محطة فارقة.. ما سر الصراع المحتدم بين أميركا والصين بشأن الفلبين؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلط مركز أبحاث تركي الضوء على الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة والصين في الفلبين، الذي مر بعدة تحولات في العقود الأخيرة، مؤكدا أن هذا البلد يثقل وحده كفة القوة التي يميل إليها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وذكر مركز أنقرة للدراسات السياسية والأزمات في مقال للكاتب "مصطفى جيم كويونجو"، أن الفلبين التي طورت علاقتها الاقتصادية بشكل لافت أخيرا مع الصين على موعد مع انتخابات رئاسية حاسمة تنتظرها أميركا في 9 مايو/ أيار 2022.

خريطة حساسة

وأوضح المركز أنه مع تطور العلاقات الدولية من الوضع المهيمن للولايات المتحدة إلى هيكل متعدد الأقطاب؛ تتزايد أهمية البلدان التي توفر الانتقال بين المناطق الجغرافية الإستراتيجية.

وتطالب بلدان تلك المناطق بمزيد من الحقوق وتغير سياساتها الخارجية من خلال إنشاء أجنداتها الخاصة.

وأدت الأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي واحدة من المناطق الجغرافية الرائدة، إلى جعل دول منطقة جنوب شرق آسيا في المقدمة.

وفي السنوات الأخيرة أصبحت جنوب شرق آسيا أكثر أهمية من حيث المنافسة الإقليمية والعالمية بين الولايات المتحدة والصين.

حيث إن القوة البحرية المتزايدة لبكين في بحر الصين الجنوبي وسياساتها في سياق ما يعرف باسم "إستراتيجية الخطوط التسعة" تعني تحديا إضافيا لإستراتيجية أميركا في المحيطين الهندي والهادئ.

وفي هذا السياق، يشارك دبلوماسيون من البلدين في مؤتمرات القمة التي تنظمها رابطة أمم جنوب شرق آسيا، وينظمون زيارات إلى العواصم الإقليمية من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة.

والفلبين التي تقع في جغرافيا مهمة من جنوب شرق آسيا، حاولت أن تتبع جدول أعمالها الخاص في السياسة الخارجية، بعدما أصبحت أولوية لكلا البلدين والبقعة الأكثر تنافسية في المنطقة.

وتتكون الفلبين من أكثر من 7000 جزيرة تقع في وسط بحر الصين الجنوبي وبحر الفلبين، وعلى جانبيها إندونيسيا واليابان والصين، وقربها من هذه البلدان يخلق ميزة جغرافية لها بالنسبة للممرات الاقتصادية.

كما أن كونها جزءا من بحر الصين الجنوبي جعلها أحد العناصر الأساسية للتنافس بين بكين وواشنطن.

ومن منظور أوسع، ينظر إلى الفلبين على أنها محطة إستراتيجية لخطوط النقل البحري بين المحيطين الهندي والهادئ. ونظرا لأهميتها الجيوسياسية، فإن الفلبين لديها القدرة على تحويل ميزان القوى في المنطقة لصالح القوة العظمى التي هي حليف لها.

معركة نفوذ

وبعد الحرب العالمية الثانية، وقعت الفلبين اتفاقيات مهمة مع الولايات المتحدة، خاصة في مجال الأمن. وكانت "معاهدة الدفاع المتبادل" الموقعة بين الجانبين في 30 أغسطس/ آب 1951 نقطة تحول مهمة تعزز الأمن الإقليمي للبلدين.

ومهدت "اتفاقية القوات الزائرة" التي وقعها البلدان في 1999 و"اتفاقية التعاون الدفاعي المتقدم" الموقعة في 2014 الطريق للقوات الأميركية للوصول إلى القواعد العسكرية في الفلبين.

وبالإضافة إلى الاتفاقيات العسكرية، تم توقيع "اتفاقية إطار التجارة والاستثمار الثنائية" في عام 1989. ووفقا لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية عام 2019، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين 27 مليار دولار، وأصبحت الولايات المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري للفلبين.

لكن بالنسبة للولايات المتحدة، تعتبر الفلبين شريكا أمنيا أكثر من كونها شريكا اقتصاديا، وكان صناع القرار في الفلبين أيضا على استعداد ليكونوا في المظلة الأمنية للولايات المتحدة.

لهذا السبب، دخل البلدان، اللذان كانا في تحالف لسنوات عديدة، مفترق طرق في عام 2016 عندما أصبح رودريغو دوتيرتي (77 عاما) رئيسا للفلبين.

فمنذ اللحظة التي تولى فيها منصبه، حوّل دوتيرتي السياسة الخارجية لمانيلا الموجهة نحو الولايات المتحدة إلى سياسة تتمحور حول الصين.

ومن أهم المؤشرات على ذلك تجاهل دوتيرتي لقرار المحكمة الدولية لصالح الفلبين بشأن الشعاب المرجانية المتنازع عليها بين الفلبين والصين، الأمر الذي شجع بكين على صعيد السياسات التوسعية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أجرى دوتيرتي عدة مباحثات للاستفادة من مشروع الحزام والطريق في الصين.

وأصبح توقيع اتفاقية استثمار بقيمة 24 مليار دولار خلال زيارة دوتيرتي ووفده إلى الصين في عام 2016 وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الفلبين في عام 2018 نقطة تحول على صعيد العلاقات الثنائية.

وتقرر خلال هذه الزيارة رفع العلاقات الى مستوى التعاون الإستراتيجي الشامل وتم التوقيع على 29 اتفاقية تعاون.

وبحسب بيانات الصين لعام 2020، بلغ حجم التجارة بين الطرفين 61.1 مليار دولار. ويكشف هذا الرقم أن بكين أصبحت الشريك التجاري الأكبر للفلبين.

صراع محتدم

وكان دوتيرتي شخصية مثيرة للجدل على الصعيدين الدولي والمحلي منذ وصوله إلى السلطة. وقد كان هدفا للانتقادات، خاصة مع خطابه الذي يتجاوز اللغة الدبلوماسية. على سبيل المثال، لطالما نوقشت الألفاظ النابية التي قالها دوتيرتي ضد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

وبالمثل، بعد أن انتقدت الولايات المتحدة الفلبين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في حملة مكافحة المخدرات، أطلق دوتيرتي تهديدات شملت طرد القوات الخاصة الأميركية المتمركزة في البلاد، وإنهاء جميع التدريبات العسكرية المشتركة، وإذا لزم الأمر، إنهاء الاتفاقيات الأمنية الثنائية القائمة.

ومما لا شك فيه، في نظر دوتيرتي، أن كونه حليفا للولايات المتحدة ضد القوة المتنامية للصين هو وضع يعرض مانيلا للخطر. لهذا السبب، تلجأ إلى بكين لكسر نفوذ حليفتها التقليدية واشنطن.

وعلى الرغم من أن هذا التوجه في السياسة الخارجية يبدو وكأنه تحرك منطقي، إلا أن انتهاكات الصين المتكررة للمياه الإقليمية الفلبينية أدت إلى موقف سلبي تجاه دوتيرتي في البيروقراطية الأمنية ووزارة الخارجية.

وتمكنت البيروقراطية الأمنية في الفلبين، التي تهتم بالعلاقات مع واشنطن، من كسر سياسة الحكومة العدائية العلنية تجاه الولايات المتحدة بمرور الوقت.

وتؤكد التصريحات الإيجابية المتبادلة للزعيمين خلال حقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإعادة تفعيل دوتيرتي لاتفاقية التعاون الدفاعي المتقدم، التي أنهتها من جانب واحد، أن الأمور قد لانت.

وستتجاوز الفلبين التي ستخوض انتخابات رئاسية مرتقبة في 9 مايو 2022، عتبة مهمة.

فأصبحت مانيلا، التي هيمنت عليها الخطابات السياسية القاسية ضد الدول الأجنبية والأحداث السياسية المحلية لسنوات، أكثر انفتاحا على تدخل الدعم الأجنبي بسبب المنافسة الصينية الأميركية المتزايدة.

وعلى الرغم من الإعلان عن أن دوتيرتي لن يترشح، فإن قيادته الشعبية ستوفر دعما كبيرا للشخص الذي سيشير إليه.

وفي هذه المرحلة، يتردد اسم ماركوس جونيور، نجل دكتاتور الفلبين السابق فرديناند ماركوس، وهو المرشح المفضل لمنصب الرئيس السابع عشر للفلبين وفقا لاستطلاعات الرأي.

وتشير الحركات المتنامية المناهضة للصين وإمكانية دعم البيروقراطية لمرشح مؤيد للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة إلى أن الفلبين ستكون في سباق انتخابي ساخن للغاية.

من ناحية، فإن نفوذ الفلبين الاقتصادي وخطابها القومي المتصاعد ضد بكين ينبعان من بحر الصين الجنوبي؛ ومن ناحية أخرى، فإن نفوذ الولايات المتحدة، القوي في بيروقراطية الأمن والشؤون الخارجية، سيشكل الديناميكيات الرئيسة للمسار المستقبلي للفلبين.