مجلة فرنسية تتوقع ملامح علاقات الجزائر وباريس خلال ولاية ماكرون الثانية

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، أن رسالة تهنئة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب فوزه بالانتخابات، تمهد الطريق لحقبة جديدة بين البلدين.

وأوضحت المجلة أن الرسالة جاءت في اليوم التالي لإعادة انتخاب ماكرون لفترة ثانية، في 25 أبريل/ نيسان 2022، ما يثبت أن العلاقات الجزائرية الفرنسية باتت في حالة جيدة.

بداية جديدة

وذكرت المجلة أن تبون كتب في رسالة التهنئة: "سواء كانت الذاكرة أو العلاقات الإنسانية أو الاستشارات السياسية أو التوقعات الإستراتيجية والتعاون الاقتصادي والتفاعل في جميع مجالات العمل المشترك، فإن الرؤية المتجددة التي تحترم السيادة وتوازن المصالح التي نتشاركها بشكل كامل، لديها القدرة على فتح آفاق واسعة من الصداقة والتعايش المنسجم والتكامل المتبادل المفيد لكل منا".

وهو نص مصحوب بدعوة لزيارة "قريبا" إلى الجزائر، وذلك بعدما كان ماكرون هناك بالفعل في الجزائر العاصمة في ديسمبر/ كانون الأول 2017، عندما كان الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة في السلطة.

ويمكن القول إنه بين كل البلدان التي استعمرتها سابقا فرنسا، تظهر العلاقة مع الجزائر الأكثر حساسية لأسباب اجتماعية، منها أن الجالية الجزائرية في فرنسا تعد الأكبر في البلد.

إضافة إلى أسباب تاريخية تخص الجدل المتواصل عن "التاريخ الأسود لفرنسا" والمطالب الجزائرية الدائمة بضرورة تقديم اعتذار عن الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي دام ما يقارب 130 عاما، ولأسباب اقتصادية أيضا نظرا للشراكة التجارية بين البلدين.

وبخصوص الجزائر، دارت نقاشات عديدة بين المرشحين لرئاسة فرنسا، ماكرون ومنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني.

وظهر الجزائريون في فرنسا مبدئيا، كغيرهم من أفراد الجاليات المسلمة والمهاجرين عموما، في صف كل من سينافس اليمين المتطرف الذي لم تكن علاقته مع هذه الجاليات وردية.

وبالنسبة لجل الجزائريين، كانت لوبان وحزبها وعائلتها، خيارا يجب تفاديه بقدر الإمكان.

ويظهر ماكرون، رغم رفضه تقديم اعتذار عن الاستعمار الفرنسي للجزائر، واحدا من أكثر الرؤساء الفرنسيين بحثا عن صلح تاريخي مع الجانب الجزائري.

ومن آخر خطواته وصف قمع المتظاهرين الجزائريين عام 1961 بأنها "جريمة لا تغتفر"، ورفع السرية عن جزء كبير من أرشيف الاستعمار، رغم التوتر مع الجزائر عندما نفى وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار.

مصالحة مهمة

وأوضحت المجلة أنه إذا لم يستجب ماكرون سريعا لهذه الدعوة وإذا كان من غير المحتمل أن تتم الزيارة المعنية في المستقبل القريب، فإن الرسالة، وهي أكثر دفئا من التهاني المعتادة، تستقبلها باريس بشكل إيجابي.

وفي انتظار هذه الزيارة المحتملة، تتطلب عملية إعادة التأسيس هذه إصلاحا لبعض الملفات الحساسة التي تؤثر دائما بشكل كبير على هذه العلاقات، مثل الذاكرة والتاريخ الاستعماري.

ونقلت "جون أفريك" عن دبلوماسي فرنسي قريب من ماكرون لم تسمه: "سيستمر الرئيس في اتخاذ إجراءات قوية لتسوية قضية الذاكرة بشكل أكبر". 

ويضيف بطريقة يشوبها الغموض أنه: "من المتوقع أن تكون لفتة لإعادة الأشياء قريبا".

وخلال ولايته الأولى، كان ماكرون قد اتخذ عدة مبادرات مهمة مثل، إعادة رفات 24 من المقاومين الجزائريين الذين استشهدوا في القرن 19، والاعتراف بمسؤولية الجيش الفرنسي في وفاة عالم الرياضيات الشيوعي موريس أودان والقومي المحامي علي بومنجل خلال معركة الجزائر عام 1957 وذلك على غرار فتح أرشيف حرب التحرير الجزائرية.

وأضافت، هل يمكن أن يكون الاحتفال في يوليو/ تموز 2022 بالذكرى الستين لحرب الاستقلال مناسبة لبوادر جديدة؟ سنرى ذلك.

لكن هذه السياسة الفرنسية للخطوات التذكارية الصغيرة لا تتبعها حاليا المعاملة بالمثل من جانب الجزائريين.

إذا كان المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا قد قدم تقريره حول الذاكرة بالفعل، في يناير/ كانون الثاني 2021، فإن تقرير زميله الجزائري عبد المجيد الشيخي، المسؤول عن الأرشيف والذاكرة الجزائرية ما زال غير جاهز حتى اللحظة.

خلافات قائمة

الملف الآخر شديد الحساسية هو ملف التعاون في محاربة الهجرة السرية وإصدار التأشيرات، وهو الذي كان السبب في إثارة مشاكل 2021 الدبلوماسية بين البلدين التي بلغت ذروتها مع استدعاء السفير الجزائري إلى فرنسا في أكتوبر/ تشرين الأول، قبل عودته إلى منصبه في ديسمبر/ كانون الأول.

وقالت المجلة إن عدم تعاون الجزائر في تطبيق التزامات إصدار التأشيرة القنصلية، يضع المواطنين الجزائريين في وضع غير نظامي ويعرضهم للطرد، الأمر الذي قد تسبب أيضا في غضب الإليزيه.

حيث اتهم الرئيس الجزائري الجانب الفرنسي بأنه قال "كذبة كبيرة" بإحصاء في أكتوبر 2021، "7000 مواطن" جزائري مقيم في فرنسا اضطرت فرنسا إلى إعادتهم.

وكان قد أعرب مصدر دبلوماسي في باريس عن أسفه بقوله إن "السلطات الجزائرية لم تتعاون بصراحة في هذه القضية من خلال ادعاء عدة أسباب وضرورات مرتبطة بالأزمة الصحية وإغلاق الحدود، ولكن لا يبدو لنا أنها ذات صلة كاملة".

وكرد انتقامي، أعلنت الحكومة الفرنسية في سبتمبر/ أيلول 2021 تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين بنسبة 50 بالمئة.

لكن لا يؤثر ذلك التغيير الجذري على الطلاب ورجال الأعمال بل يؤثر على القادة السياسيين.

حيث أوضح ماكرون خلال لقاء على مأدبة أجراه مع ثمانية عشر شابا من عائلات عاشت حرب الجزائر، بحسب صحيفة لوموند الفرنسية في 2 أكتوبر: "سنزعج بالأحرى الأشخاص الموجودين في البيئة الحاكمة، الذين اعتادوا الحصول على تأشيرات بسهولة".

بعد قرابة عشرة أشهر من غضب باريس كرد فعل على هذا النقص في التعاون، لم يشهد هذا الملف أي تطور يذكر.

وبحسب البيانات التي قدمتها وزارة الداخلية الفرنسية في يناير 2022، أصدرت القنصلية الفرنسية في الجزائر 63 ألفا و649 تأشيرة خلال 2021، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 13.1 بالمئة مقارنة بـ2021. 

وتشير مصادر مطلعة على هذا الأمر إلى أن عامي 2020 و2021 يمثلان سببا خاصا فيما يتعلق بإصدار التأشيرات بسبب تفشي الوباء وإغلاق الحدود.