مايكل راتني.. أول سفير "محترف" قد تعينه واشنطن في الرياض خلال 30 سنة

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل ظروف إقليمية صعبة، وعلاقة يحكمها الجمود والتوتر في الآونة الأخيرة، اختار الرئيس الأميركي جو بايدن، أحد أثقل الدبلوماسيين لأداء مهمة السفير لدى الرياض.

وهنا يجري الحديث عن مايكل راتني، الأكاديمي المخضرم، الذي يمتلك تاريخا طويلا داخل الحقيبة الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط. 

الخلفية التاريخية 

ولد مايكل آلان راتني، عام 1961، بولاية ماساتشوستس الأميركية، وتلقى راتني تعليمه الأولي هناك، حيث تخرج عام 1979 في مدرسة بيدفورد الثانوية.

وهي واحدة من أرقى المدارس على مستوى الأداء الأكاديمي وجودة التعليم في ماساتشوستس. 

تلك الدراسة أهلت مايكل راتني للحصول على بكالوريوس العلوم، في الاتصال الجماهيري من جامعة بوسطن، ثم الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة جورج واشنطن.

ومن أبرز السمات المميزة لراتني إلمامه بلغتين أجنبيتين هما العربية والفرنسية.

ولعل إتقانه الشديد للغة العربية ساهم في رسم ملامح دوره السياسي في الشرق الأوسط فيما بعد، حيث قضى سنوات طويلة من حياته العملية متنقلا بين العواصم العربية الكبرى، باعتباره دبلوماسيا أميركيا. 

ومايكل راتني هو عميد كلية دراسات اللغة في معهد الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية. 

وكان راتني قد بدأ مشواره العملي داخل السلك الدبلوماسي عام 1990، عندما شغل منصب نائب رئيس بعثة سفارة الولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة.

وخلال تلك الفترة أجرى جولات كثيرة إلى مختلف عواصم العالم، من مكسيكو سيتي، إلى بغداد، وبيروت، والدار البيضاء. 

أقدم الدبلوماسيين 

وراتني، الذي يعد من أقدم موظفي الدبلوماسية الأميركية حاليا، أصبح خلال السنوات الأخيرة عضوا في هيئة تدريس جامعة الدفاع الوطني ببلاده. 

لكنه قطع مشوارا طويلا، فحتى عام 2012، في خضم فترة حكم الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عمل راتني في منصب نائب مساعد وزير الإعلام الدولي بمكتب الشؤون العامة في وزارة الخارجية.

وأشرف على شبكة من المراكز الإعلامية العالمية المسؤولة عن مشاركة وسائل الإعلام بلغة أجنبية نيابة عن البيت الأبيض. 

بعدها مباشرة أصبح نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام وإسرائيل وفلسطين، إبان حقبة بالغة الصعوبة مع تصاعد موجات الربيع العربي، وتهاوي أنظمة وحكومات شرق أوسطية، إضافة إلى الأزمة السورية المعقدة التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين، وهو ما جعل راتني ضالعا في قلب الأحداث، وفاعلا رئيسا فيها كممثل لحكومة بلاده. 

ومع زيادة الأوضاع تعقيدا في سوريا واشتعال المعارك هناك، تحديدا ما بين عامي 2015 إلى 2017 شغل مايكل راتني منصب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا. 

لكن ثمة أمر مميز في مسيرة راتني هو أن أدواره كانت دائما متعددة ومركبة، فمع مهمته الصعبة في سوريا، تقلد أيضا في عام 2015، منصب القنصل العام للولايات المتحدة في القدس.

وهناك قاد بعثة مؤلفة من 600 أميركي وإسرائيلي وفلسطيني مسؤولين عن العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الأميركية مع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر. 

وقد حصل الدبلوماسي الأميركي على العديد من جوائز الأداء الصادرة عن وزارة الخارجية، بما في ذلك 6 جوائز لأداء الخدمة الخارجية العليا، وجائزة الاستحقاق الرئاسية. 

ورغم علاقاته القوية بالأنظمة والحكومات العربية، تجمع راتني أيضا بإسرائيل علاقات راسخة، وهو ما أكد عليه في مواقف ومحافل دولية مختلفة.

وفي 30 يونيو/ حزيران 2021، خلال فترة عمله في القدس، التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وشدد على الدعم الكامل من حكومة بلاده لإسرائيل، والحرص الكامل على أمنها القومي. 

مهمة صعبة 

في 23 أبريل/ نيسان 2022، طرح اسم مايكل راتني، من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن، على مجلس الشيوخ، كسفير للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية. 

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن راتني سيكون أول دبلوماسي محترف يعمل سفيرا للرياض منذ ثلاثة عقود كاملة. 

وجاء الدفع باسم راتني في ظل أجواء متوترة بين واشنطن والرياض، خاصة منذ بداية عهد بايدن، الذي اتخذ إجراءات شديدة بحق المملكة، على رأسها تجميد مبيعات وصفقات الأسلحة المتفق عليها بين البلدين.

وأيضا رفع التصنيف الإرهابي عن مليشيا الحوثي اليمنية المدعومة إيرانيا، والتي تخوض معارك مستمرة ضد المملكة، واستهدفت مؤسساتها النفطية وأراضيها، في خضم حرب اليمن التي تنخرط فيها السعودية منذ سنوات. 

وهو ما أشعل غضبا عارما في القصر الملكي بالرياض. وعدت السعودية أن واشنطن تخلت عنها وعن إستراتيجية حمايتها من العدوان الإيراني. 

ومن الأجواء المصاحبة للدفع براتني نحو هذه المهمة، أنه لم يكن هناك سفير للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية لمدة عامين متتاليين بعد تولي الرئيس السابق دونالد ترامب منصبه.

ثم اختار جون أبي زيد ليكون المبعوث، وقد غادر بعد انتهاء عهدة ترامب، وظل المنصب شاغرا منذ مغادرته في يناير/ كانون الثاني 2021. وبقيت تساؤلات عن هذا التأخير وأسبابه. 

أجواء متوترة 

وأوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 19 أبريل 2022، التي تنبأت بترشيح اسم مايكل راتني، أنه جاء في أجواء مشوبة بالتوتر، خاصة بعد معرفة كواليس المقابلة العاصفة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان في المملكة. 

وقالت: "انتهى الأمر بولي العهد بالصراخ بقوة على السيد سوليفان بعد أن فتح موضوع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018".

وأضافت: أنه "وفق أشخاص مطلعين على الحديث، قال الأمير للسيد سوليفان إنه لم يرغب أبدا في مناقشة الأمر مرة أخرى.. وقال بحدة لسوليفان إن الولايات المتحدة يمكن أن تنسى طلبها لزيادة إنتاج النفط".

وكانت وكالة "سي إن إن" الأميركية، قد كشفت في الأول من مارس/ آذار 2022، "أن محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد (رفضا) مكالمات من بايدن حول ملف الأزمة الأوكرانية"، حيث تتعرض كييف إلى غزو روسي منذ 24 فبراير/شباط.

وذكرت الوكالة في تقريرها أن "مسؤولين من الشرق الأوسط والولايات المتحدة، زعموا أن البيت الأبيض حاول دون جدوى ترتيب مكالمات بين الرئيس بايدن والزعماء الفعليين للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة".

وبين أن الولايات المتحدة كانت حينها تعمل على بناء دعم دولي لأوكرانيا واحتواء ارتفاع أسعار النفط، وتبعاتها على حلفائها.

ولا يمكن إغفال إحدى نقاط الخلاف الرئيسة بين الإدارتين الأميركية والسعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، بسبب جهود بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

ويقول حلفاء الولايات المتحدة في الخليج إن بايدن لا يفعل الكثير لمنع طهران من الحصول على قنبلة ذرية، ما يثير حفيظتهم. 

لذلك فإن مهمة راتني في إزالة جبال الجليد القائمة لن تكون سهلة خلال الفترة القادمة، لكن البيت الأبيض يعتمد على خبرته الطويلة في العمل داخل الشرق الأوسط، وكونه من الدبلوماسيين المخضرمين في البلاد.