مع إصرار الجزائر على موقفها.. صحيفة إسبانية تتوقع تغيرات داخلية في مدريد

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

توقعت صحيفة "الإندبندينتي" الإسبانية، أن تطول الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية بين مدريد والجزائر، رغم محاولات حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، لإعادة بناء الجسور التي تهاوت بسرعة في الشهور الأخيرة.

وأوضحت الصحيفة نقلا عن مصادر من البلدين، أن الجزائر ماضية في طريقها ولا تفكر في التراجع عن موقفها، بينما تتكاثر التكهنات بشأن مستقبل حكومة سانشيز اليسارية الائتلافية، المدعومة بأغلبية ضئيلة في إسبانيا.

وفي 8 يونيو/ حزيران 2022، أعلنت الجزائر تعليق معاهدة صداقة مع إسبانيا، في ثاني خطوة دبلوماسية بعد سحب السفير احتجاجا على تأييد مدريد لموقف المغرب من نزاع إقليم الصحراء. 

وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل للقضية حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب جبهة "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي نازحين فارين من الإقليم بعد استعادة المغرب له إثر انتهاء الاحتلال الإسباني.

أزمة كبيرة

وذكرت الصحيفة النظام الجزائري لن يتجاوز ما يعده سلسلة من "الخيانات" التي ارتكبتها مدريد بشكل متعمد في ليلة وضحاها، ولن ينسى المسألة بسهولة.

وبينما نوّه أعضاء الحكومة الإسبانية في الأسبوع الأخير بأنهم طور "إعادة بناء جسور" مع الجزائر، رفضت مصادر عربية، على علم بالخلاف، هذه الحقيقة في تصريحات لـ"الإندبندنتي".

وأوردت أن المصادر الجزائرية التي استشارتها ينقلون رسالة مفادها أن "كل قنوات الحوار مع الحكومة الائتلافية الإسبانية مغلقة، بغض النظر عن العدد الكبير للمحاولات التي تجرى الآن لإعادة العلاقات التي تم كسرها في الأسابيع الأخيرة".

ومن ملقا، أعلن وزير الصناعة والتجارة والسياحة الإسباني رييس ماروتو، أن الحكومة "تعيد بناء الجسور" مع الجزائر، مضيفا، أن "الجانب الدبلوماسي في هذه القضايا هو الأهم".

في الأثناء، تقول مصادر جزائرية مطلعة على الأزمة التي اندلعت في مارس/ آذار 2022 بعد تسريب الرسالة الموجهة من سانشيز إلى ملك المغرب محمد السادس: "في الجزائر نرى أن الحكومة الإسبانية قد ألحقت الكثير من الضرر بالبلد".

وفي تلك الرسالة، وصف سانشيز خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء بأنها "الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل هذا النزاع".

وكرر المحاورون الجزائريون نفس الاتهام للصحيفة، قائلين: "ما قامت به إسبانيا يعد خيانة".

وأشارت إلى أن الجزائريين يعدون الغاز أول الخيانات، حيث إن هذا المورد يعد جوهرة اقتصادهم. وحتى الآن، كانت الجزائر المورد الرئيس للغاز لإسبانيا، وهي حقيقة تغيرت في الأشهر الأخيرة.

وفي الحقيقة، يمثل الغاز الجزائري اليوم 23.4 بالمائة من إجمالي احتياجات إسبانيا، بعيدا عن 48.4 بالمائة منذ عام واحد فقط.

وتركز اللوم على الجانب الآخر من البحر المتوسط ​​على "السعر الودي" الذي كان يُعرض حتى الآن على الشركات الإسبانية.

وقالوا من الجزائر "لقد كانت صفقة ودية للغاية ودفع الإسبان والإيطاليون أقل بكثير مقابل الغاز مقارنة بأسعار السوق، وهذه حقيقة تعود إلى سنوات، قبل وقت طويل من اندلاع الصراع في أوكرانيا". 

وفي الآونة الأخيرة، طالبت السلطات الجزائرية الإسبان والإيطاليين بقبول زيادة الأسعار.

وفي هذا الصدد، قالت المصادر إن موافقة الإيطاليين كانت فورية، بينما بدأ الجانب الإسباني المفاوضات.

وفي هذا السياق، وصل السفير الجزائري الجديد إلى مدريد، سعيد موسى، نهاية 2021، محملا بالعديد من المشاريع الاقتصادية والثقافية. وحرفيا، مع حقائب مليئة بالمشاريع لفائدة إسبانيا.

تغير كبير

وأكدت المصادر الجزائرية للصحيفة أن "الديناميكية كانت إيجابية للغاية. في ذلك الوقت، بدت العلاقات بين البلدين جيدة".

لكن، تغيّر هذا الواقع بشكل نهائي في 18 مارس مع نشر الديوان الملكي المغربي مقتطفات من الرسالة التي أكمل فيها سانشيز منعطفا تاريخيا في الموقف الإسباني فيما يتعلق بالصحراء.

وفي وقت لاحق، جرى استدعاء موسى، بعد يوم واحد، وهو موجود في الجزائر منذ ذلك الحين.

وبينت الصحيفة أن المصادر الجزائرية تسلط الضوء على سابقة تفسر السخط الذي لا يزال سائدا في أعلى مستويات الدولة.

فقبل عشرة أيام من الرسالة التي دمرت العلاقات، أجرى سانشيز محادثة هاتفية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

وتتذكر المصادر القريبة جدا من تلك المناقشات هذا الحوار على أنه "اتصال طويل وانتهى بنبرة جيدة جدا".

ولم ينقل سانشيز المستجدات المخطط لها في قضية تراها الجزائر حجر الأساس في سياستها الأمنية الوطنية.

ونقلت الصحيفة عن المصادر الجزائرية أنه كان من الممكن الإخطار بالتغيير من خلال القنوات الدبلوماسية. وعلى وجه الخصوص، عادة ما يتم ذلك على مستوى الاتصالات الدبلوماسية، لكنهم لم يفعلوا ذلك.

وهنا، يمكن الحديث عن "الخيانة الثانية". فمنذ مارس 2022، نادرا ما تحدث المسؤولون الجزائريون عن الأزمة.

وأرسلوا رسالة مفادها أنهم سيستمرون في الامتناع عن فعل ذلك علنا. وذهبت البلاد إلى أبعد من ذلك، وعلقت أخيرا معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون، وبعد ساعات، أمرت بتجميد عمليات التجارة الخارجية مع إسبانيا.  

وأوردت الصحيفة أن اللجوء الإسباني إلى الاتحاد الأوروبي لحل الأزمة أدى إلى إضافة طبقات جديدة من المظالم إلى قائمة اللوم الواسعة بالفعل.

وفي الجزائر يتذكرون أنهم، في حالتهم، معتادون على حل الأزمات الثنائية بأنفسهم، ولم يفكروا بأي حال من الأحوال في نقل الأمر إلى جامعة الدول العربية.  

وأوضحت الصحيفة أن المصادر تقر بأن الأزمة التي تواصلت منذ ثلاثة أشهر، دفعت الدولة الجزائرية إلى ملخص مفاده أنه "لا يوجد مسائل لمناقشتها مع إسبانيا".

وتضيف المصادر: "سوف نترك الوضع على حاله، سوف ندع الإسبان يحلون الأزمة فيما بينهم". وبالفعل، يرى الجزائريون أن هذه مشكلة إسبانية داخلية. 

ضجة ملحوظة

ونقلت الصحيفة أن الجزائريين لاحظوا من مكاتبهم الضجة التي أحدثها سانشيز، بدءا من العزلة البرلمانية وصولا إلى الضوضاء الإعلامية والاجتماعية، حتى العملاء الاقتصاديون غاضبون.

ويضيفون: "قد يقولون إن ذلك خطأ الجزائريين، لكن الجميع يعلم أن الأمر ليس كذلك". 

ونقلت أن المصادر الجزائرية تساءلت عما إذا كانت "الولايات المتحدة هي التي ضغطت أو أن المغرب هو الذي قام بذلك. وهل كان ذلك بسبب المعلومات التي تم الحصول عليها من هاتف سانشيز عبر برنامج بيغاسوس للتجسس". 

من جانب آخر، خلال هذا الأسبوع، كثّف المسؤولون الجزائريون دبلوماسيتهم من خلال استقبال نظرائهم من كندا أو ألمانيا أو إيطاليا أو روسيا أو قطر.

وفي الآن ذاته، أعرب الرئيس الجزائري علنا ​​عن رغبته في تعزيز علاقاته التجارية مع واشنطن.

وهكذا تُركت إسبانيا في الخلفية، وتراجعت مكانتها بسبب الأحداث الأخيرة.

وفي الحقيقة، لم تعد الجزائر تثق في إذابة الجليد على مستوى العلاقات الثنائية والخروج من الأزمة حتى تتغير الأطراف المتسببة في الخلاف بين البلدين. 

عموما، أكد وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، أخيرا، بعد يوم من لقائه بنظيره المغربي والاحتفاء بنموذجية العلاقات، أن الجزائر جارة "إستراتيجية".

وشدد على أن الدبلوماسية الإسبانية تعمل "بجدية وهدوء وصمت كما ينبغي". لكن في الواقع، يرى الجانب الجزائري أن بعض التصريحات لا تتناسب مع الواقع.