يلوح بالمحاسبة.. هل ينجح برلمان العراق في فتح تقرير سقوط الموصل؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع مرور الذكرى الثامنة لاجتياح تنظيم الدولة مدينة الموصل العراقية وفرض سيطرته على ثلث مساحة البلاد، أثار البرلمان العراقي قضية تقرير لجنة التحقيق النيابية عام 2014، وعدم محاسبة المتسببين في سقوطها بيد التنظيم رغم تسميتهم في التقرير.

وترتب على اجتياح الموصل مآس وأحداث مروعة شهدها العراق، أسفرت عن مقتل وإصابة مئات الآلاف، وفقدان عشرات آلاف آخرين، وتشريد الملايين من مدنهم، فضلا عن سيطرة المليشيات الموالية لإيران على المدن السنية بعد استعادتها من التنظيم.

تلويح بالمحاسبة

وتعهد نائب رئيس البرلمان العراقي، شاخوان عبد الله (كردي)، خلال بيان في 12 يونيو/ حزيران 2022 بمحاسبة من تسبب بسقوط الموصل، بالقول إن "ملف التحقيق في سقوط المدينة ما زال قائما ولم يغلق، وأغلب المتهمين بالتسبب في سقوطها ما زالوا طلقاء ومن دون حساب أو قصاص".

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" عن عبد الله، تأكيده أن البرلمان "سيعمل على تفعيل توصيات اللجنة النيابية التحقيقية التي تشكلت عام 2014 بعد أحداث الموصل، وهذا الملف ما زال قائما ولم يغلق".

واستكمل البرلمان عام 2015، بنود التحقيق في سقوط المدينة، إلا أن القضاء العراقي الذي تسلم ملف التحقيق، لم يستدع أيا من الأسماء التي ذكرها التقرير، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، المتهم الأول في القضية.

وجاء في نص تقرير البرلمان حول الموصل، الذي تناقلت وسائل إعلام محلية أجزاء منه عام 2015، أن "المالكي و35 مسؤولا كبيرا يتحملون مسؤولية تسليم الموصل للتنظيم من دون قتال".

وفي السياق ذاته، علق المحافظ السابق لنينوى (مركزها الموصل)، أثيل النجيفي، قائلا: "رفضت التعليق على كارثة سيطرة داعش على الموصل لأنني لا أجد كلاما جديدا، فكل المعلومات مكشوفة ومتداولة، ولكن الجديد الذي ننتظره لكي نعود لنناقش تلك الكارثة هو المنطق السليم".

وأضاف النجيفي خلال تدوينة على "فيسبوك" في 12 يونيو 2022، أنه "من عجز عن توقع النتائج من تلك المقدمات لن يعجز عن فهمها، بعد أن أصبحت النتائج واقعا مأساويا يعيشه، ومستقبلا مظلما لا يرى فيه بصيصا".

استهلاك سياسي

ويرى الباحث العراقي في الشأن السياسي لطيف المهداوي أن "تقرير سقوط الموصل الذي أعده البرلمان العراقي عام 2014، يجري الحديث عنه في كل عام مع حلول الذكرى الأليمة، لكن أي شيء لم يحصل رغم مرور ثمانية أعوام على الكارثة التي يعاني منها العراق حتى اليوم".

وأعرب لـ"الاستقلال" عن اعتقاده بأن "الحديث عن التقرير هو للاستهلاك السياسي لا أكثر، لا سيما في ظل الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد منذ انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حيث لم تتصل القوى السياسية لاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة".

ولفت المهداوي إلى أن "شاخوان عبد الله صرح بذلك لأنه من حزب الديمقراطي الكردستاني المنضوي ضمن التحالف الثلاثي (إنقاذ وطن) ويضم معه كتلة التيار الصدري، وتحالف السيادة السني، وهؤلاء جميعهم على خلاف مع ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، المتهم بالتسبب بسقوط الموصل".

وأوضح أن "التحالف الثلاثي اليوم بحكم المنهار بعدما استقال جميع نواب الكتلة الصدرية من البرلمان، بأمر من مقتدى الصدر، وبذلك لن يستطيع البرلمان الحالي فتح تقرير سقوط الموصل ومحاسبة أحد، لأن قوى الإطار التنسيقي التي يندرج ضمنها ائتلاف دولة القانون سيكون الأغلبية بعد ذهاب مقاعد التيار الصدري إليه".

ووافق رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، في 13 يونيو 2022 على استقالة 73 نائبا من أصل 329 في البرلمان، ينتمون للكتلة الصدرية، وذلك بعدما قدمها رئيس الكتلة حسين العذاري بطلب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

وأشار المهداوي إلى أن "تقرير سقوط الموصل أثبت تقصير نوري المالكي بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة، وعليه فإنه معرض للمحاسبة وهذا من الصعوبة بمكان في ظل نظام سياسي تسيطر عليه إيران، لأن الأخير أبرز حلفائها، ولن تفرط به بتاتا".

وأردف: "لذلك فإن الأمر مرتبط بالتيار الصدري، الذي طالما توعد بمحاسبة من تسبب بسقوط الموصل، ويقصدون المالكي، لكن الكتلة الصدرية اليوم خارج البرلمان، لذلك مستبعد أن تستطيع القوى الأخرى فتح هذا التقرير".

مسؤولية القضاء

من جهته، عد الخبير بالشأن السياسي أحمد الحمداني، فتح ملف سقوط الموصل مرتبطا بالأزمة السياسية الحالية، بالقول: "أي أزمة يكون أحد طرفيها نوري المالكي المتهم الأول في التسبب في سقوط المدينة، يعاد فيها فتح الملفات القديمة وإثارتها، وبعد انتهاء الأزمة سرعان ما تخبو تلك المطالب".

وشدد الحمداني في حديث لصحيفة "العربي الجديد" في 12 يونيو، على أن "القضاء العراقي المسؤول الأول عن ركن القضية، وهذا يعود إلى الضغوط السياسية والتدخلات في عمل القضاء التي لم تسلم منها أي قضية في العراق منذ عام 2003 ولغاية الآن".

وأشار الخبير العراقي إلى أنه "من حق الضحايا على الأقل محاكمة عادلة لكل من تسبب في هذه النهاية المأساوية".

وفي السياق، قال الكاتب العراقي قاسم صالح حسين، إن "المنطق لا يستقيم في تفسير ما حدث إلا بالقول إن ما حصل (عملية تسليم) لها احتمالان لا ثالث لهما: إما خيانة من كبار قادة الجيش، أو تلقيهم تعليمات من القيادة العامة للقوات المسلحة بالانسحاب".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "الزمان" المحلية، في 12 يونيو، أن "المؤكد أن قادة الجيش هربوا، وقد أظهرت الصور التلفزيونية ذلك، فإن كان هروبهم خيانة أو جبنا فهل يعقل أن هؤلاء الجنرالات يرتضون لأنفسهم أن ينهزموا أمام مسلحين وليس أمام جيش أقوى منهم؟"

وتساءل حسين أيضا: "هل انعدمت الغيرة فيهم لهذا الحد المهين والمذل، ومات شرفهم العسكري لدرجة أنهم يسجلون أسود صفحة وأقبح عار وأخجل هزيمة في تاريخ الجيش العراقي وتاريخهم الشخصي والأسري؟"

وتابع: "مع أن هذا الاحتمال وارد إلا أنه يكون ضعيفا أمام الاحتمال الثاني، بأن هؤلاء القادة تلقوا تعليمات من القيادة العامة للقوات المسلحة بالانسحاب، وأنهم نفذوا التعليمات وما كان تركهم المدينة هروبا بل انسحابا عسكريا بأمر".

وأشار الكاتب إلى أن "ما حصل جاء نتيجة نظام منتج للأزمات، وكتل سياسية وضعت مصالحها فوق مصالح الناس والوطن، وفساد صار فيه الوطن ينهب من المسؤولين عنه، وفشل متكرر لحكومة ركبتها عنجهية وعناد عصابي وخصومات شخصية وفقدان حكمة".

وقال، "لأن الحكومة (إبان سقوط الموصل) لن تعتذر.. (وستجد من يكون كبش فداء)، ستظل تمارس سايكولجيا الإسقاط بترحيل فشلها على الآخرين".

وفي ذكرى اجتياح الموصل الثامنة، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال تغريدة على "تويتر" في 10 يونيو/ حزيران 2022: "نستذكر ولا ننسى ما جرى في الموصل وسبايكر قبل 8 سنوات، ولنا فيه عبرة ودروس حتى لا تتكرر أخطاء الماضي".

وأضاف: "الحقيقة تتطلب الشجاعة كي نمضي في حفظ العراق، وترميم جراحه. لداعش العار والهزيمة، وللعراقيين شرف الانتصار للحياة، ومواجهة الإرهاب والتطرف".