لا وساطة عراقية بين الولايات المتحدة وإيران بل مساعٍ حميدة

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحاول إيران إخفاء دورها المباشر بالهجمات التي تعرضت لها السفارة الأمريكية في بغداد والهجمات الأخرى على ميناء الفجيرة في دولة الإمارات ومحطة ضخ للنفط في العمق السعودي من خلال العمل عبر قوات حليفة لها لردع خصوم إيران ومتابعة سياساتها في تعزيز نفوذها الإقليمي. ومن المحتمل تصاعد حدة التوترات الأمريكية الإيرانية إذا تعرضت مصالح الولايات المتحدة في العراق لهجمات تنفذها مجموعات شيعية مسلحة معروفة بتحالفها العميق مع إيران. 

في 19 أيار/مايو الماضي، استهدفت مجموعات مسلحة مبنى السفارة الأمريكية الكائن في المنطقة الخضراء، مركز الحكم ببغداد، دون أن تتبنى أي جهة مسؤولية ذلك، بينما أشار أكثر من مسؤول أمريكي إلى "احتمالات راجحة" لوقوف مجموعات شيعية تابعة للحشد الشعبي خلف الهجوم. وجهت وزارة الخارجية الأمريكية أوامر وتعليمات للعاملين غير الأساسيين لمغادرة بغداد وأربيل تحسبا من تصاعد حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران واحتمالات تعرضهم لهجمات تنفذها القوات الحليفة لإيران. وخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأخيرة إلى بغداد، طلب من المسؤولين العراقيين حماية الأمريكيين والمصالح الامريكية في العراق. 

سيكون على الولايات المتحدة توجيه ضربات لتلك المجموعات في حال تكرار استهداف الجنود أو العاملين الأمريكيين لهجمات تهدد حياتهم، أو في حال تعرضت المنشآت الدبلوماسية والشركات الأمريكية العاملة في العراق لهجمات جديدة، لكن سيكون أيضا على الولايات المتحدة إثبات هوية الجهة الفاعلة، وهو أمر قد لا يكون متيسرا من دون تعاون الجهات العراقية مع الأمريكيين. وتدرك الحكومة المركزية أن أي هجمات تشنها القوات الحليفة لإيران ضد المصالح الأمريكية ستحول العراق إلى ساحة صراع أمريكي إيراني سيؤدي بالنتيجة إلى حالة من عدم الاستقرار قد تقود إلى فوضى أمنية.

إن إدخال العراق في دائرة الصراع ستقود حتما إلى إشاعة حالة من الفوضى الأمنية قد تمهد لعودة تنظيمات مثل تنظيم داعش أو سيطرة فصائل الحشد الشعبي على السلطة وفق فرض الأمر الواقع، إذا حاولت الحكومة المركزية اتخاذ موقف الحياد أو الانحياز إلى الولايات المتحدة ضد إيران.  

وضع الإصرار الأمريكي على مواجهة "التهديدات" الإيرانية الأوساط السياسية العراقية في حالة من الانقسام في الموقف من إيران والولايات المتحدة على الرغم من تأكيد جميع الأطراف، بما فيهم حلفاء إيران في الحشد الشعبي، على ضرورة الابتعاد على سياسة المحاور وتغليب مصلحة العراق على ما سواها. وعلى الصعيد الرسمي، يؤكد القادة العراقيون على رفضهم الدخول في سياسة المحاور وزج العراق كطرف في أي صراع أمريكي إيراني محتمل في المنطقة. 

ويؤكد الأمريكيون أنهم لا يريدون حربا مع إيران التي هي الأخرى تؤكد أنها ليست راغبة بالدخول في حرب مع الولايات المتحدة. ووفقا لتقارير إعلامية، أوضح وزير الخارجية الأمريكي خلال لقائه برئيس الوزراء العراقي أن الرئيس الأمريكي لا يريد حربا مع إيران بأي صورة من الصور، لكنه، أي الرئيس الأمريكي، يريد اتفاقا جديدا حول الملف النووي وانسحابا إيرانيا من سوريا. وقد لا تسمح "كرامة الإيرانيين بفتح ملف الاتفاق النووي للتفاوض من جديد". تحدثت تلك التقارير عن أن وزير الخارجية الأمريكي رد على رئيس الوزراء العراقي بالموافقة على مقترح إجراء مفاوضات على "ملحق للاتفاق النووي"، وأرسل عادل عبدالمهدي مبعوثا لاطلاع الجانب الإيراني على محادثاته مع مايك بومبيو.

وافق الإيرانيون على فكرة التفاوض لاستحداث ملحق إضافي للاتفاق النووي، شرط قيام واشنطن بتعليق أو الغاء حزم العقوبات الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران منذ إعلان دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018 وفقا لذات وسائل الاعلام. لكن جهود رئيس الوزراء العراقي وسياساته في التعاطي مع الأزمة الراهنة تبدو جهودا "فردية" لا تحظى بإجماع الأوساط السياسية، بما فيها وزراء ضمن الكابينة الوزراية لرئيس الوزراء. ففي الوقت الذي ينتهج فيه عادل عبدالمهدي سياسة الابتعاد عن الانحياز إلى أي محور من محوري الصراع "المحتمل"، كشف وزير الخارجية محمد الحكيم (يحمل الجنسيتين العراقية والأمريكية) عن تضامن العراق رسميا مع إيران.

ورفض وزير الخارجية العراقي بعد لقائه نظيره الإيراني ببغداد "الإجراءات الأحادية للولايات المتحدة ضد إيران" والوقوف مع "جارتنا إيران في وضعها الراهن"، مع التأكيد على أن العراق "سيؤدي دور الوسيط المناسب إن عُرِض عليه ذلك". 

ويحاول العراق التصرف كطرف وسيط في الأزمة التي تشهدها منطقة الخليج العربي. ولا يبدو أنه مؤهل للعب دور الوسيط بين ثلاثي الأزمة الراهنة، الولايات المتحدة وإيران والسعودية لأسباب تتعلق بغياب مركزية الدولة وتعدد مراكز النفوذ وعدم استقلالية قرار الحكومة المركزية، نظرا للنفوذ الواسع للمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران سواء في القرار الأمني أو السياسي والاقتصادي أيضا. كما أن الولايات المتحدة لم تكلف العراق بلعب دور الوسيط مع طهران، متعللة بأن قنوات الاتصال المباشر مع إيران مفتوحة في حال رغبت إيران بالتفاوض.

وأعلن نائب وزير الخارجية الإيراني، 26 أيار/مايو الماضي، أنه لا توجد أي محادثات مباشرة أو غير مباشرة عبر وسطاء مع الولايات المتحدة. ضمنيا رفضت كل من الولايات المتحدة وإيران فكرة الوساطة العراقية لصالح ما يشاع عن وساطة تبذلها اليابان مرحب بها من طرفي الأزمة. ويعد التداخل بين النفوذ الأمريكي والنفوذ الإيراني في العراق عاملا أساسيا فاعلا في غياب أي احتمال لإبعاد العراق عن تداعيات أي تصعيد عسكري محتمل بين الولايات المتحدة وإيران.

ويمكن توصيف الحراك الدبلوماسي للحكومة المركزية بأنه لا يرقى إلى مستوى "الوساطة"، إنما هو حراك مهمته الأساسية نقل رسائل عراقية إلى طرفي الصراع المحتمل وأيضا إلى دول المنطقة ذات الصلة بالتوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ومنها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. في مقابل ذلك، يبدو أن التوصيف الأصح للحراك الدبلوماسي العراقي، وهو الأكثر كثافة من بين الدول الأخرى التي تسعى لخفض التوتر، هو مساعٍ حميدة بين الولايات المتحدة وإيران وهما المعنيان بالأزمة الراهنة، ومساعٍ أخرى لدى حكومات المنطقة المعنية مباشرة بالأزمة أو التي ترتبط بعلاقات مؤثرة مع الولايات المتحدة وإيران أو مع أي دولة من هاتين الدولتين.