تأخر 25 عاما.. ما الآثار السياسية حال إنجاز التعداد السكاني في العراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يثير تأخر إجراء التعداد سكاني بالعراق منذ 25 عاما، جدلا في الأوساط السياسية بخصوص الأسباب التي تحول دون تنفيذه، رغم أنه من المفترض أن يجرى كل عقد من الزمن.

وعلى الرغم من إجراء آخر تعداد سكاني في عام 1997، إلا أن العراق لا يزال يعتمد على إحصائيات تعداد عام 1987، لأن الإحصاء الأخير لم يشمل أراضي إقليم كردستان بسبب ظروف الحكم الذاتي.

وكان مقررا أن يجري تعداد شامل في العراق عام 2007، لكنه تأجل منذ ذلك الحين لأسباب مجهولة ولم تستطع الحكومات المتعاقبة على إجرائه، غير أن الحكومة الحالية طالبت مؤخرا بتمويل لإجرائه، ما أثار ردود الفعل الغاضبة من جديد.

دوافع سياسية

وعن أسباب تأخر إجراء التعداد السكاني، أكدت النائبة في البرلمان العراقي عن تحالف الفتح الشيعي انتصار الموسوي، خلال تصريحات صحفية في 10 مايو/ أيار 2022، أن تأخير تنفيذ التعداد السكاني حرم محافظات من التمثيل الحقيقي في البرلمان.

وقالت الموسوي إن "التعداد السكاني مهم للغاية في إعطاء صورة واضحة عن المشهد العراقي بشكل عام ويحسم قضايا عالقة منذ سنوات، سواء في المناطق المتنازع عليها أو بيان أعداد سكان مختلف المحافظات، ما ينعكس بشكل مباشر عن عدد مقاعدها في البرلمان".

وتشكل المناطق المتنازع عليها بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان أهم محاور الخلاف بين الجانبين منذ 19 عاما، وتبلغ مساحتها نحو 37 ألف كلم في محافظات نينوى وأربيل وصلاح الدين وديالى ومحافظة كركوك.

واتهمت الموسوي، جهات عدة (لم تسمها) بالضغط باتجاه عرقلة تنفيذ مشروع التعداد السكاني، خاصة أن بعض المحافظات لا يزال يجري التعامل معها في الانتخابات وفق تعداد قديم جدا رغم أن تعدادها تضاعف مرتين في السنوات الأخيرة سواء في الجنوب أو غيرها ما حرمها من التمثيل الحقيقي في البرلمان، فضلا عن مسائل أخرى متعلقة بالموازنات.

وأشارت إلى أن "التعداد سيعطي إجابة مهمة للكثير من القضايا العالقة في المشهد العراقي ما يستدعي دعم الجهود الرامية لبدء تنفيذه من قبل وزارة التخطيط".

وقبلها، قال النائب الكردي بالبرلمان العراقي ماجد شنكالي خلال مقابلة تلفزيونية في 5 مايو، إن "هناك أسبابا عدة وراء عدم إجراء التعداد السكاني، منها سياسية، لا سيما في المناطق المتنازع عليها، إضافة إلى الأسباب الأمنية الكثيرة التي حالت دون إجراء التعداد في أوقاته.

واستبعد شنكالي إجراء تعداد سكاني في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بسبب المعطيات الحالية، رغم أن العراق بأمس الحاجة إليه، لأنه تعداد اقتصادي وأمني وتعليمي وخدمي، وسيولد قاعدة بيانات لكل شيء نحتاجه في المستقبل لبناء خطط النهوض بالعراق.

وأوضح النائب أن "ما هو موجود حاليا كله بيانات تقريبية، لذلك نحتاج تعدادا سكانيا لمعرفة الأعداد الدقيقة التي يمكن من خلالها أن نعمل لإجراء تعداد سكاني، وعلى جميع الكتل السياسية في البرلمان دعم ذلك".

وكان تقرير صحفي نقل عن مسؤول في وزارة التخطيط العراقية في 23 أبريل/ نيسان 2022 قوله إن "الوزارة تأمل بنجاح إجراء التعداد لهذا العام، وتجاوز التحديات المالية وغيرها".

وأوضح المسؤول (لم يكشف هويته) أن "ثمة أطرافا سياسية لا ترغب في إجراء التعداد، والذي تعده مضرا بمصالحها، لا سيما فيما يتعلق بملفات التغيير الديموغرافي الذي طال بعض المناطق في البلاد".

وأشار إلى أن "الحكومة الحالية عازمة على إجراء التعداد، لما له من أهمية كبيرة للبلد، اقتصاديا وسياسيا وتنظيميا، وتواصل عملها على الملف، لكنها تنتظر تمويله، علما أنها لا تنظر إلى الجانب السياسي وتأثيراته".

أبعاد طائفية

وعلى صعيد آخر، تعتقد القوى السياسية السنية في العراق أن ثمة أبعادا طائفية وراء تأخر إجراء التعداد السكاني، حيث طالب النائب السابق عن تحالف القوى العراقية (سني) محمد الكربولي، بإجراء تعداد سكاني يذكر فيه الطائفة لبيان نسب المكونات.

وقال الكربولي، خلال مقابلة تلفزيونية في 8 أغسطس/آب 2021، إن "نسبة الجمهور السني اجتماعيا يبلغ من 35- 40 بالمئة، ومن لا يرضى بهذا الكلام فعليه أن يعمل تعدادا سكانيا وليكتب الطائفة سنة وشيعة، فلا توجد لدينا مشكلة في هذا".

وأضاف: "حتى الأكراد فليكتبوا أنهم قومية كردية سنية"، مشيرا إلى أن "نسبة 40 بالمئة هي من دون الأكراد، ومعهم ترتفع النسبة إلى 55- 60 بالمئة"، لافتا إلى أنه "لا توجد دولة ليس لديها تعداد سكاني".

وفي هذه النقطة تحديدا، يقول الباحث في الشأن العراقي، حسين صالح السبعاوي، أن الولايات المتحدة الأميركية وعلى لسان رئيسها الأسبق جورج بوش الابن هي من أوجدت رواية أن الشيعة غالبية في العراق، حينما صرح عام 2003 أن "عددهم من 60 إلى 67 بالمئة من سكان البلد".

ولفت السبعاوي خلال تصريحات سابقة لـ "الاستقلال" في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 إلى أن "النسب السكانية في العراق حسب الإحصائيات الرسمية إلى ما بعد عام 2003 كلها كانت تشير إلى وجود أغلبية سنية".

وأوضح الكاتب أنه "في آخر إحصائية جرت عام 2003، فإن نسبة العرب السنة: 42 بالمئة، نسبة الشيعة: 41 بالمئة، نسبة الأكراد (غالبيتهم سنة): 13 بالمئة، نسبة الأقليات: 4 بالمئة".

وأشار إلى أنه "في عام 2004 وهذا بعد الاحتلال الأميركي وإسقاط النظام السابق، أحصت وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة التجارة سكان العراق وكانت النتيجة أن نسبة السنة 52 بالمئة، وهذا أول تلاعب بدأ بالنسب السكانية، ومع هذا بقي السنة هم الأغلبية، علما أن وزير التخطيط لسنة 2004 هو مهدي الحافظ (شيعي)".

ولفت الكاتب إلى أن "هذه الإحصائيات الحقيقية المستندة على الأدلة العلمية الدامغة وليس الدعاية الكاذبة التي لا تستند إلى أي دليل علمي ومستند قانوني جعلت من الشيعة أكثر من 60 بالمئة، وفجأة تناقصت نسبة السنة إلى أقل من 20 بالمئة بعد فصل الأكراد السنة عن العرب السنة".

وختم مؤكدا: "حتى بفصل الأكراد سيبقى العرب السنة أكثرية في العراق".

توضيحات حكومية

على الصعيد الحكومي، أعلنت وزارة التخطيط، في 22 أبريل/ نيسان 2022 أحدث تقديراتها لعدد سكان العراق ونسبة الذكور والإناث والنمو السنوي، وفيما أوجزت أسباب تأخر تنفيذ مشروع التعداد العام للسكان، أكدت أن المشروع سيدرج ضمن الموازنة الاستثمارية.

وقال المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، إن "آخر تقديراتنا لعدد سكان العراق 41 مليونا و150 ألف نسمة، نسبة الذكور منهم 50.5 بالمئة والنساء 49.5 بالمئة، أما نسبة النمو سنويا فتبلغ 2.6 بالمئة".

وأضاف الهنداوي، أن "التعداد العام للسكان تأخر كثيرا ولأسباب قاهرة لعدم وجود موازنة، وتفشي الجائحة حال دون تنفيذه، وفي عام 2021 لم تحصل الوزارة على تخصيصات مالية كافية إضافة إلى تزامنه مع موعد الانتخابات".

ولفت إلى أن "وزارة التخطيط استكملت جميع المتطلبات الخاصة لتنفيذ الإحصاء العام للسكان، ولكن حتى الآن لا توجد موازنة"، مبينا أن "الوزارة تحتاج إلى 120 مليار دينار (نحو 82 مليونا و200 ألف دولار أميركي) لتنفيذ التعداد العام للسكان".

وأشار إلى أن "جهود الوزارة مستمرة في الاستعدادات، وجرى تنفيذ مجموعة من التجارب في سبع محافظات بشكل ميداني"، موضحا أن "التعداد العام للسكان سينفذ إلكترونيا ولا بد من اختبار الجهود ميدانيا".

وأوضح المتحدث الوزاري أن "هناك مجموعة من المراحل التي يجب استكمالها وصولا إلى تنفيذ التعداد مثل تأمين الأجهزة اللوحية (التابلت) التي نحتاج إلى 150 ألفا منها، وأيضا الحاجة إلى تدريب وتأهيل 150 ألف عداد، وإجراء تعداد تجريبي في عموم العراق لاختبار القدرات والإمكانيات".

 فضلا عن إجراء عملية الترقيم والحصر التي تمثل العمود الفقري للتعداد، وبناء مركز متطور لمعالجة البيانات، وتأمين شبكات التراسل الإلكترونية من الميدان إلى مركز البيانات"، يضيف الهنداوي مؤكدا أن "هذه المراحل ينبغي استكمالها قبل الوصول إلى يوم التعداد".

ومضى يقول: "التعداد سيتحول من مشروع تشغيلي إلى مشروع استثماري بمعنى أنه يدرج ضمن الموازنة الاستثمارية وليس ضمن الموازنة التشغيلية"، موضحا أن "الموازنة التشغيلية محصورة بسنة محددة ولكن الاستثمارية تكون مستمرة".

وبين المتحدث أن "التعداد سيكون إلكترونيا من خلال الأجهزة اللوحية (التابلت)، والتي تكون مرتبطة بالمركز الوطني لمعالجة البيانات، وبالتالي إرسال البيانات يكون بشكل فوري لحظة إدخالها من قبل العداد وهو جالس مع الأسرة إذ تنتقل بشكل مباشر إلى المركز الوطني لمعالجة البيانات".

وعرف قانون أصدره البرلمان العراقي عام 2008 التعداد العام للسكان بأنه جميع الأرقام والبيانات المتعلقة بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية للسكان، وتشمل بيانات التعليم ومستوى المعيشة والقومية والدين والسكن وبيانات أخرى، وتشكل هذه البيانات والمعلومات والأرقام أهمية بالغة لأي مجتمع من أجل التخطيط العلمي الدقيق.