توقيت لافت.. ما علاقة تركيا بمعاقبة السعودية لشركة نفطية سورية؟

لندن - الاستقلال | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة ملفتة على صعيد التوقيت والرسائل، أدرجت السعودية على قوائم الإرهاب لديها، مجموعة "القاطرجي"، أكبر الشركات التي تمد النظام السوري بالنفط من مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" حليفة الولايات المتحدة الأساسية بالمنطقة.

وأصدرت رئاسة أمن الدولة في السعودية في 6 يونيو/ حزيران 2022، بيانا لقائمة صنفت فيها 16 اسما و13 فردا، و3 كيانات، من ممولي الإرهاب.

ونالت العقوبات حسام القاطرجي وشقيقه براء وهما سوريان الجنسية، إضافة إلى شركتهما شركة "القاطرجي" التي لعبت دورا في تسهيل تجارة الوقود لتنظيم الدولة، فضلا عن التعاون مع تنظيمات إرهابية مثل الحرس الثوري الإيراني"، وفق البيان السعودي.

وأنشأ مركز استهداف تمويل الإرهاب الذي أصدر القائمة في عام 2017، عبر مذكرة تفاهم وقعت بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، في الرياض خلال زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للمملكة في 21 مايو/ أيار من العام المذكور.

وشركة القاطرجي يديرها حسام أحد أبرز الأسماء الصاعدة في عالم المال والأعمال بالنظام السوري، وذلك بضوء أخضر  مباشرة من راس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء.

ويعد القاطرجي حاليا أبرز "أمراء الحرب" المحسوبين على عائلة الأسد، إذ يمسك بشريان النفط المغذي للنظام ودوائره الحكومية وآلته العسكرية منذ عام 2015.

شريان الأسد

ونجح حسام القاطرجي (40 عاما) العضو في برلمان النظام السوري منذ 2016، في إبرام صفقة سرية مع تنظيم الدولة بشأن النفط والقمح من 2015 حتى 2017.

فعبر صفقات بملايين الدولارات، أدار مهمة شراء النفط والقمح من تنظيم الدولة من محافظتي دير الزور والحسكة إلى مناطق النظام، وهي خطوة وفرت على حكومة الأسد مليارات الدولارات.

كما لعب انتماء القاطرحي العشائري في تأسيس مليشيا محلية لحماية قوافل النفط وإدارة تحركات الشركة، جمعها بشكل متراكم من محافظات دير الزور والرقة والحسكة وحلب مقابل راتب يبلغ 50 دولارا بدوام نصف شهري، وسلة غذائية.

وخلال حقبة تنظيم الدولة الذي أعلنت الولايات المتحدة القضاء عليه في مارس/ آذار 2019 بسوريا، كان القاطرجي يزود نظام الأسد يوميا بنحو 20 ألف برميل من النفط من إجمالي الإنتاج الذي يبلغ مئة ألف يوميا، مقابل إدخال مواد غذائية وأخرى لوجستية كالحديد ومواد البناء لمناطق التنظيم.

لكن نقطة التحول الكبيرة في شركة القاطرجي، كانت منذ أكتوبر 2017 عقب خروج حقول النفط من سيطرة تنظيم الدولة بدير الزور والاستيلاء عليها من قبل قوات "قسد" التي باتت تحت سيطرتها تلك الحقول.

وهذا ما زاد من تدفق النفط من مناطق قسد التي تستولي على حقول غزيرة في الحسكة منذ مارس 2013، وعلى رأسها حقلا (الرميلان- والجبسة) إلى مناطق النظام السوري.

ووفقا لمصادر صحفية فإن مليشيا قسد تبيع نحو 15 ألف برميل نفط خام يوميا إلى نظام السوري عبر شركة "القاطرجي" بسعر يتراوح بين 24 و28 دولارا للبرميل الواحد.

وتؤمن شركة القاطرجي لـ"قسد" عمليات صيانة الآبار عن طريق وزارة النفط التابعة لحكومة نظام الأسد، مقابل حصول الأخيرة على النفط من حقول رميلان ونقله برا إلى مصفاة بانياس.

وتمرس القاطرجي حينما كان يتحرك تحت ظل أخطبوط الاقتصاد السوري رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد قبل الإطاحة به عام 2020 ومصادرة معظم ثروته التي بناها على مدى قرنين من الزمن.

ووفقا لتقرير نشره "مركز عمران للدراسات الإستراتيجية" (مستقل)، في فبراير/شباط 2019، فإن رأس مال القاطرجي يصل إلى 300 مليار ليرة سورية (238 مليون دولار).

ويشغل قاطرجي حاليا رئيس مجلس إدارة "مجموعة قاطرجي الدولية"، التي تضم شركات عديدة متخصصة، في قطاع الصناعة والسياحة والنقل والزراعة والاستثمار العقاري، والاستيراد والتصدير، وهو مدرج منذ نوفمبر 2020 على قائمة عقوبات الخزانة الأميركية.

وفي 10 يونيو/ حزيران 2018، أعلنت مجموعة "قاطرجي"، تأسيس شركة "أرفادا البترولية" في دمشق، برأس مال يصل إلى مليار ليرة سورية (795 ألف دولار).

وتعود ملكية الشركة إلى كل من حسام قاطرجي بنسبة 34 بالمائة وأخيه محمد براء بنسبة 33 بالمائة، وأحمد بشير بن محمد براء بنسبة 33 بالمائة، وفرضت عليها عقوبات أميركية لاحقا.

وبحسب النظام الداخلي للشركة، فإنها تعمل في مجال الدراسات الهندسية التصميمية الأساسية والتفصيلية لمشاريع البنى التحتية النفطية والغازية.

علاقات متشابكة

ويحظى حسام قاطرجي بعلاقة وطيدة مع روسيا، إذ سلمت القوات الروسية خلال اجتماع معه في 26 فبراير 2021، داخل مطار دير الزور العسكري، شركته "أرفادا البترولية" جميع حقول النفط الخاضعة لسيطرتها في دير الزور، وهما حقلا "التيم" و"الورد"، وأخرى في الرقة لاستثمارها لمدة 5 سنوات.

وكان لافتا أن معاقبة شركة القاطرجي من قبل السعودية، في وقت تغيب فيه الرياض عن الملف السوري منذ سنوات، جاء بعد إعادة توطيد المملكة العلاقة مع تركيا عقب زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للسعودية في 28 إبريل/ نيسان 2022، منهيا عبرها سنوات من الجفاء السياسي.

كما تأتي محاولات التأثير على أذرع قوات قسد المالية مع عزم تركيا إطلاق عملية عسكرية جديدة ضد فروع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" في مناطق متعددة شمال سوريا، لاستكمال "الحزام الأمني" على حدودها الجنوبية.

والفرع السوري من "بي كا كا"، هو قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد"، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د".

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة في العقود الأخيرة، وهو يمثل الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة "كردستان" الكبرى.

وسبق أن أعطت الرياض إشارات على تقبلها لقوات قسد، وأبرزها حينما زار في يونيو/ حزيران 2019، ثامر السبهان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية مناطق "قسد" بسوريا.

وتجول السبهان بين قرى الحسكة والرقة والتقى حينها مع قيادات من "قسد" بحضور دبلوماسيين وضباط أميركيين، وقيل وقتها إن السبهان كلف بمهمة إقناع العشائر العربية شمال شرقي سوريا بدعم نفوذ قوات "قسد".

ولاحقا في أواخر نوفمبر 2019 زار وفد من قسد يضم قياديين عسكريين ومدنيين السعودية بدعوة رسمية منها.

ووقتها أتت الزيارة بعد تنفيذ تركيا بالتعاون مع الجيش الوطني السوري المعارض عملية "نبع السلام" العسكرية ضد مليشيا قسد في الحسكة والرقة وأدانتها الرياض في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وآنذاك منيت قسد بضربة موجعة أبعدت فيها مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية، وبسط الجيش الوطني سيطرته على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلومتر مربع، بهدف إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وكانت الرياض أعلنت في 18 أغسطس/ آب 2018، أنها قدمت مساهمة تبلغ 100 مليون دولار لصالح "مشاريع استعادة سبل العيش والخدمات الأساسية" ينفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في مناطق قوات "قسد".

وتحتل مليشيا قسد بقوة السلاح الأميركي في ثلاث محافظات (دير الزور – الرقة – الحسكة) قرى ومدن ذات غالبية عربية، وتلاحق الشباب وتفرض التجنيد الإجباري بحقهم، فضلا عن سرقة الثروات النفطية والزراعية وتهميش تحسين الخدمات في تلك المناطق.

جملة رسائل

وفي هذا الإطار، يرى الباحث السوري مدير موقع "اقتصادي" يونس الكريم، أن هناك جملة من الرسائل التي تريد السعودية توجيهها من معاقبة شركة "القاطرجي" أحد أذرع النظام السوري الاقتصادية والمتعاملة ماليا مع قسد.

وقال لـ "الاستقلال"، إن أول رسالة سعودية هو التأكيد على العودة للملف السوري من نقطة الخروج، أي منذ عام 2015- 2016، وهي تحاول أن تعيد عقارب الزمن للوراء عبر إعادة النظر بأمراء الحرب بسوريا وبالطبقة الاقتصادية التي تشكلت خلال سنوات الحرب".

ثانيا، حسب الباحث السوري، "الرياض تريد أن تقول إنها لا تثق بالإدارة الأميركية الحالية وهي مضطرة للتماشي معها، وما معاقبة شركة القاطرجي إلا إعلان سعودي بالمحاسبة في سوريا".

ومضى يقول: "شركة قاطرجي كانت تتعامل مع تنظيم الدولة منفعة لنظام الأسد، وكذلك مع قوات قسد عبر المرور بأراضي التنظيم، وهذا يعني أن الرياض قد تحاسب أيضا قسد".

ولفت الباحث إلى أن "القاطرجي محسوب على روسيا وليس على إيران، إذ إن التنسيق كان عاليا بينه وبين قاعدة حميميم الروسية بريف اللاذقية، وهنا يعني أنها خطوة من الرياض للتقارب مع الولايات المتحدة في الملف الروسي أي إشارة للابتعاد السعودي عن موسكو".

كما أن خطوة الرياض إشارة واضحة "بأن لا تقارب سعوديا مع إيران، وبالتالي هي رسالة إلى قوات قسد التي باتت تتعاون مع طهران ضد تركيا، ما قد يدفع الرياض لفرض عقوبات عليها نتيجة تعاملها مع شركة القاطرجي وهذا يعد تحول ملفت يصب في التقارب التركي السعودي الأخير".

كما أن تلك الخطوة "تعد بمثابة الإجهاز على أي آمال خليجية للتقارب مع نظام الأسد سواء أكان مع الإمارات أو غيرها، لا سيما بعد زيارة بشار الأسد لطهران ولقاء خامنئي في 8 مايو/ أيار 2022، وبالتالي هو تأكيد من الرياض بأن الأسد لم يعد مقبولا خليجيا".

وذهب الكريم للقول: "خطوة السعودية قد تقود إلى فرض مزيد من العقوبات على شخصيات من النظام السوري والتضييق عليه، وخاصة أن الرياض أدرجت سوريا ولبنان وإيران ضمن دائرة واحدة في التصنيف".

وسبق أن أعطت الرياض إشارات على بعد المسافة بينها وبين النظام السوري، ومنها شن مندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021 هجوما على الأسد شخصيا من داخل قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاسما على المدى المنظور "أي تقارب من الرياض تجاه الأسد".

وقال المعلمي حينها: "لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم (الأسد) فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعيا النصر العظيم.. فكيف يمكن أن يعلن ذلك بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساجد".

وأضاف: "لا تصدقوهم إن قالوا إن الأمن قد استتب، واسألوا المليون ونصف مليون سوري الذين أضيفوا هذا العام لقائمة المهددين بغياب الأمن الغذائي".

وجاءت هذه الكلمة محددة موقف الرياض من النظام السوري وعودته إلى الحضن العربي، التي عملت من أجلها دول عربية عدة، وكانت تبحث عن توافق لإعطائه بطاقة رسمية لحضور قمة الجزائر المزمعة خلال عام 2022.

رمزية سياسية

وفي هذا السياق، يؤكد الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية" محمد العبد الله لـ"الاستقلال"، أن "معاقبة السعودية لشركة القاطرجي خطوة ذات رمزية سياسية مهمة".

وأوضح أنه "بعد غياب الرياض الفعلي عن الملف السوري تريد إثبات وجودها في هذا الملف على المستوى الإقليمي، وتفعيل أدواتها المتاحة بهذا الصدد في ظل الهيمنة الإيرانية والانكفاء الروسي نسبيا والتقارب الأخير بينها وبين أنقرة".

وألمح العبد الله إلى أن "ما يؤكد رمزية هذه الخطوة هو أن هذه المجموعة ومؤسسيها مدرجون مسبقا في قائمة العقوبات الأميركية والأوروبية، وبالتالي فتأثير القرار السعودي محدود على أرض الواقع".

ومضى يقول: "بالتالي تحلل الخطوة من حيث محاولة تفكيك الهيمنة الإيرانية على سوريا مجتمعيا واقتصاديا ودينيا، عبر استهداف الأذرع المحلية وفي طليعتها مجموعة القاطرجي التي لعبت خلال الأعوام الماضية دورا بارزا في تثبيت النفوذ الإيراني في مناطق شرق وشمال سوريا".

إلى جانب "استخدام شركة القاطرجي كرأس حربة متقدمة من قبل الحرس الثوري وحزب الله والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد للقيام بتبييض الأموال وتهريب المخدرات والسلاح إلى دول الخليج عبر شبكتها الخاصة داخل وخارج سوريا"، يشرح الباحث السوري

ورأى العبد الله أن "الرياض أخذت بعين الاعتبار النفوذ الكبير الذي تحوزه مجموعة القاطرجي في الجزيرة السورية بعد أن لعبت دور الوسيط في صفقات تهريب النفط والقمح لصالح نظام الأسد؛ الأمر الذي مكنها من بناء تحالفات قوية مع العشائر لمصلحة النفوذ الإيراني".

وختم بالقول: "ناهيك عن تشكيل المجموعة ميليشيا جل عناصرها من أبناء هذه العشائر، وإبرام تحالفات مع شيوخ العشائر واستقطابهم لتحقيق الأجندة الإيرانية مستغلة واقعهم الاقتصادي سواء عبر تجنيد أبنائه هذه العشائر عسكريا في صفوف المليشيات الإيرانية أو من خلال فرض المذهب الشيعي بين هذه القبائل".