رغم تحالفهما ضد الغرب.. لماذا تلتزم الصين الحياد في غزو روسيا لأوكرانيا؟

محمد أيمن | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع حضور الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من المسؤولين قمة "كواد" الرباعية في طوكيو، حلقت طائرات مقاتلة صينية وروسية فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، ضمن مناورة مشتركة نددت بها الحكومة اليابانية ووصفتها بأنها "غير مقبولة".

وحضر إلى طوكيو، قادة دول التحالف الرباعي للحوار الأمني (كواد) الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان لعقد قمة في 24 مايو/أيار 2022؛ حين نفذت الطائرات الصينية والروسية طلعات مشتركة.

وقال وزير الدفاع الياباني نوبو كيشي إن طوكيو أخطرت روسيا والصين بـ"قلقها البالغ" إزاء الطلعات التي جرت بينما كان القادة يجرون محادثات حول الأمن الإقليمي.

وأبلغ كيشي الصحافيين أن "قاذفتين صينيتين انضمتا إلى أخريين روسيتين في بحر الصين ونفذت طلعة مشتركة وصولا إلى بحر الصين الشرقي".

وبعد ذلك، أجرت أربع طائرات طلعة مشتركة من بحر الصين الشرقي إلى المحيط الهادئ.

حليف إستراتيجي

وأضاف الوزير الياباني: "بينما يرد المجتمع الدولي على العدوان الروسي في أوكرانيا، فإن تنفيذ الصين عملا مماثلا بالتعاون مع موسكو المعتدية، يدعو للقلق. لا يمكن التغاضي عن ذلك".

في السياق عد مسؤول أميركي أن هذه التدريبات أظهرت أن الصين تواصل التعاون العسكري مع موسكو في المحيطين الهندي والهادئ "حتى في الوقت الذي تضطهد فيه روسيا أوكرانيا"، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز".

وتعد الصين بالنسبة لروسيا أكبر شريك اقتصادي، حيث بلغ التبادل التجاري بينهما نحو 140 مليار دولار في 2021. وفي 4 فبراير/شباط 2022 وقع البلدان صفقات بقيمة 117 مليار دولار.

وبحسب وكالة أنترفاكس الروسية، تستورد الصين من موسكو المحروقات من نفط وغاز إضافة للسلاح، بينما تصدر لها كل شيء تقريبا، وهذا ما يجعل الاقتصادين متكاملين، رغم أن الاقتصاد الصيني أكبر بكثير من نظيره الروسي.

فالناتج الداخلي الإجمالي لروسيا يبلغ نحو 1.5 تريليون دولار، في حين أن الناتج الداخلي الإجمالي للصين يبلغ 18 تريليون دولار.

ويعد الاقتصاد الصيني الضخم حاليا المنقذ لنظيره الروسي بعد تشديد العقوبات الغربية، خاصة فيما يتعلق باستمرار تصدير النفط والغاز.

ويرى رئيس مركز بيروت للدراسات هيثم مزاحم أن هناك نوعا من الحلف بين الصين وروسيا؛ لكن لا يمكن وصفه بالرسمي أو الإستراتيجي بين البلدين. 

ويضيف مزاحم في حديثه لـ "الاستقلال" أن العلاقة بين روسيا والصين قائمة بالأساس على مواجهة الولايات المتحدة والغرب من أجل خلق عالم متعدد الأقطاب في مواجهة القطبية الأحادية التي نشأت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 .

ويتابع رئيس مركز بيروت للدراسات أن روسيا والصين تشعران بأن هناك ضعفا بدأ يدب في قوة الولايات المتحدة الأميركية بعد هزائمها الأخيرة في العراق وانسحابها الفوضوي من أفغانستان.

ويضيف مزاحم أن التحالف الروسي الصيني هو اقتصادي كذلك، فروسيا غنية بالغاز والنفط والصين تفتقر إلى هذه الخامات وتستورد معظم محروقاتها من الشرق الأوسط، وكذلك من موسكو.

فخلال الفترة الحالية تعد الصين هي الظهير الداعم لروسيا في مواجهة العقوبات الأميركية والغربية؛ عبر استيراد النفط والغاز وتأمين المواد التي قد تحرم منها موسكو كما يرى مزاحم. 

ويعزز ذلك أن الحدود الصينية الروسية مشتركة ولا يمكن فرض حظر عليها أو تقييدها إضافة إلى أن التعاون بين الدولتين اقتصاديا يجري باليوان الصيني والروبل الروسي منذ استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم عام 2014.

تجديد الصداقة

 من جانبه يوضح مارك جوليان، رئيس أنشطة الصين في مركز آسيا بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن العلاقات الصينية الروسية تحسنت بشكل مذهل منذ تفكك الاتحاد السوفيتي.

ففي مارس 2022، وصف وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الصداقة بين موسكو وبكين بأنها "صلبة للغاية" وقبل ثلاثة أسابيع من الحرب، استقبل الرئيس شي جين بينغ، نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بكين، بمناسبة حفل افتتاح الألعاب الأولمبية. 

وفي مداخلة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي قال مارك جوليان إن الحرب في أوكرانيا "ستعزز من اعتماد موسكو على بكين في جميع المجالات: الاقتصادية والدبلوماسية والتكنولوجية والمكانية. 

ويرى جوليان، في إفادته أن المصلحة المشتركة الوحيدة التي توحد موسكو وبكين هي معارضة النظامين للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي  والديمقراطية الليبرالية. 

ودليل ذلك بحسب جوليان أن الصين تمضي قدما ببراغماتية في الملف الأوكراني ولا ترغب في مزيد من الالتزام بدعمها لروسيا، حيث يقتصر دعم شي جين بينغ على الجانب الاقتصادي والدبلوماسي "ضمن حدود العقوبات الدولية".

في المقابل يرى هيثم مزاحم في تصريحات لــ "الاستقلال" أن بكين لم تقدم حتى الآن دعما رسميا معلنا للعملية العسكرية الروسية.

ولكن بالتوازي مع ذلك هناك تبرير واضح في الإعلام الصيني وتفهم داخلي لدوافع التدخل الروسي في أوكرانيا الذي يرجعه البعض إلى توسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" شرقا وتهديده الأمن الإستراتيجي لروسيا.

وفي 16 أبريل/نيسان 2022؛ انتقدت وكالة شينخوا الإعلامية التي تديرها الحكومة الصينية، في مقال بعنوان "توسع الناتو سيفاقم أزمة أوكرانيا ويدهور الأمن الأوروبي" تجاهل الحلف للمخاوف الروسية، ورأى أن توسعه المستمر سيفاقم الأزمة الأوكرانية.

ووصف حينها مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، الرئيس الصيني بأنه "شريك صامت في عدوان بوتين في أوكرانيا"، واصفا الخطوة الصينية بأنها "أهم تحد جيوسياسي منفرد" يشهده القرن الحادي والعشرين. 

في المقابل صرح السفير الصيني بالولايات المتحدة تشين غانغ حينها ردا على بيرنز أن العلاقة بين الصين وروسيا تستند إلى سياسة عدم التحالف وعدم المواجهة وعدم استهداف دول ثالثة.

ورفض السفير الصيني المزاعم التي ترددها أوساط إعلامية ومسؤولون في الولايات المتحدة حول معرفة بكين المسبقة بالعمل العسكري الروسي في أوكرانيا أو تقديم الصين مساعدات عسكرية لروسيا ووصفها بأنها معلومات مضللة.

تايوان الفاصلة

في المقابل تقول مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إنه بغض النظر عما تقوله الصين أو تفعله ردا على قرار بوتين، بشن حرب في أوكرانيا فإن روسيا ليست قوة ترغب بكين في استعدائها.

وبحسب تقرير للمجلة الأميركية نشر في 16 مايو/أيار 2022 يسعى صناع السياسة الصينيون إلى تجنب استفزاز أي من القوتين المتنافستين دون داع.

ويحدث ذلك من خلال الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة واختيار بياناتها الرسمية حول الحرب بعناية.

وتقول المجلة إن إستراتيجية التوازن هذه لا تخلو من التكاليف، حيث أدى رفض إدانة روسيا إلى توتر علاقات الصين مع بعض جيرانها ونأى ببكين عن العديد من الدول النامية التي اصطفت ضد حرب موسكو في أوكرانيا.

كما تكبدت تكاليف اقتصادية ناجمة عن حرب روسيا التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة في المستقبل، ومع ذلك، ومن أجل تقليل خسائرها الإستراتيجية، من المرجح أن تلتزم الصين بمسارها الحالي حتى نهاية الحرب في أوكرانيا.

ويضيف تقرير فورين أفيرز أن الشيء الوحيد الذي قد يغير حسابات بكين ويدفعها إلى الوقوف إلى جانب روسيا هو إذا قدمت الولايات المتحدة دعما عسكريا لإعلان تايوان استقلالها القانوني.

لكن وباستثناء ذلك؛ فمن المرجح بحسب المجلة الأميركية، أن تواصل بكين عملها المتوازن، لأن سياسة الاحتواء التي تنتهجها واشنطن تجاه الصين تجعل من الصعب جدا على الأخيرة الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في الحرب في أوكرانيا.

لكن هيثم مزاحم يرى أن الموقف الصيني الحيادي نظريا؛ تخفي وراءه بكين رغبة في تكريس الأمر الواقع القائم حاليا في أوكرانيا حتى يتسنى لها تكراره في تايوان.

فبكين بحسب مزاحم ترغب بقوة في إعادة تايوان إلى البر الصيني؛ رغم الفارق بين الأخيرة وأوكرانيا.

فأوكرانيا تعد دولة مستقلة في الأمم المتحدة؛ تعترف بها روسيا والعالم أجمع، وذلك على عكس تايوان التي لا تزال تعد جزءا من الصين.

وفي حال نجحت روسيا في ضم أوكرانيا أو جزء منها؛ وتراجعت المعارضة الدولية فربما يشجع ذلك الصين لضم تايوان.

خسائر صينية

من جانبه يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طوكيو كاواشيما شين أن موقف الصين من الحرب في أوكرانيا تحاول به بكين تجنب المخاطر قبيل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي؛ المقرر عقده في خريف 2022، والذي سيعد اختبارا مهما لسلطة الرئيس شي جين بينغ. 

وفي مقال رأي بموقع "Nippon" الياباني، يرى كاواشيما أن الرئيس شي يرغب في الحصول على فترة ثالثة كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني وربما حتى لقب رئيس مجلس الحزب في هذا الحدث السياسي الكبير، ولذلك يحرص على تجنب أي أخطاء كبيرة قبل انعقاد المؤتمر.

ويضيف شين أن الصين لا تزال تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، على الرغم من التحركات الأخيرة لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع دول الآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) وغيرها من الشركاء غير الغربيين. 

وقد يؤدي الدعم المفتوح للإجراءات الروسية بحسب كاواشيما شين إلى فرض عقوبات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الصيني، وهو السيناريو الذي يحرص شي على تجنبه مع اقتراب المؤتمر الوطني.

ويتابع أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طوكيو أن هذه الاعتبارات دفعت بكين إلى تبني موقف محايد بشكل ما بشأن الحرب، بعد تعبيرها الأولي عن دعم مطالب موسكو.

ومنذ بداية الصراع، اتهمت القوى الغربية الصين بدعم سلبي أو حتى نشط للأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا.

 وفي مارس/آذار 2022، على سبيل المثال، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" مزاعم لم يجر التحقق منها بأن روسيا شاركت خططها الحربية مع الصين قبل الصراع.

ولكن كما أشار سفير الصين لدى الولايات المتحدة  تشين قانغ، في مقال رأي نشر في 15 مارس بصحيفة واشنطن بوست، كان لدى بكين الكثير لتخسره من تصرفات روسيا.

وقال السفير "إن الصين هي أكبر شريك تجاري لكل من روسيا وأوكرانيا، وأكبر مستورد للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم".

وأضاف أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يفيد بكين، مؤكدا "لو كانت الصين على علم بالأزمة الوشيكة، لكنا بذلنا قصارى جهدنا لمنعها".

وأدى الصراع إلى خسائر بمليارات الدولارات للشركات الصينية، فعلى سبيل المثال، خسرت مجموعة النيكل الصينية العملاقة "تسينغشان القابضة" 8 مليارات دولار من الصفقات السيئة التوقيت بعد أن تسببت الحرب بشكل كبير في ارتفاع سعر النيكل.

ووفقا للمكتب الوطني للإحصاء، انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصيني، الذي يتتبع النشاط الاقتصادي في قطاع الصناعات التحويلية، بنسبة 0.7 بالمئة في مارس، وهو أداء أسوأ بكثير مما توقعه محللو السوق، وأول انكماش شهري منذ أغسطس/آب 2021.

كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى تعميق الاستقطاب السياسي داخل الصين نفسها، حيث اندمج المواطنون الصينيون في معسكرات متعارضة مع روسيا وضدها.

وبعد فترة وجيزة من انطلاق الصراع، بدأ بعض مستخدمي الإنترنت الصينيون المناهضون لروسيا في إعادة الحديث عن عدم عدالة معاهدة أيجون لعام 1858.

وهي المعاهدة التي تنازلت عما يقرب من 230 ألف ميل مربع من الأراضي الصينية لروسيا، وقد جعلت الحساسية السياسية لهذا الحدث التاريخي بكين في الماضي حذرة من دعم أي جهود روسية للتوسع الإقليمي.