فشل في الحشد الإلكتروني وبميادين تونس.. لماذا لا يرى قيس سعيد خسائره؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مرة أخرى، فشل أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد في تحريك الشارع تأييدا لقراراته وحشدا لدعم شعبي لانقلاب 25 يوليو/تموز 2021 الذي قام على مقولة الاستجابة للإرادة الشعبية.

ولم ينجح هؤلاء في 8 مايو/أيار 2022، سوى بحشد بضعة مئات من المتظاهرين في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس والعشرات في عدد من جهات البلاد.

وطفت على السطح صراعات بين المجموعات الداعمة لقيس سعيد تجلت في تبادل للعنف وسط العاصمة بين ما يعرف بتنسيقيات الحملة التفسيرية و"حراك 25 يوليو" الذي يقوده المدون ثامر بديدة.

وترفض قوى سياسية واجتماعية إجراءات سعيد الاستثنائية التي اتخذها تباعا منذ يوليو، ومن بينها إقالة الحكومة وحل البرلمان وتعدها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت برئيس النظام زين العابدين بن علي.

وقال سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، وشدد على عدم المساس بالحريات والحقوق.

تحرك فاشل 

ويرى مراقبون أن المسيرة الأخيرة المساندة لقيس سعيد أريد لها أن تحقق غرضا وحيدا وهو تحصين خيارات الرئيس ومشروعه بـ "مشروعية" شعبية كان الرهان على أن تكون جارفة ومشابهة لما يروج في استطلاعات رأي يشكك كثيرون في مصداقيتها.

لكن تعثر الرهان نتيجة ضعف نسبة المشاركة في المسيرات المساندة، أسقط من يد الرئيس وأنصاره باقي أوراق الضغط والتمسك بشعار "الشعب يريد" كنقيض للأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات.

هذا الوضع الجديد فتح التساؤل اليوم حول مدى قدرة الرئاسة على أن تفرض على المنظمات والجمعيات والأحزاب المنتظر أن يسمح لها بالمشاركة في الحوار الوطني مخرجات الاستشارة الإلكترونية التي لم يشارك فيها سوى 5 بالمئة من التونسيين.

والاستشارة الوطنية أطلقها سعيد منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، بهدف "تعزيز مشاركة المواطنين في عملية التحول الديمقراطي"، واستمرت حتى 20 مارس/ آذار.

تعددت الدعوات من جهات مختلفة لتحرك 8 مايو، وتجمع كلها على مساندة قرارات قيس سعيد، وتطالبه هذه المرة بمحاسبة الجهات التي تعود هو اتهامها بضرب الدولة من الداخل والتآمر مع جهات أجنبية في إشارة إلى المعارضة والأحزاب السياسية.

 عضو الحملة التفسيرية للمشروع أحمد شفطر والذي أصبح يعرف في أوساط التونسيين بلقب "كبير المفسرين" أشار إلى وجود عملية إعداد حثيثة في جل محليات البلاد لتحرك 8 مايو.

ولفت شفطر في 26 أبريل/نيسان 2022 إلى أن هذا التحرك الجماهيري سيكون عنوانه "الوصفة الطبية الشعبية والمشروعة" في وجه ما أسماها كل "قوى الجذب إلى الوراء".

وبين أن شباب المحليات سيخرجون ضد كل من يتمسح على أعتاب السفارات ويستجدي صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي كي لا يدعم تونس.

وحسب أيضا أن التحرك سيكون يوم غضب شعبي دعما لرئيس الجمهورية ولمسار 25 يوليو 2021  حسب قوله.

من جهته دعا كمال الهرابي الكاتب العام الوطني لما يعرف بـ"حراك 25 يوليو" مختلف مكونات المجتمع المدني إلى المشاركة بكثافة في التحرك يوم 8 مايو 2022 بالعاصمة.

المفاجأة كانت شبه صادمة لأنصار قيس سعيد والمسؤولين الجدد في الحكومة والدولة، من الذين وظفوا أجهزتها وإمكانياتها خدمة للمتظاهرين الذين جرى استقدامهم بالحافلات من عدد من جهات البلاد.

وجرى فتح شارع الحبيب بورقيبة بعد أن منعت منه المعارضة مرات عديدة لأسباب متعددة كان أبرزها الحجج الصحية في ذكرى الثورة بـ 14 يناير 2022، حين واجهت قوات الأمن المتظاهرين بعنف شديد ما أدى إلى مقتل أحدهم واعتقال العشرات.

محافظ العاصمة كمال الفقي، الذي أصدر بداية مارس 2022  قرارا بمنع التظاهرات السياسية بشارع الحبيب بورقيبة، نزل إلى نفس الشارع تأييدا لقيس سعيد في وقت كان فيه وزير الداخلية توفيق شرف الدين أيضا يرسل برسائل سياسية إلى المعارضين من بين المتظاهرين.

وفي ندوة صحفية صبيحة 3 مايو 2022، عد أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل، ومؤسس "جبهة الخلاص" أن نية الرئيس قيس سعيد تتجه نحو إعلان حل الأحزاب السياسية وتوقيف قياداتها ووضعهم تحت الإقامة الجبرية.

وأضاف: "من المؤشرات التي تعزز هذا الخبر، الاستعداد ليوم 8 مايو لتنفيذ تحركات سيجري من خلالها استهداف مقرات الأحزاب وبناء على ما قد يحدث من اشتباكات سيتم حل الأحزاب وإيقاف قياداتها".

خسارة الأوراق 

هذه الانتكاسة التي مني بها قيس سعيد وأنصاره، حققت نتائج عكسية للأهداف التي وضعت من أجلها المسيرة الداعمة له.

ويرى مراقبون أن الرئيس وأنصاره واجهوا تعثرين، الأول كان الاستشارة الإلكترونية والثاني مسيرات الدعم.

ففي المحطتين اللتين كان يراهن على أن توفر غطاء شعبيا لسياسات الرئيس، كانت الأرقام مخيبة وتكشف عن أن جزءا واسعا من الشارع التونسي له أولوية مغايرة كليا لأولويات الفاعلين في المشهد، سواء من يمسك بالسلطة أو من يعارضها.

ومنتصف يناير 2022، أطلق سعيد، استشارة إلكترونية بهدف "تعزيز مشاركة المواطنين في عملية التحول السياسي واستمرت حتى 20 مارس من نفس العام.

وأظهرت نتائج الاستشارة التي أعلنتها الحكومة التونسية، مشاركة قرابة نصف مليون شخص فيها من أصل 12 مليون تونسي.

هذه الاستشارة عدها قيس سعيد ناجحة وأساسا للحوار الوطني الذي ينوي عقده بمشاركة المنظمات الوطنية وإقصاء الأحزاب السياسية جميعا حتى تلك التي أيدته.

إلا أنه وبعد تعثر جديد يبدو أن ما تبقى للرئاسة هو أن تستجيب لطلب المنظمات الأربع الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2014 (اتحاد الشغل، رابطة حقوق الإنسان، عمادة المحامين، اتحاد رجال الأعمال).

وأشارت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى شروط للمشاركة في حوار الرئيس المرتقب.

وأكد رئيسها جمال مسلم أن الرابطة ستشارك في كل ما قد يساعد على الخروج من الحالة الراهنة، "شريطة أن يكون ذلك ضمن رؤية تشاركية ملزمة لكل الأطراف، ودون ضوابط معدة مسبقا، ويكون هدفها الأول الاستجابة لمطالب الشعب في دولة مدنية تضمن الفصل بين السلطات وتصون مختلف الحقوق". 

من جهته رأى وسيم البوثوري القيادي في اللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أنه "لا يختلف لا المساندون ولا المعارضون لسعيد على أنه قد توقف الزمن عنده يوم إعلانه رئيسا للجمهورية حيث خيل له أنه تحصل على تفويض شعبي مفتوح".

وأضاف البوثوري في حديث لـ"الاستقلال": "لم يشعر الرجل بعد أنه فقد رصيدا كبيرا في أشهر قليلة لاعتبارات عدة أهمها تخبط أدائه وفشله في السيطرة على ارتفاع نسب التضخم".

وبين أن الآراء المتجهة لكون قيس سعيد قد يتجه للبحث عن شرعية جديدة "واقعية"، لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار تضخم الأنا لدى الرجل.

وأثبتت التجارب أن سعيد لا يرى شرعية نصب عينيه إلا شرعية أفكاره وتوجهاته، وفق تقدير الناشط السياسي المعارض.

وبين أنه "لا يختلف اثنان إلا إذا كان أحدهما قيس سعيد أن شعبية الرئيس في تراجع متسارع غير أنه لا يزال يستمد قوته من ضعف المعارضة التي تشكلت بنفس وجوه الماضي دون أدنى استخلاص للدروس من العشرية الماضية".

وفي تقديره، فإن الحكم في تونس ملقى على قارعة الطريق ولم تولد بعد القوة الجديدة القادرة على اقتناص هذه اللحظة.

في الوقت نفسه، دفع فشل تحرك 8 مايو المعارضة إلى مزيد الجرأة في مواجهة الانقلاب وإجراءاته.

وأعلن القيادي في ائتلاف الكرامة النائب محمد العفاس تسليم نفسه للقضاء العسكري، عقب 9 أشهر من اختفائه على خلفية اتهامه في القضية المعروفة إعلاميا بـ"حادثة المطار".

جاء ذلك وفق مقطع مصور بثه محمد العفاس، عبر حسابه على موقع "فيسبوك" قال فيه "اليوم وعقب فشل أنصار الانقلاب في الحشد (في إشارة إلى وقفة أنصار الرئيس قيس سعيد) للمطالبة بالمحاسبة، قررت تسليم نفسي للمحكمة العسكرية".

كما دعت جبهة الخلاص إلى التظاهر مجددا في الشارع وسط العاصمة وتنفيذ سلسلة تحركات ولقاءات تمهيدا للإعلان عن توسيع الجبهة وضم أحزاب سياسية جديدة والتحاق شخصيات وطنية بها لوضع أجندة رافضة للانقلاب ومعارضة محطاته المقبلة وأولها الاستفتاء في 25 يوليو 2022.