جولة حوار خامسة.. هل قاربت القطيعة بين السعودية وإيران على الانتهاء؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع انعقاد الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية السعودية في العاصمة العراقية بغداد لإعادة تطبيع العلاقات بينهما، أثيرت تساؤلات ملحة بخصوص أبرز النتائج التي حققها الخصمان الإقليميان خلال هذه الجولة بعد توقف للقاءات الحوارية بينهما لعدة أشهر.

وقطعت العلاقات بين البلدين منذ 2016 جراء إحراق سفارة السعودية في طهران بعد إعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر. إلا أنهما أجريا خلال عام 2021 أربعة لقاءات حوارية لتحسين العلاقات، استضافها العراق بتسهيل من رئيس وزرائه مصطفى الكاظمي.

حوار بناء

ورغم التزام السعودية الصمت حول الجولة الخامسة على المستوى الرسمي والإعلامي، إلا أن مسؤولين إيرانيين وعراقيين أكدوا أن الأجواء كانت إيجابية، وحضرها رئيس الوزراء العراق مصطفى الكاظمي، حيث ظهر في صور متوسطا رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، وسعيد إيرواني مساعد الشؤون الدولية للأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني.

وفي 25 أبريل/ نيسان 2022، قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في تصريحات إعلامية، إن جولة المباحثات التي عقدت في 21 أبريل برئاسة وفدين أمنيين رفيعي المستوى من السعودية وإيران في بغداد، "كانت ناجحة".

وذكر الوزير العراقي، أن الجانبين السعودي والإيراني توصلا خلال اللقاء لاتفاق على مذكرة تفاهم من 10 نقاط، متعلقة بالتعاون الثنائي ومسائل دبلوماسية وأمنية داخلية وإقليمية، لكن لم يشر الجانبان إلى هكذا اتفاق.

وأضاف حسين أنه "جرى الاتفاق بين الطرفين السعودي والإيراني على إجراء الجولة القادمة من الحوار على المستوى الدبلوماسي".

من جانبه، قال المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف، إن "العراق استضاف الجولة الخامسة للحوارات بين طهران والرياض في إطار انتهاج السياسة العراقية مبدأ التأسيس للحوارات الجماعية لتكريس التوافق والتوازن على مستوى المنطقة".

ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" في 26 أبريل عن الصحاف قوله، إن "أجواء المفاوضات سادتها الهدوء وكانت هناك حالة من الإيجابية والتفاهم، وتضمنت ملفات عدة، بينها الملف الأمني"، مشيرا إلى أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كان حاضرا في المفاوضات".

وذكر الصحاف أن "جولات الحوار بدأت في 2021 ومازالت ممتدة وتأخذ طريقها إلى إحداث مقاربات جوهرية وأساسية ربما سيكون منها استئناف التمثيل الدبلوماسي بين إيران والسعودية".

جولة جيدة

ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الجولة الخامسة من المحادثات التي تجريها بلاده مع السعودية بأنها "كانت شاملة وجيدة وجدية لكنها لم تصل بعد لمرحلة الحوار السياسي الحقيقي".

وأضاف زادة، خلال مؤتمر صحفي في 25 أبريل: "إذا ارتقت المفاوضات مع السعودية إلى المستوى السياسي من المحتمل أن نشهد تقدما سريعا".

وأفادت وكالة "نور نيوز" الإيرانية بأن الجولة الخامسة من المحادثات التي عُقدت في 21 أبريل، تشكّلت خلالها صورة أوضح لإعادة إحياء العلاقات بين البلدين.

وأكدت الوكالة أن مسؤولين عراقيين وعمانيين رفيعي المستوى كان لهم دور مهم في عقد الاجتماعات المشتركة بين ممثلي طهران والرياض، مشيرة إلى أن "أجواء إيجابية خيمت على الاجتماع الأخير، ما بعث الآمال لدى البلدين لاتخاذ خطوة نحو إحياء العلاقات".

وتابعت: "ونظرا لأن أجواء من الحوار البناء هيمنت على المباحثات بين ممثلي البلدين في الجولة الخامسة من المحادثات، من المتوقع في قادم الأيام انعقاد اجتماع مشترك بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي".

ويعود اللقاء الأخير بين الجانبين الى سبتمبر/ أيلول 2021، وكان متوقعا أن تعقد جلسة خامسة في مارس/ آذار 2022، لكن تقارير صحفية تحدثت آنذاك عن قرار إيراني بـ"تعليق" الحوار، بعد إعدام السعودية عشرات الأشخاص بينهم أفراد من الأقلية الشيعية، علما بأن الإعلام الرسمي في طهران اكتفى وقتها بالقول إنه لم يتم تحديد أي موعد لجلسة جديدة.

وتعليقا على الجولة، رأى الكاتب الإيراني محمد صالح صدقيان، أنه "جرى الاتفاق على أن تكون هذه الجولة الأخيرة على مستوى المسؤولين الأمنيين، لتتخذ الجولة المقبلة (السادسة) طابعا دبلوماسيا؛ بمعنى ترحيل المباحثات الي وزارتي خارجية البلدين، وهو تطور مهم في سياق تطور الحوار الإيراني- السعودي".

ورأى صدقيان خلال مقال نشرته وكالة تسنيم الإيرانية في 25 أبريل، أن "الانتقال إلى المفاوضات الدبلوماسية التي لن تكون صعبة مع توفر الإرادة السياسية لدى حكومتي البلدين؛ لكن هذا لا يمنع من استمرار الخلافات بين السعودية وإيران التي تتأطر بأربع قضايا جوهرية".

وبين الكاتب أن "القضية الأولى؛ تطالب السعودية الحكومة الإيرانية بالضغط على الحوثيين للقبول بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات وفق المقاسات السعودية؛ في حين تري طهران أنها غير قادرة على فرض مقاسات أو مطالب معينة على الحوثيين في الوقت الذي يتعرضون فيه إلى حصار قاتل وحرب مدمرة غير متكافئة".

أما القضية الثانية؛ يضيف صدقيان، فإن "السعودية تطلب من إيران إعادة صياغة علاقاتها الإقليمية وتحديدا مع (محور الممانعة) الذي تتبناه طهران في المنطقة؛ في حين ترى القيادة الإيرانية أن هذه العلاقات غير قابلة للتفاوض مع أي جهة، لأنها ترتبط بمصالحها الوطنية وقراءتها للوضع الإقليمي وموقفها من القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الإسرائيلي".

وتابع: "القضية الثالثة؛ أن السعودية كانت تنتظر دائما مخرجات المفاوضات التي تجريها إيران مع الدول الغربية على خلفية برنامجها النووي وكانت تنتظر مآلات هذه المفاوضات من أجل ضبط توقيتها على أساس ساعة نتائج هذه المفاوضات في الوقت الذي كانت إيران تقول دائما إن العلاقات الثنائية مع دول الإقليم لا يُمكن ربطها بنتائج هذه المفاوضات، وأن علاقاتها الإقليمية يجب أن تسير بمعزل عن المفاوضات النووية".

وأردف صدقيان قائلا: "القضية الرابعة؛ أن السعودية تُطالب إيران بالانكفاء داخل حدودها والعمل على بناء إيران من الداخل ومد الطرق المعبدة وبناء رياض الأطفال وإنشاء المستشفيات وخدمة الشعب الإيراني؛ في حين تعتقد إيران أن حدود أمنها القومي تمتد حتى مياه البحر الأبيض المتوسط".

هل من جديد؟

ورأى الكاتب أن "هذه القضايا الأربع بقدر ما هي مهمة وإستراتيجية للجانب السعودي، إلا أنها من الثوابت الإيرانية؛ وتقريب وجهات النظر بين البلدين في هذه القضايا عملية ليست بالسهلة وليست بالبسيطة بالمقاييس كافة، كما أنها ليست متاحة في الوقت الراهن".

وخلص صدقيان إلى أن "الاتفاق على الحد الأدنى من المشتركات ممكن من أجل خلق أجواء الحوار المشترك الذي لا يخدم المصالح الإيرانية والسعودية فحسب وإنما كل مصالح شعوب ودول المنطقة".

وفي المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، أن "الجديد في الجولة الخامسة الأخيرة من المفاوضات السعودية الإيرانية أنها تؤشر إلى انتهاء القطيعة بين البلدين، خصوصا بعد موقف السعودية بتعليق المفاوضات نتيجة التدخلات الإيرانية ببعض القرارات القضائية الخاصة داخل المملكة.

وأعرب الشمري خلال تصريحات له في 24 أبريل، عن اعتقاده بوجود رغبة بين الطرفين لاستكمال الحوارات لغرض الوصول إلى توافق في عدد من الملفات، ومن أهمها حل الأزمة اليمنية.

وبحسب المحلل السياسي، فإن "إيران تسعى لإنهاء خلافاتها مع السعودية لغرض تحسين موقفها، فهي بحاجة إلى موقف يعزز مصداقيتها في التزاماتها، خاصة في ظل التزامن مع مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا".

ورأى الشمري أن "نتائج هذه الجولة قد تكون بحاجة إلى مزيد من المفاوضات، ولا سيما أن الرياض وضعت عدة ملفات للحوار، فالأمر لا يقتصر فقط على الأمن القومي للسعودية، بل كذلك بشأن منطقة الخليج والنفوذ الإيراني في بعض المناطق الأخرى".

وباعتقاد المحلل السياسي، فإن عدم الوصول إلى نتائج ما بعد خمس جولات يعني "عدم قبول الإيرانيين الرؤية والاشتراكات التي قدمتها الرياض"، مشيرا إلى أنه يبدو أن كل ما تقدمه طهران إلى الرياض هو عبارة عن وعود، في حين تريد الرياض أن تضمن من إيران بأنها لن تهدد الأمن القومي لمصالحها.

وتعد إيران والسعودية أبرز قوتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الإقليمية، في مقدمتها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفا عسكريا داعما للحكومة المعترف بها دوليا وتتهم طهران بدعم المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء.