رغم تصدره الانتخابات.. لماذا منح الصدر حق تشكيل حكومة العراق لمعارضيه؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكدت وكالة الأناضول التركية أنه بعد سبعة أشهر من الانتخابات البرلمانية في العراق، يظهر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، كلاعب محرك للمشهد السياسي في ظل فشل المساعي كافة لتشكيل حكومة جديدة.

وأوضحت الوكالة في مقال للكاتب "بيلجاي دومان" أن الصدر بعدما تصدر الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يسعى جاهدا إلى تشكيل حكومة ذات خصائص جديدة غير المعتادة في السنوات الأخيرة، ويرمي باستمرار كرة الفشل على معارضيه.

وتصدر التيار الصدري، الانتخابات بـ73 مقعدا من أصل 329، وشكل تحالفا مع أكبر كتلتين للسنة (تحالف السيادة) والأكراد (الحزب الديمقراطي الكردستاني) باسم "إنقاذ وطن"، من أجل تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

ورغم أن التحالف الذي يقوده الصدر يشغل 175 مقعدا، لكنه فشل في تشكيل الحكومة، بعدما عطلت القوى المنافسة ضمن "الإطار التنسيقي"، انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد.

وتحتاج جلسة انتخاب الرئيس الجديد حضور ثلثي أعضاء البرلمان (210 نواب) وهو العدد المطلوب لمنح الثقة لأحد المرشحين، حيث يعد انتخاب الرئيس خطوة لابد منها دستوريا للمضي في تشكيل الحكومة.

مساومة سياسية

وذكرت الوكالة أن عمليات تشكيل الحكومة في العراق تقوم على أساس "الاتفاقيات السياسية" ولعل الأصح تسميتها “مساومة سياسية".

وبعبارة أوضح؛ لا يمكن أن تبدأ عمليات تشكيل الحكومة قبل التوصل إلى إجماع كامل بين الكتل السياسية على "الأسماء" التي ستشغل مناصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء بين الكتل السياسية.

لأنه في العراق، تحددت مهام الرئاسة ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب من خلال الانقسامات العرقية والطائفية وحتى الحزب أو المجموعة التي ستتولى المسؤولية كعرف سياسي. 

وبناء عليه، يتولى الأكراد (الاتحاد الوطني الكردستاني عادة) منصب الرئاسة، ويتولى الشيعة رئاسة الوزراء، ويتولى السنة رئاسة البرلمان.

كما يتم اختيار مساعدي أولئك الذين يشغلون هذه المناصب من هويتين أخريين ليستا من انتمائهما العرقي أو الطائفي. وبالتالي يكون التوازن السياسي قد تحقق. 

وعندما تكون هناك تطورات من شأنها أن تميز هذه العملية، يكون هناك انسداد في كل من النظام السياسي وإدارة الدولة.

وفي هذه المرحلة، لا ينبغي أن يكون هناك تصور بأن النظام الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد عام 2003 له نتائج إيجابية بالنسبة للعراق.

بل على العكس من ذلك، فإن إنشاء نظام قائم على الهوية العرقية والطائفية قد عطل طبيعة العراق وانسجام البنية الاجتماعية. وهذا الوضع يمنع أيضا تطبيع البلاد والسياسة.

فبعد الانتخابات الأخيرة ظهر توازن جديد في السياسة العراقية، يرتبط بتمايز علاقات الهياكل السياسية على أساس عرقي وطائفي، لأنه كان من السهل تحديد الهيكل الإداري بعد عام 2003. 

وتبين أن هذه المجموعات عملت مع بعضها البعض، لا سيما في الهيكلية القائمة على الهويات الشيعية والسنية والكردية حتى انتخابات 2018.

واقع جديد

واستدركت الوكالة بالقول، لكن في العملية التي بدأت مع التظاهرات الاحتجاجية في عام 2019، لوحظ أن التوجه السياسي في العراق تغير أيضا وظهرت ديناميكية جديدة وترسيخ داخل الهياكل السياسية التابعة لجميع الجماعات العرقية والدينية.

بالإضافة إلى السياسة الخارجية الأميركية، التي تغيرت مع تنصيب جو بادين رئيسا للولايات المتحدة وأعطت الأولوية لمفهوم "السياسة الخارجية العالمية".

ويمكن القول إن جهود التطبيع الإقليمية في الشرق الأوسط كان لها أيضا تأثير على العراق.

هناك أيضا قيود على نفوذ إيران في العراق بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في عام 2020.

وعندما ننظر إلى الصورة التي ظهرت بعد الانتخابات، نرى أن التغيير في التصور السياسي والاجتماعي في العراق ينعكس أيضا في نتائج الانتخابات خاصة بالنسبة للشيعة، الذين لديهم "دور قيادي" في تشكيل الحكومة.

ومن الممكن القول إن هذا التغيير أكثر هيمنة. ففي الواقع، أصبح ائتلاف "فتح"، الذي شكلته المليشيات الشيعية المقربة من إيران في انتخابات عام 2018، ثاني مجموعة سياسية تضم ما يقرب من 50 نائبا، في حين خسر ثلثي مقاعده في انتخابات 2021. 

وبالمثل، حصل ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي في زمن الحرب ضد تنظيم الدولة على 42 نائبا في انتخابات عام 2018، لكنه لم يتمكن من الحصول إلا على 4 مقاعد في انتخابات 2021 على الرغم من تحالفه مع جماعات أخرى.

والتيار الصدري، الذي برز إلى الواجهة بمزيد من الخطاب الوطني بقيادة مقتدى الصدر، زاد عدد مقاعده بنحو 50 بالمئة وجاء في المرتبة الأولى في الانتخابات بـ73 نائبا.

ومع ذلك، كان من اللافت للنظر أن ما يقرب من 40 نائبا مستقلا دخلوا البرلمان في الانتخابات الأخيرة. 

وانعكس التغيير في التفضيلات الانتخابية أيضا في عملية تشكيل حكومة مع الصدر.

فجميع الحكومات التي تشكلت في العراق حتى الآن كانت "حكومات وحدة وطنية" متعددة الأحزاب بقيادة تحالفات شكلتها الجماعات الشيعية وتشمل جميع الشرائح التي يحق لها دخول البرلمان.

ومع ذلك، أدلى الصدر بتصريحات قال فيها إنه يفضل "حكومة أغلبية وطنية" مع فوزه في الانتخابات واتخذ خطواته السياسية وفقا لذلك.

مناورات الصدر

فشكل التيار الصدري وكتلة السيادة (التحالف السني) والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني تشكيلا تحت اسم "تحالف إنقاذ الوطن".

في المقابل، اجتمعت المجموعات الشيعية المقربة من إيران وشكلت تحالفا أطلق عليه "الإطار التنسيقي"، مع دعم سني محدود، وآخر من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يشغل منصب الرئاسة عادة.

وقام تحالف الصدر بثلاث محاولات لانتخاب رئيس، لكنه فشل، وإثر ذلك أعلن الصدر انسحابه من المحادثات السياسية بدءا من اليوم الأول من شهر رمضان، ومنح 40 يوما لإطار التنسيق الشيعي، لتشكيل الحكومة.

بعد ذلك، بدأ إطار التنسيق الشيعي مفاوضات سياسية بقيادة زعيم ائتلاف فتح هادي العامري. ومع ذلك، من الصعب القول إنه قطع شوطا طويلا. 

ففي هذه المرحلة، يصعب على "إطار التنسيق الشيعي" الوصول إلى أعداد كافية لانتخاب رئيس وتشكيل الحكومة، حتى لو بدأت الحكومة المفاوضات.

لأنه بالنظر إلى الجلسة البرلمانية الأولى للانتخابات الرئاسية، هناك ما لا يقل عن 200 نائب يدعمون تحالف إنقاذ الوطن. هذا الوضع يجر جهود تشكيل حكومة جديدة في العراق إلى طريق مسدود.

في هذه المرحلة، يمكن القول إن إطار التنسيق الشيعي سيعطي الأولوية للتيار الصدري، الذي شكلوا معه حكومة من قبل ويمكنهم الاتفاق معه بسهولة أكبر من الجماعات الأخرى.

لأنه إذا اقتنع الصدر الذي يملك 73 مقعدا في البرلمان العراقي فسيكون من الأسهل بلوغ النصاب وستنهار نقطة مقاومة التحالف من أجل إنقاذ الوطن، وهكذا يمكن فتح الطريق لتشكيل الحكومة. 

لكن الصدر لا يقترب من مثل هذا الاتحاد في الوقت الحالي، فإما أنه يريد إقناع الطرف الآخر بتشكيل حكومة بشروطه الخاصة، أو أنه يفرض انتخابات مبكرة محتملة. 

ويدرك الصدر رغبة الشعب في التغيير وينسحب من العملية السياسية ويضع المسؤولية على الجانب الآخر.

وإذا تعذر تشكيل الحكومة، فقد يجري العراق انتخابات مبكرة، وبالنظر إلى هذا الاحتمال، لن يكون من الخطأ القول إن الصدر يخطط للتصدر بشكل أقوى في الانتخابات الجديدة.