"خصماء وصاروا حلفاء".. لماذا تقلق جبهة الخلاص الوطني قيس سعيد؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ختام وقفة احتجاجية دعت إليها قوى وطنية تونسية معارضة لانقلاب الرئيس قيس سعيد، كشف السياسي اليساري البارز، رئيس الهيئة السياسية لحزب أمل أحمد نجيب الشابي، في 11 أبريل/ نيسان 2022، إنه يعمل من أجل إطلاق مبادرة للخلاص من الأزمة الراهنة التي تشهدها البلاد.

وقال الشابي إن هذه المبادرة تأتي استجابة لمتطلبات الوضع الذي تعيشه تونس، وتهدف لتجميع القوى السياسية لإخراج البلاد من أزمتها السياسية، وإنقاذها من انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021.

وسرعان ما هاجم قيس سعيد المبادرة موجها جملة من الاتهامات لها واللقاءات التي عقدها الشابي، في حين تراهن أطراف عديدة على نجاح هذه الجبهة في تحقيق أهدافها وتجميع شتات المعارضة.

والشابي (77 عاما) محام وسياسي يساري مخضرم، وأحد أبرز القيادات السياسية المعارضة لنظامي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ومدير جريدة الموقف المعارضة.

مبادرة جديدة

ويبدو أن 8 أشهر بعد انقلاب سعيد على الدستور وتجميعه كل السلطات بيده، كانت كافية لتخرج الطبقة السياسية في تونس من خلافاتها التي استمرت لـ10 سنوات وتجمعها في خندق واحد، للوقوف ضد الانزلاق نحو الديكتاتورية ومعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تهدد البلاد.

وفي 10 أبريل 2022، نشر الشابي بيانا أكد فيه أن "تونس في أشد ما تكون الى إنقاذ وطني، تقع مهمته على عاتق التونسيين كافة مهما اختلفت مشاربهم وتعددت توجهاتهم".

وأضاف أنه "لا منقذ لتونس اليوم سوى شعبها ممثلة بهيئاته المدنية ومنظماتها المهنية وقواها السياسية وشخصياته الوطنية".

ودعا الشابي إلى "إجراء حوار وطني جامع لا يقصي أحدا ولا يرهن مستقبل البلاد بيد أحد، لإقرار الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي من شأنها إخراج تونس من أزمتها".

وأوضح أن ذلك سيحدث "عبر العودة إلى الشرعية الدستورية ومنها إمكانية دعوة البرلمان إلى الانعقاد للمصادقة على مخرجات الحوار الوطني وتزكية حكومة الإنقاذ وتنظيم انتخابات مبكرة في بيئة نقية".

وفي 26 أبريل، أعلن الشابي في مؤتمر صحفي أن تشكيل "جبهة الخلاص الوطني" سيكون جاهزا خلال النصف الثاني من مايو/ أيار 2022.

وقال إنه "سيتم زيارة المدن من أجل التعبئة الشعبية"، كما أكد "برمجة تنظيم منتدى للحوار الاقتصادي من أجل بلورة برنامج للخروج من الأزمة التي تشهدها تونس حاليا"

وأوضح أن هذا المنتدى سيتوج بتأسيس جبهة الخلاص، معتبرا أن تونس تعيش في محنة وأن الحريات مهددة، وبحاجة لتوحيد صفوف كل القوى السياسية وإعادة إرساء المسار الديمقراطي والدستوري وضمان الحقوق في البلاد.

وتتكون الجبهة من خمسة أحزاب، بينها حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية وأبرز المعارضين للرئيس قيس سعيد بالإضافة إلى خمس منظمات، وهذا التحالف من شأنه أن يجذب تكتلات سياسية وشخصيات مؤثرة.

جبهة واسعة

وقبل الوصول لهذه النقطة، نجح الشابي في استثمار علاقاته الواسعة والثقة التي يحظى بها من مختلف الأطراف السياسية في البلاد، ليقود جملة من اللقاءات خلصت لنتائج إيجابية بحسب البلاغات الصادرة إثر هذه اللقاءات.

وكان في مقدمتها اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس نواب الشعب المجمدة أعماله، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.

وقالت حركة "النهضة" (صاحبة أكبر كتلة برلمانية)، في بيان عن ذلك اللقاء، إن الشابي زار مقرها وسط تونس العاصمة في 18 أبريل 2022، والتقى رئيسها الغنوشي وأعضاء مكتبها التنفيذي.

وأضافت أن الشابي عرض مبادرة من أجل تشكيل "جبهة الخلاص الوطني"، وتفاعل مع استفسارات حركة النهضة التي سبق أن عبرت عن تثمينها للمبادرة.

وتابعت الحركة أن "التقارب كان واضحا في تناول أهم قضايا الوضع العام بالبلاد ومتطلباته المستوجبة للإنقاذ".

وأفادت بأنه "تم الاتفاق على مواصلة التشاور والعمل المشترك مع مختلف الأطراف المعنية".

وتلت هذا الاجتماع لقاءات بعدد من البرلمانيين من مختلف الكتل التي شاركت في الجلسة البرلمانية الأخيرة في 30 مارس/ آذار 2022، وبينها المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري وممثلون عن حزب قلب تونس ومبادرة "توانسة من أجل الديمقراطية".

بدوره هاجم قيس سعيد المبادرة، معلنا عن تصميمه على تنفيذ برنامجه لإعادة هيكلة النظام السياسي، الذي يقول معارضو الانقلاب إن الهدف منه إقامة نظام حكم فردي.

ففي كلمة ألقاها يوم 20 أبريل، في احتفال في القصر الرئاسي بالذكرى الـ66 لتأسيس قوات الأمن الداخلي، انتقد سعيد بشدة من وصفهم بـ"خصماء وصاروا حلفاء"، لأنهم يعدون السلطة غنيمة ولا يهمهم الارتماء في أحضان أي كان في الداخل وفي الخارج.

وجاءت مبادرة الشابي بعد محاولات عديدة استمرت لأشهر من أجل تجميع مختلف القوى الديمقراطية المعارضة لانقلاب سعيد، نجحت في تشكيل عدة مبادرات.

في مقدمتها "مواطنون ضد الانقلاب" و"المبادرة الديمقراطية" التي تشارك فيها أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، إضافة إلى "ائتلاف القوى الديمقراطية" الذي يضم أحزاب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات.

الخيار الديمقراطي

وأكدت عضو مجلس النواب، القيادية في "مبادرة توانسة من أجل الديمقراطية"، رباب بن لطيف، أنه في ظل كل الإجراءات التي يقوم بها قيس سعيد، وإصراره على التفرد بالسلطة، لم يعد من خيار غير توحيد جهود كل المتشبثين بالخيار الديمقراطي والراغبين في إنقاذ بلادهم من الإفلاس وشعبهم من أخطار الفقر والجوع.

وأضافت لـ"الاستقلال" إثر مشاركتها في لقاء مع الشابي، أن "الضمانة الوحيدة لإنجاح هذه المبادرة هي إصرار القائمين عليها واستعدادهم للتضحية والنضال".

وأردفت: "بالإضافة إلى صياغة بديل اقتصادي واجتماعي يعطيها مصداقية ومقبولية شعبية لإنقاذ البلاد من سياسات الفشل المطلق في كل الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تناولتها سلطة الأمر الواقع".

وأكدت البرلمانية التونسية، أن "شخصية الأستاذ أحمد  نجيب الشابي، بإرثه النضالي ودوره السياسي الذي لعبه طيلة السنوات التي تلت الثورة سيكون دافعا لمشاركة أكبر عدد ممكن من الأطراف السياسية والشخصيات الوطنية رغم خلافاتها السابقة". 

ويراهن المساندون لهذه المبادرة على إطلاقها من قبل أحمد نجيب الشابي الذي لا يمكن اتهامه بالقرب من حركة النهضة أو التحالف معها سابقا.

حيث إنه لعب أدوارا مختلفة طيلة العشر سنوات الماضية في المعارضة لحركة النهضة، سواء داخل المجلس الوطني التأسيسي ( 2011-2014) أو خارجه في تحالفات مع بقية قوى المعارضة حينها.

وهو أيضا صاحب مبادرة نداء الوطن التي أطلقها نهاية 2012 ومهدت صعود نجم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي قاد معارضة حكومة النهضة حتى استقالتها في يناير/ كانون الثاني 2014، قبل أن يفوز وحزبه بالانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية 2014.

وهو ما أكده عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" الأمين البوعزيزي بالقول إن مبادرة الخلاص الوطني ثمرة متميزة بعد تقريب وجهات النظر بين مشهد سياسي رأيناه عشية 25 يوليو 2021 كان منهارا وعاجزا عن مقاومة الانقلاب والعمل المشترك لاستعادة الديمقراطية المنقلب عليها .

وأضاف البوعزيزي لـ"الاستقلال"، "في البداية كانت معارضة الانقلاب تتمحور في مبادرة (مواطنون ضد الانقلاب) وأصدقائها وهم تقريبا حركة النهضة والأحزاب المنبثقة عن المؤتمر من أجل الجمهورية  أي الترويكا التي حكمت بعد انتخابات عام 2011 بينما كان الشابي أحد زعماء المعارضة وقادة اعتصام الرحيل المطالب بإسقاط الحكومة حينها".

ومضى يقول: "لذلك فقرب الشابي من هذه القوى قادر على تجميع كل الأطراف تحت مظلة المبادرة الجديدة من أجل استرجاع المسار الديمقراطي، وكذلك علاقته الجيدة مع الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية" .

وأشار البوعزيزي إلى أن كل قرار يتخذه قيس سعيد يخلق به خصوما جددا حتى من الذين استبشروا بانقلابه، وآخره قرار حل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أكدت تغول سعيد واستفراده بالسلطة ولم يبق له سوى المؤسسات المسلحة التي يستقوي بها على شعبه ومعارضيه".

وأكد الناشط السياسي التونسي أن "هناك حظوظا كبيرة جدا لنجاح هذه المبادرة في تشكيل جبهة خلاص وطني واسعة تضم من اليمين ومن اليسار ومن كافة الأطياف المؤمنة بضرورة معالجة المشاكل التي شهدتها الديمقراطية في تونس بمزيد من الديمقراطية".