بإنهائه استقلال هيئة الانتخابات.. ما موقف أحزاب تونس من "استحقاقات سعيد"؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قبل شهرين من الموعد الذي حدده للاستفتاء على دستور جديد للبلاد مكان الدستور الذي انقلب عليه في 25 يوليو/تموز 2021، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد مرسوما حل بموجبه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقرر تعيين أعضاء جدد واختيار رئيس لها.

القرار جاء إثر تصريحات أطلقها رئيس الهيئة نبيل بوفون في حوار إذاعي انتقد فيه قيس سعيد، مؤكدا رفضه أي تعديلات رئاسية على القانون الانتخابي.

وشدد سعيد على أنه لا يمكن أيضا تغيير المنظومة الانتخابية خلال السنة التي تجرى فيها الاستفتاءات أو الانتخابات.

ورافق هذا القرار بيانات منددة من قبل عدد واسع من المنظمات الوطنية والأحزاب المعارضة التي عدته كشفا لحقيقة الانقلاب الذي يقوده سعيد وسعيه "المحموم" للسيطرة على مفاصل الدولة ووأد التجربة الديمقراطية في تونس.

لا يخفي قيس سعيد نواياه ولا يضمرها بل يعلنها صراحة ويمضي فيها لتكون قرارات ومراسيم، دون الالتفات لا إلى مواقفه السابقة ولا إلى وعوده إلى أي جهة لاستشارتها.

وهو ما يجعل الكرة بعد القرار الأخير أمام الأحزاب السياسية لتحديد موقفها النهائي من الاستحقاقات المقبلة التي ينظمها سعيد، سواء استفتاء 25 يوليو 2022، أو الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

إنهاء للاستقلالية 

انتهى اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 22 أبريل/نيسان 2022 بقصر قرطاج بإصدار بلاغ مقتضب عن رئاسة الجمهورية جاء فيه "خُصص هذا المجلس للتداول بشأن مشروع مرسوم يتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإتمامها".

بيان تزامن مع نشر تسجيل فيديو لم تتجاوز مدته الدقيقة والنصف كان خاليا من كلمة "رئاسية" وهي من المرات القلائل والنادرة التي لا يتوجه فيها قيس سعيد بخطاب في افتتاح اجتماع مجلس الوزراء.

قيس سعيد لم يخف يوما نقده للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولم يتوان عن التلميح إلى أنها غير مستقلة وغير نزيهة في الإشراف على العملية الانتخابية.

ويحدث هذا على الرغم من أن الهيئة هي نفسها التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2019، وفاز فيها قيس سعيد، متقدما على مترشحين كان بعضهم يشغل مناصب عليا في الدولة على غرار رئيس الحكومة حينها يوسف الشاهد ورئيس البرلمان وقتها عبد الفتاح مورو ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي.

حسب المرسوم الرئاسي المنشور في الجريدة الرسمية، فإن مجلس الهيئة "يتكون من سبعة أعضاء يجرى تعيينهم بأمر رئاسي".

ووفق المرسوم، "يختار رئيس الجمهورية ثلاثة أعضاء من الهيئة بطريقة مباشرة من الهيئة السابقة، وثلاثة آخرين من تسع قضاة مقترحين من مجالس القضاة المؤقتة (العدلية والإدارية والمالية)، وعضوا آخر من 3 مهندسين يقترحهم المركز الوطني للإعلامية (حكومي)".

كما ينص المرسوم على اختيار "رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل رئيس الجمهورية، ويرفع له كل مقترح إعفاء عضو من الهيئة ليختار إعفائهم من عدمه".

وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سابقا، هيئة دستورية أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011.

وتتكون من تسع أعضاء "مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة"، ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.

تغيير تركيبة الهيئة يترافق مع تصور الرئيس لنظام الاقتراع القائم على الأفراد مما يعني بدوره تغييرات في توزيع الدوائر.

وأيضا ما يرافق هذا من تنقيح قانون الهيئة لإعادة توزيع مناطق الإشراف على فروع الهيئة المحلية والجهوية، في انتظار ما سيكشف عنه الدستور الجديد والقانون الانتخابي. 

عودة للتزوير  

وكان تركيز هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات أحد أهم منجزات الثورة التونسية، التي أنهت إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات منذ عقود، كان تتميز بشهادة مختلف المتدخلين داخل النظام وفي المعارضة بالتلاعب بنتائجها ووقوع عمليات تزوير واسعة.

ففي أول انتخابات تعددية شهدتها تونس في العام 1981، جرى تزوير النتائج لصالح الحزب الاشتراكي الدستوري (الحاكم) على حساب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي كان يرأسها الوزير السابق أحمد المستيري.

وفي انتخابات العام 1989 وهي أول انتخابات بعد وصول رئيس النظام المخلوع زين العابدين بن علي إلى السلطة، جرى تزوير النتائج لصالح الحزب الحاكم على حساب القوائم المستقلة المدعومة من حركة النهضة.

ولم يكتف قيس سعيد بالسيطرة على السلطة التنفيذية والتشريعية واختياره للقانون الانتخابي، إذ ينوي إصدار قانون للعزل السياسي.

وصرح سعيد في أكثر من مناسبة أن الانتخابات القادمة لن يشارك فيها من نهب الدولة أو من تآمر على أمنها في إشارة إلى البرلمانيين الذين شاركوا في جلسة 30 آذار/مارس 2022.

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سابقا نبيل بافون في تصريح للإذاعة الوطنية (الرسمية) في 23 أبريل 2022، إن المرسوم الرئاسي لتنقيح القانون الأساسي للهيئة من ناحية الشكل لا يمكنه تغيير قانون هيئة الانتخابات لا بمقتضى الفصل 70 من الدستور ولا بمقتضى الأمر عدد 17 ولا بمقتضى المعايير الدولية.

وعد أن الهيئة أصبحت هيئة رئيس الجمهورية وان استقلاليتها قبرت بصدور هذا المرسوم، على حد تعبيره.

مقاطعة منتظرة

وفي حديث لـ"الاستقلال"، اعتبر الأمين البوعزيزي عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" أن "حلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخاب تأكيد جديد على أن ما حصل في 25 يوليو 2021 هو انقلاب مكتمل الأركان هدفه السطو على السلطات". 

وأضاف البوعزيزي: "الإجراء الذي عمد له قيس سعيد يؤكد أنه إن لم يسقط الانقلاب قبل 17 ديسمبر 2022، فإنه سيذهب لوحده لها في انتخابات مسخرة، تدار فيها العملية الانتخابية من قصر قرطاج" .

وأكد الناشط السياسي التونسي أن توجه المعارضة الآن هو النضال من أجل إنقاذ الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد الذي لا يمكن أن يجرى من داخل منظومة 25 يوليو ولا وفق خارطة طريق قيس سعيد.

ورأى أن الحل الوحيد هو التمسك بالدستور والعودة السريعة للمسار الديمقراطي ومسألة مقاطعة الاستفتاء والانتخابات القادمة من تحصيل الحاصل والمشاركة فيها هي اعتراف بالانقلاب وقبول بنتائجه وإضفاء شرعية له.

موقف مواطنون ضد الانقلاب لا يختلف كثيرا عن مواقف بقية الأحزاب السياسية التي عبرت عن رفضها المطلق لإجراءات قيس سعيد.

ففي بيان شديد اللهجة لتنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية عدت أن هذا المرسوم هو إيذان بعودة تونس من الباب الكبير إلى عهد الانتخابات المزورة وتزييف إرادة الناخبين لا سيّما عبر تصفية هيئة دستورية مستقلة كانت ضامنة للديمقراطية والتداول السلمي على الحكم.

وأكدت أن هذا المرسوم أسقط القناع عن برنامج قيس سعيد في إرساء حكم استبدادي وديكتاتوري لا مجال فيه لممارسة الشعب لسيادته عبر الاختيار الحر لممثليه كما تقتضيه الديمقراطية.

وبينت أن ضرب منظومة الانتخابات خطوة تكشف الوجه الحقيقي لمنظومة 25 يوليو وتنزع عنها نهائيا كل شرعية أو مصداقية بوصفها منظومة مستبدة ومعادية لمصالح الشعب والوطن. 

وكذلك قالت حركة النهضة الإسلامية في مواقف سابقة على لسان رئيس حركتها ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي إنها ستقاطع أي استفتاء يدعو إليه الرئيس سعيد لإعادة هيكلة النظام السياسي من جانب واحد.

الحزب الدستوري الحر بدوره أكدت رئيسته عبير موسي أنه سيقاطع الاستفتاء الذي يدعو إليه سعيد وتعهدت بالتصدي له. 

مواقف الطبقة السياسية في تونس المتطابقة من المسار الانتخابي الذي حدد سعيد معالمه ينذر بمقاطعة واسعة له شبيهة بالمقاطعة التي حصلت للاستشارة الإلكترونية.

وشهدت البلاد تلك الاستشارة بين 14 يناير/كانون الثاني و20 مارس/آذار 2022 ولم يشارك فيها سوى 500 ألف مواطن تونسي بنسبة لم تتجاوز 7 بالمائة من عدد الناخبين. 

إلا أن إصرار قيس سعيد على تمرير أجندته يدفعه لغض الطرف على نسبة المشاركة والتركيز فقط على نسبة التصويت لصالح دستوره الجديد وقبوله بنتائج الانتخابات من أجل فرض أمر واقع جديد في البلاد.