مع السماح بعودتهم.. ماذا وراء تبرئة قادة سنة بارزين في العراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جملة من التساؤلات أثارتها إعادة قيادات سياسية وقبلية سنية إلى المشهد في العراق، بعد تبرئتهم قضائيا من اتهامات تتعلق بالإرهاب وجهت إليهم في عهد رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي (2006-2014)، وعُدت في وقتها استهدافا سياسيا.

وعلى رأس هذه القيادات، وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، الذي أفرج عنه القضاء في 10 أبريل/ نيسان 2022 بعدما كان معتقلا بقضايا تتعلق بالنزاهة، إضافة إلى إسقاط التهم عن أمير قبائل الدليم علي الحاتم السليمان في 20 من الشهر ذاته، بعد سنوات قضاها خارج البلاد.

وبرز اسم السليمان في احتجاجات المحافظات السنية بالعراق والتي استمرت منذ عام 2013 حتى اجتياح تنظيم الدولة للبلد عام 2014، حيث كان من أبرز قيادات ساحة التظاهر في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، ومن أشد المناوئين لحكومة نوري المالكي والنظام السياسي في البلاد.

عودة اثنين من أبرز القادة السنة، أثار تساؤلات عن الغاية من توقيت إسقاط التهم عنهم حاليا بعد سنوات من استهدافهم، وإلى أي مدى يمكن أن تعود بقية الشخصيات السنية أمثال نائب الرئيس الأسبق طارق الهاشمي، ومحافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، والنائب المعتقل أحمد العلواني؟

"تسونامي مرتقب"

ورأى الكاتب سمير داود حنوش أن "إطلاق سراح عدد من قادة المكون السني الذين كانوا خلف القضبان بتهم شتى وعودة آخرين من منافيهم ربما يؤشر أن إعصارا سياسيا قادما شبيه التأثير بتسونامي يلوح في الأفق خصوصا بين زعامات المكون السني".

وأضاف حنوش خلال مقال نشره موقع "كتابات" في 24 أبريل، أنه من المحتمل أن تأخذ بوصلة السياسة اتجاهات مغايرة أو معاكسة أو حتى تُحدث انقلابا في موازين القوى السنية التي تتزعم المشهد العراقي حاليا.

وأوضح أن "إطلاق سراح رافع العيساوي وعودته إلى الساحة السياسية بعد أن كان يتسيّد زعامتها السنية كل من محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي الحالي وشريكه في الزعامة خميس الخنجر مع ما ترافق من عودة آخرين من منافيهم إلى بغداد مثل الشيخ علي حاتم السليمان ربما يمثل علامة فارقة تؤكد تغييراً في موازين القوى السياسية".

ولفت إلى أن "المتغيرات المفاجئة التي أحدثها إطلاق سراح عدد من القيادات السنية من السجون توحي بأن القادم يحمل الكثير من المتغيرات في المشهد السياسي للمكون السني الذي انتقلت إليه عدوى الصراعات وتنافس الزعامات من المكونات الشيعية والكردية".

وأشار الكاتب إلى أن ما تسرب من معلومات عن احتمالية عودة طارق الهاشمي المطلوب للقضاء العراقي بتهم إدارة وتمويل هجمات إرهابية إبان حكومة المالكي التي أُثيرت في عهدها أكثر التهم ضد هؤلاء الزعامات تسببت بسجنهم أو مطاردتهم خارج البلد".

وكان الإنتربول قد رفع عام 2016 اسم الهاشمي نهائيا من قائمته الحمراء للمطلوبين بالاعتقال بسبب التأكيد أن المعلومات المقدمة من قبل السلطات العراقية كانت غير دقيقة وأظهرت شكوكا في صحتها.

وبحسب الكاتب، فإن معلومات أخرى تشير إلى قرب إطلاق سراح البرلماني السابق وعضو القائمة العراقية (أحمد العلواني) الذي كان معتقلا بتهمة قتل عدد من الجنود العراقيين أثناء الاشتباك معهم للقبض عليه وتهم أخرى تتعلق بالتحريض الطائفي وصلت عقوبتها إلى الإعدام ليجد هذا الرجل نفسه قريبا خارج أسوار سجون بغداد.

ونفى نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي، وجود تسوية سياسية لضمان عودته إلى البلاد، وقال عبر حسابه في تويتر، "كنت اقترحت مخرجا سياسيا مشرفا لأزمة سياسية مستعصية. لا شيء فيها لوضعي الشخصي".

وأضاف الهاشمي، "وكنت منذ اليوم الأول في ديسمبر/ كانون الأول 2011 طالبت بفرصة تقاضي عادل كي أعود لأمثل أمام القضاء، ولا أنتظر عفوا من أحد فأنا بريء". وختم بالقول، "متى تحققت الفرصة فسأعود في أي وقت لأواصل خدمة العراق وطني".

تداعيات محتملة

ولعل من أولى تداعيات عودة القادة السنة إلى العراق، كان فصل أحد نواب حزب "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، وذلك بعدما هنأ بعودة الشيخ علي حاتم السليمان.

وجاء في وثيقة صادرة عن مكتب الحلبوسي في 22 أبريل، أنه "نظرا لعدم التزام النائب ليث مصطفى الدليمي بسياقات وتوجيهات قيادة حزب تقدم ولمخالفته الضوابط الحاكمة في النظام الداخلي تقرر فصله من صفوف الحزب"، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

لكن مصدرا سياسيا فضل عدم ذكر اسمه كشف لـ"الاستقلال" أن "النائب ليث دليمي دفع ثمن تهنئته للشيخ علي الحاتم بعودته إلى بغداد وتبرئته من السلطات القضائية، وأن عددا آخر من نواب حزب تقدم ربما سيلتحقون بالدليمي".

وأوضح أن "عودة هؤلاء السياسيين ربما يكون ورقة ضغط على التحالف الثلاثي (التيار الصدري، الحزب الديمقراطي الكردستاني، تحالف السيادة السني) من قوى الإطار التنسيقي الشيعي (تحالف الفتح، ائتلاف دولة القانون، تحالف الدولة، حركة حقوق، العقد الوطني) لا أكثر لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانسداد السياسي الذي وصلت إليه".

ولفت المصدر السياسي إلى أن "هناك حديثا عن أن عودة هؤلاء السياسيين رغم أنهم من محور مناكف لإيران، لكن بعض جهات القريبة من تحالف الإطار تقول إنه جرى بترتيب إيراني لإفشال مشروع إماراتي يتبناه التحالف الثلاثي، ولذلك ربما يشمل عودة بقية القيادات السنية إلى العراق".

ويواجه التحالف الثلاثي ضغوطا إيرانية كبيرة لعدم الذهاب إلى حكومة أغلبية وطنية بمعزل عن قوى "الإطار التنسيقي"، والالتزام بمسار الحكومة التوافقية التقليدي الذي يشرك جميع الأحزاب في السلطة ويحفظ مصالحها.

وطالما اتهم "الإطار التنسيقي" إيران، الإمارات بالسعي إلى تفتيت البيت الشيعي في العراق من خلال دعم أطراف سياسية دون غيرها، في إشارة إلى التيار الصدري وتحالف السيادة ضمن التحالف الثلاثي.

وقال النائب عن "الإطار" رفيق الصالحي خلال تصريحات في 27 مارس/آذار 2022، إن "الإطار التنسيقي نجح بإيقاف كل المؤامرات التي تدار من قبل الإمارات والدول الخليجية الأخرى العازمة على تفتيت البيت الشيعي وعزله عن العملية السياسية".

من جانبه، قال الكاتب والأكاديمي مصطفى علاء، عبر حسابه على "تويتر" في 21 أبريل، إن "عودة علي حاتم السليمان إلى المشهد الاجتماعي في الأنبار ستخلق عامل منافسة يطوق رمزية الحلبوسي وأداة قوة تعيق استحواذه على المكون وزعامته".

وأشار علاء إلى أن عودة سليمان تؤدي إلى "توفير دعم للأصوات المعارضة لحزب تقدم في الأنبار بمكانته الاجتماعية التي لا يمكن تحجيمها في محافظة ذات هوية عشائرية"، متسائلا "هل عودته صدفة أم تكتيك شاطر؟".

وفي السياق، كتب الباحث في الشأن السياسي بسام القزويني، على حسابه في "تويتر"، "كأن خبر عودة علي حاتم السليمان إلى بغداد أجهض النظام السياسي واهتزت بسببه الديمقراطية في العراق، في حين أن (المنطقة) الخضراء تحديدا مكتظة بالمدانين وليس المتهمين فقط".

وتساءل الكاتب الصحفي جاسم الشمري، عبر "تويتر": "لماذا طاردتم علي حاتم وهجرتموه هو وأهله وكل من له علاقة به والآلاف من المواطنين؟".

وأضاف "إن كان علي حاتم من (الإرهابيين) فالإرهاب جريمة لا تسقط بالتقادم، وإن ظلمتم الرجل ومن كان على شاكلته فالخلل في الظالم ويجب أن يقدم للعدالة".

تلاعب بالملفات

في المقابل، يقول الباحث بالشأن السياسي العراقي، زياد العرار، إن "هناك من يتلاعب بالملفات السياسية، ومازالت القوى السياسية الفاعلة في المشهد السياسي (بعض القوى الشيعية) تستطيع أن تحرك الملفات السنية يمينا وشمالا، وهذا المشهد ليس بجديد، حيث اعتدنا أن نرى هذه الملفات تتعرقل منذ 2005 ولهذا اليوم".

وأضاف العرار خلال حديث صحفي في 22 أبريل: "شاهدنا كيف تم إعادة رافع العيساوي وزير المالية ونائب رئيس الوزراء الأسبق إلى المشهد السياسي، من خلال إنهاء الملفات القضائية ومن خلال صفقات سياسية ورؤية جديدة".

وأشار الباحث إلى أن "الشيخ علي حاتم سليمان شيخ عشائري له ثقله ومكانته في المجتمع الأنباري، وتأثيره لا يتجاوز حدود الأنبار، لأن هناك جمهورا غاضبا من كل القوى السياسية، وكل من ساهم بإيصال الحراك الشعبي إلى ما وصل إليه سابقا".

وتابع: "أعتقد أن المدى والتأثير للشيخ علي حاتم سليمان لن يكون بمستوى ما تمت إذاعته في مواقع التواصل الاجتماعي، إنما تحاول القوة الداعمة لعودته أن تجد لنفسها موقفا بالضد أمام الموجودين في الساحة، وأتحدث هنا عن حزب تقدم ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي".

وأردف العرار، "العملية السياسية في العراق تعتمد على الأرقام وعدد المقاعد، ومن يمتلك عدد مقاعد هو تقدم، ومن يريد أن يغير المشهد عليه أن يذهب بالحوار مع تقدم، لا أن يقف ضده، لأن المكون السني لا يتحمل أي مناورات جديدة وأي أطروحات تحاول تفريقه لأن ما فيه يكفيه".

وفي السياق، رأى المحلل السياسي محمد حسن الساعدي، أن "الأوضاع داخل البيت السني انتابها نوع من الشك والريبة، كون الخلافات بدأت تظهر بعد عودة رافع العيساوي ومن ثم عودة علي حاتم السليمان، وبالتالي بدأت تتفاعل المشاكل داخل البيت السني، خصوصا وأن هناك تشكلا لجبهة مهمة جدا أمام جبهة الحلبوسي، ما دفعه لاتخاذ بعض الإجراءات، منها تحييد بعض الوجهات داخل البيت السني، من قبيل فصل النائب ليث الدليمي".  

واستدرك الساعدي، خلال تصريحات في 23 أبريل، أن "هذه الإجراءات لا تصل لمرحلة الوقوف بوجه هذا التكتل، وأعتقد أن الجهة المهمة التي من المفترض لها أن تعود للعراق هو طارق الهاشمي، ما يجعل المشهد داخل البيت السني، يشوبه الكثير من الصراع والنزاع"، متوقعا أن "تتجه الامور إلى تفكك التحالف الثلاثي، وعودة البيت السني إلى الكثير من التحالفات والتفاهمات مع القوى السياسية الأخرى".

 وبخصوص الاتهامات للإطار التنسيقي، حول دوره في إعادة السليمان، قال الساعدي إن "التحالف الثلاثي اليوم هو المسيطر على القرار السياسي في البلاد، وعودة علي حاتم السليمان تمت بالتنسيق معه، بدليل أن هناك تصريحات عدة من أعضاء التيار الصدري التي رحبت بعودته، لكن يريدون خلق ضغط على الحلبوسي وتحييده، وجعله ورقة ضغط عليه".

وأردف قائلا: "هناك مشاكل بين الحلبوسي والزاملي (قيادي صدري نائب رئيس البرلمان) في هيئة رئاسة البرلمان، ما يعني أن التيار الصدري يسعى إلى تحييد الحلبوسي، ومنع أي سلطة داخل البرلمان، وهذه معلومات وليست تحليلا".