يقودها رجال أعمال يمنيون.. "لوموند" تفتح ملف الحرب المالية في خليج عدن

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

فتحت صحيفة لوموند الفرنسية ملف الميناء والبنى التحتية النفطية للعاصمة اليمنية المؤقتة "عدن" التي صارت أخيرا "محل جشع رجال الأعمال المرتبطين بالفصائل المتحاربة والذين يفككون ما تبقى من الدولة".

أشارت لوموند في تقرير مطول، إلى رجل الأعمال اليمني أحمد صالح العيسى، المقيم في القاهرة، الذي صار منزله محلا لاستقبال عشرات المحامين اليمنيين. 

يتحدث هؤلاء المحامون مع حراسه الشخصيين، في تلك الشقة التي صارت ملاذا يحوم حوله أبناء وطنه اللاجئين في العاصمة المصرية، الذين وصل عددهم إلى ما يقرب من مليون فروا من اليمن منذ بداية الحرب في عام 2014.  

تقول الصحيفة إن العيسي يستقبل زوراه من أبناء بلده في غرفة مزينة بألوان القرن الثامن عشر وبمناظر الريف الفرنسي المرسومة على ورق الحائط المؤطرة بالقوالب المذهبة.  

سادة جُدد

يمول العيسي أولا العلاج في المستشفى لمن هم في حاجة إليه ويدفع تكاليف المنح الجامعية للعديد من الطلبة دون أن تمثل أصولهم الاجتماعية أو آرائهم السياسية قلقا بالنسبة له فهو شخص يغض الطرف عن تلك التفاصيل.

وتوضح لوموند أن الشيخ العيسى، صاحب الـ 54 عاما، المعروف باسم "القرش"، هو رجل حريص جدا. وتضيف أنه قبل عام تقريبا، كان لا يزال يعتقد أنه ملك النفط اليمني.

كان يقاتل من أجل السيطرة على ميناء عدن حيث تنقل سفنه الذهب الأسود. ورأى نفسه أكبر من الدولة التي كان يساعد في تقسيمها، مع الحرص على عدم إنهاء الحرب الدائرة، تقول الصحيفة. 

وأردف: "كان يحلم بأن يكون رئيسًا لليمن، بدلا من حليفه الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي (2012-2022)، الذي ساهم في تكوينه لثروته أكثر من أي شخص آخر". 

عمل العيسي كمصرف خاص لحكومته، وهو يدعي أنه جنّب الدولة اليمنية الإفلاس في عامي 2015 و2016 وأنه سد الثغرات في الميزانية حتى عام 2019. 

وتوضح لوموند: "لقد طفح الكيل في عدن، الغاضبة من قبضته، وانتهى به المطاف مطرودا منها".

فلم يعد بإمكانه السفر إلى أكبر ميناء في البلاد، والذي كان شاهدا على تشييده في 1967.

وهو الميناء الذي تولى دور "العاصمة المؤقتة" لليمن منذ 2014، عندما سيطر المتمردون الحوثيون- المليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران - على العاصمة صنعاء.  

تقول لوموند إن العيسي، رجل صغير ذو شارب رقيق، بطيء الحركة، بارد، ذكي، قادر على التصرف باللباقة المطلوبة.

يتحدث عن نفسه بضمير الغائب: "قلتم إن العيسي يتحكم في الهواء والأرض و البحر ولكن أين هم الآن؟"

منذ أن فرض أسياد جدد أنفسهم على عدن، ونفوا سفنها، يجب الاعتراف بأن المدينة لا تعمل بشكل أفضل، وفق تقدير الصحيفة.  

وبينت أن العيسي ساخر ومخيف، ويتحدى منتصريه- الأسياد الجدد- لإيجاد أسباب لمقاضاته بتهمة الفساد.

لقد هُزم العيسي في هذه المعركة التي دارت حول "فرض السيطرة" على ثروات عدن.  

إذ سيطرت على الميناء مليشيات انفصالية تحلم بإحياء جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة، الدولة الماركسية الوحيدة في تاريخ العالم العربي (1967-1990).

وعوض ذلك وضع هؤلاء المليشيات مدينة عدن تحت تصرف رجال أعمال من الجنوب موالين لهم.  

المملكة العربية السعودية، التي كانت تحمي "هادي" على مدى عشر سنوات وأبنائه وزمرة رجال الأعمال من حولهم، وفي مقدمتهم العيسي، انتهى بهم الأمر بسحب البساط منهم.  

وأُجبر الرئيس هادي في 7 أبريل/نيسان، على الاستقالة (تنازل عن صلاحياته لصالح مجلس رئاسي).

ومنذ عام 2015، أودى البؤس في اليمن بحياة أناس أكثر مما أنتجه القتال الذي قادته الرياض ضد الحوثيين، الذين يبنون نظاما شموليا في شمال البلاد، وفق لموند. 

وبينت أن "الفقر هو الذي يقتل، وتدهور المستشفيات، وغياب الخدمات الأساسية، وسيطرة أمراء الحرب الخانقة على الموارد الضئيلة لواحدة من أفقر البلدان في العالم". 

كل شيء صار مشاعا للدهماء والمليشيات في اليمن، بدءا من أكبر موانئها، عدن، وهي صورة مصغرة لصراع لا نهاية له.

يقع هذا الميناء عند سفح بركان خامد، جبل شمسان، في قلب خليج رائع، ويمارس السكان الصيد، بدون قارب، وهم يقفون في المياه المنخفضة. 

الأقدام المزروعة في الوحل مثل الكواسر الباحثة عن المصيد في الماء، تحصر صيدها في أكياس بلاستيكية.   

تنتمي السماء إلى الغربان الصاخبة، وهي من الأنواع الغازية التي أدخلتها سفينة من الهند في القرن التاسع عشر، خلال فترة المستعمرة البريطانية، وفق وصف الصحيفة.  

في وقت مبكر من عام 1839 استولت البحرية الملكية البريطانية على هذا الملاذ الإستراتيجي، الذي يقع في مكان مثالي عند مصب البحر الأحمر، بالقرب من مضيق باب المندب بين إفريقيا والشرق الأوسط.

جعل التاج البريطاني من مدينة عدن أحد أكبر منصات الحركة التجارية على هذا الكوكب، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

يحرس مدخل الميناء اليوم عربتان مصفحتان يديرهما رجال المليشيات الذين ينامون بسبب الحر. وتقول لموند: "إنهم موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي، حليف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. " 

يريد المجلس الانتقالي الجنوبي، أن تكون عدن حركة تحرر وطني، وهو يعد العدنيين بالتخلص من نِير الشمال واستعادة استقلاله لدولة الجنوب القديمة التي ولدت عام 1967 بعد رحيل الإنجليز ثم انصهرت عام 1990 في اليمن الموحد الذي لم يتوقف عن التضحية بهم.  

منذ عام 2015، اختلف الانفصاليون مع حكومة عبد ربه منصور هادي، وطردوا وزراءه من المدينة ثلاث مرات.  

يلخص مسؤول كبير في الدولة اليمنية ذلك ويقول إنه "في الشوارع، تسيطر قواتهم دون منازع تقريبا".

وأردف: "انتهى بهم الأمر بطرد أحمد العيسي من خلال السيطرة على الأرض، كما أن مليشياتهم هي التي تفرض من يدخل ومن لا يدخل الميناء".

حرب اقتصادية

وبينت لوموند أن اليمن "لا ينتج شيئا تقريبا، فهو يعتمد على 80 بالمئة من واردات الغذاء". ومن عدن، تتجه معظم البضائع شمالا، إلى أراضي الحوثيين، حيث يعيش غالبية اليمنيين. 

منذ عام 2021، وجهت الحكومة ضربة قاسية للأرصفة الوحيدة في أيدي المتمردين الشيعة بمدينة الحديدة (في الشمال، على البحر الأحمر)، من خلال حظر جميع واردات الوقود هناك تقريبا.  

يتهم الحوثيون تلك المليشيات بشن حرب اقتصادية يكون السكان أول ضحيتها.  

وللتعويض عن الخسائر، يفرض الحوثيون ضرائب على الناقلات على الطرق البحرية، ويعيدون بيع الوقود بسعر مرتفع.

في ميناء عدن، يجرى تخزين النفط في صهاريج تقف على بقايا المصفاة البريطانية القديمة، التي أغلقت منذ بداية الحرب.

حتى عام 2019، كان أحمد العيسي يسيطر على النقابات والإدارة داخل الميناء. كما فاز، وبانتظام على مدار الساعة، بمعظم طلبات العروض التي فتحتها حكومة هادي لاستيراد النفط.

واليوم، فإن انفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي هم من ينتصرون. وبحسب معلومات صحيفة لوموند الفرنسية، فإنهم يمنحون أسعارا تفضيلية للرجل الذي خلع العيسي: عبد الله البُصَيرِي. 

وبحسب مصادر حكومية، فإن ملك النفط الجديد في الجنوب ينقل ما يقرب من نصف حجم النفط إلى عدن: سوق تبلغ قيمته 400 مليون يورو شهريا. 

 ويشير هذا المصدر إلى أن "البصيري هو الذراع المالية للإدارة العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي".  

يقول بشراحيل هشام بشراحيل، رئيس صحيفة "الأيام" التي أسسها والده في عدن عام 1958 إن هناك "تسعة رجال يحتكرون عمليات نقل النفط ومن بينهم، البصيري هو الأول وأحمد العيسي الآن هو الأضعف".

صارت لدى البصيري اليوم مكانة مرموقة- يزن أكثر من 100 كيلوجرام في الثلاثينيات من عمره - وهو الذي يدير شركة عرفت النور من مكتب صرافة صغير أسسه والده في التسعينيات في مدينة المكلا، وهو ميناء هادئ من جنوب شرق البلاد.

يتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي بنفوذ في مدينة حضرموت، المحافظة التجارية القديمة، التي يمتد شتاتها من الخليج إلى جنوب شرق آسيا.   

لكن الحضرمويين قلقون من خططه للانفصال عن باقي اليمن. ويستغل العيسي عمله لمراكمة السلطة، في حين لا يهتم البصيري بذلك.  

يقول نفس المصدر الحكومي المذكور: "لا يعد البصيري شخصا أيديولوجيا، ولا يمارس السياسة: إنه يهتم فقط بالمال".

برز رجل الأعمال إلى الصدارة بعد عام 2016، عندما طردت الإمارات العربية المتحدة عناصر تنظيم القاعدة من المكلا، الذين سيطروا عليها.  

كان عناصر القاعدة علم دراية كافية بطرق إدراة الوضع هناك، حيث خفضوا الرسوم الجمركية للميناء، مما أدى إلى توسيع نطاق الأعمال، الأمر الذي عاد بالنفع على الصيارفة أيضا.  

هذا المكتب الصغير للبصيري، الموجود بالفعل في تجارة الذهب، بدأ بعد ذلك في استيراد النفط. 

يقول بشراحيل "لقد استثمر في المجلس الانتقالي الجنوبي وأقرضهم وقودا مجانيا خلال أزمة 2019 عندما طرد الانفصاليون الحكومة من عدن للمرة الثانية".

يتساءل العديد من العدنيين عن مصدر الأموال التي سمحت للبصيري بدعم هذا الانقلاب، حيث لا يملك هذا الرجل ناقلة نفط واحدة. 

فهو يستأجر قوارب لنقل النفط، على عكس العيسي الذي بنى إمبراطوريته بأسطول من 18 سفينة.  

هذا الأخير، الذي على الرغم من تقدمه في السن، لا يزال اللاعب الأبرز في اليمن. 

يعتقد المصدر الحكومي بالقول إن "البصيري كان نكرة قبل أن تخرجه الإمارات من مدينة المكلا لتجعل منه شخصا ذا مكانة".  

إذ إنه كان مفيدا لها خلال استعادة الميناء ومنطقته في أبريل/نيسان 2016، ثم وسع أعماله بفضلهم. وعندما حان الوقت، عُرض عليه منصب العيسي.

تقول الصحيفة إنه حتى اليوم لم يجر إثبات هذه الروابط  بين الامارات العربية المتحدة والبصيري الذي يعد "الأب الروحي للانفصاليين". 

لكن البصيري له مكاتب في دبي ويفتخر بعلاقاته الطيبة مع الإمارات. فهو يشتري نفطه من ذلك السوق الغامض، مثل معظم المستوردين اليمنيين.

وينقله بشكل خاص من المنطقة الحرة السرية في مدينة الحمرية، على ساحل إمارة شردجا الصغيرة. وإذا اشتبه العيسي في أن هذه القوة الخليجية تفضله، فإنه ينتظر الدليل.  

يقول المصدر الحكومي: "البصيري رجل أعمال، إنه شخص يسعى وراء شؤونة المالية". وتوضح لوموند أن الملياردير اليمني يعيش في حذر شديد عندما يتعلق الأمر بالإماراتيين. 

وهو الذي ادعى منذ فترة طويلة أنهم حاولوا اغتياله في مناسبات متعددة، وقد أصبح اليوم يعتمد عليهم لإعادة إطلاق نشاطه على الساحل الصحراوي لليمن، بعيدا عن عدن.  

الإماراتيون مؤثرون في محافظة شبوة، حيث يساعدون العيسي في تجهيز محطة نفطية جديدة. كما أن الأخير شهد انتصار خصومه الانفصاليين في الايام الأخيرة.  

وانضم زعيم الانفصاليين عيدروس الزبيدي في 7 أبريل إلى المجلس الرئاسي المؤلف من ثمانية رؤساء الذي خلف هادي.  

معظم القوات التي تقود الحرب ضد الحوثيين ممثلة هناك نصفهم من الرجال من الجنوب. وفي نهاية أبريل، وضع الجميع منافساتهم جانبا لدخول عدن معا. 

 يشير فارع المسلمي، المؤسس المشارك لمركز أبحاث مركز صنعاء، الذي سهّل تغطية صحيفة لوموند في اليمن بالقول إنه: "في الوقت الحالي، لدى عيدروس مصلحة في ممارسة لعبة الأخوة".

وأضاف "لقد حذر رجاله من أنهم سيرون الكثير من الأشخاص الذين لا يحبونهم في عدن وأنه سيتعين عليهم التعود على ذلك".

يمكن لقوات الزبيدي أن تتسامح مع هؤلاء القادمين الجدد. لكن هل هم مستعدون للتخلي عن سيطرتهم على المدينة؟

منذ عام 2015، ما فتئوا يمزقون بعضهم البعض بسبب مواردهم، مما أثار استياء العدنيين. كما صارت مدينتهم منطقة خارجة عن القانون، تحت رحمة أمراء الحرب.

يؤكد مسؤول يمني كبير أن عملية الاغتيال يجر التفاوض عليها هناك بحوالي 7000 دولار: 700 دولار للضابط، والباقي لشبكة إجرامية مرتبطة غالبا بالخلايا الإرهابية المحلية.

 "زعيم القبيلة"

والزبيدي عبارة عن زعيم منعزل، يعود أصله إلى محافظة الضالع الفقيرة الجنوبية، والتي تزود المجلس الانتقالي الجنوبي بمعظم قواته، وقد تسلل إلى أجهزة أمن الدولة، وربط بعض هذه الوحدات بالشرطة والجيش.  

 قبل دخول عدن منتصرا في أبريل، أمضى معظم وقته في أبوظبي واشترى ساعات رولكس الخاصة به في الرياض. 

يلخص أحد مستشاري المجلس الانتقالي الجنوبي طريقة حكم الزبيدي ويقول إنه "يمسك بزمام السلطة مثل زعيم عشائري، شأن الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح من قبله (1990-2012، الذي اغتيل على يد الحوثيين في 2017). 

ويعمل الزبيدي على جعل الفوضى سيدة الموقف، ثم يتدخل ليصالح الفصائل، متوقعا أن يكون الناس ممتنين له، وفق لموند.

الحركة الانفصالية يواجهها الحزام الأمني القوة الرئيسة التي تقاوم سلطتها، وهي مجموعة من أمراء الحرب مندمجين جزئيا في الجيش اليمني ورجال الأعمال ومستوردي النفط وأصحاب مكاتب الصيرفة.

وقد أسس هذا الحزام هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو شاب سلفي تلقى تعليمه في المملكة العربية السعودية، وكان من أوائل توابع الإمارات في عدن.   

بريك مجند من عشيرة يافا في المحافظات الريفية لحج والضالع وعدن، وقد اختاره مجلس الأمن الدولي في عام 2021 كواحد من الفاعلين المسلحين في الصراع اليمني الذي يجند أكبر عدد من الأطفال الجنود في عام 2021.

يقول أحد قادة هذا الحزام: "نموذجنا اليوم هو الجيش المصري".  وهذا يعني أنهم بذلك قد تسللوا إلى كل مكان في الاقتصاد اليمني.

وبحسب مصدر حكومي، فإنهم يأخذون ما يعادل 14 يورو من كل 200 ألف طن من الوقود التي تمر عبر الميناء كل شهر، ويحتكرون حوالي 20 بالمئة من هذه الواردات.   

الشاحنات المرتبطة بإحدى شركاتهم "إسناد" تسحب من الخزانات في ميناء عدن دون دفع أي سلف أو ضرائب.

يعيدون بيع هذا المنتج في السوق السوداء، ثم يعودون بعوائده إلى الدولة. كما يستثمر أمراء الحرب في العقارات، مستفيدين من تدفق أكثر من مليوني نازح فروا من الخطوط الأمامية للصراع. 

منذ عام 2015، تضاعف عدد سكان عدن ثلاث مرات.  يتنهد محافظها والأمين العام للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد لملس ويقول "إن القادة العسكريين هم من يديرون هذه الأحياء الفوضوية الجديدة في ضواحي المدينة. إنهم يزدهرون في الحرب". 

كان الحزام الأمني حاضرا بقوة ​​في مدرسة تدريب مع أجهزة المخابرات الإماراتية. 

يلاحظ مراقب مقرب من أبو ظبي: "هكذا مولت الإمارات جزئيا حلفائها في اليمن، وفتحت لهم الأبواب في الاقتصاد المحلي".  

لكن رغم ذلك فإن هذه المليشيا، تمر بوقت عصيب، فالمدفوعات المباشرة من الإمارات آخذة في الجفاف.

أعلنت أبو ظبي سحب معظم قواتها من البلاد في عام 2020، وتزعم اليوم أنها لم تعد طرفا في الحرب، وتحافظ على نفوذها هناك من خلال تسليح قوات أخرى.  

وانتهى بحزام الأمن المذكور  إلى إثارة غضب سكان عدن من خلال فرض رشاوى لا حصر لها على حواجز الطرق التي يسيطر عليها. 

في وقت سابق من هذا العام، وضع المجلس الانتقالي الجنوبي حدا لهذه الفوضى وطرد مليشيا حزام الأمن من مدينة عدن.  

يقول علي الهدياني، مسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي "جرى إيواء معظم الوحدات في قواعدها خارج المدينة لإعادة التدريب. 

تعامل بعض قادتهم مع مواقعهم في عدن وكأنهم ملك لهم، "إنهم يأتون من مقاطعات فقيرة وما زال لديهم عقلية قروية".

في مارس/آذار 2021، احتج سكان عدن بشدة على الفوضى في مدينتهم، من خلال غزو القصر الرئاسي.  

وقد كان على القوات السعودية أن تنقذ رئيس الوزراء معين عبد الملك، في منصبه منذ نهاية عام 2018 والمقيم في هذه الفيلا المحصنة، التي تطفو على نتوء صخري دوار.  

وبحسب أحد المقربين منه، فإن عملاق النفط أحمد العيسي هو الذي حاول الإطاحة به خلال تلك الحادثة.  

تقول الصحيفة إنه لا يمكن إنكار حقيقة  أن العيسي يكره رئيس الوزراء المذكور، فقد تعاملا معا وألغى الثاني عقودا عامة لرجل الأعمال كان يستفيد منها.

لكن لم يستوعب رجل الأعمال العيسي حتى الآن خيانة هذا الرجل الذي عده غير مهم. 

يذكر المصدر من جهته أن الدولة ما زالت تسدد ديونها للعيسي. ويؤكد أن نضالهم "ليس شيئا شخصيا، فهو حطم أحد الأثرياء المقربين من السلطة، والآن أن يتعامل مع عشرة آخرين". 

تدهور كبير

في الأول من يناير/كانون الثاني 2022، حاول رئيس الوزراء التعامل مع هؤلاء القلة الجديدة، ومنح شركة النفط اليمنية، احتكار شراء وبيع الوقود في الميناء.  

ورغم محدودية إمكانياتها فهي تأمل في منع المستوردين والموزعين من الموافقة على تضخيم الأسعار. 

 لم يخل ذلك القرار من المتاعب. فبعد ثلاثة أيام، أخلت مليشيا انفصالية بأمر من عيدروس الزبيدي مكاتب الشركة.  

ولا تزال مركبتان انفصاليتان تقفان خارج البوابة لمنع المدير من الوصول إلى مكتبه، تقول لوموند.   

كما أن نشاط هذا المسؤول يثير غضب سماسرة البورصة، الذين يمر من خلالهم ثلثا المعاملات في المشتقات النفطية، خارج أي تنظيم مصرفي.

لمواجهة هذا الاقتصاد الموازي تود الدولة تقوية البنوك ضمانا للشفافية. وبالتالي يمكنها تجفيف منابع اقتصاد الحرب، وكبح شهية رجال الأعمال. ولكن هل تستطيع تحمل تبعات ذلك؟  

 في صنعاء، تسيطر أجهزة استخبارات الحوثيين على تروس البنك المركزي. 

 صرح مسؤول مالي في عدن لصحيفة لوموند بقوله "لديهم وصول إلى جميع الخوادم والمحفوظات، بما في ذلك في المنطقة الحكومية". 

تقول الصحيفة إنهم يمنعون البنوك من إعطائنا أي معلومات.  وتوضح أن المسؤولين اليمنيين يخاطرون بالسجن إذا التقطوا هواتفهم للتحدث إلينا. 

 كما ضاعف المتمردون عشرة ضرائب كانت مفروضة قبل الحرب على البنوك، وضغطوا على سماسرة البورصة.

ولمواجهتها، منذ نهاية عام 2021، يحاول الفرع الحكومي للبنك المركزي في عدن ترتيب شؤونه. إذ إن مقره محمي من قبل مرتزقة سودانيين بأجر تدفعه السعودية.  

الحساب المصرفي الرئيس للبنك المركزي اليمني موجود في الرياض، في البنك الوطني السعودي.   

في 7 أبريل، تعهد مجلس التعاون الخليجي بتقديم 3 مليارات دولار للمساعدة في كبح جماح التضخم الهائل.

المؤسسة البنكية المركزية اليمنية في حالة سيئة. وكان للبنك المركزي في عدن خمسة محافظين في منافسته المستمرة منذ ست سنوات مع صنعاء.  

الأول بدأ بمنح نفسه راتبا أعلى من راتب رئيس الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة: 40 ألف دولار شهريا، ثم سحب أوراقا نقدية جديدة، مع توقيعه عليها. 

حتى نهاية عام 2021، كان لدى حكومة هادي أكثر من 3 تريليونات من هذه الريالات الجديدة المطبوعة في روسيا، والتي انتهى بها الأمر بلا قيمة على الإطلاق.   

يرفض الحوثيون التعامل بتلك العملات في الأراضي التي يسيطرون عليها.  وبحسب ما يشير إليه مسؤول مالي في عدن "إنهم على حق".

وأضاف " لقد كنا غير مسؤولين، أكملنا تقريبا تقسيم البلاد من خلال إنشاء عملة جديدة بحكم الأمر الواقع".

وأردف: "أوراقنا النقدية لا تذهب إلى البنوك، بل تذهب مباشرة إلى الصيارفة، إنها ليست حتى سوقا سوداء وهي الاقتصاد الحقيقي لليمن".

هذه هي الطريقة التي يربح بها صيارفة الأموال اليمنيون ثرواتهم. وهم جالسون على الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، يحولون الريال الجديد إلى دولارات، والدولار إلى ريال قديم، وفق الصحيفة.  

يلخص رئيس نقابة هؤلاء الصيارفة في عدن محمد عوض بالقول : "الكل يحتاج إلينا!".

في سن الخامسة والثلاثين، يعيش هذا الوريث لعائلة تجارية قديمة معظم وقته بعيدا عن اضطراب مدينته في الأردن. 

وتقول لموند: "إنه محرج من سمعة مؤسسته كمستغلين للحرب. وبحثا عن الاحترام، أخذ في على عاتقه، مع عشرات من زملائه، تأسيس "أكبر بنك في عدن".  

فهو يتفاوض مع الدولة، التي تأخذ وقتها في مراجعة حساباتها على مدى العقد الماضي، بحثا عن تعاملات مالية مشكوك فيها.