زار قطر والسعودية.. فريق أمريكي يضع خارطة طريق لحل أزمة الخليج

12

طباعة

مشاركة

نشرت جامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية، تقريرا أعده فريق من الباحثين انتدبته، لإجراء دراسة عن الأزمة الخليجية، في سبيل محاولة إيجاد حلول عملية تسهم في رأبها -ضمن برنامجها لإدارة النزاعات- تناولت فيه جميع النقاط الخلافية التي أدت إلى محاصرة قطر.

وأجرى الفريق المكون من 13 طالبا وطالبة، بقيادة الأكاديميان دانيال سيرور ووليام زارتمان -وهما دبلوماسيان سابقان- زيارتي عمل للرياض والدوحة استغرقتا ١٠ أيام مطلع يناير/كانون الثاني ٢٠١٩، وتضمنت الزيارات لقاءات موسعة مع المسؤولين في البلدين، وبحث أصول ومسببات الأزمة التي شارفت على العامين منذ اندلاعها في مايو/أيار ٢٠١٧.

خلاف عائلي أم صراع صفري؟

وأشار الفريق في التقرير الذي حمل عنوان "السعودية وقطر... القطيعة غير المؤذية"،  إلى أنه استعد لمجريات الرحلة بلقاءات مكثفة في واشنطن لسفراء أمريكيين سابقين في منطقة الخليج ومسؤولين في الخارجية لمحاولة جس النبض والاطلاع على الخلفيات التاريخية للنزاع، وكان الجواب الذي تلقوه أينما ذهبوا عن تلخيص النزاع ببساطة أنه "خلاف عائلي".

ولفت إلى أنه "في نظر الساسة الأمريكيين أن ما يجمع البلدين الخليجيين قطر والسعودية هو أكبر مما يفرقهم من حيث التماثل القبلي والعرقي والمذهبي".

ومن ضمن الصعوبات التي واجهها الفريق، قال إنه: كان فارقا أن تكون الاستعدادات التي أجراها الفريق قد تمت في وقت وقوع جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على طبيعة تجاوب المسؤولين السعوديين الذين أنيطت بهم جهود إدارة الأزمة الكارثية.

وأضاف: "فعلى وقع الأحداث الملتهبة في أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٨، بدا وكأن الخلاف الخليجي قد عاد للمقعد الخلفي في سياق الأنباء العاجلة وانزلق لخانة (الصراع المزمن غير العاجل)".

وعن طبيعة الاستقبال، قال الفريق إنه كعادة الوفادة الخليجية، جرى الاستقبال في كل من الرياض والدوحة بكرم غامر، وأتيح لهم مقابلة من شاءوا من المسؤولين، مع طرح مستفيض للأسئلة ومناقشة للطروحات والسيناريوهات.

وخلص الفريق إلى أن توصيف الصراع بـ"الخلاف العائلي" غير دقيق، وأنه يندرج في سياق أمريكي تقليدي يفترض تبعية قطر الأتوماتيكية للسياسة السعودية ضمن معادلات (الشقيق الأكبر - الشقيق الأصغر)، بينما الحقيقة على أرض الواقع تبين أن السياسة الخارجية لدولة قطر هي مشروع مستقل تماما، له أسسه ومبادئه وإستراتيجياته ونجاحاته على مدى عقدين ماضيين.

وأوضح الفريق، أن الدوحة حاولت في هذه العقدين الخروج من أدوارها التقليدية كدولة تابعة للسياسة الخارجية السعودية إلى لاعب مؤثر في السياسات الإقليمية والدولية، وهو الدور الذي جرّ عليها "نكد" سدنة الأوضاع القديمة وفرض عليها نيل استقلال قراراها بالقوة عبر أزمة الحصار وما تلاه.

حرب المصطلحات

وتناول فريق الباحثين في تقريره، المصطلحات التي رافقت الأزمة الخليجية ومنها: سلمان "الحزم" في مواجهة تميم "المجد"، هل ما أقدمت عليه الدول الأربع "حصار" أم "مقاطعة"؟ وهل قطر تدعم "الإرهاب" أو "المقاومة"؟ وهل الجزيرة لسان "ثورات الفوضى" أم "ربيع الشعوب"؟

ورأى أنها كلها مصطلحات تم تسليحها في أتون الأزمة لتغدو حججا يفرضها الخصم على غريمه، وكان لافتا للفريق الأمريكي حرص السعوديين على استخدام المصطلحات "الأخلاقية" ذات الحمولات الدالة من قبيل صراع "تحالف الشر" و"تحالف الخير"، ومقابلة "الظلمة" مع "النور"، وأن قطر "الرجعية" تحارب السعودية "التقدمية".

حرب "المشاعر"

ولم يفت الفريق تسجيل حقيقة استثمار مسؤولي البلدين في التعبير عن مشاعر "جياشة" حيال الأزمة. ففي حين أبدى القطرين أساهم من انحدار مستوى المواجهة إلى تجييش مشاعر الكراهية الشعبية عبر منصات التواصل الاجتماعي وتأليف أغاني تم إذاعتها بغرض التحريض على القطريين (علم قطر). فإنهم أوضحوا أن أحد أسباب الأزمة هي "غيرة" الدول المجاورة من نجاح القطريين في استضافة فعاليات كأس العالم ٢٠٢٢.

ونقل الفريق عن المسؤولين القطريين أيضا، أن السعوديين يضمرون "الحقد" تجاه حاكم قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة لإصراره على انتهاج سياسية مستقلة عن السعودية منذ وصوله للحكم أواسط التسعينات.

ولم يغفل القطريون اعتبار، أن دور الإمارات هو "الشرارة" في الأزمة، فهم يعتبرون أن الإمارات هي "مخ" الحصار، بينما انحصر دور السعودية في فرضه عبر "العضلات"، بحسب الفريق.

اتهامات في شتى المجالات

بحسب التقرير الأمريكي، فإن ساسة الرياض يتهمون قطر بدعم "الإرهاب" الذي يعرفونه بأنه مزيج من جماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس الفلسطينية، وتنظيم القاعدة وحكومتي إيران وتركيا.

بينما ترد الدوحة من جانبها، بنفي دعم "الإرهاب" المتعارف عليه عالميا (جماعات العنف المسلح) دون أن تنكر صلتها بدعم منظمات الإخوان المسلمين في الدول التي فازوا فيها في انتخابات شعبية معترف بها دوليا، بحسب التقرير.

وعلى حد قول التقرير، فإن قطر تتهم السعودية بمحاولاتها المتكرر لفرض "الهيمنة" على قرارها السياسي المستقل، ومحاولات خنقها اقتصاديا من خلال منع وصول البضائع وإعاقة الملاحة الجوية، وهي الاجراءات التي اعتبرتها الدوحة بمثابة إعلان حرب واجراءات "حصار"، فيما الرباعية التي تضم السعودية، إضافة إلى (الإمارات، البحرين، مصر) تعتبرها "مقاطعة" اقتصادية مشروعة.

محاولات لفهم وجهات النظر

وقد توصل الفريق الأمريكي في إطار زياراته إلى محاولات لفهم منطلقات كل طرف في الأزمة. ففي الوقت الذي ترى فيه السعودية وشريكاتها في إيران خطرا وجوديا يتهددها بشكل دائم، لا ترى الدوحة هذا الخطر بذات الإلحاح، بل إنها تعتبر طهران الشريك الاقتصادي الأبرز لها في حقل غاز الشمال أحد أكبر مصادر الثروة القطرية.

وذكر التقرير، أنه في الوقت الذي رأت فيه الدوحة في أحداث الربيع العربي فرصة لبناء العلاقات وتوسعة النفوذ، فإن الرياض وحلفاءها يرون فيه وفي تسنم الإخوان المسلمين لفعالياته تهديدا آنيا لابد من القضاء عليه.

ونوّه إلى أنه مع وجود تباين تام لمواقف الطرفين من قضايا جوهرية، كالعلاقة مع دول الجوار وآلية التعامل مع ثورات الربيع العربي المشتعلة، والتي لا تزال تنضم إلى قوائمه دول جديدة ليس آخرها السودان والجزائر، فإن فرص الوصول إلى تفاهم فاعل بشأنه يظل مجرد أمل غير واقعي.

تقييم الدور الأمريكي

يرى الفريق الأكاديمي في تقريره، أن إدارة الرئيس دونالد ترمب شريكة متواطئة في الأزمة، فهي إن لم تكن دعمت الحصار بشكل مباشر فإنها سكتت عنه ولم تبادر لحله بجدية، ولعل في الاستقالة الهادئة للمبعوث الأمريكي لحل الأزمة الخليجية الجنرال أنتوني زيني مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، مؤشرا على عدم مبالاة البيت الأبيض بمآلات الأزمة التي دعمها ترمب بتغريدة نارية إبان اشتعالها.

وزاد التقرير، أنه "كرد على إجراءات البيت الأبيض سارعت الدوحة ببدء حوار إستراتيجي مع الولايات المتحدة وتوقيع اتفاقية موسعة لمكافحة الإرهاب مع اقتراح البدء في أعمال توسعة لقاعدة العديد".

حروب العلاقات العامة

يؤكد الفريق في تقريره، أن طرفي الأزمة متفقان على الاحتكام للمرجعية الغربية في حل النزاع، وهو الأمر الذي أدى بكليهما لاستثمار ملايين الدولارات في توظيف لوبيات مؤثرة في واشنطن، والدفع بملايين أخرى في تمويل حملات العلاقات العامة في عواصم أوروبا المؤثرة. لكن تقييم الفريق أكد أن كفة قطر في حرب العلاقات العامة قد رجحت نتيجة خبراتها المتراكمة في إدارة المنصات الإعلامية بكفاءة خلال العقدين الماضيين.

من المستفيد حاليا؟

وتوصل التقرير إلى أن المشروع القطري يبدو أنه الرابح الأكبر من الوضع الراهن، فرغم المخاوف التي انتابت النخبة والشعب القطري في بداية الأزمة من مخاطر اندلاع نزاع مسلح كانت الدوحة ستخسره بكل تأكيد، فإنها الآن وبعد عامين من الحصار تبدو وكأنها قد تكيفت مع الوضع الجديد باعتباره حالة دائمة.

وأردف: فاقتصادها الذي تم سحب الكثير من الأموال منه في الأيام الأولى للأزمة قد عاد للتعافي، بل وتم تحفيز قطاعات منه للتركيز على الاستثمار المحلي في التصنيع الخفيف للاحتياجات الأساسية. كما أن الاتفاقات العسكرية التي وقعت مع تركيا، والتفاهمات على فتح الأجواء مع إيران أتاح للبلدين الاستثمار والمشاركة في توريد منتجاتهم للسوق القطرية الواعدة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فيؤكد التقرير، أن الدوحة بادرت باستثمار المشاعر الوطنية التي عبّر عنها مواطنوها في بدء برنامج تأهيل -شبه عسكري- لحديثي التخرج.

وبيّن التقرير، أنه حتى المقيمين غير القطريين الذين يشكلون ٨٧ بالمئة من إجمالي عدد السكان في قطر (مقابل ٣٠ بالمئة في السعودية)، فقد تم تسهيل الأنظمة المتعلقة بهم بعيدا عن قيود نظام الكفالة وتأشيرات الخروج، مع إتاحة المجال لهم للتملك ومزاولة الأعمال بشكل مباشر في جو يضمن حقوقهم عبر ممثليات محلية لمنظمة العمل الدولية، الأمر الذي أتاح لقطر الاستفادة من رصيد كامن لم تستفد منه من قبل.

نقاط التقاء الطرفين

كون طرفي النزاع مملكتين مطلقتين ريعيتين تسعيان للتحديث بكل سرعة يضعهما -حسب التقرير- في سلم متقارب. كما أن حقيقة كونهما حليفين عسكريين للولايات المتحدة يشاركان بصفة مستمرة في المناورات والتمارين العسكرية المشتركة في منطقة الخليج، قد يساهم -كما يرجح التقرير- في إمكانية فتح مجال لبدء مسيرة التفاهمات عبر البوابة العسكرية. 

وعلى حد وصف التقرير، فإن امتناع الدول الأربعة عن منع قطر من تصدير الغاز المسال -بل وشراء بعض من كمياته من قبل الإمارات- يشكل مجالا إضافيا للتفاهم المستقبلي الممكن عبر بوابة الطاقة.

ويعتبر الفريق الأمريكي، أن المطالب الـ١٣ التي قدمتها الدول الأربعة لقطر قد وضعت لترفض، فلم تكن النية وقتها متجهة للحل بقدر ما كانت بوابة للتصعيد من خلال رفض الدوحة الانصياع لها.

ويرجح الباحثون، أن من شأن التغيير في السياسة التحريرية لقناة الجزيرة الناطقة بالعربية أن يعتبر (إجراء لبناء الثقة) قد تستند عليه خطوات مستقبلية قادمة للتقارب.

كما قد يؤدي عرض قطر على الإمارات المشاركة في تنظيم الحدث الرياض الدولي (كأس العام ٢٠٢٢) إلى تخفيف حدة التوتر.

ويضيف التقرير، أن من شأن فتح السعودية الباب لرحلات الحج والعمرة القطرية بالطرق المعتادة أن يساهم في "تطبيع" شعبي للعلاقات قد تدعمه فيما بعد وفود وساطة شعبية ودينية متبادلة.

الصراع كما يعبر عنه تقرير الفريق، ليس (صفريا) وقد يكسب الطرفان في حال أقدما على حل مرض لكليهما.

ما مستقبل الوساطات؟

يخلص التقرير في خاتمته، إلى أنه لا يبدو أن طرفي الأزمة يتعجلان الوصول إلى حل بأي ثمن، فاقتصاديهما قد تكيفت مع الأوضاع الجديدة، وعندما تغيب الآلام تغيب المحفزات، ويبقى الجانب الاجتماعي والديني متمثلا في قطيعة العائلات نتيجة الحصار وصعوبة أداء شعائر الحج والعمرة تفاصيل يمكن للوسطاء (مثل أمير الكويت) محاولة العمل عليها في المستقبل.

التقرير بحسب الفريق البحثي الأمريكي، أكد أن "الخلاف أصبح ثابتا جديدا في الخليج، وواقعا مقبولا بين أطرافه، فالثقة والخوف قد اضمحلا تماما".