"جنيف الشرق" ترعى محادثات بين السعودية والحوثي.. الدوافع والأهداف

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مرة أخرى، يعود الحديث عن مفاوضات بين السعودية والحوثيين في اليمن، وسط هدنة إنسانية هشة بدأت في أبريل/نيسان 2022 برعاية الأمم المتحدة.

وبعد انتهائها مطلع يونيو/حزيران، جرى تمديد الهدنة شهرين إضافيين، وتزامنا مع ذلك، تتواصل محاولات دولية وإقليمية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 7 أعوام. 

وكشفت وكالة "رويترز" البريطانية، في 14 يونيو عن استئناف المحادثات المباشرة بين السعودية والحوثيين في مايو/أيار 2022، بشأن الأمن على طول حدود المملكة والعلاقات المستقبلية في إطار أي اتفاق سلام مع اليمن.

ونقلت عن مصدرين مطلعين أن محادثات مباشرة عبر الإنترنت استؤنفت بوساطة سلطنة عمان (المعروفة باسم جنيف الشرق أو جنيف العرب) بين كبار المسؤولين من السعودية والحوثيين، وأضاف أحدهما أن ثمة خططا أيضا لاجتماع مباشر في مسقط إذا أحرز تقدم كاف.

وأوضحت الوكالة أنه "بعد أعوام من الجمود العسكري في اليمن تسعى الرياض لبناء علاقات مع الحوثيين المتحالفين مع إيران، والتي لا تزال تسيطر على مساحات كبيرة من الحدود اليمنية مع المملكة الممتدة بطول 1300 كيلومتر".

وقال المصدران إن مسؤولين من المملكة ومليشيا الحوثي ناقشا اتفاقا طويل المدى لأمن الحدود، إضافة إلى مخاوف الرياض المتعلقة بترسانة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المسلحة المستخدمة لتنفيذ هجمات على مواقع سعودية. 

البحث عن مخرج

ويأتي ذلك، بعد مرور شهرين على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي وسبعة أعضاء آخرين، بناء على رغبة سعودية إماراتية.

وفي مقدمة اختصاصات هذا المجلس، إدارة عملية التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في جميع أنحاء اليمن.

ومن ثم التوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل البلاد من حالة الحرب إلى السلام، وفق إعلانه التأسيسي.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في العلاقات الدولية، عادل المسني، إن "العناوين العريضة للسعودية وللمجتمع الدولي تتوحد حول إنهاء الحرب وإيجاد حل سياسي يحفظ مصالح الرياض". 

وأضاف المسني لـ"الاستقلال"، أن "الأزمة الأوكرانية أجبرت واشنطن على العودة إلى الشرق الأوسط وزاد الاهتمام بدور ومكانة السعودية كأكبر مصدر للنفط".

في هذا السياق، تبدو المملكة فاعلا مؤثرا في السياسة الاقتصادية الدولية، وليس أدل على ذلك أكثر من تخلي الرئيس الأميركي جو بايدن عن مواقفه المتصلبة تجاه السعودية، التي وصفها من قبل بالمنبوذة.

إذ تحرك لكسب ودها وفك شيفرة الفتور في العلاقات معها لا سيما وأن السعودية تقيس التقارب مع واشنطن والغرب من خلال التعامل الجاد مع مخاوفها بشأن مستقبل الأزمة في اليمن.

وأوضح الباحث: "تبدو الظروف الدولية والإقليمية مهيأة للمضي في عملية سياسية تأخذ في الاعتبار مصالح السعودية ثم متطلبات الغرب التي تتلخص بإنجاح هذه المساعي والاستفادة من إمكانات الرياض والخليج الطاقية".

وتابع: "يقود المجتمع الدولي مساعي عبر الوسيط العماني لحل الأزمة مع الحوثيين وتشجيعهم من خلال تقديم مزيد من التنازلات بأحد الوسائل إما بالتشاور والتفاهم معهم أو بربطها بالتفاوض بالملف النووي الإيراني".

ورأى المسني، أن "السعودية ليس لديها مشكلة في التفاهم مع الحوثي إذا قبل فك ارتباطه بإيران، لكن التساؤل: ما الثمن الذي يمكن أن تقبل به المليشيا؟".

ويعتقد أن النقاش يعالج هذه الأبعاد، كما يمكن فهم استمرار صمود الهدنة ضمن هذه الجهود، إذ لا يهم كثيرا التوتر والخروقات في الداخل اليمني بقدر استمرار صمودها خارجيا، وفق تقديره.

دور متنام

وتعد سلطنة عمان من أهم الفاعلين في الملف اليمني، فيما يتعلق باحتمالية استضافة الحوار نظرا لموقفها المحايد واستضافتها مختلف الأطراف اليمنية.

وفي 22 أبريل 2022، وصل وفد عماني إلى مطار صنعاء على متن طائرة تابعة لسلاح الجو السلطاني، أقلت أكثر من 80 جريحا من الحوثيين، برفقة فريق التفاوض الحوثي برئاسة محمد عبد السلام المقيم في مسقط، وهي الزيارة الثانية بعد أشهر من زيارة سابقة.

وهدفت زيارة الوفد العماني إلى متابعة الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة ومناقشة آخر المستجدات مع رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط.

إضافة إلى الشروع في تنفيذ خطوات جديدة لبناء الثقة بين أطراف الصراع، بما يقود إلى عملية سلام شاملة.

وتستضيف السلطنة قادة حوثيين على أراضيها منذ عام 2018، وتقدم لهم التسهيلات وتسمح لهم بمغادرة مسقط إلى طهران واليمن والعودة بشكل طبيعي.

وكذلك تجري فيها اللقاءات الرسمية والسرية مع وفود الدول الأجنبية، وتسمح لهم بعمل لقاءات صحفية والتواصل السياسي مع جميع الأطراف الدولية.

وعقب اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء والسيطرة عليها في سبتمبر/أيلول 2014، وتدخل التحالف السعودي الإماراتي في مارس/آذار 2015، رفضت عمان أن تزج بنفسها في الحرب اليمنية وبقيت محايدة دون أن تغير من موقفها رغم تمديد زمن النزاع.

وبحسب مراقبين، فإن ما زاد من مصداقية سلطنة عمان في الملف اليمني وجعلها تلعب دور الوساطة، هو حيادها التام إزاء الأزمة الخليجية مع قطر عام 2017.

فعوض أن تأخذ مسقط موقفا مساندا لطرف من الأطراف الخليجية المتنازعة، مثلما فعلت البحرين والإمارات اللتان وقفتا بجانب الرياض، بقيت مسقط محايدة.

وأكثر من ذلك حاولت أن تأخذ مبادرات من أجل إنهاء الخلافات التي نشبت بين الدوحة من جهة ودول الحصار من جهة أخرى.

هدنة وعقوبات

في العام 2019، أفادت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن السعودية ومليشيا الحوثي تخوضان مفاوضات غير مباشرة وراء الكواليس بغية إنهاء الحرب في اليمن.

وبالتزامن مع محادثاتها الأخيرة مع الحوثيين، أعلنت السعودية، في 14 يونيو 2022، إدراج 19 شخصا وكيانا يمنيا على قوائم الإرهاب بتهمة دعم المليشيا، وتعد بعضهم "مرتبطا ومتعاونا" مع تنظيم "القاعدة" والحرس الثوري الإيراني.

وقالت رئاسة أمن الدولة في السعودية، إنها صنفت 8 يمنيين و11 كيانا يمنيا في قوائم الإرهاب بتهمة تقديم أسلحة للحوثي وتسهيل تهريب الأموال والنفط لها، والتعاون مع تنظيم القاعدة.

ويترتب على ذلك "تجميد جميع الأصول التابعة لأسماء الأفراد والكيانات المصنفة وحظر التعامل معها أو لصالحها"، بحسب البيان.

وتأتي هذه الخطوة السعودية بالتزامن مع الهدنة الإنسانية الهشة، التي لم يجر تنفيذ بعض بنودها، ومنها فتح الطرقات ورفع الحصار الحوثي عن مدينة تعز، رغم التنازلات الحكومية بفتح مطار صنعاء واعتماد الجوازات الصادرة من مناطق سيطرة المليشيا، والسماح بدخول سفن المشتقات النفطية.

ولا يزال التحشيد مستمرا والخروقات متواصلة في جبهات محافظة مأرب النفطية، وفي مدينة تعز، وسط اتهام حكومي للحوثيين بارتكاب آلاف الخروقات منذ بدء الهدنة.

وخلال الفترة الماضية، تبادل أطراف النزاع الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، وذلك في عدد من جبهات القتال في مأرب والجوف والساحل الغربي وتعز.

وتهدد الخروقات الحوثية، الهدنة التي أعلنتها الأمم المتحدة بعد فصل ساخن من المعارك والغارات الجوية على المليشيا، وهجمات الأخيرة تجاه السعودية والإمارات.

وفي 18 أبريل 2022، حذرت الحكومة اليمنية من انهيار الهدنة في البلاد، مطالبة الأمم المتحدة بـالتعامل بحزم مع الخروقات الحوثية لها.

ويشهد اليمن منذ أكثر من 7 سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران تسببت بمقتل مئات الآلاف ودمار واسع في البنية التحتية.