جبهة الإنقاذ مجددا.. ماذا وراء عودة السيسي إلى المشهد الأول للانقلاب؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعدما انتهى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي من إلقاء كلمته في حفل إفطار الأسرة المصرية في 27 أبريل/ نيسان 2022، ذهب قبيل مغادرة الاحتفال إلى مائدة السياسي الناصري المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي.

السيسي سلم على صباحي، ودار بينهما حوار استمر دقيقتين، وصافح أيضا الصحفي خالد داود رئيس حزب الدستور السابق (يساري)، المفرج عنه في أبريل 2021، وعدد من المعارضين اليساريين والناصريين، ما طرح تساؤلات بشأن تفسير ما جرى.

صباحي كان يجلس على مائدة قريبة جدا من مائدة السيسي وبجواره ضابط بالجيش، وكان أيضا على مقربة من مائدة وزير الداخلية اللواء محمود توفيق.

وعلى مائدة مجاورة جلست قيادات يسارية، مثل وزير الصحة الأسبق عمرو حلمي، ووزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، ونقيب المهندسين طارق النبراوي، ورؤساء أحزاب مثل فريد زهران وسيد عبدالعال ومحمد سامي.

وكان من الواضح أن هذه الترتيبات البروتوكولية وما سبقها من حديث السيسي عن حوار وطني، ولقاء بين مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل مع نفس هذه القيادات الناصرية واليسارية لترتيب دورها في المرحلة المقبلة مقدمة لشيء ما.

و"الناصريون" يقصد بهم اليساريون من أصحاب الأيديولوجية السياسية الاشتراكية العربية القومية، ويستند  اسمهم إلى الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر.

وجاء حديث السيسي في إفطار الأسرة المصرية ليكشف مطالبته ضمنا للمصريين والمعارضة وإعطاءه تفويضا جديدا ولكن ليس لمحاربة الإرهاب كما طلبه مرتين سابقا، ولكن لمواجهة الإفلاس المحتمل لمصر.

فوفق بيانات صندوق النقد الدولي بلغت قيمة الدين العام في مصر حوالي 410 مليارات دولار وهو ما يعادل 94 بالمئة من حجم الاقتصاد المصري ما يعني إفلاس مصر تقريبا.

استدعاء 30 يونيو

وبحسب مصادر حضرت الإفطار لـ"الاستقلال"، سبق حضور السيسي، عقد لقاء بين رئيس المخابرات عباس كامل، وقيادات ناصرية ويسارية "كان عبارة عن محاضرة من الأول لإقناعهم بأن مصر تمر بمرحلة صعبة ومطلوب التكاتف".

وتحدث كامل معهم عن "خطورة المرحلة القادمة والأزمة المالية الطاحنة وضرورة التكاتف مع القيادة، وتم طرح فكرة الحوار السياسي الوطني بغرض توحيد القوى السياسية، مؤيدين ومعارضين، في مواجهة الأزمة المتوقع أن تمتد".

أحد هذه المصادر قال إنه فهم من كلام عباس أن الحوار لن يركز على إطلاق معتقلين، برغم الاتفاق على إطلاق محسوبين على تيار جبهة الإنقاذ فقط تم تقديم قوائم بهم.

وجبهة الإنقاذ هي تكتل سياسي تشكل في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 من 35 حزبا وحركة سياسية وثورية وجميعها ذات أيديلوجيات ليبرالية ويسارية، بدعم من المؤسسات الأمنية، وناهضت حكم الرئيس الراحل محمد مرسي حتى الانقلاب عليه في 3 يوليو/ تموز 2013، ليبدأ التنكيل بهم بداية من الشهور اللاحقة.

وقال حمدين صباحي، لموقع "مصراوي" المحلي في 27 أبريل عقب الإفطار، إنه تحدث مع السيسي عن سجناء الرأي وأخبره الأخير أن هذا الملف "سيشهد نتائج قريبة"، مشيرا لحديثه معه عن "أهمية هذا الإفراج حتى يكون للحوار السياسي جدوى".

وأكدت المصادر أيضا أن الحوار  سيركز على كيفية استفادة النظام مجددا من تحالف 30 يونيو/ حزيران 2013 (جبهة الإنقاذ) في تهدئة الشارع وطرح الحلول للأزمة الاقتصادية الراهنة، كما استغله في إسقاط مرسي سابقا.

ولفتوا إلى أن حديث السيسي الهامشي مع صباحي وداوود كان له علاقة بالإفراج عن مدير حملة صباحي الانتخابية الصحفي حسام مؤنس كبداية، وهو ما وعد به السيسي ونفذه فورا بقرار جمهوري.

وأشارت إلى أن "حديث رئيس المخابرات العامة مع المعارضين الناصريين واليساريين قوبل بترحيب، وأن صباحي، وزهران، وأبو عيطة، أكدوا له أنهم ليسوا في خصومة مع النظام على الإطلاق، ومعارضتهم ليست من أجل استبدال النظام، ولكن من أجل الإصلاح".

ثلاثة مصادر سياسية أخرى أكدت لموقع "مدى مصر" المستقل في 27 أبريل، أن خطوة السلطة للتقارب مع التيار الناصري واليساري مجددا، جاءت لهدفين:

الأول "تهدئة الوضع والرأي العام في خضم تصاعد أزمة اقتصادية وزيادة كبيرة في الأسعار"، والثاني: "للاعتماد على قيادات وكوادر سياسية جديدة لإدارة المرحلة القادمة السابقة على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024.

وبرر خالد داود الذي قضى سنتين في الحبس الانفرادي بعهد السيسي لـ"مدى مصر"، قبولهم الحوار لـ"تقوية الجبهة الداخلية" في ظل مرور مصر بظروف استثنائية جراء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، فضلا عن أزمات إقليمية مثل ليبيا وفلسطين والسودان.

وعد مراقبون أن السيسي يحاول عبر هذه الخطوات إحياء دور جبهة الإنقاذ، لتلتف حوله من جديد، ليستغلهم بدوره للحصول على تفويض جديد لأخذ قرارات اقتصادية قاسية تزيد من إفقار المصريين.

لذا أكد الصحفي أنور الهواري رئيس تحرير "الأهرام العربي" والمصري اليوم السابق، في تدوينة عبر فيسبوك، أن الحوار الوطني الذي طلبه السيسي له هدفان.

الأول إعفاء النظام الحاكم من المساءلة والمحاسبة عن حصاد السنوات الثمانية التي تنتهي منتصف العام الجاري، والثاني منح النظام شهادة مرور أو تفويضا ثانيا ليكمل في السلطة ثماني سنوات مقبلة تنتهي حسب المخطط في 2030 لكن في شكل وإخراج مختلف.

يبحث عن مخرج

ويرى مراقبون عبر تويتر أن دلالات حديث السيسي في إفطار الأسرة المصرية تشير إلى أنه مأزوم ويحاول البحث عن مخرج وإعفاء نفسه من المساءلة عن جرائمه في ظل مؤشرات قوية على غضب شعبي وبدء تعالي الأصوات بالمعاناة الاقتصادية.

وكتب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية خليل العناني، "السيسي في مأزق كبير ويبحث عن ورقة يغطي بها سوءاته وفشله الذريع وهو في ذلك فاشل أيضا".

من جانبه، قال الباحث في الدراسات العسكرية والأمنية محمود جمال، إن "الديكتاتور يلجأ إلى الحوار مع خصومه عندما يشعر بأزمة شعبية قد تؤثر على حكمه، ويكون لاحتواء وامتصاص الغضب، وبعد تجاوز الأزمة يعود لسياساته القمعية تجاههم، الديكتاتور لا يفهم لغة الحوار، بل لغة العصا فقط".

لذا وصف المعارض المصري المقيم في أميركا مهدي أحمد حسين ما يجري مع صباحي وعدد من المحسوبين على التيار اليساري، بأنه "يتم استعمالهم الآن ولمرة أخرى ككومبارسات في محاولة لخروج السيسي من المأزق والكارثة الحالية".

وذكر أحد المصادر التي تحدثت لـ "الاستقلال" أن مشاركة حمدين صباحي في انتخابات الرئاسة المقبلة 2024 أمام السيسي مؤكدة، وأنه عززها تحالفه مع السيسي مجددا ما يعني أنه أعطاه الضوء الأخضر.

وكانت قد كشفت الصحفية بقناة "الجزيرة" القطرية نادية أبو المجد أنها سألت حمدين صباحي قبل شهر على تطبيق "كلوب هاوس"، هل سيترشح أمام السيسي في أي انتخابات مقبلة، فأكد مشاركته، وقال إنه يرفض، بالمقابل، عودة الإخوان لممارسة السياسة في مصر.

وسبق أن شارك صباحي في انتخابات الرئاسة 2014 وحصل على المركز الثالث وجاء السيسي بالمركز الأول، وحصدت "الأصوات الباطلة" المركز الثاني!

وقبل حضوره لقاء السيسي ومصافحته بحرارة، وصف صباحي، السيسي في مؤتمر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في 30 سبتمبر/ أيلول 2017، بأنه "النسخة الأكثر رداءة من نظام (الرئيس السابق حسني) مبارك الرديء، وهو الاستبداد فجا وفاجرا".

مصالحة الإخوان

تعمد السيسي خلال إعلان اعتزامه إطلاق حوار سياسي شامل، القول إنه "بدون استثناء ولا تمييز"، ما عده مراقبون قد يشمل أيضا قوى إسلامية وربما من جماعة الإخوان المسلمين.

وحين أشار، في خطابه، لفترة حكم الرئيس مرسي كقيادي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، لم يسم الجماعة كما اعتاد باسم "أهل الشر"، بل بأنها "قوى غير جاهزة".

وقبل هذا ترحم السيسي، لأول مرة، على الرئيس الراحل مرسي، رغم أن السيسي قام بإنتاج مسلسل استخباري خصيصا لتشويه صورة مرسي، واعترف ضمنا بالتآمر عليه.

ويرى مراقبون أن لغة السيسي تجاه مرسي والإخوان طرحت قضية المصالحة مع الإخوان مجددا، لأنهم الأقدر على احتواء إمكانية قيادة اضطرابات شعبية وتحولها إلى حراك سياسي ضد النظام.

يؤكدون أن النظام يحتاج إلى مصالحة مع المعارضة، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني البلاد منها، بالتزامن مع تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وغلاء الأسعار وخفض قيمة الجنيه.

لكن مصدرا قريبا من جماعة الإخوان أبلغ "الاستقلال" أن تعمد السيسي الإيحاء بتغيير موقفه من الرئيس مرسي والإخوان ربما يقصد به توجيه رسالة لليسار.

وأوضح، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن الرسالة هي: "إما أن تدعموني أو سوف أتصالح مع الإخوان"، لأنهم يعلمون أن الإخوان هم الأكثر شعبية في الشارع، رغم القمع والاضطهاد.

وقوبل طرح السيسي حوارا وطنيا، بصمت من جماعة الإخوان وتهكم من أنصارها بمنصات التواصل الاجتماعي، وترحيب من معارضين محفوف بآمال وشروط لإنجاح هذا الحوار.

وجاء طرح السيسي لإطلاق حوار سياسي بعد ساعات قليلة من حكم قضائي بوضع شركات وقيادات جديدة من جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات.

وسبق نشر تسريب بصوت السيسي وهو يتحدث مع الكاتب الراحل حسنين هيكل مطلع 2017 عن أن المصالحة مع الإخوان ممكنة لكنه يخشى أن يحاكموه (المساءلة القانونية) على جرائمه، ويقترح تعهدا من الرئيس السابق محمد مرسي بذلك.

وجاء طرح السيسي لفكرة الحوار تزامنا مع تأكيد مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، في 20 أبريل، أن "الظروف المحيطة بالاقتصاد المصري تتجه للأسوأ، وهناك عدد كبير من الناس في مصر معرضون لأوضاع معيشية صعبة".

وتوقع اقتصاديون ارتفاع سعر الدولار إلى 25 جنيها وطرح شهادات فائدة جديدة بـ 22%.

وأكد الباحث والناشط المقيم في الخارج، تقادم الخطيب، أن الخطوات التي يتخذها النظام المصري مثل دعوة "الحوار السياسي" وإخلاء سبيل بعض المعتقلين تعود لأسباب عدة، أهمها الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر.

وأوضح لموقع "الحرة" الأميركي في 26 أبريل، أن الدراسات تقول إن مصر مقبلة على أزمة اقتصادية ضخمة وإفلاس، فضلا عن الظروف السياسية الموجودة في العالم"، مضيفا أن "السيسي يفعل ذلك تجنبا وتخفيفا لحدة الاحتقان".