سنوات من المماطلة.. تأخر قانون الأمازيغية هل يهدد وحدة المغرب؟

وصال طنطانا | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

من جديد أشعل مشروع القانون الأساسي لبنك المغرب (البنك المركزي) الصراع بين الحركة الأمازيغية والحكومة المغربية، بعد أن ألغت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في مجلس النواب تعديلا كان مجلس المستشارين قد اعتمده، يُلزم بإصدار الأوراق المالية باللغة الأمازيغية إلى جانب العربية.

قبل 8 سنوات من الآن، بدأت هذه الصراعات عندما تم ترسيم اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي الصادر سنة 2011، دون إصدار القانون التنظيمي (مكمل للدستور) للغة حيث مازالت تعديلاته تمر على مجلسي النواب والمستشارين في البرلمان.

وتحمل الحركة الأمازيغية في المغرب، المسؤولية للأحزاب السياسية في تأخر صدور القانون الذي سيعمل على تفعيل الطابع الرسمي للغة وإدراجها في كل مجالات الحياة اليومية.

إثبات الوجود

إقرار الأمازيغية لغة رسمية للبلاد في دستورها الأخير، لم يكن تحقيقه بالأمر السهل، حيث خاضت الحركة المدافعة عنها حربا طال أمدها، رغم تواجدهم في منطقة شمال إفريقيا منذ 14 قرنا.

كانت بداية المعركة من إثبات أنهم السكان الأصليون للمنطقة وأن العرب نزحوا إلى المغرب الكبير وقاموا بـ"الفتوحات الإسلامية" في العهد الأموي، ليتعزز هذا الوجود مع ظهور الهجرات التي قامت بها مجموعة من القبائل.

تاريخيا، ينحدر الأمازيغ من أصول جرمانية، نسبة إلى الوندال الذين استوطنوا شمال إفريقيا في القرون الأولى من التاريخ الميلادي، فيما تشير آراء أخرى إلى الأصل العربي للأمازيغ الذين وصلوا إلى شمال إفريقيا هربا من الحروب في الشرق.

ينتشر الأمازيغ في المغرب في منطقة الشمال والشرق والأطلس وسط البلاد ومنطقة سوس بالجنوب. وتعني كلمة "أمازيغ"، الرجل الحر، وتفيد روايات للحركة الأمازيغية، أنهم مجموعة إثنية كانت لها ممالك قبل ميلاد المسيح، وامتدت إلى أجزاء واسعة من الصحراء الكبرى.

زواج مؤسس أول دولة إسلامية في المغرب، إدريس الأول، بأمازيغية لتوحيد البلاد، لم يكن كافيا إذ خضعت للعديد من التحولات وصلت أقصاها بعد استقلال البلاد عام 1956، مع دفاع الأحزاب الوطنية عن تعريب النظام التعليمي، وإبداء مواقف يصفها الأمازيغ بالمجحفة في حقهم.

ظلت الحركة الأمازيغية تتهم حزب الاستقلال المغربي (وطني محافظ)، إلى جانب أحزاب أخرى، بعرقلة الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية. وعلى صعيد الإعلام، كان التلفزيون الرسمي بالمغرب يخصص أقل من نصف ساعة يوميا لبث ما كان يسميها "نشرات اللهجات"، قبل أن تؤسس الدولة قناة أمازيغية بدأت بثها في 2010.

بدأت المطالب بإنصاف الأمازيغ من الجزائر سنة 1980 ثم انتقلت إلى المغرب، لكنها لم تتمكن من تحقيق أي مكتسبات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وتعرّض عدد من نشطائها للاعتقال، لكن وصول الملك محمد السادس إلى الحكم سنة 1999 كان بداية لتحقيقها.

انتزاع الحقوق

شرعت المدارس المغربية منذ 2003 بإدراج اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية، وتعليم الطلبة لغة "تيفيناغ". ورأى الكاتب المغربي المتخصص في التاريخ والحضارة، وليد بليلة، أن الدولة المغربية أصبحت تنهج سياسة تسعى من خلالها إلى احتواء حركات الاحتجاج المطالبة بإعادة الاعتبار للقضية، وهو ما تحقق منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وترسيم اللغة في الدستور، إلى إجبارية تدريسها في التعليم العام وفرضها في الإدارة المغربية.

واعتبر الكاتب في مقال له، أن القرار يهدف إلى الابتعاد عن كل الدعوات والشعارات التي تروج إلى الانقسام الطائفي والعرقي.

من جهته قال الصحفي الباحث في الأمازيغية، عبد المؤمن محو، لـ"الاستقلال": "إن مكتسبات مهمة تحققت لأمازيغ المغرب، بعد مطالب منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقل، لإنصاف لغتهم وثقافتهم وهويتهم. ففي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2001 أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس من أجدير (منطقة أمازيغية شمال المغرب) في خطاب تاريخي أعلن عن الظهير المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

وقدم ‬الخطاب الملكي مفهوما جديدا للهوية المغربية المنفتحة والمتسمة بالتعددية، ‬وشدد على أن الأمازيغية مسؤولية كل المغاربة. وعلى هذا الأساس، تحددت مهام المعهد الملكي ‬للثقافة الأمازيغية، الذي بدأ عمله فعليا في سبتمبر/ أيلول 2002، في النهوض بالأمازيغية، وذلك عبر إدراجها في المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي.

لم تقف الأمور عند هذه الخطوات، بل تحققت مكاسب يعتبرها الأمازيغ كبيرة لكنها غير كافية، منها خصوصا دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وقبل ذلك إحداث قناة حكومية أمازيغية (قناة تمازيغت)، ثم الانطلاق في مسلسل تدريس الأمازيغية في المدرسة العمومية، بعد اتفاق مشترك بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، يقضي بإدماج الأمازيغية في السلك الابتدائي منذ الموسم الدراسي 2004/2003، في أفق تعميمها على جميع مدارس السلك الابتدائي.

في مرمى النيران

إذا كانت الدولة تريد الابتعاد عن الانقسام الطائفي، فيبدو أن الأحزاب لا تدرك مدى أهمية ذلك، فمع كل تعديل جديد على القانون التنظيمي، تبدأ الحركة الأمازيغية بالتراشق بالاتهامات مع الأحزاب السياسية.

كان قانون إصدار الأوراق المالية بالأمازيغية آخر حلبات هذا الصراع، إذ تتهم الحركة الأحزاب بتهميش الأمازيغية، في حين تقول الحكومة: إن "مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ينص على استعمال الأمازيغية في الأوراق النقدية، وبالتالي لا داعي لمقترح أحزاب المعارضة".

يذهب الكثيرون إلى اعتبار مشروع الأمازيغية ورقة ضغط تشهرها أحزاب المعارضة للمزايدة على أحزاب الحكومة. إذ اعتبر رئيس الرابطة المغربية للأمازيغية، سليمان صدقي، في تصريح لوكالة الأناضول، أن "بعض الأطراف استخدمت التعديل الذي يخص الأوراق المالية لتصفية حساباتها السياسية مع أطراف أخرى". واصفا الجدل الدائر في المغرب، بـ"المفتعل".

وقال صدقي: إنه "رغم المصادقة على أغلب القوانين التنظيمية التي نص عليها دستور 2011 باستثناء قانون الإضراب، الذي يعتبر حالة استثنائية، فلا سبب قانوني ولا موضوعي يبرر التماطل المستمر في المصادقة على مشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية". وتابع قائلًا: "المصادقة على مشروع القانون رهين بتوفر إرادة سياسية صادقة لدى مختلف الفاعلين".

وحظي مشروع الأمازيغية باهتمام ورعاية كبيرة من طرف الملك، بحسب الباحث والمنسق الوطني للجمعيات الأمازيغية، رشيد الحاحي، في حديثه لـ"الاستقلال"، لكن بعد توزيع المهام بحسب الدستور الجديد، كان من المفترض أن تهتم الحكومة بهذا المشروع وأن تقوم بدورها، لكنها اشتغلت بطريقة فردية ولم تستحضر خبرات المجتمع المدني الأمازيغي ومقترحاته.

واعتبر الحاحي أن ما يهم الآن هو أن الأحزاب السياسية، رغم كل الأخطاء التي ارتُكبت غير التأجيل الذي لم يعد مستساغا بعد التأخير الكبير، عليها أن تتحمل المسؤولية وتُخرج موضوع الأمازيغية من إطار الصراعات والتنافس الحزبي إلى مستوى العمل الديمقراطي المشترك الذي يحتاج جميع مكونات المجتمع كل من موقعه لأجل خروج القانون التنظيمي.

المنسق الوطني للجمعيات الأمازيغية حمّل المسؤولية لجميع الأحزاب السياسية في التأخير الحاصل في إقرار مجموعة من القوانين المتعلقة بالأمازيغية. معتبرا، أن موضوع الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة، هو موضوع "مرتبط بالهوية والثقافة الوطنية وهو إستراتيجي، يجب أن يكون محط توافق وطني".

من جهته قال الصحفي الباحث في الأمازيغية، عبد المؤمن محو لـ "الاستقلال": "إن التعثرات التي عرفتها الأمازيغية لغة وثقافة في المغرب رغم دسترتها، والقوانين التنظيمية التي تفعّل الطابع الرسمي للأمازيغية لم يتم إصدارها حتى الآن، تعتبر اختبارا حقيقيا لأحزاب الأغلبية الحكومية والمعارضة معا، في جدية تعاطيها مع ملف الأمازيغية".

مطالب حثيثة

يتحدث 27% من المغاربة الأمازيغية، بحسب آخر إحصاء رسمي للسكان عام 2014، وتطالب الحركة الأمازيغية في المغرب بمأسسة اللغة الأمازيغية في حياة المواطنين من خلال اعتمادها في لوحات الإعلانات والإرشادات في الطرقات، واستعمالها في المحاكم، وكذلك في واجهة المؤسسات الوطنية، وتوسيع اللغة الأمازيغية في الحياة المدرسية وتخصيص يوم من كل عام للاحتفال بالسنة الأمازيغية.

وكان من المفترض أن تعمل الأحزاب الوطنية سواء التي في الأغلبية أو المعارضة بجد وأن تستحضر مدى أهمية هذا الملف الوطني والمكتسب الديمقراطي، بحسب الحاحي، وأن تسرع بالمصادقة على المشاريع المتعلقة به بعد التعديلات التي تسعى لجعل هذه القوانين منصفة.

وتمنى الحاجي، أن لا يتأجل الموعد الجديد، لأن هناك احتقانا في صفوف الحركة الأمازيغية، وهناك نوع من الإحباط بسبب التأجيلات المتكررة، قائلا: "على الحكومة العمل لتفعيل القانون التنظيمي لولوج الأمازيغية لجميع مجالات الحياة العامة كما هو منصوص على ذلك في الدستور".

الأحزاب التي تشكل الحكومة، وأيضا "حزب الاستقلال" من المعارضة صوتوا ضد مشروع قانون إصدار الأوراق المالية بالأمازيغية، وهذا قرار اعتبرته الحركة الأمازيغية يتنافى مع مقتضيات الدستور والوضعية الرسمية للغة الأمازيغية.

وترى الحركة أنه ليس من الضروري انتظار القانون التنظيمي، فجميع المجالات التي تدخل ضمن القطاعات الحكومية تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الرسمية للأمازيغية، كما هو الشأن بالنسبة لإدراجها في التعليم والإعلام قبل صدور القانون.

وفي بيان حول النقاش البرلماني بخصوص القانونين التنظيميين للأمازيغية ومجلس اللغات والثقافة، أصدرته حوالي 400 هيئة أمازيغية، طالبت بإعادة النظر في التصور العام الذي وضع به مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للغات (الذي يسعى إلى تذويب المؤسسات العاملة في مجال اللغات والثقافة داخل هيكلة المجلس الوطني بوصفها مديريات فرعية).

مشروع القانون هدفه الحفاظ على الاستقلال الإداري والمالي لهذه المؤسسات، باعتبارها قائمة الذات، وجعل اختصاصات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مطابقة للاختصاصات والمهام المنصوص عليها في هذا القانون لأكاديمية اللغة العربية.

وشدد الحاحي على ضرورة أن تحافظ المؤسسات العلمية و"أكاديمية محمد السادس" على استقلاليتها، قائلا: "المعهد هو المؤسسة العلمية الوحيدة التي تشتغل في مجال النهوض بالأمازيغية وتقعيد اللغة والإنتاج في المجال الثقافي والإبداعي ليس في المغرب فقط، فهناك مؤسسة في الجزائر".

مضيفا: "لكن المعهد حقق دورا مهما وأصبح من المؤسسات النموذجية، وبالتالي لا يمكن أن يتحول إلى مجرد مديرية تابعة للمجلس الوطني للغات، فهذا الأخير له دور تقني أفقي في إطار السياسات اللغوية الثقافية الوطنية".

ووجّهت الحركة المقترحات والمطالب إلى الأغلبية الحكومية والمعارضة على حد سواء، موضحة أنها ستعتبر أن "أي تجاهل لها ومحاولة تمرير مشروعي القانونين دون تجويدهما سيعتبر خذلانا وطمسا لحقهم الدستوري في إنهاء التمييز وتحقيق المساواة التامة بين جميع المغاربة"، حسب الحاجي.