رغم القمع والتعتيم وتجاهل الغرب.. تأثير احتجاجات إيران قد يكون عميقا

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على ضوء ارتفاع أسعار الخبز في إيران، دخلت البلاد موجة احتجاجات جديدة قابلتها القوات الأمنية بقمع عنيف استخدم فيه الرصاص الحي، وأدى إلى سقوط عدد من القتلى، الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن تداعيات ذلك على النظام الذي يمسك بالحكم منذ أربعة عقود.

وفي 13 مايو/ أيار اندلعت الاحتجاجات في إيران بعد قرار السلطات خفض الدعم الحكومي عن القمح المستورد، ما تسبب برفع الأسعار بنسبة تصل إلى 300 بالمئة، لتطال الزيادة الكبيرة مجموعة متنوعة من المواد الغذائية الأساسية التي تعتمد على الدقيق.

ووصل معدل التضخم الرسمي في الجمهورية الإسلامية إلى نحو 40 في المئة، لكن تقارير تشير إلى أنه يزيد عن 50 بالمئة، وأن ما يعادل نصف سكان إيران البالغ عددهم 82 مليون نسمة هم الآن تحت خط الفقر.

تداعيات محتملة

وعلى صعيد التداعيات المحتملة للاحتجاجات وسقوط خمسة قتلى حتى يوم 15 مايو 2022، قال الباحث في الشأن السياسي، محمود الحمدي لـ"الاستقلال" إن "الوضع في إيران محتقن والاحتجاجات الحالية وراد جدا أن تعم جميع مدن البلاد".

وأوضح الباحث أن "الأوضاع الاقتصادية المزرية التي تزداد بشكل متسارع، وخصوصا بعد خفض الدعم الحكومي عن القمح المستورد، قد تتسبب بانضمام فئات كبيرة من الإيرانيين إلى الاحتجاجات، وذلك سيزيد من زخمها في الشارع خلال الأيام المقبلة".

ورأى أن "الاحتجاجات قد تتطور بشكل سريع خصوصا أن قوات الأمن تواجهها بالرصاص الحي، والذي ربما يتسبب بردات فعل غير محسوبة من المتظاهرين كاقتحام المؤسسات الحكومية، ولا سيما الأمنية منها، وهذا يجعلها تتحول إلى ثورة عارمة يصعب للنظام السيطرة عليها".

ونوه إلى أن "النظام الإيراني لا يزال يمسك البلد بقبضة من حديد لأن الحرس الثوري وقوات الباسيج (شبه عسكرية تتكون من مدنيين متطوعين) يتجولون في الشوارع بالسلاح بملابس مدنية، ولهم مطلق الحرية في الاعتقال وحتى إطلاق النار ضد المحتجين تحت ذرائع عدة".

وأشار إلى أن "النظام عنيد ولن يستسلم بسهولة أو يسمح بأن تخرج الأوضاع عن السيطرة، وربما إذا لم ينفع القمع مع المحتجين، قد يصدر قرارات بإعادة الدعم للسلع المستورة".

وتابع الباحث، قائلا: "إذا تطلب الأمر أكثر من ذلك (دعم السلع المستوردة) ربما يضحي المرشد الإيراني علي خامنئي بالرئيس إبراهيم رئيسي وحكومته، ويطلب إجراء انتخابات جديدة ودعم شخصية من معسكر الإصلاحيين".

وأكد الحمدي أن "النظام يناور، واتبع هذا الأسلوب، فعندما حصلت نقمة كبيرة في إعادة انتخاب الرئيس الأسبق أحمدي نجادي لفترة ثانية وحصلت احتجاجات وسقط العديد من القتلى فيها، فسح النظام لشخصية محسوبة على الإصلاحيين بالفوز في الانتخابات الرئاسية وأعني بذلك حسن روحاني".

وعن الدور الدولي والتضامن مع الشعب الإيراني، قال الباحث إن "الموقف الخارجي ولا سيما الأميركي من الاحتجاجات الحالية باهت، فلم يصدر أي شيء عن إدارة الرئيس جو بايدن حتى يوم 15 مايو، رغم سقوط خمسة قتلى في الاحتجاجات".

ولفت إلى أن "صمت الجانب الأميركي عما يحصل في إيران يثير الريبة تجاه سياسة الإدارة الحالية من النظام الإيراني، على عكس إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت تتفاعل بشكل كبير مع الاحتجاجات داخل البلاد، وتدين القمع بحق المتظاهرين".

قمع وتعتيم

وفي أولى خطوات منع توسع رقعة الاحتجاجات، عمدت  السلطات إلى قطع خدمة الإنترنت عن المدن الإيرانية.

وأعلنت شركة "نت بلاكس" لخدمات الإنترنت بالعالم، خلال تقرير لها في 15 مايو أن انقطاع الإنترنت في إيران كان بسبب الاحتجاجات.

وفي ظل ذلك شنت القوات الأمنية حملة اعتقالات طالت مئات المواطنين بينهم عشرات الأطفال، حسب تقرير لوسائل إعلام محلية معارضة في 15 مايو، مؤكدة استمرار تعطل الإنترنت في أكثر من 10 محافظات إيرانية عقب اندلاع هذه الاحتجاجات الشعبية.

ونشرت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع، من احتجاجات مدينة هفشجان بمحافظة جهارمحال وبختياري، جنوب غربي إيران، تظهر هجوم محتجين على مقر الباسيج في المدينة، وفي المقابل أطلق عناصر تلك القوات الرصاص على المحتجين.

وأسفرت الاحتجاجات ضد الغلاء الجامح في طهران، عن مقتل أميد نوري سلطاني، من مدينة أنديمشك، وبيش علي غالبي حاجيوند، من أهالي مدينة دزفول بمحافظة خوزستان، جنوب غربي إيران، وحميد قاسم بور، وبهروز إسلامي من مدينة فارسان بمحافظة جهارمحال وبختياري.

وكذلك انتشرت مقاطع فيديو تظهر آثار رصاص الصيد على الأرض والجدران في مدينة بردنجان، وإصابة المواطنين به، بينهم واحد أصيب بأكثر من 30 رصاصة في جسده.

وخرجت احتجاجات في مدن خرم آباد، وبروجرد، ودورود بمحافظة لرستان غربي إيران، ومدن الأهواز، والخفاجية، والفلاحية، ودزفول وأنديمشك وإيذه بمحافظة خوزستان جنوب غربي البلاد.

وتظاهر مواطنون أيضا في مدن من محافظة كهكيلويه وبوير أحمد، بما فيها ياسوج ودهدشت وسوق، إضافة إلى مدينة فشافويه بمحافظة طهران، وكذلك مدينة أردبيل شمال غربي إيران التي شهدت احتجاجات شعبية واسعة وانتشارا مكثفا للقوات الأمنية فيها.

وفي 15 مايو، أعلن موقع "هرانا" المهتم بقضايا حقوق الإنسان في إيران عن اعتقال قوات الأمن سبعة مواطنين في مدينة سوق بمحافظة كهكيلويه وبوير أحمد.

كما كشف حساب "1500 صورة" على "تويتر" في 15 مايو عن اعتقال المئات من المواطنين في هذه المدن بينهم عشرات الأطفال، مؤكدا أن القوات الأمنية اعتقلت في بعض الحالات عددا من أفراد أسرة واحدة.

وفي نفس اليوم، نشرت قناة "خاكزدكان" المعارضة على تطبيق تلغرام والتي تغطي انتهاكات حقوق الإنسان في الأهواز أسماء عدد من المعتقلين وأعلنت عن اعتقال 74 مواطنا في مدينة الخفاجية وحدها.

"الموت لخامنئي"

نقمة الإيرانيين على ارتفاع الأسعار طالت المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي وأيضا الرئيس إبراهيم رئيسي.

ومن بين الشعارات: "يجب قتل خامنئي ولا ينفعه المدفع والدبابة"، و"الموت لرئيسي".

وبينما انتشرت القوات الأمنية لفض المظاهرات، أفادت تقارير صحفية في 15 مايو بأن عناصر منها داهمت منازل بعض الناشطين، محذرة من تعرضهم للقتل إن شاركوا في الاحتجاجات.

وكان قرار حكومة رئيسي، إلغاء الدعم عن بعض السلع الأساسية، قد أدى إلى ارتفاع الأسعار المعتمدة للدجاج ومنتجات الألبان وزيت الطهي، حيث أصبحت بعض هذه المنتجات أغلى بنحو مرتين إلى ثلاث مرات بعد القرار.

وارتفعت أسعار القمح بشكل كبير على مستوى العالم منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، مما زاد من تكلفة الدعم في إيران التي تعاني من عقوبات أميركية منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي بشكل أحادي عام 2018.

وأدت العقوبات إلى أزمة حادة طالت على وجه الخصوص مستوى المعيشة وسعر صرف العملة المحلية، حيث وصل التومان الإيراني إلى عتبة ثلاثة ملايين لكل مئة دولار أميركي.

وسجلت الأسواق ارتفاعا كبيرا في الأسعار، إذ بات زيت الطهو يباع بأربعة أضعاف سعره السابق، بينما تضاعفت أسعار البيض والدجاج.

فيما شهدت مدن إيرانية عدة خلال الأشهر الماضية احتجاجات لقطاعات مهنية مختلفة تطالب بتحسين الوضع المعيشي وزيادة الأجور ورواتب التقاعد.