يخشى سيناريو عبدالناصر ونجيب.. لهذا ترحم السيسي على الرئيس محمد مرسي

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

للمرة الأولى منذ انقلاب 2013، يذكر رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الرئيس الراحل محمد مرسي بالاسم ويترحم عليه، في تصريحات أثارت جدلا واسعا، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي.

واعتاد كثيرون على رؤية السيسي كالخصم الألد لمرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، لذا انقلب عليه واختطفه ثم زج به في السجن الانفرادي لسنوات ومنع عنه لقاء أسرته، حتى رحيله بطريقة مأساوية داخل قاعة محاكمته عام 2019.

ووجهت مؤسسات حقوقية دولية مثل العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، أصابع الاتهام إلى السيسي ونظامه، بالوقوف المباشر وراء موت مرسي عبر قتله بالبطيء من خلال منعه من تلقي الرعاية الطبية خارج السجن.

واليوم بعد سنوات من عمل آلة النظام الإعلامية لتشويه مرسي، تغير الحال بصورة لافتة إلى لغة أكثر هدوءا، رغم حرص مسلسل "الاختيار 3" الذي أنتجه الجيش وبث في رمضان، على شيطنة جماعة الإخوان المسلمين.

وهذا التغير تسبب في انتشار تساؤلات عما وراء تغيير السيسي إستراتيجيته تجاه مرسي؟ وما أهدافه من ذلك؟ 

ذكر مرسي

وخلال حديثه بحفل "إفطار الأسرة المصرية" في 26 أبريل/ نيسان 2022، عن مسلسل "الاختيار 3" الذي سرد تفاصيل فترة حكم مرسي، قال السيسي "عندما وقفت مع الرئيس مرسي الله يرحمه كانت وقفة لصالح مصر".

وأضاف السيسي: "لو تآمرت عليه بعد ما تولى سأكون تآمرت على مصر.. وضيعت حياة ومستقبل 100 مليون"، زاعما أن مساندته له كما جاءت في بعض مشاهد المسلسل، ليست فيها "تآمر ولكن كانت من أجل حماية مصر".


وتوفي مرسي في 17 يونيو/ حزيران 2019 خلال جلسة محاكمته، ولم تعلق الرئاسة على وفاته.

وبالرغم من ذلك فإن الموقع الإلكتروني للرئاسة المصرية، مازال يحتفظ بتسمية الدكتور محمد مرسي وتوضيح فترة حكمه بين 2012 و2013، في تاريخ رؤساء مصر دون حذف، فيما اعتاد السيسي عدم ذكر اسمه أبدا، سوى بالتلميح لا التصريح.

وأثارت التصريحات جدلا كبيرا على منصات التواصل الاجتماعي، نظرا لأن السيسي ذكر مرسي علانية وترحم عليه، للمرة الأولى، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، أي منذ قرابة تسع سنوات كاملة. 

وغرد أستاذ العلوم السياسية خليل العناني، قائلا: "يكاد المريب يقول خذوني.. ماذا بينك وبين ربك يا دكتور مرسي كي يفضح نفسه بنفسه على الملأ وبهذا الشكل؟"

وكتب الحقوقي أحمد سميح: "كان طبيعيا جدا أن الخطاب لا يذاع مباشرة وطبيعي أكثر أن الفيديو الصادر من قناة الرئاسة يتعرض للقص واللزق.. عصبية وقلق السيسي لا يمكن إخفاؤها". 

ومما يفسر هذا التغيير، كشف فريق التحقق الرقمي بمنصة التحقيقات الدولية "إيكاد"، تحليلا للتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي مع مسلسل "الاختيار 3"، بهدف معرفة تأثير المسلسل على شعبية الرئيس الراحل مرسي.

وقالت المنصة في بيان بتاريخ 20 أبريل/ نيسان 2022 إن "نسبة التغريدات الإيجابية عن مرسي وصلت إلى 61 بالمئة من التفاعلات، في حين بلغت التغريدات السلبية 38 بالمئة فقط"، رغم حملات الدعاية السوداء ضد الرئيس الراحل. 

رمزية عالمية

وفي قراءته للمشهد، قال الإعلامي المصري طارق محمد، إن "فرصة خلق رواية أحادية أمام النيوميديا تكاد تكون منعدمة حاليا، فأشد أعداء الأنظمة الاستبدادية الآن هي وسائل التواصل والإعلام المفتوح، حيث لا مجال لفرض رواية من جانب واحد".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "ما حدث من تعاطف جامح مع الرئيس محمد مرسي من نشطاء ورواد تلك المواقع، أعجز النظام المصري، والمخابرات عن المواجهة وصياغة سردية خيانة الرئيس وفشله". 

وأوضح محمد أن "رمزية محمد مرسي الآن عالمية، فهو من رموز النضال الوطني على غرار نيلسون مانديلا وعدنان مندريس، وردود الأفعال على كل خبر أو أمر يتعلق به، والترحم عليه وذكر محاسنه كانت أمورا صادمة لنظام السيسي".

ولفت إلى أن "وحدات رصد وقياس الرأي العام داخل الأجهزة الأمنية للنظام، تدرك ذلك، وبعثت بتقاريرها إلى الرئاسة، وبناء عليه تم تغيير التعاطي مع شخصية الرئيس مرسي، سواء في خطابات السيسي، الذي ذكر اسمه لأول مرة، وأتبعه بصيغة الترحم، أو حتى في الأعمال الدرامية والفنية".

"ولا يمكن أن ننسى سابقة عرض فيلم (المشخصاتي 2) عام 2016، للفنان المثير للجدل تامر عبدالمنعم، حيث قام بتأدية دور الرئيس مرسي في سياق من السخرية (كان ذلك قبل وفاته)، لكنه واجه فشلا ذريعا، ما اضطر الشركة المنتجة لسحبه من دور العرض، وكان هذا درسا شديدا لإعلام المنظومة الأمنية" يشرح الخبير الإعلامي.

وختم محمد بالقول: "مع صعود التيار المتعاطف مع مرسي اليوم، كان لابد من إستراتيجية مختلفة، أجبرت السيسي، على التعاطي معها بشكل مختلف ومتباين، وهو ما يبشر أن القادم سيكون أفضل، وستظهر الحقائق ناصعة مع مرور الزمن بلا تحريف ولا تبديل، بفضل كل كلمة حق ظهرت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي". 

ملاك وشيطان 

من جانبه، رأى الناقد الفني المصري عبدالرحمن الشرقاوي، أن "السياق الدرامي لمسلسل (الاختيار 3) بدائي، فهو صور البطل الملاك ناصع الوجه في صورة (السيسي) وقادة المجلس العسكري، وعلى العكس الشيطان في صورة (خيرت الشاطر) وقيادات الإخوان".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أنه "كان طبيعيا أن يصور الرئيس الراحل محمد مرسي كالحالة المضادة للسيسي وإبرازه كالعدو الأول لا المهندس خيرت، لكن يبدو أن تعديلات أدخلت على السيناريو والحوار والحالة الإخراجية، وألزمت صناع العمل بتحسين صورة مرسي إلى حد ما، وإظهاره في شاكلة الرجل المغلوب على أمره والمذبذب".

وأرجع الشرقاوي ذلك إلى خشية نظام السيسي من أن يحدث العكس مزيدا من التعاطف مع الرئيس الذي رحل مظلوما، وينقلب السحر على الساحر بازدراء العمل ككل. 

وأضاف: "في النهاية دراما الواقع استقراء وتعاطي مع الأحداث الحقيقية، ومهما فعلت الدراما لن تستطيع تجاوز الحقيقة ومشاعر الجماهير، ولي عنق التاريخ لن ينفع كثيرا في مثل هذه الأمور، لأن المسلسل قد يخلق حالة لحظية من التعاطف والتفاعل الآني، لكن الوقائع والوثائق وما يخطه المؤرخون لا يمكن تزييفه". 

وأشار الناقد الفني إلى أن "الثلاثة مواسم لمسلسل الاختيار كتبها وأشرف عليها ضباط المخابرات، وهم كانوا يعرفون أن الشخصية المحورية التي ستترقبها الجماهير أكثر من السيسي نفسه هي الدكتور مرسي، لأنه لا يزال حاضرا وقائما بينهم، وبالتالي لم يكن هناك مفر من إبرازه في صورة غير نمطية لها محاسن ومساوئ، حتى يبدو العمل أكثر منطقية وقبولا فيقول الناس (كان مرسي جيدا، لكن من حوله هم سبب كل المشكلات)". 

وأضاف أن "هذا حدث أكثر من مرة، فعندما عرض الجزء الأول من مسلسل (الجماعة) عام 2010 زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، حرص آنذاك على إبراز صورة البنا في هيئة منطقية لما له من شعبية وأثر في نفوس العالم العربي والإسلامي، وصور آنذاك الجماعة أيضا أنها انفلتت من يده وخرجت عن طوعه، فكانوا هم السيئون، وليس البنا، وهو ما يحدث مع الرئيس مرسي الآن بنفس الشاكلة". 

تبرير للدولة 

بدوره، أوضح الباحث السياسي المصري محمد ماهر، أن تعامل المنظومة السياسية والإعلامية مع رمزية الرئيس محمد مرسي، بهذه الطريقة لها مجموعة من الأسباب.

وقال لـ"الاستقلال"، إنه "من الملاحظ هوس السيسي منذ اللحظات الأولى بتاريخ تلك المرحلة، ومحاولة طمسه بأي طريقة ممكنة والتلاعب فيه وتغييره، وهو لا يريد أن تصبح حقبته على غرار حقبة عبدالناصر والسادات، حيث ظهرت جميع الأسرار والمساوئ بعد رحيلهما، وبالطبع هو يمتلك الحجم الأكبر من الانتهاكات والفساد وصناديق الأسرار". 

وأضاف: "في عصر السوشيال ميديا، والتسريبات المتعددة الضاربة في بنية الدولة العميقة، أدرك السيسي صعوبة المهمة، وبناء على توصية أجهزته ومخابراته، بدأ يتجاوز فكرة تزييف الروايات وإنكارها إلى التلاعب فيها وتأويلها".

وشرح ماهر ذلك بالقول: "فهو لن ينكر انقلاب 30 يونيو 2013، ولا مذابح رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، ولا الاجتماعات واللقاءات التي دارت خلال تلك المرحلة، لكنه سيتلاعب في التفاصيل، كنوع من (الغلوشة) وإحداث جدل لن ينتهي".

وتابع: "كما أن السيسي يسعى إلى الإجابة على أسئلة مهمة لن يستطيع الهروب منها، مثل طالما أن مرسي كان متآمرا ومتخابرا مع دول أجنبية، لماذا سمحتم له أن يكون رئيسا للجمهورية بعد انتخابات حصل بموجبها على أكثر من 13 مليون صوت، والسيسي وقف أمامه وأقسم اليمين كوزير للدفاع، فكيف سيتم التغافل عن كل هذا؟"

"لذلك فإن التعامل مع الدكتور مرسي كرئيس سابق ومنتخب لمصر، لابد أن يكون مختلفا في اللهجة والمضمون عن بقية قيادات الإخوان والمعارضة، وربما هذا ما طرحه جهاز المخابرات العامة على السيسي، لتفادي المستقبل القريب" يوضح الباحث السياسي المصري.

وأردف ماهر أن "الأجهزة ربما تعلمت ذلك مما حدث مع أول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب، الذي حاول عبدالناصر بشتى الطرق محو ذكره وتشويه اسمه، لكن التاريخ غلبه وظهرت الكتب والوثائق والروايات بعد ذلك التي مجدت في نجيب وردت إليه اعتباره، إضافة إلى أخذ التنكيل به كدليل على مساوئ وفساد العهد الناصري، الأمر الذي ينطبق مع حالة الرئيس محمد مرسي رحمه الله".