فعل عملي، أعلن الممثل المصري أحمد أمين، عن مشروع فيلم كارتون للأطفال من إنتاجه.

وأشار عبر "فيسبوك" إلى القلق الذي ينتاب العرب من المحتوى الغربي، مؤكدا أن مشروعه تأجل كثيرا وأنه حان وقته، ودعا الجهات الإنتاجية والفنانين للانضمام إليه.

المثير هنا، والذي يؤكد أن هناك حملة ممنهجة لنشر الشذوذ بالمجتمعات العربية والإسلامية، أن استوديوهات "ديزني" وغيرها كانت تراقب سابقا إنتاجها وتقص الأفلام عند توزيع المحتوى للشرق الأوسط.

إلا أنها أخيرا تجاهلت تلك المهمة وتصر على تصدير مشاهد الشذوذ، وهو ما عبرت عنه منتجة الفيلم جالين سوسمان.

وقالت سوسمان في 13 يونيو لوكالة "رويترز" البريطانية: "لن نقص أي شيء"، لافتة إلى رفض صناع الفيلم طلب الصين بإجراء تعديلات عليه، ما يدفع بكين أيضا لمنع عرضه.

"ديزني" رفضت طلبا ماليزيا مماثلا بالامتثال للتعليمات مما دفعها لإلغاء العرض، وفق ما أعلنت الرقابة على الأفلام بكوالالمبور في 19 يونيو.

وفي رد فعل مهين لرافضي الفيلم، وصف الممثل الأميركي كريس إيفانز، منتقدي مشهد التقبيل بـ"الحمقى"، وفق ما نقلته "فوكس نيوز" في 19 يونيو.

وفي 29 مارس/آذار 2022، وفي تحد من الشركة الأميركية لإرادة المجتمعات العربية ورافضي الشذوذ بالعالم، أعلنت مديرة "ديزني" كايتي بيرك، أن الشركة ستدعم وتروج من الآن فصاعدا لتلك القضايا.

وأكدت أنها أم لطفلين "أحدهما متحول جنسيا والثاني ثنائي الجنس".

محاولات وردود

هذه المرة ليست الأولى التي يحظر فيها عرض أفلام "ديزني"، إذ منعت دول عربية في مارس 2022، فيلم  "دكتور سترينج في الأكوان المتعددة من الجنون"، لما تضمنه من توجهات تدعو وتروج للشذوذ، لكن الإمارات لاحقا رفعت الحظر عنه، وصنفته (21+).

إندونيسيا، ومصر، وماليزيا، منعت كذلك عرض فيلم الرسوم المتحركة "حكاية لعبة" الذي نال جزؤه الرابع جائزة الأوسكار 2020، وحقق إيرادات تخطت مليار دولار.

الإمارات، والسعودية، والكويت، وقطر، منعت فيلم "الأبديون"، وحظرت أفلام "قصة الحي الغربي" بأغلب البلدان العربية لإدراجها شخصيات متحولة وشاذة جنسيا.

أفلام الكارتون، ليست الأمر الوحيد الذي يمثل انتهاكا لحقوق الأطفال العرب في الحفاظ على دينهم وهوياتهم وثقافة مجتمعاتهم، بل امتد الأمر إلى الألعاب الإلكترونية.

وفي العام 2019، أثارت لعبة "بابجي"، الحربية الأوسع انتشارا بالمنطقة، منذ صدورها في 2017، كونها مجانية، المخاوف من تبني الأطفال العنف والقتل والإقدام على الانتحار كونها تقوم على مبدأ البقاء للأقوى، ما دفع السعودية، والأردن، والعراق، ولبنان، وإندونيسيا، لحظرها.

وفي 29 يونيو 2021، حذر الأزهر الشريف من لعبة "فورتنايت" الإلكترونية لاحتوائها على تجسيد لهدم الكعبة المشرفة.

 ليتابع تحذيره في فبراير/ شباط 2020 من "كسارة الجمجمة"، ثم من "بابجي" في يونيو 2020، ولعبة "كونكر" سبتمبر/أيلول 2021.

من جانبها حرمت دار الإفتاء المصرية في أبريل/نيسان 2018 لعبة "الحوت الأزرق"، لتضيف في 2019 لعبة "مومو"، ثم "ألعاب البوكيمون"، كألعاب محرمة نظرا لخطورتها على الأطفال.

وتشهد المنطقة العربية ظهورا مثيرا لأصوات تدعو للشذوذ من آن لآخر، كان أكثرها فجاجة عرض المخرجة التونسية آسيا الجعايبي مطلع يونيو 2022، مسرحية "تلبس بجريمة" التي تتناول الشذوذ في تونس التي ترفض قوانينها هذا الجرم.

وفي السياق، أثار فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي عرضته شبكة "نتفلكس في 20 يناير/كانون الثاني 2022، الغضب بالشارع العربي نظرا لما طرحه العمل من حديث عن الشذوذ الجنسي، في ترويج مثير لأهداف الشبكة العالمية لأول مرة باللغة العربية.

وفي الثاني من يونيو 2022، نشرت السفارة الأميركية بالكويت عبر "تويتر"، رسالة دعم من الرئيس جو بايدن، للشاذين جنسيا مرفقة بعلمهم الذي يحمل 6 ألوان من ألوان قوس قزح السبعة.

وهو ما قابلته الكويت برد فعل حاسم، واستدعاء القائم بأعمال السفارة الأميركية جيم هولتسنايدر، احتجاجا على التغريدة.

وفي مقال له بـ"الجزيرة مباشر" 29 مايو 2022، بعنوان: "توفير البديل لا العويل"، كتب الأكاديمي السوداني خالد محمد محمداني، أن "ما يقدم للأطفال إغراق شامل للثقافة الغربية التي تشكل الحضور الأكبر على شبكة الإنترنت".

ولفت إلى أن الإنترنت "أوجد طفلا هشا في بنيته الفكرية، ضعيفا في تفاعله مع المجتمع، بعيدا عن ساحة التنافس المدرسي، وما تقدمه المواقع العربية والإسلامية للأطفال يمثل حالة من البؤس الشديد في عرض المادة ومحتواها"، داعيا صانعي المحتوى العربي لتوفير البديل.

وفي تعليقها، قالت الخبيرة الإعلامية آمال علام، لموقع "الأسبوع" المصري المحلي، في 13 يونيو 2022، إن الحديث عن تحويل الشخصيات الكارتونية إلى شاذة، " قديم خطط له منذ زمن، لكن بدأ يدخل حيز التنفيذ".

أوضحت أنه "عام 2008 بدأت عملية نشر حقوق المثليين بالوطن العربي عبر مؤسسات دولية"، مشيرة لمحاولات "نتفلكس" و"ديزني"، والدعم الغربي والتمويل الأجنبي لترويج الشذوذ بالعالم العربي.

وحذرت من أن "القادم طوفان" إذا لم ننتبه لخطورة ما يجري التجهيز له.

الإنتاج العربي

وفي رؤيته لأسباب ضعف الإنتاج العربي من محتوى الأطفال وأفلام الكارتون قال رئيس "هيئة قصور الثقافة" الأسبق في مصر الأديب سعد عبدالرحمن: "الأسباب كثيرة؛ وتتقاسمها الدولة مع المنتجين من الأفراد والمؤسسات الأهلية المعنية، لكن الدولة تتحمل الوزر الأكبر في المسؤولية".

وأضاف لـ"الاستقلال": "وبرغم كل الطنطنطة (الحديث) عن الاهتمام بثقافة الطفل فإن الواقع يكذب ذلك، ولو ألقيت نظرة على المركز القومي للطفل (حكومي) مثلا ستصاب بصدمة شديدة من هزال ميزانيته".

وتابع: "يضاف إلى ذلك أن وزارة الثقافة لا تمتلك مع الأسف إستراتيجية بخصوص أنشطة قطاعاتها التي تعمل بمجال ثقافة الطفل، ولذلك تتقاطع أنشطة تلك القطاعات ولا تتكامل".

ولفت عبدالرحمن، إلى أنه "ومن قبل هذا وبعده هناك نظرة دونية إلى الكتابة للأطفال، والدليل أن نقاد الأدب حتى الآن عندما يكتبون ويتحدثون عن شاعرية أحمد شوقي مثلا ينحصر حديثهم وكتابتهم في شعره للكبار ومسرحياته، ولا يلتفتون إلى شعره للأطفال وكأنه إبداع درجة ثانية".

وأكد أنه "وحتى الآن أيضا؛ لا تجد بجوائز الدولة الكبيرة جائزة مخصصة للكتابة للأطفال، ولك أن تتساءل كم كاتبا متخصصا بذلك".

وقال الأديب والمسؤول المصري السابق: "إذا كان هذا بمجال الكتابة؛ فما بالك بالإنتاج الفني الذي يحتاج ميزانيات كبيرة لتمويل الأعمال الفنية الموجهة للطفل".

بالإضافة إلى أن كثيرين من المشتغلين بهذا المجال كرجال الأعمال يفضلون الاستيراد على التصنيع لأن ذلك أسهل لهم وأكثر ربحا.

وفي رؤيته أرجع مدير "دار مبدعون للنشر والتوزيع‏" الكاتب الصحفي رأفت صلاح الدين، أسباب ضعف إنتاج محتوى الأطفال العربي، لعدة أسباب، أولها أن "المسيطر على عالم الإنتاج الفني هم العلمانيون".

وأضاف لـ"الاستقلال": "وبالتالي فلا يمثل لهم المحتوى الهادف للأطفال قضية أو مبدأ، بل على العكس، هم يعدونه محتوى متخلفا، كما أن الإنتاج الإلكتروني بصفة عامة غير مربح، وبالتالي لا يميلون إليه".

وأشار إلى "التكلفة المالية المرتفعة لإنتاج الكارتون مع عدم توفر دعم مالي، وضعف المستوى الفني والمهني لمحتوى الكارتون العربي مقارنة بالغربي، وخاصة (والت ديزني) وكذلك الياباني".

وألمح إلى "عدم انشغال المنتجين بتقديم محتوى تربوي وأخلاقي"، لافتا إلى "ظهور تجارب إنتاجية لمؤسسات فنية إسلامية ولكنها لم تتوسع ولم تتطور".

وتحدث عن "تهميش وإهمال وسائل الإعلام العربية لأي كارتون يبث مبادئ إسلامية، والاستغناء عنه بعرض محتوى سطحي مبتذل".

صلاح الدين أكد أن "السبب الرئيس لعدم اهتمام الدول والمنتجين والفنانين هي الخلفية الأيديولوجية في المقام الأول.

وأيضا بين أن العلمانيين يؤيدون ويتعاطفون مع الشذوذ والشواذ مرتكبي فعل قوم لوط فالقضية لا تمثل لهم هاجسا، ولولا خشيتهم من الغضب الشعبي لسمحوا بعرضه.

وأوضح أن "التكلفة الإنتاجية عالية والعائد ضعيف"، لافتا إلى عنصر ضعف المستوى الفني، ما يجعل الكارتون الغربي والياباني أكثر إبهارا وجاذبية وإمتاعا للأطفال والكبار.

وأكد أن "هذا لا يمنع من تشجيع أي محاولة ودعمها ومؤازرتها"، مضيفا أنه "من المهم تشجيع المؤسسات الفنية على إنتاج محتوى هادف متقن جذاب".

ويعتقد أن "تجربة الفنان أحمد أمين لن تكتمل للأسباب السابقة، مع مواجهته أكيدا بمعوقات من قبل أعداء الأخلاق في عالمنا".