إجراءات تحفيزية.. هل ينجح المغرب بإيقاف هجرة الأطباء المتصاعدة؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"رقم مرعب" كشفت عنه هيئة رسمية تعنى بحقوق الإنسان في المغرب، إذ أظهرت أن 23 ألف طبيب يمارسون عملهم بالمملكة، مقابل ما بين 10 آلاف و14 ألفا يعملون ببلاد المهجر.

هذا الأمر دفع وزير الصحة المغربي، خالد آيت الطالب، للإعلان عن اتخاذ بلاده عددا من الإجراءات للحد من هجرة "أصحاب السترة البيضاء"، وسط مخاوف كثيرة حول مستقبل قطاع الصحة في المملكة.

إصلاح الوضع

وقال آيت الطالب، خلال كلمة ألقاها بالبرلمان في 24 أبريل/نيسان 2022، إن وزارته "تعمل على اتخاذ مجموعة من الإجراءات من بينها تحسين وضعية المهنيين، وظروف اشتغالهم، بغية الحد من ظاهرة هجرة الكفاءات الطبية الوطنية".

ومن بين الإجراءات، "إصلاح وضعية ممارسة المهنة من خلال توسيع مجالات التكوين (التدريب) بالمستشفيات الجامعية الجديدة أو في طور البناء أو الدراسة".

ولفت آيت الطالب، إلى أنه "تمت إعادة هيكلة المنظومة الصحية برمتها وإصلاحها، بالإضافة إلى تبني مقاربة تشاركية عبر عقد عدة اجتماعات للحوار الاجتماعي القطاعي (تجمع الحكومة ونقابات مهنيي الصحة)؛ لمناقشة العديد من القضايا التي تهم مستقبل قطاع الصحة والحماية الاجتماعية بالبلاد".

وذكر باتفاق فبراير/شباط 2022، والذي جرى بموجبه رفع أجور الأطباء ومهنيي الصحة بدءا من السنة المقبلة (2023).

وتأتي إجراءات وزير الصحة عقب تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)، كشف أن المملكة تعاني من "نزيف هجرة الأطباء"، موضحا أن ثلثهم يمارسون عملهم في الخارج.

وأضاف تقرير المجلس، في 22 أبريل 2022، أن "واحدا من كل ثلاثة أطباء مغاربة تقريبا يمارس (عمله) بالخارج، رغم الحاجة الملحة للمغرب لكل أطبائه بل للمزيد منهم".

وأوضح أن "القطاع يحتاج إلى 32 ألف طبيب إضافي، حسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، وأيضا لأكثر من 65 ألف مهني صحي، ومن المتوقع أن تتزايد هذه الحاجيات من الأطر البشرية بشكل متسارع في المستقبل".

ولفت التقرير إلى أن "هناك ضعفا وسوء استخدام للموارد البشرية يجعل جزءا منها والبنيات والتجهيزات في حالة عطالة، بينما جزء آخر تحت الضغط".

وتعزى هجرة الأطباء المغاربة للعمل بالخارج، إلى "عدم جاذبية القطاع الصحي العمومي، وعدم وضع شبكة دقيقة للتحفيز، وبعد أماكن العمل جغرافيا عنهم"، بحسب التقرير.

معضلة كبيرة

الخبير في السياسات الصحية بالمغرب، الطيب حمضي، يرى أن هجرة الأطباء تمثل "معضلة كبيرة" للنظام الصحي نظرا لحجمها، مبرزا أنها "ستستمر في المستقبل"، مشيرا في السياق إلى الدراسات التي تؤكد وجود رغبة كبيرة للهجرة لدى طلبة الطب.

ولفت حمضي في حديث لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) إلى أن عدم تغلب المغرب على هذه الظاهرة يعود إلى عاملين أساسيين، الأول مرتبط بعدم تكوين العدد الكافي من الأطباء والثاني يتعلق بعدم محافظته على الأطباء الموجودين في المغرب وهجرتهم.

وشدد الخبير المغربي على أن هذا الأمر يطرح تحديات كبيرة، نظرا للتكلفة العالية لتدريب طبيب واحد والتي تصل إلى 400 ألف دولار، قبل أن يردف مؤكدا "إذا كنا نفقد هذا العدد من الأطباء بشكل سنوي، فإن ذلك يعني أننا نمنحهم للدول الغربية".

من جهة أخرى، عد المتحدث أن الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة الصحة بشأن هذا الملف تمثل "خطوة مهمة ولكنها غير كافية"، مؤكدا ضرورة "مراجعة ظروف عمل الأطباء في القطاعين العام والخاص، وتحسين الأجور، وكذا رفع ظروف التكوين وتحسين صورة الطبيب في المجتمع".

وفي دراسة نشرتها "المجلة الأوروبية للصحة العامة"، خلصت إلى أن أكثر من ثلثي طلبة الطب في المغرب يفكرون في الهجرة إلى الخارج، لتوفر تدريبا ذا جودة وظروف عمل أحسن ومن أجل حياة أفضل.

وأفادت الدراسة المنشورة على موقع المجلة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بأن 71,1 بالمئة من طلبة السنة الختامية في الطب بالمغرب ينوون الهجرة إلى الخارج، لافتة أن من بين كل ثلاثة أطباء مغاربة ممارسين يوجد طبيب خارج البلاد.

وحسب معطيات الدراسة، فإن الطلبة المهتمين بالهجرة للخارج غير راضين عن تكوينهم في المغرب نسبتهم 95,2 بالمئة، أو غير راضين عن الأجور بنسبة 97 بالمئة، بالإضافة إلى أن الاحتقار والتنقيص من قيمة الطبيب في وسائل التواصل الاجتماعي وصلت نسبته إلى 83,6 بالمئة.

وكشفت الدراسة أن ألمانيا كانت هي الوجهة المفضلة لأغلب الأطباء المغاربة (34 بالمئة)، مشيرة إلى عدم وجود أي علاقة بين انتشار الهجرة ووضعية الطلبة الاجتماعية والمادية.

وشددت على ضرورة تنبيه واضعي السياسات العمومية في ميدان الصحة إلى تحسين ظروف العمل وجودة التكوين، بالإضافة إلى أجور الأطر الصحية للتقليل من نسبة الهجرة في صفوف طلبة الطب.

من جانبه، أكد الطبيب مروان أبو حفص، أن "ظروف العمل والعيش ببساطة أفضل خارج المغرب، وأيضا فرص تطوير الذات والمهنية مضمونة، "وهناك حظوظ مئة بالمئة، وحين نتحدث عن العمل في الخارج فنقصد أوروبا الغربية وكندا".

وأضاف خلال حديث لقناة "الجزيرة" القطرية في تقرير بثته في 22 يناير 2022 أن "لديه التفكير في الانتقال والاستقرار بشكل دائم وبلا رجعة خارج المغرب".

تعديلات تشجيعية

وأمام هذه الهجرة الاضطرارية، لجأ المغرب منذ 2021 إلى إجراء مجموعة تعديلات على قانونه التنظيمي لمزاولة مهنة الطب خاصة بالنسبة للأجانب.

وفي 23 أغسطس/آب 2021، صدق مجلس الحكومة على مشروعي مرسومين، يتعلقان بتسهيل مزاولة الأطباء الأجانب لمهنة الطب في المغرب، بهدف سد النقص في الموارد البشرية الطبية في المستشفيات.

وينص مشروع المرسوم الأول على إجراءات تسهيل مزاولة مهنة الطب بالمغرب من الأجانب، وملاءمة مقتضيات هذا المرسوم مع أحكام القانون المتعلق بتبسيط الخطوات القانونية والإجراءات الإدارية.

أما المرسوم الثاني فيتعلق بتأليف "لجنة تتابع مزاولة مهنة الطب من الأجانب بالمغرب"، وكيفية سيرها.

وكان وزير الصحة، آيت طالب، قد دافع بشدة عن تسهيل ولوج الأطباء الأجانب لمهنة الطب، بقصد "مواجهة النقص الحاد الذي يعانيه القطاع الصحي، من حيث الموارد البشرية".

وعد الوزير أن القانون في صيغته الحالية يضع شروطا "تعجيزية" في وجه الأطباء الأجانب، الراغبين في مزاولة المهنة في المغرب، من قبيل شرط الإقامة لمدة 10 سنوات متواصلة بالمغرب، أو الزواج بمغربية، وهو وضع جعل قلة من الأطباء الأجانب يستطيعون ممارسة المهنة في المملكة.

ولمعالجة هذه الوضعية، جرى اعتماد نفس شروط قبول عمل الأطباء الأجانب مقارنة مع المغاربة، بالاقتصار على شرط التقييد بـ"جدول الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء" (لائحة الأطباء)، الذي يخول فور الحصول عليه، الحق في مزاولة المهنة.

وفيما يخص الأطباء المغاربة في الخارج، فقد اعتمدت إجراءات تحفيزية لتشجيعهم على العودة إلى المغرب "من خلال حذف شرط معادلة الشهادة، أو الدبلوم المحصل عليه من مؤسسة أجنبية"، وتأكيد أن التجربة المهنية الميدانية المكتسبة ببلدان المهجر "كافية لتغني عن كل شرط للمعادلة".

ورغم هذه التعديلات القانونية لجذب الأطباء المغاربة والأجانب، فإن القطاع الصحي في المغرب لا يزال يشهد نقصا حادا و"هروبا" للأطباء المغاربة إلى الخارج بحثا عن آفاق أفضل.

وقال خريج كلية الطب، عبد الإله بكير، إن "بعد سنوات التعلم ومع معرفتي بالوضع غير المفرح لممارسة هذه المهنة من ناحية تجهيزات المرافق العلاجية وأيضا المادية، فإنني أدرس حاليا اللغة الألمانية للانتقال إلى برلين أملا في الحصول على فرصة تلبي طموحاتي".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الرغبة في الأول كانت التضحية مع أبناء بلدي لمداواتهم والاهتمام بهم، لكن ما يعانيه قطاعنا من إشكالات معقدة تجد الطبيب هو المذنب وفي حالات يوصف بأنه مجرم، دفعني لتغيير فكرة العمل في المغرب".

وشدد بكير على أن "العودة إلى المغرب ستكون مرتبطة بتحسين ظروف الاشتغال في بلدي الحبيب، الذي تعلمت فيه على مدار سنوات طوال حتى التخرج كطبيب".