بسبب الغاز اللبناني المسروق.. هل تندلع حرب بين حزب الله وإسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في 5 يونيو/حزيران 2022 روجت صحف مصرية لما رأته إنجازا هو الأول من نوعه بعدما عبرت باخرة التنقيب إنرجيان باور وهي منصة متحركة لاستخراج الغاز، "قناة السويس" بنجاح دون توضيح هويتها.

ونشرت هيئة القناة في 3 يونيو 2022 فيديو لعبور السفينة، وهي أحدث وحدة إسرائيلية لإنتاج الغاز المسال وتخزينه، تقودها أربع قاطرات.

وعقب ناشطون على حساب القناة قائلين: هل تعلم أن هذا القارب سيساعد في سرقة النفط والغاز اللبناني؟

وباخرة التنقيب تتبع شركة إنرجيان باور، وهي مستقلة مقرها لندن ولها فرع في اليونان، بُنيت في سنغافورة من أجل إسرائيل بغرض نهب حقل غاز "كاريش" في المياه الاقتصادية اللبنانية، مستغلة فشل المفاوضات حول تبعية المنطقة.

وهذا الحقل يقع بين علامتي 23 و29 البحريتين التي تجرى بشأنها مفاوضات حول الحدود البحرية وحد المياه الاقتصادية لكل من لبنان وإسرائيل.

تورط مصري

وترى إسرائيل أن مياهها الاقتصادية تمتد حتى خط 29 قرب سواحل لبنان ما يعني أن حقل كاريش للغاز في البحر المتوسط ملكها، بينما ترى بيروت أن حدود تل أبيب المائية عند خط 23 فقط، وبالتالي فمنطقة الحقل لا تتبع لها.

وهذه ثالث منصة غاز إسرائيلية في البحر المتوسط ولكنها متحركة، بخلاف منصتي "ليفياثان" و"تمارا". وتهدف إلى زيادة نصيب إسرائيل من الغاز المكتشف الذي يجرى نقله إلى مصر لتسييله في معاملها ثم نقله إلى أوروبا.

لذا اتهم خبراء سياسيون مصر بتسهيل استيلاء إسرائيل على الغاز اللبناني. لكن رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض اللبناني حول ​الحدود البحرية​ الجنوبية، العميد ​بسام ياسين، لا يرى أي مسؤولية على القاهرة في مرور سفينة التنقيب عبر قناة السويس.

قال لموقع "يورونيوز" 7 يونيو 2022 إنه "من الطبيعي أن تمر السفينة عبر قناة السويس، فهي باخرة تابعة لشركة أجنبية وعبرت القناة، وليست مسؤولية مصر أو غيرها توقيفها، المسؤولية الآن تقع على عاتق الدولة اللبنانية".

وصول الباخرة إلى المنطقة المتنازع عليها وبدء عملية نهب الغاز من البحر، قد يؤدي لإشعال المنطقة، حيث تتجه الأنظار إلى ردة فعل حزب الله في ضوء التهديدات التي أطلقها أمينه العام حسن نصر الله حال البدء بالحفر دون اتفاق.

وسبق لحسن نصر الله أن قال في العام 2021 إن إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أنها يمكن أن تتصرف كما تشاء قبل التوصل إلى حل، وأن الحزب "سيتصرف على هذا الأساس" عندما يجد النفط والغاز في لبنان بخطر.

وقال مبكرا عام 2011 إن "من يمس المنشآت المستقبلية للنفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية ستُمس منشآته وهو يعلم أن لبنان قادر على ذلك".

وعقب إدخال إسرائيل سفينة التنقيب، قال نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله إنهم مستعدون لاتخاذ إجراءات من بينها استخدام القوة ضد السفينة إذا أعلنت الحكومة في بيروت أن هذه العمليات تنتهك حقوق لبنان.

وأوضح في 6 يونيو 2022 "عندما تقول الدولة اللبنانية إن الإسرائيلي يعتدي على مياهنا ويعتدي على نفطنا، نحن حاضرون للمساهمة في الضغط والردع واستخدام الوسائل المناسبة بما فيها القوة"، وفق ما نقلت وكالة رويترز البريطانية.

لذا يتوقع مراقبون أن يكون دخول السفينة لسحب وإنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه من حقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، شرارة البداية لصراع عسكري.

أو أن يحدث العكس ويكون وصول السفينة عامل ضغط على لبنان لإنجاز الترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل بسرعة وسحب فتيل التفجير.

ومع استعداد تل أبيب لبدء الإنتاج في هذا الحقل خلال ثلاثة أو أربعة أشهر كما أعلنت شركة إنرجيان باور من حقل كاريش، ستتلقى مصر المزيد من الغاز الإسرائيلي لتسييله ونقله إلى أوروبا لصالح إسرائيل.

أكدت هذا وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، في بيان لوزارة الطاقة الإسرائيلية في 6 يونيو 2022، مؤكدة أن بدء عمل السفينة العائمة لإنتاج وتخزين الغاز سيجعل إسرائيل قوة في قطاع الغاز الطبيعي ويسمح لها بزيادة الصادرات إلى مصر.

وتتطلع إسرائيل ومصر للاستفادة من أزمة الطاقة في أوروبا، ومن المقرر أن يوقع البلدان اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق من يونيو، لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال عبر المتوسط، بحسب ما نشرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في 26 مايو/أيار 2022.

وقال الاتحاد الأوروبي أواخر مايو إنه سيستثمر 12 مليار يورو في إنشاء خطوط الأنابيب ومنشآت للغاز الطبيعي المسال لزيادة إمداداته من الغاز من منتجين آخرين مثل مصر وإسرائيل.

تورد إسرائيل حاليا الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب شرق المتوسط الذي يمتد بين عسقلان والعريش، والذي تبلغ طاقته السنوية التقريبية 7 مليارات متر مكعب.

وشرعت تل أبيب أخيرا في تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر عبر خط الغاز العربي القادم من الأردن للمرة الأولى.

ومن المتوقع أن تصل صادراتها من الغاز ما بين 2.5 و3 مليارات متر مكعب من الغاز هذا العام، وأن تصل إلى 4 مليارات متر مكعب في المستقبل، بحسب ما قالت وكالة رويترز في 16 فبراير/شباط 2022.

ومن المفارقات أنه سبق لمصر الإعلان في فبراير 2022 عن تزويد لبنان بالغاز بعد معاناته من نقص الطاقة وانقطاع الكهرباء.

 لكن إسرائيل كشفت أن الغاز المصري مصدره اسرائيل، ما أثار جدلا كبيرا وأدى إلى فشل نقله.

ونقل موقع "مدي مصر" في 16 فبراير 2022 عن وزير البترول السابق أسامة كمال تأكيده أن القاهرة ستحصل على غاز إسرائيلي عبر خط غاز شرق المتوسط القادم من عسقلان إلى العريش، ثم سترسله إلى لبنان عبر خط الغاز العربي.

الخلاف البحري

مع تزايد شهية تل أبيب لاستخراج الغاز المسروق من المياه الاقتصادية غير المحددة بدقة لدول عربية مجاورة، ومنها لبنان، طلبت من واشنطن التدخل لقيادة مفاوضات مع ذلك البلد لترسيم الحدود البحرية.

انطلقت المفاوضات بين الطرفين في مايو/أيار 2020 برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية لكنها توقفت بعد عام كامل جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها ولم يجر التوصل إلى اتفاق.

أرادت إسرائيل أن تقتصر هذه المفاوضات غير المباشرة مع لبنان على مساحة بحرية تقدر بنحو 860 كيلومترا مربعا، استنادا لخريطة إسرائيلية أرسلت عام 2011 إلى الأمم المتحدة.

لكن لبنان طالب بالتفاوض حول 2290 كلم، مضيفا 1430 كلم إلى المساحة المتنازع عليها استنادا لخرائط الجيش اللبناني التي تعطيه الحق بـ 1430 كيلومترا إضافية، تتضمن حقل كاريش حتى الخط 29 بوصفه جزءا من المياه الاقتصادية اللبنانية.

ويقصد بـ "المياه الاقتصادية الخالصة" مساحة تحت البحر لا تمارس عليها الدول سيادة كاملة، لكن يحق لها استغلال الثروات والموارد منها، وهي تمتد إلى مائتي ميل كحد أقصى من خط الأساس.

وهي تختلف عن "المياه الإقليمية" التي تمارس فوقها الدول سيادتها، وتقدر بـ 12 ميلا، و"المياه المتاخمة" وتمتد لمسافة 12 ميلا أخرى، تمارس فيها الدول قدرا أقل من السيادة، وما خارج ذلك يعد "مياها دولية" حقا للدول كافة وفق قانون البحار. 

خطأ الحكومات اللبنانية المتعاقبة هو عدم حسم هذا الملف لمواجهة أطماع إسرائيل المستقبلية ربما لأنهم لم يتوقعوا ذلك.

ففي عام 2009، حددت حكومة فؤاد السنيورة الحدود البحرية بالخط 23، لا الخط الحالي الذي طالبته به لاحقا وهو 29 ويدخل في نطاقه الحقل الذي تدعي إسرائيل ملكيتها له.

ثم ثبتت حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 النقطة 23 كحق للبنان لدى الأمم المتحدة، وقدرت بـ 860 كيلومترا مربعا عبر مرسوم يحمل رقم 6433.

وحين ظهرت أطماع إسرائيل، حاول حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال الأسبق تدارك الأمر فأصدر مرسوما جديدا في أبريل/نيسان 2021 يقضي بتعديل المرسوم 6433 المتعلق بترسيم الحدود البحرية مع تل أبيب.

وقد أرسله إلى الرئيس ميشال عون ليوقعه ليصبح نافذا. فلم يفعل الأخير، وظل المرسوم معطلا في مكتب الرئاسة مدة 417 يوما حتى أدخلت إسرائيل سفينة استخراج الغاز إلى حقل كاريش وعبرت النقطة 29 التي يطالب بها لبنان ضمن مياهه.

هذا المرسوم المعدل لمرسوم 6433 كان سيصحح حدود لبنان البحرية جنوبا من الخط 23 إلى الخط 29، ويضيف 1430 كيلومترا مربعا على المساحة السابقة 860 كيلومترا، ويعطي بيروت الحق في التفاوض على حقوقها في حقل كاريش.

لكن في ظل ضياع لبناني رسمي بين الخطين 23 و29 وعدم توصل المفاوضات التي ترعاها واشنطن إلى ترسيم واضح للحدود البحرية، وصلت السفينة الإسرائيلية إينرجيان باور وبدأ نهب الغاز اللبناني وفرض أمر واقع.

لذا اتهم لبنانيون الرئيس عون بالتسبب في خسارة لبنان أكبر وأهم ورقة في المفاوضات وهي حقل كاريش لأنه لم يوقع على تعديل مرسوم رقم 6433 الذي يحفظ حقوق البلد في هذه المنطقة التي تتضمن الحقل النفطي.

الخبيرة في ملف النفط والغاز بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "لوري هايتايان" اتهمت عبر حسابها على تويتر، الرئيس بأنه تأخر 417 يوما من عدم التوقيع على مرسوم تعديل المرسوم 6433 فخسر لبنان أكبر ورقة للتفاوض.

بعد شعورها بالورطة، عادت الرئاسة والحكومة اللبنانية لمطالبة أميركا والأمم المتحدة بمعاودة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

حرب أم تفاوض؟

أيا كان ما سيجرى لحل هذه المشكلة بسبب تهديد حزب الله بالحرب من جانب، وتنبؤ إسرائيل بأن الأزمة ستحل دبلوماسيا، فقد دخلت تل أبيب المنطقة بالفعل وبدأت استخراج النفط وفرض أمر واقع، ما أغضب لبنان.

الرئيس ميشال عون قال في 5 يونيو 2022، إن أي نشاط في المنطقة المتنازع عليها سيكون بمثابة عمل عدواني واستفزاز، وأنه طلب من قيادة الجيش تزويده ببيانات دقيقة ورسمية كي يتحرك بناء على ذلك.

وحذر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي من تعدي إسرائيل على ثروة لبنان النفطية.

وانتقد "محاولات العدو الإسرائيلي افتعال أزمة جديدة من خلال التعدي على ثروة لبنان المائية وإحداث توترات لا أحد يمكنه التكهن بتداعياتها".

كما حذر وزير الدفاع اللبناني موريس سليم، خلال بيان في 5 يونيو 2022 من احتمال وقوع "تدهور أمني" في جنوب البلد جراء التحركات الإسرائيلية في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين الجانبين.

لكن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس صرح بأن النزاع مع لبنان "هو قضية مدنية ستحل دبلوماسيا بوساطة أميركية".

وقال في تصريحات تلفزيونية "أي شيء يتعلق بالنزاع سيتم تسويته في إطار المفاوضات بيننا ولبنان بوساطة الولايات المتحدة"، بحسب ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 5 يونيو.

لكن المحللة السياسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط "إيفا كولوريوتي"، تتوقع أن تواجه سفينة الحفر البريطانية اليونانية إنرجيان باور تهديد توجيه ضربات لها من حزب الله الذي يمتلك صواريخ سورية وإيرانية قادرة على إصابتها.

قالت في تغريدات على تويتر إن حزب الله يمتلك ترسانة من صواريخ "ياخونت" روسية الصنع أرض-بحر، قدمها له نظام بشار الأسد بمدى 300 كيلومتر، كما زودته إيران بصواريخ قادر أرض -بحر يصل مداها إلى 300 كيلومتر.

وأشارت إلى تزويد إيران لحزب الله بصاروخ "أبو مهدي المهندس" بمدى يزيد عن 1000 كم، بحسب فيديو نشره الحزب، وهو يشكل خطرا كبيرا على المياه الإقليمية الإسرائيلية والقبرصية وحتى اليونانية. 

رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض حول ​الحدود البحرية​ الجنوبية، العميد ​بسام ياسين قال إنه "من اللحظة التي تبدأ فيها عملية الاستخراج، يصبح حقل كاريش خارج المعادلة وبالتالي يسقط لبنان أهم ورقة بملفه التفاوضي".

وأكد أن "جميع الخيارات متاحة بما فيها الخيار العسكري للحفاظ على حقوق لبنان وحماية ثرواته"، وفق ما صرح لموقع "يورونيوز" في 7 يونيو 2022. 

قال: "كل الخيارات متاحة، كل لبناني مطلوب منه أن يكون جاهزا للدفاع عن لبنان، وسلاح المقاومة هو من ضمن الأسلحة التي قد يجرى استخدامها".

ردود أفعال إسرائيل لم تنف احتمالات اندلاع حرب مع حزب الله، متوقعة أن يبادر الأخير بإطلاق قذائف على منصة استخراج النفط القريبة من سواحل لبنان لأنه يمتلك صواريخ مختلفة يمكن أن تنال المنصة بسهولة.

صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أكدت في 6 يونيو 2022 أن وصول منصة الغاز قد يشعل المنطقة حربا.

أشارت إلى أن "الجيش الإسرائيلي يتخذ الاستعدادات اللازمة لمواجهة احتمال ضرب حزب الله منصة كاريش في عرض البحر المتوسط".

موقع "هآرتس" نقل تأكيد هيئة البث والإذاعة الإسرائيلية العامة "كان" في 6 يونيو أن سلاح البحرية الإسرائيلية يحرس المنصة ويعمل على تأمين انتقالها منذ خروجها من قناة السويس، آتية من سنغافورة.

أوضح أن سلاح البحرية الإسرائيلي سيؤمن منصة استخراج الغاز، عبر وسائل عدة، بينها الزوارق البحرية الحربية، ومنصات "القبة الحديدية" التي حرى تطويرها أيضا خصيصا لتطلق من السفن البحرية، ومن خلال الغواصات.

وضمن عمليات التأمين حظرت لجنة شؤون الاقتصاد التابعة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، الملاحة البحرية على نطاق 1500 متر من محيط منصة الغاز الجديدة.

علما أنه وفقا للاتفاقية بين دولة الاحتلال وشركة إنرجيان باور، فإن تأمين منصة الغاز هو من مسؤوليات الشركة، بينما تقع مسؤولية تأمين محيطها البحري على عاتق إسرائيل.

وكتب الصحفي الإسرائيلي "نوعام أمير" في موقع "N12" أن التهديدات من جانب لبنان لا تؤثر كثيرا في المؤسسة الأمنية، لكن يجب أخذها بجدية.

وأضاف: "لبنان غير قادر فعلا على تهديد إسرائيل عسكريا، لأن آخر ما يرغب فيه نصر الله الآن هو فتح حرب في مواجهتنا، لكن على الرغم من ذلك، فإنه يجب إيلاء هذه التهديدات أهمية".