ليس خطابه بمجلس العموم.. ما الهدف الحقيقي من زيارة مفتي السيسي لبريطانيا؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ضمن تحرك مريب، سافر مفتي مصر شوقي علام، إلى لندن في 15 مايو/أيار 2022 في زيارة تستهدف على ما يبدو تحقيق ثلاثة أهداف.

الهدف المعلن لزيارة المفتي هو إلقاء خطاب في مجلس العموم البريطاني (البرلمان) بدعوة من مجموعة كانت تسعى منذ فترة بالتنسيق مع اللوبي الصهيوني لتصنيف الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية" وفشلت.

وضمن هذا الهدف، ترويجه وتوزيعه، لتقرير باللغة الإنجليزية على أعضاء مجلسي العموم واللوردات البريطاني يُشيطن الجماعة ويصمها بـ "الإرهاب".

ونشرت صفحة دار الإفتاء على فيسبوك نسخة من التقرير الذي جاء بالإنجليزية بعنوان "الخوارج الجدد.. العنف الأصلي للإخوان المسلمين كجزء من الجماعات المتطرفة الحديثة اليوم".

أما الهدف الثاني، فيبدو أنه مرتبط باستباق انتقال بعض أعضاء جماعة الإخوان من إسطنبول إلى لندن، بعد ظهور حاجة تركيا لتحسين علاقاتها مع مصر لأسباب اقتصادية وإستراتيجية، وضغوط القاهرة بشأن المعارضة المصرية على أراضيها.

إذ جاءت زيارة مفتي نظام عبد الفتاح السيسي بالتزامن مع انتقال معارضين، أبرزهم مذيعو الفضائيات المصرية المعارضة في اسطنبول، من تركيا إلى بريطانيا، مثل معتز مطر ومحمد ناصر، ربما للتحريض ضدهم قبل استقرارهم هناك.

واجهة دينية

لكن هناك سبب خفي ثالث للزيارة، هو أنها أول تحرك رسمي للمفتي برعاية النظام في مصر ليكون بديلا لشيخ الأزهر أحمد الطيب في ظل سعي السيسي لتحجيم وإضعاف دور المشيخة بفصل الإفتاء عنه وجعله تابعا للرئاسة.

ولم يفلح نظام السيسي في كسر إرادة وهيبة الأزهر وتطويعه للقبول بخطته المتمثلة بـ"تطوير الخطاب الديني" لأنها تنطوي على هدم ثوابت العقيدة.

فبدأ خطة شيطانية لخلق هيئة إسلامية موازية للأزهر هي دار الإفتاء لإضعاف نفوذ المشيخة. ويسعى علام من خلال الزيارة إلى إظهار نفسه كواجهة دينية في مصر.

وبدأت هذه الخطة بقرار جمهوري من السيسي في 14 أغسطس/آب 2021 لإخراج الإفتاء من عباءة الأزهر بالقوة.

تمثل ذلك في إلغاء صلاحية هيئة كبار علماء الأزهر في اختيار المفتي، وجعله تابعا للرئاسة، لخلق ازدواجية في المؤسسة الدينية، بدأت تظهر معالمها.

وبدأ هذا التحرك لفصل الإفتاء عن الأزهر وجعل المفتي منافسا لشيخه بعد تصاعد خلافات السيسي والطيب لرفضه تطويع المشيخة لإصدار فتاوى للسلطة.

فتحرك للبرلمان المصري لإضعاف استقلالية الأزهر في يوليو/تموز 2020، أفشله شيخه أحمد الطيب، ليتدخل السيسي بالقرار الجمهوري.

ووصف الصحفي المعارض المقيم في لندن "وائل قنديل" هذا القرار بأنه "حول دار الإفتاء إلى غرفة ملحقة بغرف العاملين في خدمة القصر الرئاسي".

وفي أوقات الفراغ تؤدي أدوارا لصالح المنظومة الأمنية، وتمارس الدعاية والترويج لمسلسلات دراما الجيش والشرطة، بحسب مقال نشره في موقع العربي الجديد 18 مايو/أيار 2022.

ظهر أول مؤشر لهذه الخطة حينما حاولت دار الإفتاء إحراج الأزهر وسحب البساط من شيخه في قضية ضرب الزوجات.

وقتها أصدرت فتوى تقول: "الرجال لا يضربون النساء"، لتبدو كمن يعلن الرأي الشرعي الرسمي عكس ما نُسب زورا لشيخ الأزهر، من أنه يؤيد ضرب الزوجات.

لكن التطور والمؤشر الأهم الذي أشار إلى أن السلطة بدأت بالفعل في تجاهل الأزهر واستبدال الإفتاء به، بعدما باتت هيئة مستقلة توازيه، كان تعمد محكمة مصرية إحالة قضية ازدراء أديان للمفتي ليبت فيها، متجاهله المشيخة، في مخالفة للدستور.

وتنص المادة (7) من الدستور على أن "الأزهر الشريف هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين".

وأحالت محكمة أمن الدولة - طوارئ في 21 فبراير/شباط 2022 قضية الباحث الإسلامي أحمد عبده ماهر إلى لجنة من دار الإفتاء، لتوضيح ما إذا كان كتابه محل النزاع "إضلال الأمة بفقه الأئمة" يحتوي على ازدراء للدين من عدمه.

وجاءت زيارة المفتي إلى المملكة المتحدة، لتؤكد نية السيسي تصعيد المفتي على حساب شيخ الأزهر داخليا وخارجيا.

تفاصيل مشبوهة

وسط ترتيبات مكثفة تضمنت حفاوة السفارة في لندن به وإخراج أنصارها للهتاف له، وترويج إعلامي لقدومه بوفد صحفي خاص سافر معه، جاءت الزيارة.

على عكس ما أعلنه المفتي عبر صفحته الرسمية على فيسبوك في 15 مايو، من أنه ذهب "بدعوة من البرلمان البريطاني واللوردات"، نفى متحدث باسم البرلمان البريطاني لموقع "ميدل إيست آي" بعدها بيومين صحة ذلك.

وقالت مديرة العلاقات الإعلامية في مجلس العموم "هانا أوليسون" للموقع البريطاني إنه لم يتلق رسميا دعوة من البرلمان البريطاني، و"ليس لديهم معلومات عن زيارته على الرغم من تضخيم وسائل الإعلام المصرية لزيارته إلى لندن.

وبرغم تضخيم حساب المفتي على فيسبوك من زيارته والحديث عن "تأمين موكبه بتشريفة مهيبة"، أظهر الفيديو المصاحب للزيارة موكبه من سيارتين وموتوسيكل شرطة واحد يحرسه.

بينما ذكرت وسائل إعلام مصرية أن شوقي علام تلقى ترحيبا رسميا عند وصوله إلى المملكة المتحدة، واستقبله وفد من وزارة الداخلية وجرى توفير مراقبة أمنية.

ولم ينشر موقع البرلمان البريطاني أي شيء عن زيارة المفتي للبرلمان أو إلقائه كلمة داخله للنواب لأنها كانت دعوة خاصة من بعضهم.

وتجاهل الإعلام البريطاني، الزيارة تماما، ولم ينشر أي خبر عنها رغم ما يشاع عن أنها "زيارة رسمية".

ووصف الصحفي "وائل قنديل" في مقال ما جرى بأنه سياحة للمفتي "فبإمكان أي سائح أجنبي في بريطانيا أن يشتري تذكرة لزيارة مجلس العموم البريطاني".

وبين أنه يمكن لأي شخص أن "يحضر جلسة استماع مع لجنةٍ من لجانه ويتحدث فيها، ويحظى بجولة في جميع غرف البرلمان، مقابل خمسين جنيها إسترلينيا".

وبين أنه "يدلس على الجمهور بأنه أجرى مباحثاتٍ مع مجلس العموم البريطاني بشأن قضيةٍ ما من القضايا المثارة في بلده".

وأكد أن زيارة مفتي مصر للعاصمة البريطانية، "كان من الممكن أن تمر، مثل أي رحلة سياحية، لولا أن مجموعات من المعارضة المصرية كلفت نفسها بمتابعة تحركاته ونظمت وقفة صغيرة أمام مبنى مجلس العموم منددة بوجوده في بريطانيا".

كما نشرت لقطات على مواقع التواصل الاجتماعي للمفتي بين خمسة أو ستة أنفار من أصحاب الأعمال التجارية المقيمين في لندن، وفق قوله.

ورأى قنديل أن تفاصيل جولة المفتي في لندن مهينة لمنصبه الذي يعادل مرتبة وزير، وهو أعلى مرتبة دينية بعد شيخ الأزهر، لأنه لم يكن مدعوا من الحكومة البريطانية، ولكن من شلة أصحاب أعمالٍ ينظمون له جولة سياحية، تتضمن رحلة إلى مجلس العموم.

وبحسب مصادر لموقع "ميدل إيست آي": تلقى المفتي دعوة من "المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب بشأن مصر" APPGs، وهي غير رسمية تضم 8 فقط من نواب البرلمان.

ويتولى أمانتها العامة وسكرتيرها المصري سمير تكلا، وهو رئيس الجالية المصرية في لندن، والذي وصفته صحيفة "الموجز" القريبة من الأجهزة الأمنية بأنه "الامبراطور الذي هزم الإخوان بالضربة القاضية أمام مجلس العموم البريطاني"

ويشير موقع المجموعة الرسمي إلى أن هدفها هو "تعزيز العلاقات بين البرلمانيين البريطانيين والمصريين وبين مجلسي البرلمان البريطاني"، وترتيبها زيارات لدعم السيسي عقب انقلاب 2013، واستقباله في لندن.

وانتقد السياسي والحقوقي المقيم في لندن أسامة رشدي دفاع جماعات قبطية عن السيسي في لندن والحديث مع المفتي عن القضايا الشائكة في الشريعة الإسلامية مثل الطلاق.

مفتي الإعدامات

مقابل ترحيب قرابة 12 مصريا من عائلات السفارة المصرية بالمفتي أمام البرلمان، دشن مصريون مظاهرات واحتجاجات ضد الزيارة وأرسلوا للنواب الذين استقبلوه ينتقدون استقبالهم "مفتي الإعدامات".

أكدوا لهم أن يديه ملطخة بالدماء بسبب آلاف الأحكام بالإعدامات الجائرة بحق المعارضين السياسيين للمجلس العسكري الذين أعدم 106 منهم بموافقته.

وقالت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية في تقريرها السابق، إن مفتي مصر هو صاحب الرقم القياسي في التصديق على أحكام الإعدام بالبلاد.

وبحسب منظمة العفو الدولية، صدق علام على مئات أحكام الإعدام منذ تعيينه مفتيا لمصر عام 2013، الذي شهد انقلاب السيسي ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.

وأكدت المنظمة الحقوقية غير الحكومية Reprieve ريبريف، أن مصر شهدت ما لا يقل عن 53 محاكمة جماعية منذ عام 2011، ونُفذت أحكام بالإعدام بموجبها بحق 2182 شخصا. 

كذلك صدرت أحكام ابتدائية بالإعدام ضد 17 طفلا خلال نفس المدة.

وقالت رابطة مسلمي بريطانيا في بيان إنها "شعرت بالفزع" عندما علمت أن علام دعي للتحدث إلى البرلمان. وطالبت الرابطة بسحب دعوته وتحميله مسؤولية إعدام العشرات بشكل وحشي.

وانتقد مصطفى الدباغ، المتحدث باسم الرابطة الإسلامية، أكبر تنظيم إسلامي في بريطانيا دعوة المفتي واستنكر استقباله.

وقال عضو حزب الحرية والعدالة المقيم في لندن محمد سودان، إن مفتي مصر "رجل يجب أن يحاكم أمام القضاء الدولي بتهمة المساعدة والتحريض على الجرائم ضد الإنسانية"، وفق ميدل إيست آي.

وردت جماعة "الإخوان المسلمين" على الاتهامات التي أوردها مفتي مصر "شوقي علام" ضدها أمام البرلمان البريطاني، برسالة إلى النواب في 17 مايو 2022 متهمة إياه بأنه مفتي الإعدامات.

انتهاكات وشيطنة

وقال "إبراهيم منير"، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والقائم بأعماله، إن أحكام الإعدام في مصر بلغت حدا خياليا تحت رعاية المفتي الحالي "علام"، الذي وضع مصر ضمن أعلى الدول إصدارا وتنفيذا لها.

وذكر "منير"، في رسالة إلى أعضاء مجلس العموم البريطاني، أن "هذا المعدل القياسي لأحكام الإعدام التي يقرها مفتي مصر بحكم منصبه، تأتي في الوقت الذي يتعرض آلاف من النساء والرجال والطلاب للاختفاء القسري وأوضاع احتجاز لا تحقق أدنى المعايير الإنسانية".

وبيّن أن "مصر تشهد غيابًا عامًا لضمانات المحاكمات العادلة، ويزيد القلق من هذا الأمر خاصة عندما ينتج عنها أحكام الإعدام التي نراها منذ عام 2013، والذي شهدت مصر خلاله استقطابا على الأرجح لا يماثله شيء في التاريخ الحديث".

ولأنه حمل معه تقريرا هدفه شيطنة الإخوان وإلقاء كل أسباب العنف على كاهلها، توقع مراقبون أن يكون هدف الزيارة سعي القاهرة لاستعادة الزخم لحملة تصنيف الجماعة في بريطانيا "إرهابية".

وهي حملة فشلت عدة مرات رغم دعم دولة الإمارات لها وتهديدها بوقف صفقات سلاح مع بريطانيا.

فقد كشفت صحيفة "الغارديان" في 6 نوفمبر/تشرين ثان 2015 أن الإمارات هددت حينئذ بوقف صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع بريطانيا، وإيقاف استثماراتها وتعاونها الاستخباري مع لندن، لو لم تستهدف الأخيرة الإخوان المسلمين.

لكن في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، خلُص تقرير أعدته الحكومة البريطانية إلى أنه لا ينبغي تصنيف الجماعة "منظمةً إرهابية" أو حظرها، ولكنه زعم أن "عضوية الحركة أو الارتباط بها يجب أن يعد مؤشرا لتطرف محتمل".

وأكد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، أنه لن تحظر جماعة الإخوان المسلمين، ولكن أنشطتها ستكون محل رقابة في الداخل والخارج.

وعقب الانقلاب العسكري في مصر، وتصنيف نظام السيسي الإخوان "إرهابية" أعلنت بريطانيا 28 ديسمبر/كانون أول 2013 رفضها هذا القرار.

وأكدت وزيرة الداخلية البريطانية وقتها تيريزا ماي أنها لا تعترف بالقرار المصري.

كان مستغربا أن يحاول مفتي العسكر شوقي علام إقناع البريطانيين بأن جماعة الإخوان "إرهابية" وتحريضهم عليها، بتذكيرهم أن نشأتها عام 1928م على يد حسن البنا "كانت لمحاربة المستعمر البريطاني وقتال الإنجليز"!.

فقد بدا المفتي وكأنه يعارض المقاومة الشعبية للمصريين ضد الاحتلال البريطاني لمصر، ويدافع عن الاحتلال.

وزعم التقرير الذي وزعه المفتي على أعضاء البرلمان البريطاني أن نشأة جماعة الإخوان التي كانت استجابة للمشاعر المعادية للاستعمار في مصر.

وادعى أن "الإخوان" حاولت اختطاف مكاسب ثورة 25 يناير بعد عام 2011، وبذلت ما بوسعها للتسلل إلى مؤسسات الدولة للاستيلاء على السلطة، عن طريق "الخداع الانتخابي!"، على حد زعم بيان المفتي.

كما زعم في التقرير انتهاك جماعة الإخوان العنف وأنها ذات علاقة بكل من تنظيمي الدولة و"حسم" وغيرهما.