في اليمن السعيد.. تجريم احتفالات العيد ومنع الأطفال من ارتداء الجديد

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في بلاد اليمن السعيد، المسلم أهله، لم يكن أحد على الإطلاق يتخيل أن يأتي يوم ويمنع فيه المواطنون من مظاهر الاحتفال بعيدهم من صلاة ومعايدة ولبس الجديد.

في مديرية العرش التابعة لمدينة رداع بمحافظة البيضاء وسط اليمن، اندلعت اشتباكات مسلحة بين مواطنين وعناصر تابعة لجماعة الحوثي، لكنها هذه المرة بسبب محاولة المواطنين إقامة صلاة العيد صبيحة يوم الثلاثاء.

وتحدث مصدر للاستقلال، طلب عدم الكشف عن اسمه، لأسباب أمنية، بأن عناصر مسلحة يتبعون جماعة الحوثي حاولت منع المواطنين من أداء صلاة العيد، غير أن المواطنين رفضوا، ما تسبب باندلاع اشتباكات مسلحة استمرت لساعات.

وكانت هيئة علماء اليمن التابعة للحكومة الشرعية أعلنت أن الثلاثاء الموافق 4 يونيو/حزيران 2019 هو أول أيام عيد الفطر، وقالت إن تلك الفتوى أتت بعد ثبوت رؤية هلال شوال، بحسب الإعلان الصادر من وزارة الأوقاف والإرشاد التابع للحكومة الشرعية.

غير أن جماعة الحوثي بعد ذلك الإعلان بساعات أعلنت أن الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان، وأصدرت تعميما يقضي بتجريم ومعاقبة كل من يحتفي بالعيد، وكلفت لجنة مشكلة من مسؤولي الأوقاف في المديريات التابعة لهم والجهات الأمنية بالنزول صبيحة الثلاثاء لضبط المخالفين، بحسب نص التعميم.

أخذ ذلك الإعلان بعدا سياسيا، ففي حسابات جماعة الحوثي، فإن الإفطار والاحتفاء بالعيد دليل على الولاء للحكومة الشرعية، وبالتالي فإن الحوثيين يقومون باعتقاله بتهمة الارتزاق والعمالة.

يغدو تهمة

على إثر احتفاء عدد من المواطنين بالعيد، شن الحوثيون حملة اعتقالات واختطافات واسعة طالت عشرات المدنيين في الأحياء والمدن الواقعة تحت سيطرتها، بدعوى إفطارهم يوم الثلاثاء واحتفائهم بشعائر عيد الفطر.

وتحدثت مصادر محلية للاستقلال، أن الأطقم المسلحة تجوب الشوارع والأحياء في مدينة صنعاء وفي مدينة إب، وتعتقل كل من يظهر عليه احتفاءه بالعيد، أو يرتدي ملابس جديدة.

وتحدث مصدر لصحيفة الشرق الأوسط  أن جماعة الحوثي داهمت مسجدا لجماعة البهرة الإسماعيلية في حي سعوان بعد أن قرروا إحياء شعائر عيد الفطر.

وبحسب المصدر، اختطف الحوثيون في مدينة إب عشرات المواطنين، بسبب إفطارهم صباح الثلاثاء، وقاموا بمداهمة المحلات التجارية، واختطفوا كل من بدا عليه أنه مفطر، بعد الاعتداء عليه واتهامه بالعمالة والارتزاق للحكومة الشرعية، كما طالت تلك الحملة المطاعم التي فتحت أبوابها صباح الثلاثاء، وتم إغلاقها واعتقال أصحابها والعمال القائمين عليها.

وتحدث مصدر للاستقلال، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن عناصر مسلحة تابعة للحوثيين قامت باعتراض أطفال في منطقة مفرق حبيش التابعة لمحافظة إب واعتدت عليهم وقامت بتمزيق ملابسهم.

ونقلت مصادر صحفية أن الحوثيين اختطفوا في منطقة حزم العدين التابعة لمحافظة إب وسط اليمن، 28 شخصا في نقطة للحوثيين، بسبب تناولهم الإفطار في صباح الثلاثاء، كما خطفت خطيب العيد في منطقة الرياسي بحزم العدين.

وبحسب المصادر إن الحوثيين اختطفوا 15 آخرين في منطقة النقيلين بمديرية السياني جنوب محافظة إب، بسبب إفطارهم ومحاولتهم أداء صلاة العيد.

أما في منطقة ميتم شرق المدينة فقد تحدثت المصادر الصحفية أن القيادي الحوثي إياد الأبيض ومعه عشرات المسلحين قاموا باعتقال أكثر من 50 مواطنا من سوق الثلاثاء، بسبب احتفائهم بشعائر العيد.

وفي مدينة ذمار وسط اليمن قام الحوثيون باعتقال 18 مواطنا، واقتادتهم إلى قسم شرطة الوحدة، وتم الإفراج عن البعض بعد دفع مبالغ مالية كبيرة، وكتابة تعهد بعدم الولاء للحكومة الشرعية أو العمالة للسعودية.

دفعت تلك الحملة الواسعة عددا من المواطنين الواقعين في مناطق سيطرة الحوثيين إلى الإفطار والاحتفاء بالعيد في البيوت سرا، بينما لم يجرؤ الأطفال على ارتداء ملابس العيد في الشوارع، خوفا من بطش الحوثيين.

تحدي القرار

شكلت المجاهرة بالإفطار صباح العيد والاحتفاء به في مناطق سيطرة الحوثيين شكلا من أشكال التحدي لقرارات الجماعة، وكان مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أعلنوا أنهم سيقومون بإشهار وأداء شعائر العيد صباح الثلاثاء وبث ذلك بشكل مباشر على وسائل التواصل، ما أثار قلق السلطات الحوثية، وشنت إثر ذلك حملة مداهمة وملاحقة لكل من يفطر أو يحتفي بالعيد.

الحوثيون يخشون من أي عمل منظم يرفض قراراتهم، ويعتبرون ذلك تحديا لسلطتهم السياسية، وشكلا من أشكال التمرد، ويخشون من أن يقود ذلك التمرد إلى تظاهرة اجتماعية تكبر كل يوم، وتأخذ شكلا ثوريا مجتمعيا، لذلك يقمعون أي شكل من أشكال الرفض الفردي أو المجتمعي.

تسبب قرار الحوثي بانقسام المجتمع اليمني، ففي حين تحتفي نصف الأسرة في اليمن، وتصدح المساجد بشعائر العيد والساحات بالتكبير، لا تجرؤ نصف الأسرة المتبقية والقاطنة في مناطق سيطرة الحوثيين على إبداء أي مظاهر للعيد، خوفا من بطش الحوثيين، كما لا تستطيع الأسرة الواحدة تبادل الزيارات لصلة الأرحام وتبادل التهنئة.

وعلق وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان على ذلك بمنشور على فيسبوك قال فيه: "وأخيراً... صنعاء لا عيد لها،  قسّمتم البلاد حتى في العيد، نغّصتم حياة اليمنيين يا أولياء الخلاف والاختلاف والانقسام، لم يسلم منكم حتى العيد، انتظرنا 4 ساعات وأنتم تتشاورون وتتآمرون... فكّرتم... وأدبرتم... وفجأة فجرتم".

وتابع: "أصبحت المساجد فارغة، تصلّون وحدكم، الجمعة تصلّون وحدكم، وكان باقي معنا العيد! قسّمتم الدولة وقسمتم الشعب. اليمنيون يريدون عيداً مع العرب والمسلمين".

توقعات الحج

لا يقتصر أثر ذلك الانقسام على عيد الفطر فقط، بل يمتد ليشمل مناسك الحج وعيد الأضحى، فلو استمر الحوثيون بتعمد مخالفة الحكومة الشرعية فسيصل الأمر إلى الاختلاف في توقيت أداء مناسك الحج، ففي حين تبدأ المناسك في الثامن من ذي الحجة، وتليها الوقفة في منى في التاسع من ذي الحجة، وتستمر لمدة 5 أيام، هي مناسك الحج، ففي أي يوم ستبدأ مناسك الحج، وفي أي يوم سيؤدي اليمنيون صلاة عيد الأضحى وبقية الشعائر؟.

المثير للضحك والأسى معا أن مساء الإثنين هو اليوم الوحيد الذي كلف فيه الحوثيون بأداء صلاة التراويح وفتح صوت المكبرات، لترسيخ أن يوم الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان، مع أن الحوثيين  طيلة شهر رمضان منعوا أداء صلاة التراويح في بعض المناطق، ومنعوا فتح مكبرات الصوت في مناطق أخرى.

تعميق الانقسام

أعلنت المرجعية الشيعية في إيران أن الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان، والأربعاء أول أيام العيد، الأمر الذي دفع الحوثيون للاستناد على تلك الفتوى، وإصدار تعميم بأن العيد يوم الأربعاء ومعاقبة كل من يفطر الثلاثاء.

يعمل الحوثيون، عبر فتاواهم، على تعميق الانقسام داخل المجتمع اليمني، وتغيير بنيته الذهنية، وتحديد الولاءات لصالح المرجعيات الشيعية في إيران وقم، بالإضافة إلى زرع مفاهيم كفيلة بتفتيت النسيج المجتمعي، فضلا عن ترسيخ ثقافة العداء وعدم التسامح لكل من يخالف فكرهم.

كما يعمل الحوثيون على  استيراد ثقافة دخيلة على اليمنيين، كظاهرة الزينبيات والحسينيات ولجنة الآداب، في محاولة لتغيير وطمس هوية اليمنيين، وتجنيدهم لصالح ثقافات وقوى خارجية، مثلت على مدى مئات السنوات عداء تاريخيا وعقائديا وفكريا لها.

ويعملون في المقابل على إحداث قطيعة بين اليمنيين ورموزهم التاريخية والدينية، ولعل القارئ لملازم الحوثيين ومحاضرات حسين الحوثين يدرك أن أدبياتهم قائمة، في أساسها، على استلهام النماذج من الحرس الثوري وحزب الله.