لا تستهدف الإيغور فقط.. السعودية تحول مكة إلى "كمين" لمعارضي الأنظمة

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع اقتراب موسم الحج، انتشرت دعوات منظمات حقوقية وإسلامية تنتقد مساعي النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان لتسييس موسم الحج واستخدامه كرشوة لمن يتودد له، وأداة لعقاب أي معارض.

وتزامنا مع إعلان وزارة الحج والعمرة السعودية وصول نحو 150 ألف حاج من عدة جنسيات، عبر المنافذ الجوية والبرية لأداء فريضة الحج، كثف ناشطون تفاعلهم مع انطلاق حملة إلكترونية مناهضة لمضايقة واعتقال الحجاج والمعتمرين.

حملة #الحج_ليس_آمنا، أطلقها علماء ودعاة وناشطون في 16 يونيو/ حزيران 2022، وما زالت مستمرة، رفضا لتسييس النظام السعودي لشعائر الحج والعمرة، واستخدامهما كأدوات للقمع ووسيلة لتصفية الخصوم، وطريقة لدعم أنظمة قمعية.

وكان لافتا انتشار هاشتاغ الحملة بقوة في عدة بلدان عربية، وشارك عبره كثيرون ممارسات يقوم بها نظام ابن سلمان لاستغلال موسم الحج في أغراض غير دينية، كما رصدت صحف غربية عدة وقائع لهذا التسييس.

تسييس الحج

ورصدت "منظمة سند الحقوقية" مقرها لندن، ست وسائل تقوم بموجبها السلطات السعودية بتسييس موسم الحج هي: منع معارضي ومنتقدي النظام السعودي في الداخل والخارج من الحج، واعتقال ضيوف الرحمن بسبب قناعاتهم السياسية.

إضافة إلى تسليم حجاج إلي أنظمة قمعية واستبدادية مثل الصين، وتسييس منبر الحج لتحويله لأداه لتلميع النظام السعودي، ومنح تأشيرات الحج وفق مصالح سياسية، و"تسليع" الحج ليكون أحد وسائل التربح المادي للسلطة.

وتحت عنوان "الحج ليس بأمان" أطلقت "سند" حملة حقوقية بالتعاون مع عدة منظمات وجمعيات ومؤسسات وشخصيات عامة يوم 16 يونيو 2022، لتسليط الضوء على الانتهاكات بحق الحجاج والمعتمرين.

وأوضحت الحملة، أنها تأتي ردا على الانتهاكات المتكررة والمستمرة التي ترتكبها السلطات السعودية، مثل منع العديد من المسلمين من أداء مناسك الحج أو العمرة لممارسة حقهم في حرية التعبير، وكذا اعتقال حجاج. 

وأصدرت الحملة بيانا مشتركا أشارت فيه إلى أن "الحكومة السعودية تسيس بإصرار وبشكل متكرر الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وجعلت الحج والعمرة أداة للقمع، ووسيلة للقضاء على المعارضين، ودعم الأنظمة الاستبدادية".

وجاء في البيان أن الحكومة السعودية منعت عددا من الحجاج من دول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى، بالإضافة إلى العديد من العلماء والدعاة والناشطين والمفكرين المسلمين، من أداء مناسك الحج أو العمرة. 

وتابعت: "ذلك بعد مواقف معينة من النظام السعودي، أو بسبب المواقف السياسية والآراء الأيديولوجية لهؤلاء الناس".

وأكد الموقعون على بيان الحملة رفضهم القاطع لهذه الانتهاكات التي يمارسها النظام السعودي، مناشدين جميع الهيئات الإسلامية والمنظمات منع أي ضرر يلحق بزوار الأماكن المقدسة، وإدراج حقوق الحجاج ضمن لائحة الحقوق ومعايير الشفافية.

وفي السياق، انتقدت صفحات تواصل سعودية ما قالت إنه استخدام سياسي للمناسك بعد أن تم منح القيادي المسيحي الماروني اللبناني قائد قوات الكتائب سمير جعجع 300 تأشيرة حج ليوزعها على من يحب، بينما يجري حرمان الآلاف من الحج.

وتساءل حساب "نحو الحرية" الحقوقي، ما معنى أن يحرم الآلاف من المسلمين من الحج، بينما يمنح سمير جعجع وهو سياسي لبناني مسيحي 300 تأشيرة ليوزعها على من يحب؟؟ أليس هذا استخداما سياسيا للمناسك؟

وفي عام 2018 اعترف القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان، وليد البخاري، بتقديم منح للحج لسمير جعجع خلال إطلاقه مبادرة إنسانية بعنوان "أمنية" حيث قال: "المملكة منحت 25 تأشيرة حج لحزب القوات اللبنانية" الماروني المسيحي!

وتبلغ حصة لبنان الرسمية من تأشيرات الحج 4 آلاف تأشيرة، يضاف إليها، "تأشيرات المجاملة والاستثناءات"، كما يقول مدير "هيئة رعاية شؤون الحج والعمرة"، إبراهيم عيتاني، لموقع "الحرة" الأميركي في 17 يونيو 2022.

اعتقال وقمع

من جانبه، ذكرت منظمة "ميدل إيست مونيتور" الرقابية (مقرها لندن) في 17 يونيو 2022، أن "السعودية متهمة بتسييس الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتجعل من الحج والعمرة أداة قمع، ووسيلة للقضاء على المعارضين، ودعم أنظمة استبدادية".

وضربت مثالا بأقلية الإيغور المسلمة التي قالت إنها تتصدر قائمة الجماعات التي تستهدفها الحكومة السعودية خلال موسم الحج، حيث يتم اعتقالهم عندما يصلون من بلدان الشتات لأداء فريضة الحج، والعديد منهم سلموا إلى السلطات الصينية.

وكانت قد نقلت قناة "سي إن إن" الأميركية في 8 يونيو 2021 عن الناشط الحقوقي الإيغوري عبد الولي أيوب قوله: "عار على الحكومة السعودية ما تفعله معنا".

وأضاف: "إذا كانوا لا يريدوننا أن نأتي لأداء فريضة الحج، لماذا لا يقولون لا نريدكم هنا؟ لماذا يساعدون الصين في القبض علينا وتعذيبنا؟".

وفي 24 مارس/آذار 2022، اتهمت مجلة "تايم" الأميركية، السعودية بتحويل هذه الفريضة إلى "فخ" تستخدمه بالتعاون مع المخابرات الصينية، لاعتقال المسلمين الإيغور القادمين للحج والعمرة من كل أنحاء العالم.

واتهمت المجلة، العالم العربي بأنه ليس صامتا فقط بشأن القمع الصيني للإيغور. بل إنه متواطئ حيث يقوم بتسليم مسلمين هاربين من بطش الصين إلي بكين حين يذهبون للحج أو للأزهر للدراسة.

وكشفت عن معلومات موثقة تبين ذلك، تشير إلى أن الصين القمعية تسلمت ما لا يقل عن 1327 شخصا من 20 دولة حول العالم غالبيتها من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، خصوصا مصر والسعودية، وإيداعهم سجونها.

وفي 24 مارس/ آذار 2022، قالت وكالة فرانس برس، إن ناشطين حذروا المسلمين الإيغور من مخاطر السفر إلى السعودية لأداء فريضة الحج، لأنه قد يتم اعتقالهم وترحيلهم إلى معسكرات الصين.

وأشارت إلى أنه تم توثيق حوالي 30 حالة تسليم الإيغور إلى الصين من ثلاث دول إسلامية، من ضمنها السعودية.

وفي أول ديسمبر/ كانون الأول 2021، ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن السعودية تستغل ملف الحج كورقة ضغط في سياستها الخارجية، مشيرة إلى تهديد لإندونيسيا بتقييد سفر حجاجها إلى مكة إذا لم تتفق مع سياسات المملكة.

وجاء الابتزاز بورقة حجاج إندونيسيا ضمن سعي السعودية للضغط على الدول الإسلامية كي لا تصوت على قرار للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 يدين انتهاكات السعودية في اليمن.

وذكرت الغارديان أن الرياض حذرت إندونيسيا، من أنها ستخلق عقبات أمام سفر الإندونيسيين إلى مكة إذا لم يصوت المسؤولون ضد القرار ما اضطرها و6 دول للامتناع عن التصويت، وسقوط قرار إدانة السعودية بأغلبية 21 ضد 18.

بطش متواصل

وتكررت منذ عام 2017 مناشدات مسلمي الصين من أقلية الإيغور الذين يقيمون في دول عربية هربا من بطش حكومتهم، بعدم تسليمهم إلى بكين، ولكن دون جدوى.

وأكد حساب "نحو الحرية" الحقوقي في 18 يونيو 2022، أن ابن سلمان يسلم المعتمرين للصين!

وكشف شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية في 25 أبريل/ نيسان 2022، تقديم حكومة بكين "هدايا" للأنظمة العربية على هيئة مشروعات ونفوذ اقتصادي بما يجعلها لا تتعاطف مع أزمة الإيغور.

وأكدت أن السلطات الصينية في سبيل قمع أقلية الإيغور المسلمة، تكثف التعاون مع حكومات دول عربية، مثل السعودية ومصر والإمارات، سواء لاعتقالهم أو تعاون العرب في الدفاع عن الصين ضد الانتقادات الدولية بشأن اضطهاد مسلميها.

كما أصدر "معهد كيسنجر للشؤون الصينية الأميركية"، دراسة مطلع 2022، بعنوان "سور الصلب العظيم" كشفت تفاصيل غير مسبوقة عن حجم تواطؤ حكومات عربية مع الصين لترحيل الإيغور.

وبينت الدراسة أنه جرى اعتقال أو تسليم أكثر من 1500 من الإيغور بالدول العربية، أو إجبارهم على العودة إلى الصين ليواجهوا الاعتقال والتعذيب.

ولفتت إلى أن بكين استهدفت أكثر من 5500 من الإيغور خارج الصين بدول عربية وشرق أوسطية بهجمات سيبرانية للتجسس عليهم وتهديد أفراد عائلاتهم المقيمين في الداخل، بتواطؤ حكومات عربية أيضا.

من جانبها، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية في أبريل 2021، أن الصين تعقبت مئات الأويغور في جميع أنحاء العالم، مما أجبرهم على العودة ومواجهة الاضطهاد، وفي كثير من الحالات "من المستحيل معرفة ما حدث" لهم.

وأشارت إلى عمليات تسليم لمسلمين صينيين من دول إسلامية ما أثار غضب مسلمي الصين وانتقادات للحكومات الاستبدادية العربية التي سلمتهم.

ومن المفارقات التي رصدها محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، "تسفي بارئيل" في 16 أغسطس/آب 2019، أن أكثر المستفيدين من موسم الحج بعد الحكومة السعودية هي الشركات الصينية في إطار تعاونها مع الرياض.

وأوضح أن بكين توفر معظم الهدايا وألعاب الأطفال والأجهزة الكهربائية الرائجة في البقاع المقدسة التي يشتريها الحجاج، ومع هذا فهي تقمع المسلمين وتتبادل المعلومات الأمنية عن حجاجها في السعودية وتطلب اعتقال المطلوبين منهم.

بيانات الحجاج

الأكثر غرابة هو تورط السلطات السعودية في تسليم بيانات الحجاج المسلمين، ومنهم الهنود، إلى شركة هندوسية معادية يديرها متطرف مقرب من الحزب الهندوسي الحاكم بهاراتيا جاناتا.

وكشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 9 يونيو 2022 أن قاعدة بيانات بوابة "المطوف" السعودية تعرضت للاختراق، ويتلقى الحجاج المسجلون رسائل إلكترونية غير مرغوب فيها، ولم يتم تحديد البيانات التي تم تسريبها".

وأوضح الموقع أن السعودية تعاقدت مع شركة هندية مرتبطة برئيس الوزراء ناريندرا مودي، لإدارة بوابة "المطوف"، في صفقة لها عائد مالي كبير لأعضاء حزب بهاراتيا، الذين يقودون حملات كراهية ضد الإسلام. 

كما أكدت أن الهندي "براشان براكاش" الذي تعاقدت معه الحكومة السعودية لإدارة البوابة الإلكترونية، له استثمارات عديدة في الشركات الناشئة الإسرائيلية منذ فترة طويلة.

ولفتت إلى أن البيانات الشخصية للحجاج الذين قدموا طلبات عبر بوابة المطوف، أصبحت بالتالي في الأيدي الخطأ، حيث تذهب هذه المعلومات الحساسة عبر شركات تابعة لسياسيين هنود متهمين باضطهاد المسلمين في الهند.

ونقل الموقع البريطاني عن عدد من المسلمين الهنود، أن قرار السعودية بإسناد تقديم طلبات الحج لشركة المطوف التي بها فنيون لهم صلات مع الحزب الهندوسي "عمل شائن وخطير" لأن الحزب ينفذ سياسات معادية للمسلمين ويحارب الحجاب والأذان.

وفي عام 2018 حصلت شركة "ترافيزي" الهندية ولها مقر بدبي، على إدارة بوابة "عمرة مي" الإلكترونية للعمرة، باستثمار قدره 16 مليون دولار.

وهي واحدة من ثلاث شركات فقط مرخصة من وزارة الحج والعمرة لبيع وكالات العمرة، وفقا لمجلة فوربس الأميركية.

وكشف "ميدل إيست آي"، أن حجاج أوروبا وأميركا وأستراليا يتلقون رسائل إلكترونية عشوائية (سبام) بعد ساعات من التسجيل في بوابة "المطوف" التي يديرها الهندوس عبارة عن دعاية لشركات للعناية بالبشرة وغيرها من الرسائل المزعجة.

وأضاف أن هناك مخاوف كبيرة بشأن إجراءات حماية البيانات التي وضعتها السعودية بعد أن أعلنت يوم 13 يونيو 2022، أن الحجاج الغربيين لن يعودوا قادرين على حجز الحج من خلال وكالات السفر، وإنما من بوابة المطوف الإلكترونية.