ذو الهمة شاليش.. حارس أمن للأسدين حافظ على بقاء الاستبداد بسوريا ثلاثة عقود

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد حياة عامرة بالفساد والسرقة والقتل، توفي اللواء "ذو الهمة شاليش"، ابن عمة رئيس النظام السوري بشار الأسد، المسؤول عن أمنه الشخصي بعد أبيه حافظ، عن عمر ناهز 71 عاما.

ونعى النظام السوري مساء 14 مايو/ أيار 2022 شاليش الذي تولى منصب "رئيس الأمن الرئاسي" لنحو 30 عاما، فيما أكدت وسائل إعلام موالية للنظام أنه سيدفن في مقبرة العائلة في مدينة القرداحة بريف اللاذقية مسقط رأس أسرة الأسد.

ومستفيدا من قربه من الأسدين، نجح شاليش في تأسيس العمود الثالث لجمهورية الفساد بسوريا طيلة نصف قرن من الزمن، ليلحق بعائلتي الأسد ومخلوف، أولاد أشقاء أنيسة زوجة حافظ.

النشأة والتكوين

ولد ذو الهمة سلمان شاليش عام 1951 في مدينة القرداحة وهو ابن "حسيبة" شقيقة حافظ الأسد.

قربه من حافظ منذ أن أصبح رئيسا للنظام السوري بموجب انقلاب عسكري في 1971، مهد الطريق أمامه لرئاسة فرع العمليات في المخابرات الخارجية بالعاصمة دمشق.

ومنذ البداية، أدرك شاليش أنه قادر بحكم قربه من خاله حافظ الذي بدأ حكمه بقبضة حديدية، على إنشاء إمبراطورية مالية ثالثة في سوريا عبر الفساد ونهب الثروات دون حسيب أو رقيب.

وشغل شاليش منصب قائد الحرس الرئاسي لحافظ الأسد منذ 1994 وحتى وفاته عام 2000، ثم أبقاه بشار الذي ورث الحكم عن أبيه في المنصب إلى أن أحاله للتقاعد عام 2019.

وقبل توليه مسؤولية أمن الأسد الأب، دشن دولة فساده بمشاريع صغيرة في صورة فنادق واستراحات سياحية وكسارات صخور ومواد البناء.

وفي خطوة سريعة أنشأ شاليش شركة مقاولات مختصة بالأعمال الترابية كشق الطرق وإنشاء السدود، وأصبحت المناقصات الاستثمارية الكبيرة دائما ما ترسو على اسمه.

ثم ما لبث أن أنشأ شركة اتصالات أرضية عام 1998، وشارك فيها ابن أخيه فراس (مواليد 1976)، كما أنشأت الشركة "سنترال" للاتصالات الخارجية في سوريا، وجنى منها ملايين الليرات السورية آنذاك.

قبل أن يزاحمه رامي مخلوف، ابن خال رأس النظام بشار الأسد، ويدخل المشغل الخليوي الأول "سيريتل" للبلاد عام 2001.

وحينما أحس شاليش أنه بوفاة حافظ الأسد بدأت حقبته بالأفول أخرج جزءا كبيرا من أمواله إلى خارج سوريا، وأدارها من هناك أبناء أشقائه عبر تشغيلها في معامل وفنادق وعقارات في قبرص ودول أوروبية عدة.

وعلى الطريق السريع دمشق - تدمر في منطقة أبو الشامات بريف حمص، أنشأ شاليش في ثمانينيات القرن العشرين استراحة الصفا في عقدة مواصلات هامة تصب عندها حافلات نقل الركاب من عدة محافظات سورية.

رحلة الفساد

ولا ينسى السوريون فضيحة سد زيزون قرب مدينة حماة، الذي انهار في 4 يونيو/ حزيران 2002 بعد خمس سنوات من إنشائه على يد شركة تتبع لشاليش، وأسفر حينها عن مقتل 22 شخصا وإغراق عدد من القرى وتدمير المحاصيل الزراعية.

كما كانت لشاليش أسهم في تنمية ثروته المالية بالاستفادة من النفط السوري عبر تسهيل حصول رجال أعمال أمثال نزار أسعد، وغسان مهنا على عقود لتقديم الخدمات الفنية النفطية لمشاريع في محافظتي دير الزور والرقة منذ عام 1990.

وشكل لبنان بوابة خلفية لاستثمارات شاليش وكثيرا ما تحدثت تقارير صحفية عن علاقته مع شركات فيها منذ عام 1980 يعمل من خلالها على تهريب الحديد والخشب والمواد الكهربائية لصالح مؤسسة الإسكان العسكري بسوريا.

فضلا عن إقامة مشاريع واستثمارات بحماية الأجهزة الأمنية السورية في لبنان، منها افتتاح معمل للحديد والخشب قرب مدينة زحلة، ومعمل لتعبئة المشروبات الروحية عبر تزوير الماركات العالمية وبيعها تهريبا إلى سوريا.

وكل تلك المشاريع حينما كان النظام السوري وصيا على لبنان، منذ أن دخله جيشه لأول مرة عام 1976 حتى انسحابه عام 2005 عقب اغتيال رئيس الوزراء حينها رفيق الحريري.

وكان لشاليش باع كبير في توقيع صفقات الأسلحة مع بعض الجماعات في الدول العربية، لا سيما بالعراق المجاور الذي شكل الطاقة الرابحة له عبر هذه التجارة المشبوهة.

ونتيجة لذلك، فرضت الولايات المتحدة الأميركية، عقوبات على "شاليش" عام 2005، بعد اتهامه بانتهاك العقوبات المفروضة على العراق وقتها.

جرائم "إرهابية"

وأدرجت وزارة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية في 18 أغسطس/ آب 2011 شاليش وشقيقه اللواء رياض مدير الإسكان العسكري ضمن قائمة حظر دخول أراضيها وتجميد أرصدتهم في البنوك السويسرية وأصول ممتلكاتهم.

كما ورد اسم شاليش بصفته "رئيس الأمن الرئاسي" في قائمة الممنوعين من السفر للدول العربية من كبار الشخصيات والمسؤولين في نظام الأسد وتجميد أرصدتهم في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2011، الصادرة عن مجلس الجامعة العربية.

كما وضعت "هيئة القانونيين السوريين" المعارضة شاليش ضمن قائمة أصدرتها في 2 يناير/كانون الثاني 2019 لمن ارتكبوا "جرائم إرهابية" بحق الشعب السوري.

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2012 نشرت قناة "العربية الحدث" السعودية، ما قالت إنها وثائق سرية، تثبت ضلوع شاليش في زعزعة استقرار دولة قطر وإحراجها أمام الرأي العام لدعمها الثورة السورية ضد الأسد عام 2011.

وبحسب القناة، فإن شاليش يقف خلف تدبير عبر عناصر مخابراتية تابعة للنظام السوري حريق مجمع فيلاجيو في قطر، وهو أحد مراكز التسوق في الدوحة في 28 مايو/ أيار 2012 والذي أدى إلى مقتل 20 شخصا بينهم 13 طفلا كانوا داخل حضانة.

وعلى المستوى المحلي السوري، وبحسب وثائق "العربية"، فإن شاليش هندس بعد توصية من القيادة المشتركة لحلفاء الأسد إيران وروسيا، التفجير بشاحنتين مفخختين والذي وقع في حي القزاز في دمشق بتاريخ 10 مايو/أيار 2012، عند تجمع مقرات فروع أمنية لمخابرات الأسد، من أجل "إقناع الرأي العام العالمي بأن عناصر إرهابية بدأت تقوم بعمليات في سوريا"، وفق الوثيقة، وقتل حينها ما لا يقل عن 55 شخصا، وأصيب نحو 372 آخرون.

ومما أثير حينها من تساؤلات عريضة، هو ظهور صور التقطها الإعلام السوري الحكومي لضحايا التفجير كشفت وجود معتقلين مقيدي الأيدي والذين زج بهم النظام السوري في مسرحيته الاستخباراتية تلك.

"العلونة الاقتصادية"

وبحسب تقرير لموقع مال وأعمال السوريين المعارض، نشره في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 فإن شاليش كان يشتري أراض وبيوتا على أتوستراد دمشق - حمص، بأسعار زهيدة ثم يعيد بناءها كصالات عرض للسيارات بشكل مخالف، ويبيعها بعشرات ملايين الليرات.

ويؤكد الموقع أن شاليش جنى من إنشاء شركته للطرق والأرصفة والجسور في سوريا، عشرات مليارات الليرات السورية قبل عام 2011، بمساعدة من شقيقه رياض رئيس الإسكان العسكري، اللذين كانا يسرقان المواد الأولية من الجيش، وينفذان بها المشاريع الحكومية، بطريقة سيئة، ثم يتقاضيان مبالغ طائلة.

ويؤكد دبلوماسيون سوريون أن تسمية كثير من الوزراء والمسؤولين الحكوميين في عهد الأسدين، كانت تجري عبر ترشيح من شاليش.

وأوضح هؤلاء أن شاليش ساهم في بناء ما يمكن تسميته "العلونة الاقتصادية" في إشارة إلى تسليم شخصيات من الطائفة العلوية لمناصب حكومية حساسة لها ميزانية مالية ضخمة، بهدف إحكام السيطرة على مقدرات سوريا وجعلها تدار من داخل القصر الجمهوري على سفح قاسيون بدمشق.

كما استطاع شاليش خلق رجال أعمال من الطائفة العلوية ومكنهم من أن يصبحوا قادرين على إدارة أمواله واستثماراته داخل سوريا وخارجها، فضلا عن تسجيل الأموال في أسماء هؤلاء خاصة في المصارف اللبنانية.

وكان بشار الأسد اعترف في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بأن ما بين 20 - 42 مليار دولار أميركي من الودائع لسوريين محجوزة في مصارف لبنان، الذي فرض منذ عام 2019 قيودا كبيرة على سحب وتحويل المودعين المحليين والأجانب الأموال إلى الخارج.