عبر تشتيت الانتباه.. المغرب يحاول إخفاء صمته على إساءة الهند للنبي والإسلام

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

التزم المغرب الصمت أمام الإساءة الهندية بحق النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، عكس دول عربية أخرى، بينما استنكر "المجلس العلمي" أعلى هيئة دينية رسمية بالمملكة، من دون سابق ضجة داخلية، فيلما "يتعرض" لابنة الرسول الأكرم فاطمة الزهراء وأعلن منعه.

الفيلم المنتج في بريطانيا بأجندة طائفية واضحة لم يسمع به المغاربة إلا بعد بيان المجلس العلمي، ما دفع كثيرين للبحث عنه، ليطرح سؤالا استنكاريا عن صمت الرباط أمام إساءة الهند للنبي واستنكار فيلم مجهول ساهمت في ترويجه داخليا من حيث لا تدري.

تزوير فاضح

وفي 11 يونيو/ حزيران 2022، أعلن المجلس العلمي الأعلى بالمغرب، رفض ما جاء في فيلم "The Lady Of Heaven سيدة الجنة"، لـ"تزويره الفاضح لحقائق ثابتة في التاريخ الإسلامي، وإساءته للإسلام والمسلمين".

وأوضح المجلس، أنه "تبين له بعد اطلاعه على ما ورد إجمالا في هذا الفيلم، أن كاتبه ينتمي لتيار شيعي، نزعت منه الجنسية الكويتية نظرا لأفكاره المتطرفة".

وأضاف أن هذا الفيلم "الذي يشكل تزويرا فاضحا للحقائق، أقدم على فعل شنيع لا يقبله المسلمون والمسلمات وهو تمثيل شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وعد المجلس، أن "من يقفون وراء هذا الفيلم يهدفون إلى تحقيق الشهرة والإثارة، والترويج لمنتوجهم، وتحقيق أكبر نسب من المشاهدة والمتابعة، من خلال المس بمشاعر المسلمين وإثارة النزعات الدينية".

وأثار فيلم "سيدة الجنة" غضبا بين المسلمين في بريطانيا، لتصويره النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو أمر محظور في الإسلام، إضافة إلى تجسيد شخصيات الصحابة والخلفاء.

وبعد ساعات من إعلان المجلس العلمي الأعلى رفض ما جاء في الفيلم، قرر المركز السينمائي المغربي (حكومي)، منع العرض التجاري أو الثقافي لفيلم "سيدة الجنة" داخل البلاد.

وأوضح المركز في بيان أن المنع جاء على خلفية رفض المجلس الأعلى و"استنكاره الشديد لما ورد في الشريط السينمائي، حيث يتعارض مع ثوابت البلاد في دستورها".

وأضاف البيان أن المركز قرر "عدم منح التأشيرة (الموافقة) لهذا الفيلم ومنع عرضه التجاري أو الثقافي بالتراب الوطني".

لكن ردة فعل المملكة بشأن الفيلم فتحت له بابا من حيث لاتدري، حيث إن الفيلم المسيء لم يكن في أجندة المواطنين المغاربة، ولم يسمعوا به قط قبل بيان "ألمجلس العلمي".

بينما كان الترقب سيد الموقف بشأن رد الرباط على إساءة عضو في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم بالهند، لنبي الإسلام محمد، مطلع يونيو 2022.

لا سيما مع تصدر هاشتاغ #إلا_رسول_الله_يا_مودي منصات التواصل الاجتماعي بأغلب الدول العربية لأيام عديدة، احتجاجا على حملة القمع والتنكيل بالمسلمين ومقدساتهم من قبل حكومة ناريندرا مودي اليمينية المتطرفة.

استنكار واسع

وكتبت الصحفية المغربية، سارة الطالبي: "المغرب يمنع فيلما لم تتوفر له أي حظوظ في الدخول للسوق الوطنية بحجة الإساءة"...

وأضافت في تدوينة عبر فيسبوك "لكنه لا يرد على إساءة الحزب الحاكم في الهند في الوقت الذي سارعت عدد من دول العالم لاستدعاء السفير الهندي والاحتجاج..".

بدوره، شدد الصحفي يونس مسكين على أن "الفيلم الذي يحمل عنوان (سيدة الجنة) هو عمل دعائي محض، وما قامت به مؤسسات الدولة المغربية، هو أكبر عملية ترويج قامت بها جهة رسمية لصالح هذا العمل في العالم...".

وأضاف "لم يكن الموضوع يشكل أي اهتمام يذكر لدى المغاربة، وفجأة أصبحنا في صدارة من يبحثون عن الفيلم على صعيد العالم، وتفوقنا على المجتمعات التي أنتج فيها العمل، أو يعنيها بشكل مباشر، كما هو الحال مع بريطانيا وإيران والعراق...".

وختم تدوينته متسائلا: "هل يعي القائمون على تدبير الشأن العام في هذه الرقعة من العالم ماذا يصنعون؟".

من جانبه، قال الباحث في العلوم السياسية، محمد الأنصاري: "المغرب وقع في تناقض غريب، وقدم خدمة مجانية لفيلم لم يصل صداه للبلاد، فيما كانت الأغلبية تترقب موقف البلاد من الإساءة للرسول، خاصة أن دولا ابتعدت عن قضايا المسلمين استدعت سفراء نيودلهي، واستنكرت إساءة الحزب الحاكم".

وأضاف الأنصاري لـ"الاستقلال"، أن "سياسة الدولة جنحت هذه المرة لـ(بوليميك) لا يستقيم، وظهر أن انتقاد الفيلم راجع فقط لأنه يظهر وجهة نظر شيعية متطرفة، والرباط من أشد المعارضين لسياسة طهران، وما بينهما من خلافات صامتة في هذا الجانب انبرى لإصدار البيان".

وأشار إلى أن "صمت المغرب عن الرد على إساءة الهند للرسول محمد، راجع لاعتبارات اقتصادية في ظل الأزمة الخانقة الراهنة، فأرادت المملكة عدم الدخول في أزمة مع الهند قد تكلفها بعض الامتيازات خاصة القمح".

ومنتصف مايو/ أيار 2022، أكدت تقارير إعلامية مغربية، وصول وفد هندي رفيع المستوى يضم مسؤولين من وزارة التجارة والفلاحة الرباط، لبحث إمداد المغرب بشحنات إضافية من القمح في ظل الأزمة العالمية الحالية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وأفاد موقع العمق المغربي في 19 مايو، نقلا عن مصادر مطلعة لم يسمها، أن الهند ثاني أكبر منتج للقمح بالعالم، ستزود المغرب بشحنات منه، رغم إعلانها وقف صادراتها للخارج، وذلك "نظرا للعلاقات المميزة بين البلدين سواء على المستوى التجاري أو الدبلوماسي".

دعاية مجانية

من جهته، يرى رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق، صلاح بوسريف، أنه "في زمن هذا الانفتاح الإعلامي الكبير الذي أصبح العالم فيه ليس فقط قرية صغيرة؛ بل هو رهن أكفنا وأبصارنا لا يمكن أبدا أن نصادر أي كتاب أو فيلم، بل على العكس، نقوم بالدعاية لهذا الفيلم الذي سيقبل عليه عدد هائل من الناس".

وعد بوسريف؛ لموقع "حفريات" في 15 يونيو، أن "هذا النوع من الرقابة هو دعاية مجانية، اليوم لا شيء أصبح ممنوعا، ومن المفترض أنه لدينا مصدر للفتاوى، وإن احتجوا أو عارضوا كان عليهم أن يتدخلوا في مناقشة القضايا والأفكار والأطروحة الموجودة في هذا الفيلم من زاوية تاريخية ودينية، وأن يحاججوا الفيلم بالعقل والمستندات".

وأردف: "دائما ما نجد في كل فيلم أو كتاب يكون في هذا السياق الذي يثير التوترات أو الاحتجاجات، ولا نجد مطلقا من يناقشه انطلاقا من المعطيات التاريخية الحقيقية".

وقال بوسريف: "أنا لم أعلم بالفيلم إلا بعد بلاغ المجلس العلمي، وبحثت عن السبب ووجدت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تعلق على الضجة التي أثارها، وتساءلت لماذا لم يصدر بلاغ حينما خرج فيلم (الإخوان) والذي يمس تدين المغاربة في العمق".

ومع اقتراب موعد عرضه، بدأ الجدل يثار حول فيلم "سيدة الجنة" الذي يتحدث عن حياة السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويحكي الفيلم قصة طفل عراقي يستلهم من تجربة السيدة فاطمة الزهراء بعد 1400 سنة، في بلد مزقته الحرب، حيث يتعلم أهمية وقوة الصبر، ويجد نفسه في منزل جديد بعد فقدان والدته، حيث تروي جدته العطوف القصة التاريخية للسيدة فاطمة ومعاناتها.

الناقد السينمائي، مصطفى الطالب، علق على الأمر بالقول: "المجلس العلمي الأعلى مشكور على بلاغه الاستنكاري حول فيلم يمس مشاعر المسلمين، لكن هل سنظل نستنكر كلما أنتج فيلم حاقد على الإسلام ورسوله كي يحقق أعلى نسبة مشاهدة؟".

وتساءل في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 12 يونيو، "ألا يجدر بالدول الإسلامية أن تنخرط في إنتاج أفلام عالمية بمستوى فني عال حول عالمية الإسلام وعدالته وإنسانيته ورحمة النبي تجاه العالمين، كما فعل المخرج، مصطفى العقاد، رحمة الله تعالى عليه؟ فمنذ فيلمه (الرسالة) لم نر فيلما على شاكلته".

وتابع الطالب: "كما يقول أهل العربية: الحجة بالحجة، فيلم بفيلم وفكر بفكر، حتى تزول كل الشبهات التي تثار اليوم حول الإسلام والقرآن والرسول وأصحابه رضوان الله عليهم، وحول الثقافة الإسلامية ككل".

ولفت إلى أن "كل من هب ودب وكل من يريد أن يصنع مجدا مزيفا ومكانة في الساحة الثقافية ويربح دريهمات من أصحاب نعمته، يقوم بسب وشتم الإسلام (الحائط القصير) والقرآن والطعن في السنة النبوية وفي نبوة الرسول".

وذكر  الطالب أن "اليوم الملايين من الدولارات تخسرها الدول العربية على قنوات ومسلسلات وأفلام أقل ما يقال عنها أنها تافهة، وعلى مهرجانات لا علاقة لها بالفن لا من قريب ولا من بعيد، إلا ما كان في إبراز الفنانات المغمورات وفنانين لا نعرف أهم إناث أم ذكور. فهل من مستمع؟".