حسن شيخ محمود.. رئيس سابق منحه الصوماليون فرصة ثانية لتنفيذ وعوده المتأخرة

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد طول انتظار، حسم الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود أزمة الانتخابات المتواصلة منذ شهور، ليصل للمرة الثانية إلى رئاسة هذا البلد العربي ذي الموقع الجغرافي الإستراتيجي، على حساب منافسه الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو.

وبذلك أصبح شيخ محمود الرئيس العاشر في تاريخ  الصومال، ذلك البلد الواقع في القرن الإفريقي، الذي تمزقه الانقسامات السياسية والانهيارات الأمنية والاقتصادية، فضلا عن كوارث الجفاف والجوع التي يئن تحت وطأتها 15.8 مليون إنسان.

وأدى شيخ محمود، البالغ من العمر 67 عاما، مساء 15 مايو/ أيار 2022 اليمين الدستورية في موقع الاقتراع بمطار مقديشو الدولي، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وصوت في الانتخابات أعضاء البرلمان الصومالي بمجلسيه الشعب والشيوخ البالغ عددهم 329 نائبا في "اقتراع سري"، ليعلن رئيس البرلمان شيخ آدم محمد نور، حصول شيخ محمود على 214 صوتا مقابل 110 أصوات لمنافسه فرماجو.

وجاءت هذه الانتخابات عقب أوقات عصيبة، بعدما أعلن فرماجو في أبريل/ نيسان 2021 تمديد ولايته عامين، فيما كانت ستنتهي في 8 فبراير/ شباط من العام نفسه، لكن اتفاقا سياسيا في 17سبتمبر/ أيلول جعله يعود عن قراره ومهد للانتخابات.

وجرت الانتخابات الماراثونية، عبر ثلاث جولات، حيث شارك في الجولة الأولى 34 مرشحا، قبل أن تنحسر المنافسة في الجولة الثانية إلى 4 مرشحين، ثم بين شيخ محمود وفرماجو في الجولة الأخيرة.

وعقب فوزه، قال شيخ محمود في كلمة مقتضبة، إنه لا مجال للانتقام السياسي، ودعا الصوماليين إلى فتح صفحة جديدة للتسامح من أجل بناء وإعادة كرامة الصومال.

النشأة والتكوين

ولد حسن شيخ محمود في مدينة جللقسي وسط الصومال عام 1955، وينتمي إلى عشيرة أبغال من قبيلة "هوية"، إحدى القبائل الأربع الكبرى في الصومال.

وهو سياسي وأكاديمي وناشط عمل في عدد من المنظمات الدولية والوطنية في مجالات السلام والتنمية.

وتخرج شيخ محمود في الجامعة الوطنية الصومالية عام 1981 قبل أن ينتقل إلى الهند لاستكمال دراسته، حيث حصل على درجة الماجستير من جامعة "بوبال" عام 1988.

وفي عام 1993 عمل شيخ محمود بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة كمسؤول تربوي في جنوب ووسط الصومال، إلى أن غادرت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة البلاد 1995.

وفي 1999، شارك في تأسيس المعهد الصومالي للإدارة والتنمية الإدارية في مقديشو الذي تطور وتحول إلى جامعة "سيمد"، وشغل محمود منصب رئاسة المعهد حتى عام 2010.

وفي تلك الأثناء انخرط شيخ محمود في مزاولة أنشطة مثل تشكيل مجموعات ضغط على الفصائل السياسية للتوفيق فيما بينها ومحاولة فتح قنوات الاتصال بين زعماء الفصائل في مقديشو.

كما أصبح عضوا عام 1997 في فريق التفاوض الذي نجح في إزالة الخط الأخضر الذي قسم العاصمة مقديشو إلى شمال يخضع آنذاك إلى رئيس الصومال الرابع علي مهدي محمد، وجنوب يخضع لخصمه اللدود رئيس "مؤتمر الصومال الموحد" اللواء محمد فرح عيديد.

وفي 2011، أسس حزب "السلام والتنمية" ولا يزال حتى اليوم رئيسا له.

وتولى شيخ محمود رئاسة الصومال للمرة الأولى في حياته بين سبتمبر/أيلول 2012 و16 فبراير/ شباط 2017، وهو يتكلم اللغات الصومالية المحلية والعربية والإنكليزية.

وتعرض خلال فترة رئاسته الأولى لمحاولة اغتيال في 13 سبتمبر/ أيلول 2012، بعدما استهدف انفجاران عنيفان الفندق الذي كان يقيم فيه بالعاصمة الصومالية مقديشو، حينما كان يلتقي آنذاك بمسؤولين، منهم وزير الخارجية الكيني، ولاحقا أعلنت حركة "الشباب" الصومالية مسؤوليتها عن الانفجارين.

وحسن شيخ محمود متزوج وله خمسة أولاد، وصنفته مجلة "تايم" الأميركية، عام 2013 ضمن قائمتها السنوية لأهم الشخصيات المؤثرة على نطاق العالم.

عودة للحكم

ويرجع الفضل في عودة شيخ محمود إلى سدة الحكم ليسجل سابقة بتاريخ البلاد، لما يتمتع به من تأييد عدد كبير من نواب البرلمان، فضلا عن الدعم الإقليمي الذي يحظى به، بفضل العلاقات القوية التي بناها خلال فترة حكمه الأولى، وفق مراقبين.

إلا أن التصادمات السياسية التي انتهجها شيخ محمود خلال سني حكمه الأولى أربكت نوعا ما علاقاته مع المجتمع الدولي، لكنها لم تصل إلى حد إقدام المجتمع الدولي ولا الإقليمي على البحث عن بديل آخر أكثر كفاءة منه، خاصة من بين المرشحين المتقدمين.

لكن مع ذلك فإن الرئيس الجديد يجر خلفه جملة من التهم، بينها الفساد والمحسوبية واستغلال السلطة، إضافة إلى أن أمامه التحدي الأكبر، والمتمثل بالحد من هجمات حركة الشباب التي تسيطر على مناطق في وسط وجنوب الصومال.

وفترة حكم شيخ محمود الرئاسية الأولى شهدت مرحلة مفصلية بتحرير 39 مدينة في الأقاليم الصومالية من قبضة حركة الشباب، وعد ذلك أكبر إنجاز لم يحقق مثله أي رئيس سابق في البلاد فيما يخص ملف محاربة حركة الشباب.

وتأسست نواة حركة "الشباب"، مطلع عام 2004، وهي حركة مسلحة تتبع فكريا لتنظيم "القاعدة"، وتعد التحدي الأبرز الذي يواجه الحكومة الصومالية.

اقتصاديا، يعد مطار مقديشو الدولي أبرز إنجازات شيخ محمود، حيث جرى إنشاؤه من قبل شركة تركية، وافتتح في 2014، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ومقابل الإنجازات الأمنية والاقتصادية، يتهم معارضو شيخ محمود بنكث وعوده التي قطعها إبان فوزه بالرئاسة عام 2012، ما يعني حاليا أنه سيكون تحت المجهر نظرا لأنه حاكم مجرب وخبر خصومه طريقة حكمه ونقاط ضعفها.

وبما أن الانتخابات لم تفرز وجها جديدا، فإن الرهان معقود على دور الرجل في قيادة هذا البلد، وانتشاله من براثن الفقر والواقع الأمني الخطر، الذي شوه سمعة الصومال بعد حرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991.

وفي عام 2014، واجه شيخ محمود هجمة شرسه من قبل نصف مجموع أعضاء البرلمان، واتهموه بإخفاقه في تنفيذ تعهداته من الأركان الستة التي وضعها في خانة أولوياته على الأصعدة الأمنية والسياسية والإدارية والاقتصادية والخدماتية.

كما اتهموه بالفشل في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في مجالات التعليم والصحة وتوفير خدمات المياه والكهرباء، وتسليم الموارد الاقتصادية المهمة في الصومال كالمطار والميناء في مقديشو إلى شركات أجنبية.

ووعد شيخ محمود حاليا بالوصول إلى مرحلة الاكتفاء الاقتصادي في الصومال، واعتماد ميزانية الحكومة على الدخل المحلي من دون دعم خارجي.

تحديات جمة

ووصف شيخ محمود اقتصاد البلاد بـ"الهش"، متعهدا "ببناء أركان اقتصاد الصومال من خلال رفع الدخل المحلي مع النظر إلى الظروف المعيشية في البلاد".

وحينما اختار شيخ محمود "شعب متصالح مع نفسه ومع العالم " شعارا لحملته الانتخابية، وضع السياسة الخارجية من أولويات برامجه، وذلك في إشارة ضمنية لمدى تدهور العلاقات بين الصومال مع دول عربية وإفريقية.

كما أكد شيخ محمود عزمه على تجاوز الصومال صيغة انتخابات غير مباشرة وإيصاله إلى انتخابات مباشرة تعيد الصوت للشعب الذي لم يذق طعم انتخابات مباشرة منذ أكثر من 3 عقود.

كذلك، سيتعين على الرئيس الجديد معالجة تداعيات أشهر من الفوضى السياسية جراء التناحر الداخلي، سواء داخل الحكومة أو بين الحكومة المركزية وسلطات الولايات.

كما سيجد الرئيس الجديد على طاولة مكتبه الذي عاد إليه مرة أخرى، دولة تتراكم عليها الديون ويعيش أكثر من 70 بالمئة من سكانها على أقل من 1,90 دولار في اليوم.

إضافة إلى خطر خسارة قدرة الصومال على الوصول إلى حزمة مساعدات لمدة ثلاث سنوات بقيمة 400 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، في وقت يحتاج فيه 4 ملايين شخص، أي نحو ربع السكان، إلى مساعدات غذائية عاجلة.

ويعاني الصومال من حرب أهلية وتمرد وصراع بين العشائر مع عدم وجود حكومة مركزية قوية منذ الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري في عام 1991.

وبعد انتهاء حقبة الحكومات الانتقالية في الصومال وانتقال البلاد من حكم فيدرالي إلى حكم رسمي مركزي في سبتمبر/ أيلول 2012، فتح شيخ محمود بابا لعهد جديد من العلاقات مع الولايات المتحدة.

ودعي شيخ محمود لزيارة الولايات المتحدة في 17 يناير/كانون الثاني 2013، واعترفت واشنطن بأول حكومة صومالية رسمية وقتها، وكانت الزيارة الأولى من نوعها منذ انهيار حكومة محمد سياد بري المركزية عام 1991.

ومنذ عام 2013 بدأت أميركا تعزز وجودها السياسي والعسكري في الصومال، وأقرت وزارة الدفاع الأميركية نهاية مارس/آذار عام 2017 خطة لمنح صلاحيات للقوات الأميركية بشن حملة ضد حركة الشباب التي تصنفها ضمن الجماعات الإرهابية.