تونس تعيش حالة فراغ.. أين تكمن الصعوبة في معارضة قيس سعيد؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد تسعة أشهر من توليه السلطة في تونس، لا يزال المثقفون والجمعيات منقسمين حول كيفية التصرف في مواجهة خطر الانجراف الاستبدادي للرئيس قيس سعيد.

تقول صحيفة لوموند الفرنسية: "أصبح من العُرف لدى سعيد منذ انقلابه في 25 يوليو/تموز 2021 أن يلقي على التونسيين في كل مناسبة دينية أو وطنية كلمة متلفزة أو خطابا مباشرا يبرر من خلاله خارطة الطريق خاصته، أو لتجريح الطبقة السياسية بكل ما فيها".

وهؤلاء السياسيون عادة ما يصفهم سعيد بـ"أعداء الديمقراطية في خدمة القوات الأجنبية".

وفي عيدي الفطر والشغل (العمل) مطلع مايو/أيار 2022، لم يشذ قيس سعيد عن القاعدة وألقى خطابين متلفزين أعاد من خلالهما التذكير بخريطة الطريق التي يشرف عليها ولتذكر التونسيين بضعف سابقيه من السياسيين.   

مع التعزيز الكبير للخطابات العدائية ضد أولئك الذين "يحاولون الوصول إلى الدولة خلال شهر رمضان بدلا من قضاء أمسيتهم في المسجد"، قدم قيس سعيد دستورا جديدا كتبته لجنة خبراء شارك في صياغته حوالي 500 ألف تونسي.  

كما أعلن رئيس الدولة إجراء "حوار وطني" يستبعد مع ذلك "أولئك الذين دمروا البلاد".

ولم يثر خطابه صدمة في صفوف الرأي العام أكثر من تلك الصدمة التي تلت عملية التفكيك التدريجي الممنهج للمؤسسات المكتسبة بعد ثورة 2011. 

حتى مع صلاحيات كاملة في يد سعيد، وتجميد ثم حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وكذلك تغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عبر مرسوم رئاسي؛ ظلت ردود الفعل خجولة من جانب المجتمع المدني والمثقفين في تونس.

لا مبالاة 

يقول عزيز كريشان الباحث في علم الاجتماع والمستشار السابق للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، إن البلاد تعيش "في حالة من الفراغ تتزامن من جهة مع نخبة تقليدية في تراجع ومن جهة أخرى مع جيل جديد يحتاج إلى مزيد من الوقت كي يرى النور".

وترى الباحثة في العلوم السياسية ياسمين الوردي عكريمي أن ما يدفع إلى الصمت هو "الخوف من عودة الفوضى وخصوصا عدم وجود بدائل". 

ويقول الكثيرون: "أوقفوا قيس سعيد عند حده، لكن من سيكون البديل له في المرة القادمة؟"

يقتصر رد الشارع على قرارات سعيد في احتجاجات تقودها الحركات السياسية المنقسمة أساسا والتي عادة ما تفشل في حشد الكثيرين من ناشطيها.  

أول هذين الفريقين المعارضين لقرارات سعيد يمثله أساسا جوهر بن مبارك رجل القانون الدستوري ومنسق حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، الذي التقى موضوعيا في نفس خط المعارضة مع الحزب الاسلامي المحافظ: النهضة.  

 وقد انضم إليه في 26 أبريل، خمسة أحزاب ليبرالية ومن الاشتراكيين الديمقراطيين، الذين شكلوا "جبهة الخلاص الوطني" بمبادرة من السياسي، أحمد نجيب الشابي، البالغ من العمر 78 سنة.  

لكن وجدت هذه المبادرة صدى قليلا بسبب الرفض الشعبي القوي لحزب النهضة، الذي شارك في السلطة لمدة عشر سنوات، وفق الصحيفة الفرنسية. 

أما المجموعة الثانية المعارضة لقيس سعيد فهي تدور حول عبير موسى، النائبة في البرلمان المنحل ورئيسة الحزب الحر الدستوري والعدو اللدود لحركة النهضة وهي أيضا التي تدعي المحافظة على إرث الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.

بيد أن خطابها العدائي في بعض الأحيان كان له دور في عدم تجميع باقي الشقوق السياسية.

وفي مواجهة هذا النقص من بديل سياسي والجمعيات المحلية، التي وجدت أساسا من الشباب الذين احتشدوا في أعقاب ثورة 2011، تكافح منظمات المجتمع المدني من أجل التموضع. 

توضح الناشطة النسوية بشرى بلحاج حميدة وتقول "كان هناك تباطؤ في التزامهم، بسبب نفس خيبة الأمل التي دفعت التونسيين إلى الابتعاد عن السياسة في السنوات الأخيرة".

تحاول بعض الهياكل النقابية والجمعياتية أن تتخذ موقفا جيدا، ومنها منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية التي تعمل على مكافحة الفساد، والتي كانت قد دعمت انقلاب 25 يوليو 2021.

وتطالب هذه المنظمة الآن بمقاطعة الاستفتاء الدستوري الذي أُعلن عنه هذا الصيف (25 يوليو 2022).

حذرت منظمة البوصلة غير الحكومية، التي تسعى جاهدة لتحقيق أهداف الشفافية، مرارا وتكرارا من التجاوزات الاستبدادية للرئيس قيس سعيد، وكذلك بعض الأكاديميين والمحامين.  

تقول سلمى جراد مديرة البوصلة إن "حالة الحيرة" التي غرقت فيها البلاد بعد إجراءات الطوارئ التي اتخذها قيس سعيد حقيقية وأن الكثيرين ما زالوا "ينتظرون أو يبحثون عن بدائل جديدة".

تضخم جامح

وفقا لسلمى جراد فقد كان جزء كبير من المجتمع المدني قد دعم ضمنيا قرارات قيس سعيد خلال الانقلاب.

واستدركت "لكن الآن هناك فرق حقيقي بين أولئك الذين يريدون الدفاع عن مكتسبات السنوات الأخيرة، ولا سيما في مجال حقوق الإنسان والحريات، وأولئك الذين يرون أن الاستفتاء الذي اقترحه سعيد هو فرصة لتغيير النظام السياسي". 

تؤكد ألفة لملوم، مديرة مكتب منظمة انترناشيونال آلرت غير الحكومية، على هذا التشرذم الموجود لدى المجتمع المدني، الأمر الذي يعزز النقاش العام المستقطب بين المؤيدين والمعارضين للإسلاميين، بحسب الصحيفة الفرنسية.  

أولئك الذين يرفضون الإسلام السياسي شوهدوا في الغالب داعمين لانقلاب قيس سعيد وهي كما يعتقدون فرصة لإخراجهم من السلطة، وتقديم الدعم الفعلي للرئيس الجديد.   

وقالت القاضية بشرى بلحاج حميدة: "إن كراهية الإسلاميين اليوم تجلب الكثير من الانتهازية وانتهاكات التساهل مع حقوق الإنسان".

وتوضح لملوم أنه "في هذا السياق، لا تزال القضايا الاجتماعية والاقتصادية مهمشة". ويمكن القول إن العامل الاجتماعي هو الأكثر تهميشا في هذه الفترة. 

مع معدلات التضخم التي بلغت (7.2 بالمئة) والبطالة (18 بالمئة)، واتساع الديون التي كانت تنهك البلاد أساسا قبل عامين من وباء كورونا وتأثير الحرب الروسية في أوكرانيا، فإن الفترة الحالية تشهد اضطرابا غير مسبوق، توضح لوموند.

وما زال الاتحاد العام التونسي للشغل، العنصر النقابي صاحب الوزن في المعادلة التونسية، يخوض محادثات مع الحكومة، ويشترك في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية. 

لكن رغم كل ذلك، لا يوجد شيء قد يبعد الغضب الشعبي المتزايد بين السكان الأكثر تضررا من ارتفاع الأسعار.

ومرت تونس منذ ثورة 2011 بأزمات سياسية متواصلة بلغت ذروتها مع جمع الرئيس قيس سعيد أخيرا السلطات التنفيذية بين يديه، ما زاد في تأزم الوضع الاقتصادي الذي يشهد انكماشا.

انطلقت الثورة التونسية في نهاية العام 2010 ضد نظام زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال 23 عاما.

وكانت المطالب الشعبية تتلخص في شعار "شغل وحرية وكرامة وطنية" بعد أن أضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجا على تعامل الشرطة معه في محافظة سيدي بوزيد المهمشة في وسط البلاد.

وسقط زين العابدين بن علي، ودخلت البلاد منعطفا سياسيا جديدا كانت له تداعيات على المنطقة بأكملها، لكن تبين أن التناحر على السلطة لم ينته وسط تدهور اقتصادي ومعيشي كبير.