النزاع الحكومي في طرابلس.. هل يعيد الاقتتال العسكري إلى ليبيا؟

12

طباعة

مشاركة

تعيش العاصمة الليبية طرابلس على وقع ترقب قلق بعد تداول أنباء عن استعداد رئيس حكومة الاستقرار فتحي باشاغا الدخول إليها رغم رفض حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة إليها.

ويجري باشاغا الذي سبق وأن تولى منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية سلسلة من المشاورات من مقر إقامته بالعاصمة التونسية شملت عددا من قادة المجموعات المسلحة في الغرب الليبي وقيادات سياسية ووزراء مستقيلين من حكومة الدبيبة.

وتشهد طرابلس تحركات عسكرية موالية لباشاغا الذي كلف أخيرا من قبل مجلس نواب طبرق، وأخرى تابعة لعبد الحميد الدبيبة، في وقت يستبعد قادة عسكريون وقوع أي صدام مسلح في العاصمة.

وتأتي هذه التطورات في حين تواصل لجنتان دستوريتان من مجلسي الدولة والنواب اجتماعاتهما في القاهرة منذ منتصف مارس/آذار 2022، برعاية أممية، لبحث المسار الدستوري، والخروج برأي توافقي يفضي إلى انتخابات.

وكان باشاغا أكد في تصريحات سابقة نيته دخول طرابلس، وقدرته على ذلك بشكل سلمي، بعد تسلمه مقر رئاسة الوزراء في عاصمتي الإقليمين الشرقي والجنوبي بنغازي وسبها.

تبادل الاتهامات 

منذ حصول حكومته على ثقة البرلمان الليبي المنعقد في مدينة طبرق (شرق ليبيا) في الأول من مارس 2022، وأدائها اليمين الدستورية، وباشاغا يؤكد على رغبته في دخول العاصمة طرابلس وتسلم مهامها بشكل سلمي ومن دون إراقة دماء.

وفي بيان صادر عن مكتبه فجر 17 أبريل/نيسان 2022، أشاد بمواقف القوى الأمنية والعسكرية في مدينتي مصراتة و طرابلس والتي تؤكد على ضرورة عدم  استعمال القوة، وأكد البيان على "تحميل الحكومة المنتهية الولاية مسؤولية التصعيد والتحريض على العنف".

وأدان باشاغا "إهدار المال العام وتسخير ثروات الدولة الليبية لصالح حكومة خارجة عن الشرعية تسعى لبث الفتنة ونشر الفوضى للاستمرار في السلطة". وأكد أننا "سنواجه هذا الانحراف بالطرق السياسية بحزم وجدية".

ويواصل الدبيبة متابعة مهامه وصلاحياته، حيث تتالت لقاءاته مع قادة عسكريين لبحث الملف الأمني في العاصمة طرابلس لحماية الانتخابات والدستور.

وأصدر تعليماته للانتشار في مداخل العاصمة طرابلس وتأمين المقار الحكومية تحسبا لأي محاولة دخول لفتحي باشاغا وحكومته لها.

وحاول الدبيبة التصدي للحكومة الجديدة وأي معارضة ناشئة له، من بينها، القبض والاعتداء على عدد من الوزراء، في مدينة مصراتة أثناء رحلتهم برا إلى مدينة طبرق حيث عقد مجلس النواب جلسته.

وجاءت المحاولة لمنعهم من الالتحاق بالجلسة، وفقا لبيانات من مجلس النواب ورئيس الحكومة الجديد باشاغا.

وأقدم الدبيبة في 23 فبراير/ شباط 2022 على تشكيل "قوة دعم الانتخابات والدستور" تتبع وزارة الدفاع التي يرأسها من أجل ضبط الأوضاع وحماية العملية الانتخابية التي دعا لها خلال خطابه الأخير على أن تجرى في يونيو/حزيران 2022.

وجدد رفضه تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة ورفضه خطوة تشكيل حكومة جديدة من قبل البرلمان برئاسة باشاغا.

وفي أول بيان لها، أكدت القوة العسكرية الجديدة أنها "وجدت من أجل الحفاظ على الدولة المدنية والشرعية التي تستمد من الشعوب لا من المجرمين الذين قتلوا وهجروا ودمروا".

وحذرت كل من يحاول فرض أي حكومة جديدة أو إدخالها للعاصمة باستخدام القوة والمواجهة المسلحة ضدهم إذا اضطر الأمر، وفق البيان.

ضغط على الدبيبة 

على الرغم من السيطرة الفعلية لحكومة الدبيبة على العاصمة طرابلس واستمرار الاعتراف الدولي، فإن فتحي باشاغا نجح في إنجاز اختراقات على المستويين الدبلوماسي والميداني في ليبيا. 

ففي منتصف مارس 2022، تداولت عدة وسائل إعلام محلية ودولية عن وجود وساطات تركية بدعم أميركي لتنظيم لقاء يجمع الدبيبة وباشاغا في تركيا لتسوية الخلافات بين الحكومتين.

باشاغا أكد التحركات الدبلوماسية الحاصلة، وقال في كلمة نشرت على صفحته الرسمية في فيسبوك إن "هناك مساعي سياسية من أطراف محلية ودولية لبدء حوار مع حكومة الوحدة الوطنية، وقد طرحت تلك الأطراف مبادرات ووافقنا عليها منذ البداية".

في المقابل نفى الدبيبة كل ما راج عن الوساطات الحاصلة قائلا في منشور على "فيسبوك": "يحاول البعض التشويش وبث أخبار مزيفة.. لا هم لي اليوم إلا العمل الجاد للانتخابات والتي بها تنتهي كل الأجسام الموجودة، وعلى رأسها حكومة الوحدة، وأي حل غير ذلك هو تمديد للأزمة ولن يقبله الشعب الليبي".

ولا يخفى على المتابع للشأن الليبي أن حكومة باشاغا تحظى بدعم مصري كبير، كما أن الاتفاق الحاصل بين وزير الداخلية السابق وبين اللواء المتقاعد خليفة حفتر كان برعاية القاهرة التي استشعرت خسارة موقعها في ليبيا. 

أما على الأرض فنجح فتحي باشاغا بإيجاد موطئ قدم شرق البلاد الذي تسيطر عليه قوات خليفة حفتر وفي الجنوب الليبي، حيث تسلم نائبا رئيس الحكومة في المنطقتين الجنوبية والشرقية مقرات الحكومة فيهما.

كما أعلن أعيان الوسط وجنوب ليبيا إيقاف إنتاج وتصدير النفط من حقول بمناطقهم إلى حين تسليم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، السلطة للحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

وفي بيان مصور ليلة 16 أبريل 2022 من أمام حقل الفيل النفطي (جنوب)، أعلن أعيان الجنوب الليبي "إيقاف تصدير النفط من المنطقة بدءا من (اليوم التالي) وحتى خروج حكومة الوحدة الوطنية من المشهد".

وبموازاة ذلك، أعلن أعيان وسكان منطقة "الزويتينة" (وسط) "إيقاف إنتاج وتصدير النفط من ميناء الزويتينة النفطي (أهم موانئ البلاد) والحقول التابعة له بشكل كامل"؛ للأسباب نفسها.

توازن قوى 

وعد المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أن الوضع الميداني في طرابلس ليس لصالح فتحي باشاغا. لذلك لا يمكن له أن يدخل للعاصمة اعتمادا على قوته العسكرية.

 فأغلب الكتائب المنتشرة في طرابلس ليست موالية له وبعضها يعاديه صراحة وكل المحاولات التي حصلت باءت بالفشل، وفق ما قال لـ"الاستقلال".

وأضاف الزبير "وحتى محاولة إدخال باشاغا من البوابة الحدودية، الذهيبة وازن، باءت بالفشل وجرى التصدي لها رغم قيادة العملية من قبل آمر المنطقة الغربية أسامة الجويلي".

وعبر المحلل السياسي الليبي عن خشيته من تفويت اللقاءات التي تجمع بين مجلسي النواب والدولة لشهر يونيو 2022 دون حصول اتفاق وتحديد موعد الانتخابات.

 ورغم ذلك فإن المجتمع الدولي يتعاطى بإيجابية مع ما أنجزته حكومة الدبيبة وفرض الاستقرار في العاصمة، ولكن مجلس النواب ومن خلفه مصر والإمارات وفرنسا يريدون أن يفرضوا باشاغا على الليبيين بغير الوسائل الديمقراطية، وفق تقديره.

من جهته، يرى الكاتب الصحفي الليبي معتصم وهيبة أن الوضع الليبي معقد جدا ولا يمكن لأحد أن يتوقع لمن ستكون الغلبة على الأرض في الصراع القائم بين الدبيبة و باشاغا.

وأردف في حديث لـ"الاستقلال" أن "لوزير الداخلية السابق موقعه ومكانته في الغرب الليبي بالإضافة إلى تحالفه الجديد مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ومعسكر حفتر في الشرق الليبي".

وفي نفس الوقت فإن الدبيبة الذي يرأس الحكومة حاليا يقود وزارة الدفاع و تأتمر الأجهزة الأمنية بإمرته. 

وأضاف وهيبة "التقى باشاغا القادة الميدانيين في مصراتة والتي تعد المدينة الإستراتيجية في الغرب الليبي والأهم من حيث الوزن العسكري وهم: مختار الججاوي، وعبد السلام عليلش، ومحمد الحصان".

وتابع: "خرج هؤلاء في كلمة متلفزة يوم 17 أبريل 2021 أكدوا فيها فتح قنوات اتصال بين الأطراف لتجنيب طرابلس والمنطقة الغربية شبح الصدام".

كما طالبوا الدبيبة وباشاغا بإبقاء الصراع في شكله السياسي، وحملوهما والبعثة الأممية مسؤولية أي قطرة دماء قد تسيل".

وأكد وهيبة أنه من المستبعد عودة الصراع المسلح مرة أخرى إلى ليبيا بعد حراك دبلوماسي لمختلف الدول المتدخلة في الشأن الليبي والتي شهدت خلال الفترة الماضية تقاربا فيما بينها على غرار الإمارات ومصر وتركيا.

ولفت إلى أن ذلك سيؤثر على الأطراف المتصارعة وسيجري دفعها للوصول إلى حل سياسي في نهاية المطاف.