مستنقع إجرام وفساد.. موقع أميركي يشكك في قدرة الانتخابات على إنقاذ لبنان

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

شكك موقع "إنكستيك ميديا" الأميركي في قدرة الانتخابات المرتقبة منتصف مايو/ أيار 2022، في إنقاذ لبنان من مستنقع الإجرام والفساد الذي تغرق فيه البلاد منذ الحرب الأهلية.

وأوضح الموقع أن الحرب الأهلية (1990 - 1995) لم تنته قط، والشعب اللبناني ما زال يدفع ثمنها حتى اليوم، بعدما تم العفو عن مجرمي الحرب، ليشرعوا عبر بوابة السياسة في بناء مصالحهم على حساب الشعب، وكلهم ثقة من عدم وجود رادع قادر على إيقافهم.

إرث دام

وذكر الموقع الأميركي أن الحرب الأهلية اللبنانية انتهت رسميا في أكتوبر/ تشرين الأول 1990، بعدما وصل قادة مختلف الفصائل المقاتلة إلى حالة من الجمود مع احتلال الجيش السوري لجزء كبير من البلاد، ومن ثم تبنوا اتفاق الطائف في عام 1989.

وبعد خمسة أشهر من تاريخ انتهاء الحرب الرسمي، وافق جميع أصحاب المصلحة على العفو وعدم إجراء محاكمات ضد أي من أشكال العنف التي وقعت أيام الحرب في المستقبل، بما في ذلك عمليات القتل والمذابح.

وشكل هذا القرار النظام السياسي الجديد في فترة ما بعد الحرب، ومهد الطريق لأمراء الحرب الفاسدين ليشغلوا مناصب حكومية رسمية، وبات تحقيق العدالة أمرا لا يمكن تصوره.

ثم شهدت البلاد مع انتهاء الحرب اغتيال عشرات الصحفيين والمفكرين والسياسيين ورجال الأمن، واتحدت الطبقة السياسية في لبنان في الحفاظ على مناخ الإفلات من العقاب.

وفي بعض الأحيان، كان معروفا على نطاق واسع من يقف وراء جرائم القتل، إلا أن سيطرة المنطق العدمي الذي يفيد بأن السعي لتحقيق العدالة في الاغتيالات من شأنه أن يقوض الوضع الراهن ويغرق البلاد في حرب أهلية، أدى إلى تثبيط وعرقلة جهود محاسبة الجناة.

وهكذا بقي العنف جزءا من الحياة اليومية لمعظم الناس، ووقعت البلاد إلى حد كبير تحت السيطرة الأجنبية، مع احتلال إسرائيل للجنوب والباقي تحت الهيمنة السورية.

وبينما كان تحرير الجنوب عام 2000 سببا للاحتفال الوطني، كانت البلاد، ولا تزال، منقسمة حول دور سوريا في لبنان.

فبالنسبة لحلفاء سوريا، كان الجار من الشرق والشمال بمثابة عامل استقرار سياسي منع اللبنانيين من الارتداد إلى العنف والانقسام الطائفي، وقوبل أي شخص عارض  النفوذ السوري بقمع مسلح قوي أو حتى بالقتل.

ووفقا لعدة معاهد بحثية، سجل لبنان حوالي 200 جريمة قتل سياسي أو محاولة قتل منذ الاستقلال في عام 1943.

وفي عام 2005 وحده، انفجرت أكثر من اثنتي عشرة قنبلة في جميع أنحاء البلاد. وبدأت الاغتيالات بانفجار قتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري و 21 شخصا.

وأدى مقتل الحريري إلى سلسلة من الاحتجاجات التي من شأنها أن أنهت رسميا احتلال سوريا للبنان الذي دام 15 عاما.

نقطة فارقة

وفجأة اختفت أغلال الخوف وبدأ العديد من الصحفيين والسياسيين ينتقدون دور سوريا في لبنان بطرق لم يفعلها حتى الحريري قبل اغتياله.

لكن أثناء رحيلها حافظت القوات السورية  على نفوذ كبير على قوات الأمن اللبنانية وواحدة من أقوى كتلتين سياسيتين، وهي جماعة حزب الله.

وكان التأثير السوري واضحا مع مقتل زعيم الحزب الشيوعي السابق جورج حاوي والصحفيين سمير قصير وجبران تويني في وقت لاحق من عام 2005. وكان الرجال الثلاثة منتقدين صريحين لدور دمشق في لبنان.

كما استهدف صحفيان آخران بسيارات مفخخة في ذلك العام، وكذلك وزير الدفاع اللبناني إلياس المر.

وتم اغتيال ثلاثة أعضاء آخرين في البرلمان، جميعهم من منتقدي النظام السوري، إلى جانب محقق الإرهاب من قوى الأمن الداخلي اللبنانية الذي كان يحقق في مقتل الحريري.

واستخدام الاغتيالات السياسية في لبنان ليس استثنائيا، كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، بل تتم استخدامها كأداة لحماية الامتياز والسلطة السياسية.

وفي لبنان، تتمثل هذه القوة بشكل ملحوظ في حزب الله، الفاعل السياسي الوحيد الذي احتفظ بترسانته من الأسلحة بعد انتهاء الحرب الأهلية.

ومجلس القضاء الأعلى في لبنان، وهو هيئة تزكي القضاة لمحاكم معينة، ليس مستقلا في تعييناته، فـ8 من 10 يتم اختيارهم من قبل السلطة التنفيذية، ولا في تمويله الذي يأتي من وزارة العدل.

وعلاوة على ذلك، فإن الرجال الثلاثة الذين أدينوا بالتخطيط لاغتيال الحريري كانوا من عناصر حزب الله. لذا تطلب الأمر من محكمة دولية أن تفعل ما لم تستطع محكمة لبنانية القيام به.

ويعود اليأس أيضا إلى حقيقة أنه في حين أن حزب الله وحلفاءه الموالين لسوريا قد يكونون المشتبه بهم الرئيسين وراء العديد من عمليات القتل السياسي، فإن خصومهم السياسيين ليسوا مستعدين للوقوف ضدهم علنا.

وقد يكون ذلك لأن الشخصيات السياسية التي أبدت استعدادا للعب اللعبة والحفاظ على الوضع الراهن يمكنها إثراء نفسها من خلال خزائن الدولة، أو زيادة قوتها السياسية، أو كليهما.

ومن ناحية أخرى، قد تكافأ الشجاعة بالعزلة السياسية، أو التشهير من إحدى القنوات الإعلامية العديدة المملوكة سياسيا في البلاد.

عدالة غائبة

واستفاد حزب الله من النظام السياسي بعد الحرب بسبب ترسانته العسكرية، ووفقا لمراكز دراسات دولية، أطلق على حزب الله في عام 2018 لقب "اللاعب غير الحكومي الأكثر تسليحا بالعالم".

لذلك، حتى لو تمضي المحاكمات قدما، فسيكون من شبه المستحيل تنفيذها، كما تظهر المحكمة الدولية لمقتل الحريري.

وقال الدكتور درو ميخائيل، الباحث البارز في جامعة كوينز في أيرلندا الشمالية، إن الافتقار إلى حكم القانون وعدم القدرة على تحقيق العدالة مقبولان كجزء من النظام السياسي في لبنان بسبب قوة حزب الله غير المتكافئة".

وبينما يتمتع العديد من الأشخاص الآخرين في المؤسسة السياسية بسلطة أقل، إلا أنهم ما زالوا يربحون بشكل كبير.

وأصبح حزب الله يتولى حاليا حماية هذا النظام الذي يسود فيه الإفلات من العقاب والفساد.

والخلل في موازين القوى في لبنان محمي حاليا بالتدخل الإقليمي من قبل سوريا وإيران، كما أن هناك الكثير من التدخل من القوى الغربية وحلفائها الخليجيين أيضا، ولا سيما السعودية التي أغرقت جميع أطراف البلاد بالمال ووقفت مع الجهات الفاعلة التي تجرد اللبنانيين من العدالة.

وبينما لا يزال الكثيرون يقاتلون، وعلى الأخص عائلات الضحايا الذين لقوا حتفهم في 4 أغسطس/ آب 2020، في انفجار ميناء بيروت، إلا أن القليل منهم شهد عدالة حقيقية في لبنان، ما أدى إلى زيادة شعور العدمية في المخيلة الجماعية اللبنانية.

وتعد الانتخابات، المقرر إجراؤها منتصف مايو وسيلة للإصلاح، لكن 45 بالمئة فقط من الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة في 2018، قالوا إنهم سيصوتون لأحزاب جديدة، وفقا لاستطلاعات رأي أجرتها مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية.

بينما يخطط نصف السكان للامتناع عن التصويت على الإطلاق، ما يشير إلى شعور بعدم الرضا عن النظام السياسي ، وفكرة أن العدالة لن يتم تحقيقها أبدا.

وفي هذا السياق، قالت أمل حمدان خبيرة النظم والأطر الانتخابية، "بسبب غياب ثقة اللبنانيين تجاه الحكومة، من المحتمل جدا أن عددا كبيرا من اللبنانيين لن يصوتوا ببساطة، لأنهم لا يثقون في أن وزارة الداخلية ستجري انتخابات بنزاهة".

وهكذا أدى تآمر النخبة السياسية في لبنان، وخلقها واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم منذ أكثر من 150 عاما، إلى هجرة جماعية حيث انضم آلاف اللبنانيين على مضض إلى مواطنيهم في الخارج في الشتات اللبناني.