بإلغاء برامج الدعم.. هل تحرم حكومة أخنوش المغاربة من "الحماية الاجتماعية"؟

جمال خطابي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

إعلان حكومة المغرب برئاسة عزيز أخنوش، عزمها إلغاء برامج "الدعم الاجتماعي" مع نهاية 2022، أثار جدلا واسعا ورفضا من قبل المعارضة وفئات واسعة من المجتمع المدني، لمخاوف من التأخر في الاستفادة من برنامج "الحماية الاجتماعية" المرتقب.

والبرامج الاجتماعية القائمة حاليا، الدعم المالي للنساء الأرامل، و"تيسير" (للأسر الفقيرة لمحاربة الهدر المدرسي)، وبطاقة "الراميد" (التطبيب المجاني للفئات الفقيرة).

وفي 14 أبريل/نيسان 2021، أطلق المغرب، مشروعا لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية لتشمل العاملين في القطاعات الاقتصادية غير الرسمية، ويستهدف في مرحلته النهائية شمول جميع المواطنين في برنامج "الحماية الاجتماعية".

تراجع عن المكتسبات

وفي 16 مايو/أيار 2022، كشف الوزير المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، خلال جلسة برلمانية، أن الحكومة تتجه إلى إلغاء البرامج الاجتماعية الحالية؛ لأن "وجودها لا معنى له مع وجود برنامج ورش الحماية الاجتماعية". 

وأضاف لقجع، أن "المبالغ المالية المخصصة لهذه المشاريع ستخصص لمشروع الحماية الاجتماعية الذي سيستفيد منه الجميع".

وأفاد لقجع، أن "الدراسات الدقيقة لمشروع الحماية الاجتماعية أظهرت أنه يتطلب غلافا ماليا إجماليا يصل إلى 51 مليار درهم (5,1 ملايين دولار)، حيث ستتكلف الدولة بـ50 بالمئة، فيما ستشكل المداخيل المرتبطة بالمدفوعات والاشتراكات في هذا الإصلاح حوالي 50 بالمئة".

إعلان الحكومة إلغاء البرامج الاجتماعية التي سبق وأقرتها الحكومات السابقة، انتقده حزب العدالة والتنمية (معارض) والذي قاد الحكومتين السابقتين.

وفي 23 مايو 2022، عد رئيس الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، عبد الله بووانو، أن ما عبرت عنه الحكومة في موضوع تعميم الحماية الاجتماعية، يطرح عدة إشكالات تتعلق بتحصين المكتسبات المحققة للمستفيدين من "تيسير" و"الراميد"، و"دعم الأرامل"، المهددة بالإلغاء، بحجة تعميم التعويضات العائلية.

وأضاف بووانو، في اجتماع لكتلته النيابية، أن استفادة عدد كبير من المواطنين من نظام المساعدة الطبية "الراميد"، مهددة إذا ما تمت عملية إدماج هذا النظام في "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" (حكومي). 

وفي تدوينة عبر موقع "فيسبوك"، سجل بووانو، أن "إعلان الحكومة عن قرار إلغاء البرامج الثلاثة دفعة واحدة، دون تضمين ذلك في قرار رسمي، يحدد دواعي وأسباب الإلغاء والبدائل المقترحة لتحصين المكتسبات المحققة من تنزيلها، يؤكد ارتباك الحكومة في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية".

وذكر بووانو، أن إلغاء "الراميد" وتعويضه بنظام الضمان الاجتماعي يوجب على المنخرطين أداء مساهمة شهرية سيتعذر على معظمهم أداؤها، وبالتالي سيؤدي ذلك لـ"تكريس وضعية الهشاشة الاجتماعية التي يعيشونها".

وأوضح أن تحويل "الراميد" إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعد تراجعا عن بعض المكتسبات لهذه الفئة، مع غياب الإعلان عن بديل للاستفادة المباشرة دون أدنى اشتراك.

وخلص بووانو، إلى أن التراجع عن برامج الدعم الاجتماعي المرتبطة بـ"تيسير" و"دعم الأرامل" يعد إشكالا حقيقيا سيحد من القدرة الشرائية للفئات المستفيدة منه حاليا خاصة بالعالم القروي الذي يمثل الشريحة العريضة من المستفيدين.

واستغرب بووانو، من "عدم إعلان حكومة أخنوش عن قرار رسمي يقدم حيثيات الإلغاء ودواعيه وكذا كلفته المالية، وعن عدم تضمين مقترح الإلغاء في إجراءات مشروع قانون الموازنة لسنة 2022".

تشويش كبير

وبعد الجدل الذي أثاره إعلان الحكومة إلغاء برنامج "راميد" و"دعم الأرامل"، و"تيسير"، خرج الوزير المكلف بالميزانية، لقجع، بعد أيام من تصريحاته الأولى ليؤكد أن الأمر "لا يعد تراجعا ولا ضربا للإنجازات والمكتسبات".

وفي 26 مايو 2022، عد لقجع، خلال ندوة صحفية بالرباط، أن مشروع الحماية الاجتماعية "لا يتحمل المزايدات السياسوية".

وأوضح الوزير، أن "الهدف من التغطية الاجتماعية ليس ضرب المكتسبات أو التراجع عنها، بل بالعكس هو وضع جميع المغاربة في نفس الإطار بدون فئوية وبدون استثناء".

وذكر وزير الميزانية، أن "التعويضات العائلية سيستفيد منها جميع المغاربة في نفس الوقت وبنفس القدر ونفس الشروط، بما فيهم الأرامل وكل المستفيدين من البرامج الاجتماعية الأخرى".

وتابع أن "التغطية (التأمين) الصحية سيتم الانتهاء منها نهاية 2022، وأصحاب (الراميد) سيستفيدون منها شأنهم شأن باقي العاملين والموظفين".

لكن مراقبين يتساءلون عن أسباب عدم وضوح الحكومة في مسار تنزيل برنامج "الحماية الاجتماعية"، وعن مآل البرامج الاجتماعية القائمة، وكيفية ضمان انسيابية انتقال المستفيدين من هذه البرامج إلى المشروع الجديد دون كلفة مالية جديدة على المستفيدين أو إجراءات إدارية مرهقة.

الكاتب والإعلامي حسن بويخف، يرى أنه "لا خلاف حول كون منظومة الحماية الاجتماعية تعاني من التضخم المريض سواء على مستوى كثرة تلك البرامج أو على مستوى عدد المتدخلين فيها".

وأضاف بويخف في حديث لـ"الاستقلال"، أن "البرامج الاجتماعية تعاني أيضا من ضعف الحكامة وغياب التنسيق بين المتدخلين، وغياب آلية الاستهداف الاجتماعي (منظومة تحدد المعايير التي يتم بها تحديد المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي بما يضمن ذهابها إلى مستحقيها)".

وعد بويخف، أن إعلان الحكومة عن إلغاء البرامج السابقة قبل الإعداد النهائي لكافة مراحل تنزيل الحماية الاجتماعية، هو "تشويش على هذا الورش المهم".

واستغرب بويخف، إعلان الحكومة عزمها إلغاء البرامج المتعلقة بـ"الراميد" و"الأرامل" و"تيسير"، في غياب أية رؤية حول سياسة الحكومة فيما يتعلق بمصير البرامج الاجتماعية القائمة بعيدا عن لغة الإلغاء دون إعلان البدائل بشكل واضح يطمئن المواطنات والمواطنين المستفيدين.

وأردف أن "ذلك الإعلان خلق تشويشا كبيرا على ورش الحماية الاجتماعية وهو في بداية تنزيله، حيث لا يجد المستفيدون من البرامج المشار إليها أجوبة عن مستقبل الدعم الاجتماعي الذي يستفيدون منه من قبل".

وبخصوص إلغاء البرامج الاجتماعية القائمة، عد بويخف، أن "إلغاءها أمر منطقي كون برامج أخرى بديلة ستحل مكانها في ظل المقاربة الملكية الجديدة".

وأوضح أن "منظومة الاستهداف الجديدة المنتظرة ستجعل لكل أسرة أو شخص تشمله برامج الحماية الاجتماعية ما يسمى بـ(معرف اجتماعي) يحدد حجم ونوع الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، حسب درجة الاستحقاق التي يفترض أن تحددها منظومة الاستهداف الاجتماعي (الفئة االمستفيدة من برامج الدعم)".

وأبرز بويخف، "أهمية تسليط الضوء على هذا الورش المهم بالنقاش عبر مقاربة تشاركية لربح رهان التحديات والصعوبات التي تواجهه".

تأخر التنزيل 

وفي جوابه عن سؤال مدى احترام الحكومة لجدولة تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، أوضح بويخف، أن "المشكلة الكبيرة التي يواجهها تتعلق بتأخر تنزيل منظومة الاستهداف الاجتماعي".

وتابع أن "هذا الأمر سيجعل تنزيل برامج الحماية الاجتماعية يتم في نفس الظروف التي تتميز بضعف الاستهداف، ما يعني أن أسئلة كبيرة تشكك في نجاعة التنزيل مطروحة بقوة".

وأشار بويخف، إلى أن دراسة حديثة صدرت حديثا عن معهد تحليل السياسات (مركز بحثي غير حكومي)، تحت عنوان "أكبر ورش للحماية الاجتماعية.. تحت رحمة ضعف الاستهداف"، أوضحت "التفاوت المخل بين الجدولة الزمنية لتنزيل برامج الحماية الاجتماعية والجدولة الزمنية لتنزيل منظومة الاستهداف".

غير أن وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أكد أن "مشروع السجل الاجتماعي الموحد (نظام لضبط تسجيل المستفيدين) يتم التحضير له على أحسن ما يرام، وسيتم تنزيله في آجاله الزمنية المحددة".

وفي 30 مايو 2022، كشف لفتيت، خلال جلسة برلمانية، أنه "يرتقب أن يتم الشروع في العمل بالسجل الاجتماعي الموحد، في غضون نهاية السنة الجارية على الصعيد الوطني، من أجل تحقيق الاستهداف الحقيقي للمحتاجين للدعم العمومي".

وأوضح أنه بعد 5 أشهر من انطلاق المرحلة التجريبية بالعاصمة الرباط وإقليم القنيطرة (شمال العاصمة)، بلغ عدد المقيدين بـ"السجل الوطني للسكان" 120 ألف شخص، مشيرا إلى أنه سيتم في القريب العاجل بدء العمل بالسجل الاجتماعي الموحد.

ويحدد "السجل الوطني للسكان"، كيفية منح المعرف المدني والاجتماعي الرقمي وشروط وكيفية توفير خدمات التحقق من صدقية المعطيات المصرح بها.

أما السجل الاجتماعي الموحد، فيحدد كيفيات التقييد وحساب تنقيط الأسر المقيدة بالسجل المذكور.

وفي مقابل تطمينات وزير الداخلية، يرى الكاتب والإعلامي بويخف، أن "التدقيق المقارن للجدولة الزمنية لتنزيل مختلف برامج الحماية الاجتماعية والجدولة الزمنية لتنزيل منظومة الاستهداف يكشف عن وجود عدم التناغم بين الجدولتين". 

وأضاف بويخف، أن "الطبيعي أن يكون نظام الاستهداف قائما وفعالا لتأطير تنزيل برامج الحماية الاجتماعية ويكون جاهزا لتأطير عملية تنزيل برامج الحماية الاجتماعية، غير أن الذي تكشفه تلك المقارنة، في الدراسة المشار إليها سابقا، هو تأخر إعداد سجلات منظومة الاستهداف، مما يعني مواصلة حرمان برامج الحماية الاجتماعية من النجاعة".

وشدد على أن نظام الاستهداف يروم تحقيق نجاعة برامج الحماية الاجتماعية، وخاصة فيما يتعلق باستفادة المستحقين من الدعم الاجتماعي، وتحقيق عنصر العدالة الترابية من حيث شموله جميع أقاليم المملكة. 

وأردف أنه "لكي تستفيد برامج الدعم من نظام الاستهداف ينبغي لهذا الأخير أن يكون جاهزا ومنزلا (السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد) في جميع الأقاليم حتى يؤطر عمليات تنزيل البرامج الاجتماعية".

وخلص بويخف، إلى أن "السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، بصفتهما الآليتين التقنيتين الأساسيتين والمعول عليهما في تحقيق عدالة ونجاعة برامج الدعم الاجتماعي، لن يكونا معممين على جميع الأقاليم سوى مع نهاية عام 2025، فيما أغلب البرامج الاجتماعية سيتم تنزيلها في أوقات لن تستفيد نهائيا من منظومة الاستهداف".