رهانات تشكيل حكومة العراق.. هل ينجح المستقلون فيما فشلت به الأحزاب؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل انسداد سياسي يشهده العراق، طرحت قوى الإطار التنسيقي الشيعي، والتيار الصدري، مبادرتين منفصلتين تستندان إلى ورقة المستقلين، على أمل النجاح في تشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس للبلاد، وهي خطوة أخفق البرلمان ثلاث مرات في تحقيقها.

وقبل ذلك، منح زعيم التيار، مقتدى الصدر في 31 مارس/ آذار 2022، فرصة لقوى "الإطار" لتشكيل الحكومة خلال 40 يوما، بعدما لم يتمكن تحالف "إنقاذ وطن" بقيادة الأول من جمع ثلثي أعضاء البرلمان (220 نائبا من أصل 329) لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية.

ويشغل تحالف "إنقاذ وطن" أو ما يعرف بالتحالف الثلاثي، 175 مقعدا بالبرلمان من أصل 329، ومكون من "الكتلة الصدرية" (شيعية)، وتحالف "السيادة" (سني)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (كردي).

ويسعى الصدر، إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية عبر استبعاد منها بعض القوى الشيعية المعروفة بالفساد، وعلى رأسها ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

وهو ما تعارضه القوى الشيعية ضمن الإطار التنسيقي الموالية لإيران، التي تطالب بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان على غرار الدورات السابقة.

ورقة المستقلين

وعلى ضوء الانسداد السياسي وعدم تمكنها من تشكيل حكومة في المهلة التي منحها لها الصدر، طرحت قوى الإطار  في 4 مايو/ أيار 2022، مبادرة من تسع نقاط، ومرفقة بتسعة التزامات لتطبيقها.

ومن أبرز ما تضمنته مبادرة "الإطار" دعوة الأطراف الكردية التي لها منصب رئيس الجمهورية حسب العرف السياسي في البلد، إلى بذل الجهود للتفاهم والاتفاق على مرشح يمتاز بهذه الصفات وضمن السياقات المعمول بها.

ويتنافس على منصب رئيس الجمهورية الحزب الديمقراطي الكردستاني (العضو بالتحالف الثلاثي)، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي جرت العادة أن يكون المنصب من حصته.

كما طالبت مبادرة الإطار جميع القوى الشيعية بتكوين الكتلة الأكثر عددا ومن ثم الاتفاق على ترشيح رئيس لمجلس الوزراء القادم، وتتحمل القوى المشاركة في الحكومة منها مسؤولية فشله ونجاحه ومحاسبته، وكذلك تتعهد بتوفير الدعم الكامل له وفق البرنامج الحكومي المقرر، وتعلن عن ذلك في مؤتمر عام.

واقترحت المبادرة على النواب المستقلين بأن يقدموا مرشحا تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والمقبولية والحيادية وجميع المؤهلات المطلوبة، لإدارة البلاد في هذه المرحلة الحساسة من عمر العراق على أن يدعم من قبل جميع الكتل الممثلة للمكون الشيعي والمشكلة للكتلة الأكثر عددا.

ودعت المبادرة إلى أن تتعهد الأغلبية الحاكمة بتوفير الغطاء الآمن للمعارضة النيابية وتمكينها في البرلمان وتعضيد دورها في مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها إن ثبت تقصيرها، عن طريق ترؤسها اللجان النيابية الفاعلة ومنح الهيئات الرقابية للمعارضة وللشخصيات المستقلة ممن لم يشتركوا في تشكيل الحكومة.

أما في الالتزامات، فطالبت قوى "الإطار" بأن يتعهد الجميع بتطبيق الالتزامات بمراجعة جميع العقود والقروض والتعيينات في حكومة تسيير الأعمال اليومية (التي يديرها رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي) من تاريخ حل مجلس النواب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.

ومن أبرز الالتزامات أيضا، بأن يتعهد البرلمان بتعديل قانون الانتخابات، وتغيير كوادر المفوضية العليا للانتخابات وإعادة هيكلتها واختيار مجلس مفوضين من المشهود لهم بالخبرة ومحاسبة من ثبت تقصيره ضمن القانون.

رد عبر المستقلين

وردا على ذلك، طرح الصدر مبادرة أخرى في نفس اليوم كان فيها المستقلون اللاعب الأساس، إذ منحهم فرصة تشكيل الحكومة خلال 15 يوما لن يكون التيار جزءا منها.

وغرد الصدر، في 4 مايو قائلا، إن "تحالف إنقاذ الوطن، هو أكبر كتلة برلمانية وراعي الأغلبية الوطنية.. لكنه وبسبب قرار القضاء العراقي بتفعيل الثلث المعطل تأخر بتشكيل حكومة الأغلبية".

وأضاف أن "الطرف الثاني، وهو الإطار التنسيقي الداعي لحكومة التوافق، فشل بتشكيل الحكومة التوافقية بعد أن أعطيناه مهلة الـ40 يوما".

ودعا الصدر النواب المستقلين إلى "تشكيل تكتل مستقل منهم، لا يقل عن الـ40 فردا، بعيدا عن الإطار التنسيقي، والالتحاق بالتحالف الأكبر (إنقاذ وطن) ليشكلوا حكومة مستقلة".

وتابع: "سيصوت التحالف الأكبر على حكومتهم (المستقلون)، بما فيهم الكتلة الصدرية وبالتوافق مع سنة وأكراد التحالف، ولن يكون للتيار الصدري مشاركة في وزرائها، على أن يكون ذلك في مدة أقصاها 15 يوما".

ويشغل المستقلون 43 مقعدا في البرلمان الذي جرى انتخابه في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وتصدر النتائج حينها التيار الصدري.

وبناء على مبادرة الصدر، أصدرت كتلة "العراق المستقل" البرلمانية، والتي تمثل أكبر كتلة للمستقلين في البرلمان، بيانا في 4 مايو 2022 رحبت فيه بمنحها الفرصة لتشكيل الحكومة المقبلة.

وقالت الكتلة: "إيمانا بالمسؤولية الوطنية وتغليبا للمصلحة العامة وللخروج من أزمة الانسداد السياسي واحترام المدد الدستورية، تعلن كتلة العراق المستقل النيابية برئاسة النائب المستقل عبد الهادي الحسناوي، قبول مبادرة مقتدى الصدر بدعوة النواب المستقلين لتشكيل حكومة وطنية مستقلة تعبر عن تطلعات المواطن وتسعى للارتقاء بالخدمات وإعمار البلد".

وأضافت: "ندعو الأخوة المستقلين سواء من تحالف العراق المستقل أو الأخوة المستقلين الأفراد، إلى توحيد الجهود والكلمة للخروج بتشكيل سياسي مستقل هادف قادر على وضع حل للأزمة الحالية التي يمر بها البلد".

كما دعت "القوى السياسية كافة إلى دعم المبادرة الوطنية ونبذ الخلافات وعدم التأثير على الأخوة النواب المستقلين سواء بالتهديد أو الوعيد واحترام إرادة الناخبين بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية".

مساران اثنان

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لطيف المهداوي لـ"الاستقلال"، إنه "لا يوجد سوى مسارين للخروج من الانسداد السياسي في العراق، الأول يتأسس على نتائج الانتخابات، والثاني يؤسس على مبدأ التوافق".

وأوضح المهداوي، أن "المسار الأول ترفضه قوى الإطار التنسيقي الشيعي لأنها خسرت الانتخابات، والثاني مرفوض من التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر كونه لا يرضى بحكومة توافقية، ومحاولة الجمع بين الاثنين (الانتخابات والتوافق) مهمة شبه مستحيلة".

وأشار إلى أن "الكلام العام لا خلاف عليه، ولكن المصيبة تكمن في التفاصيل والحصص والمكاسب، وهنا تكمن العقدة التي استحكمت ولا حل لها إلا بانتخابات جديدة شريطة أن يعدل قبلها قانون الانتخابات، وتلافي كل جوانب الخلل السابقة. أما غير ذلك، فنحن نكرر الأخطاء ذاتها من دون فائدة أو إصلاح متوقع".

وبخصوص مبادرة قوى الإطار التنسيقي الشيعي، قال الباحث العراقي إن "ما رشح عن مبادرة الإطار، أنها محاولة لاستمالة المستقلين- رغم أنهم ليسوا مستقلين- إضافة إلى طرح فكرة تعديل قانون الانتخابات، وهذا أمر بالغ الأهمية".

وبين المهداوي أن "صياغة البيان شبه المتعمدة على ما يبدو بذكر (الرئاسات الثلاث). مما فهم البعض منه أنه ضوء أخضر لإعادة فتح ملف رئاسة البرلمان من قبل خصوم رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي مع التأكيد أن الأهم على أرض الواقع صعب جدا".

وبشأن ما طرحه زعيم التيار الصدري، قال الباحث إن "الصدر لا يهدف عبر ذلك لحلحلة الانغلاق السياسي، لأن جمع الـ40 نائبا مستقلا شرط تعجيزي لا يتحقق، إضافة إلى وجوب التحاقهم بالتحالف الثلاثي، وهذا غير منطقي، وكذلك دعوته إلى قسم من قوى الإطار للالتحاق بالكتلة الصدرية، فهذا لا يقل صعوبة عن الشرط الأول".

ورأى المهداوي أن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لا يريد حلا للأزمة بطرح مثل هذه الشروط، وأتوقع أن يكون إنهاء الأزمة في حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات برلمانية".

تفاهم إقليمي

لكن قبل طرح المبادرتين، كشفت دوائر سياسية عراقية نهاية أبريل/ نيسان 2022، عن "تفاهم إقليمي ثلاثي يشمل الإمارات وتركيا وإيران بخصوص العراق، يقضي بإعطاء دور للمعارضة البرلمانية العراقية للخروج من الانسداد السياسي الحالي".

وذكر الباحث في الشأن السياسي العراقي، سعدون التكريتي لموقع "عربي21" الإلكتروني، أن "إعطاء دور للمعارضة سيكون بضمانات من هذه الدول، وذلك بأن تشارك كتلة المعارضة في رئاسة البرلمان، بتسلمها منصب أحد نائبي الحلبوسي، والذي يعتبر حاليا حكرا على التحالف الثلاثي (تحالف السيادة، التيار الصدري، الحزب الديمقراطي الكردستاني)".

وفي التفاصيل، يقضي التفاهم الإقليمي بـ"ذهاب رئاسة اللجان البرلمانية إلى كتلة المعارضة حتى تتمكن من أخذ دورها الرقابي على حكومة الأغلبية التي يشكلها التحالف الثلاثي، وخصوصا لجان النزاهة والمسألة والعدالة وديوان الرقابة المالية".

وعلى الصعيد ذاته، كان النائب عن تحالف "السيادة" السني مشعان الجبوري، قد كشف، في 19 أبريل/ نيسان 2022، عن حوارات مباشرة بين الأطراف السياسية المتصارعة وفق تفاهمات دولية وإقليمية، مرجحا حلّ أزمة الانسداد السياسي.

وغرد الجبوري على حسابه في "تويتر"، قائلا: "وفق معطيات ودلائل يمكنني القول إنّ تفاهمات إقليمية ودولية بدأت تنعكس إيجابيا على الأوضاع السياسية في العراق". وأضاف أن "حوارات مباشرة بين المختلفين أدت بما يمكن أن ينهي حالة الانسداد السياسي".

وعلى نحو مماثل، غرد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، بعدها بيوم واحد، قائلا: "حينما تتيقن الأطراف السياسية باستقلال إرادتها وقرارها الوطني، ساعتها تنفرج الأزمة ويزول الانسداد السياسي"، والتي علق عليها مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية، في 26 أبريل/ نيسان 2022 بالقول إنها تشير إلى التفاهمات الإقليمية.