رئيس منظمة فرنسية لـ"الاستقلال": انتخاب المسلمين ماكرون ليس شيكا على بياض

12

طباعة

مشاركة

أكد الحقوقي الدولي كمال العيفي، أن المسلمين في فرنسا اضطروا لانتخاب إيمانويل ماكرون لولاية رئاسية ثانية، إذ لم يكن لديهم خيار أفضل منه، مشيرا إلى أنه "انتخاب مشروط، وليس شيكا على بياض".

وأضاف الحقوقي الدولي لـ"الاستقلال"، أن ماكرون قام في الولاية الأولى ببعض الإجراءات ضد المسلمين لأنه كان يريد أن يستميل جزءا من اليمين المتطرف، بينما حاليا يُتوقع تراجعه عن هذه السياسة، لأنه لا يمكنه الطموح لولاية ثالثة وفق القانون.

ولفت العيفي، وهو رئيس الأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية (مقرها باريس)، إلى أن المسلمين في فرنسا قوة يُحسب لها ألف حساب، إذ يزيد عددهم رسميا عن 7 ملايين، بينما يصل إلى 10 ملايين من أصل 67 مليونا، بحسب تعدادات غير رسمية.

ووفق نتائج أولية أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية، حصد ماكرون (44 عاما) 58 بالمئة من الأصوات في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، مقابل 42 بالمئة لمنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان (53 عاما).

وعن وضع الإسلاموفوبيا بعد انتخاب ماكرون، أكد الحقوقي الدولي أن الإسلاموفوبيا ليست مرتبطة بالسلطة، بل ببعض الكيانات الموجودة في المجتمع، ولن تتغير إلا عندما يسود داخل المجتمع ثقافة قبول الآخر والديمقراطية الحقيقية.

كما أشار إلى أن الأزمة الأوكرانية أحرجت أوروبا وكشفت كيف أنها تتعامل مع اللاجئين بتفرقة وتمييز، وهذا أحدث صدمة كبيرة جدا لدى الفرنسيين ما جعل الكثير منهم يراجع مواقفه مع اللاجئين.

وإلى جانب رئاسته للأكاديمية الدولية للحقوق والتنمية المتخصصة في التدريب والتعليم، يحمل العيفي وهو تونسي مقيم في باريس منذ 2000، شهادة الدكتوراه في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، ويعمل مستشارا لمجموعة من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان منذ 2005.

أخف الضررين

بداية لمن صوّت مسلمي فرنسا؟

صوت المسلمين في أغلبهم إن لم يكن كلهم باتجاه أخف الضررين وأهون الشرين، أي لصالح ماكرون، فالمسلمون كلهم لا يريدون أن يروا لوبان مجددا على الساحة السياسية؛ لأنها متطرفة للغاية تجاه كل ما يتعلق بالمسلمين في فرنسا.

تودد ماكرون للمسلمين في معركته مع اليمين المتطرف.. هل يدفعه ذلك لمراجعة أخطائه السابقة بحقهم؟

هو في الحقيقة لم يتودد للمسلمين إلا في مرحلة متأخرة جدا؛ لكن على العكس من موقفه ذلك اختار ماكرون وزير داخلية سيء جدا مع المسلمين؛ بالرغم من أنه من أصول جزائرية عربية ولكنه كان متطرفا جدا ضد المسلمين واستصدر العديد من القرارات الإدارية والوزارية السيئة بحقهم.

فكان من هذه القرارات إغلاق عدد كبير من الجمعيات والمدارس الإسلامية والمساجد، وطرد عدد كبير من الأئمة من وظائفهم، ولكن ماكرون مؤخرا اضطر إلى التودد إلى المسلمين بعدما علم أنه بدون تصويت المسلمين لصالحه فلن يفوز في هذه الانتخابات.

وانعكس ذلك التودد للمسلمين في معركته الانتخابية ومناظرته مع لوبان، حيث ركز على أنها تريد منع الحجاب في الساحات والأماكن العامة وهذا من شأنه - على حسب قول ماكرون - أن يُحدث تفرقة بين أبناء المجتمع الفرنسي، وفيه تمييز ضد فئة من فئات الشعب لحساب أخرى.

وموقفه هذا في الحقيقة لا يغنيه عن تحمل المسؤولية وهو يعلم جيداً أن المسلمين سينتخبوه ولكنهم سيحاسبوه ولن يعطوه شيكا على بياض.

هل كان سهلا على المسلمين بعد فترة رئاسية عصيبة مع ماكرون أن يعيدوا انتخابه مرة أخرى؟

المسلمون للأسف لم يكن لديهم خيار أفضل من ماكرون، وكانوا مضطرين أن يختاروه في الانتخابات حتى لا تفوز مرشحة اليمين المتطرفة.

وهو انتخاب مشروط، وشروط المسلمين قيلت في اجتماعات وندوات وجلسات استماع وحوارات دارت في غرف مغلقة مع أعضاء حملة ماكرون الانتخابية، وثمة اتفاقات تمت بين ممثلي الجالية الإسلامية ومجموعة ماكرون الانتخابية .

هل استثمر المسلمون هذا الوضع الحرج لصالحهم؟

الوضع حرج ليس في فرنسا فقط، بل في أوروبا كلها التي تنحى منحى اليمين المتطرف للأسف الشديد.

كما أن المسألة لم تكن مسألة استغلال ظرف، بالعكس نحن المسلمين لا نريد من السياسيين الفرنسيين أن يتعاملوا معنا بطريقة مختلفة، بل بصدق وعدل، ونحن نضغط في هذا الاتجاه حتى يعلموا أن لنا وزنا سياسيا معتبرا.

وحتى الآن المسلمون في فرنسا عددهم يزيد رسميا عن 7 ملايين مسلم، بينما يصل إلى 10 ملايين من أصل 67 مليونا وفق تعدادات غير رسمية.

وهذا عدد كبير جدا جدا وكتلة انتخابية كبيرة يحسب لها ألف حساب، لذلك نحن نريد أن نُفهم السياسيين الفرنسيين أن دورنا مهم، وعليهم أن يتعاملوا معنا تعاملاً عادلاً مثلما يتعاملون مع الآخرين.

الولاية الثانية

كيف تتوقع ولاية ماكرون الثانية فيما يتعلق بحرية المسلمين وحقوقهم؟

أرى أن ماكرون سيتراجع قليلا في مسائل كثيرة جدا، لأنه لن يطمح لولاية ثالثة وفق القانون.

حيث أنه قام في الولاية الأولى ببعض الإجراءات ضد المسلمين لأنه كان يريد أن يستميل جزءا من اليمين المتطرف الفرنسي، لكنه الآن لا يريد أن يستميل أحداً فلعله ينحى منحى أكثر عدلا وأكثر هدوءا مع المسلمين. 

لكنه إذا تصرف بطريقة أخرى فإن للمسلمين طريقتهم للرد عليه بطرق سلمية، فإن أغلق مسجدا أو جمعية أو مدرسة فسيُفتح عشر مساجد وجمعيات ومدارس.

وعلى ماكرون أن يأخذ بالاعتبار أنه في انتخابات الولاية الأولى كان بجانبه كثير من المسلمين سواء كانوا فنانين أو مسرحيين أو كتاب أو فاعلين في المجتمع المدني، لكن هذه المرة لم نر كثيرا من المسلمين حوله نظرا لعدائيته تجاههم.

 فلعله يكون أكثر هدوءا الآن، ولا أعتقد أن ماكرون سيذهب في حدية أكثر مما ذهب إليه في الولاية الأولى، لأن هذا يتنافى مع تقاليد السياسة الفرنسية في التعامل مع فئات المجتمع ولن يشدد سياساته، بل أراه قد يتراجع كثيرا عما كان عليه في السابق.

هل ستتراجع حملات الإسلاموفوبيا في ولاية ماكرون الثانية؟

حالات الإسلاموفوبيا ليست مرتبطة بالسلطة، بل ببعض الكيانات الموجودة في المجتمع وكذلك مرتبطة بجزء مهم من الصحافة الفرنسية وجزء مهم من المثقفين الفرنسيين.

فلا تنتهي مسألة الاسلاموفوبيا بتغير الرئيس أو تغير الحكومة، لكنها تتغير عندما يسود داخل المجتمع ثقافة قبول الآخر والديمقراطية الحقيقية والمشاركة الحقيقية وهذا ما نعمل عليه.

وفي الحقيقة كثير من المفكرين والمثقفين والفنانين والأدباء والفلاسفة والممثلين بدأوا يشعرون بهذا الحرج الكبير وبدأوا يعملون على تغيير هذه الوضعية ويبقى دورنا نحن مهما في عدم إظهار صورة سيئة للإسلام والمسلمين لأن عددا من المسلمين يساهمون في هذه الحالة. 

وضع المهاجرين

كيف ترى انعكاسات سياسات فرنسا تجاه المهاجرين الأجانب بعد أزمة أوكرانيا؟

سياسة فرنسا إزاء المهاجرين الأجانب سياسة مد وجذر ومرتبطة بالسياسات الأوروبية بشكل عام ومرتبطة بعدد اللاجئين.

وما حدث في أوكرانيا سيحرجهم كثيرا جدا وسيجبرهم على مراجعة سياسات كثيرة تعاملوا بها مع مهاجرين آخرين حتى أن لوبان اضطرت للاعتراف بأنها كانت مخطئة في تعاملها مع المهاجرين السوريين لما وجدت نفسها مضطرة للكلام بإيجابية عن اللاجئين الأوكرانيين.

وفعلا الأزمة الأوكرانية أحرجت أوروبا بشكل كبير، وكشفت كيف أنها تتعامل مع اللاجئين بتفرقة وتمييز، وهذا أحدث صدمة كبيرة جدا في أوساط مهمة من المجتمع الفرنسي ما جعل الكثير منهم يراجع مواقفه في التعامل مع اللاجئين.

كيف كانت ستبدو فرنسا حال فوز لوبان؟

في حال فازت لوبان كانت ستدخل فرنسا في مرحلة في غاية السوء ليس مع المسلمين بل مع مختلف شرائح المجتمع الفرنسي، وكانت ستعمل على الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتفرقة بين الفرنسيين من أصول أوروبية ومن هم من أصول غير أوروبية.

كما أن لديها سياسات اقتصادية في غاية السوء مميزة لفئات من الشعب ضد فئات أخرى وهو ما كان سيدخل فرنسا في طور غاية في الصعوبة لا يمكن تخيله.