تجريم الإفطار علنا بالمغرب.. قمع للحرية أم مكايدة سياسية؟

وصال طنطانا | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يمر رمضان في المغرب دون فتح نقاش حرية الإفطار علنا، بين مطالب بإلغاء المادة 222 من القانون الجنائي، التي تقضي بمعاقبة المفطر في نهار رمضان من غير عذر شرعي بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر وغرامة مالية تتراوح من 12 إلى 120 درهما (12 دولارا). وبين من يراه مخالفة لشرع الله، وأن مرتكبه يستحق القصاص دون محاكمة.

مخالفة تعاليم الدين هنا، بالنسبة للكثيرين، ليست بالإفطار بل في الجهر به، فلا حرج أن يفطر غير الصائم، سواء لسبب صحي أو ديني، لكن خفية، والغرض أن لا يستفز مشاعر الصائمين. وإذا كان القانون وضع شرط العذر الشرعي فإن المجتمع لا يراعيه، أي أن المفطر علنا في نهار رمضان بالمغرب معرض للخطر حتى لو توفر العذر.

لم يكن النقاش مطروحا في المغرب سوى في السنوات العشر الأخيرة، مع ظهور حركة "مالي" التي ضمت مجموعة من الشباب المغاربة يدافعون عن الحريات الفردية، ودعوا إلى التجمع والإفطار علنا في نهار رمضان، ما عرضهم للعنف من مواطنين آخرين.

حماية أم عقاب؟

النقاش تجدد في 2015، عندما طرح وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، مسودة مشروع القانون الجنائي التي اعتبرت أنها تعادي الحريات الفردية وترجع بالحقوق في المغرب إلى الوراء. في حين رفض الوزير مراجعة القانون واعتبر الفصل (222) منه مراعاة لمشاعر عموم الناس وحفاظا على مبادئ العيش المشترك.

وشدد الوزير في حينها على أن الهدف من منع الإفطار العلني هو حماية لأمن الأشخاص المفطرين من أي اعتداءات تقع عادة بسبب ثقافة المجتمع.

خرج القانون إلى حيز التنفيذ وسجلت اعتقالات في مجموعة من المدن المغربية، وفي المقابل سجلت اعتداءات من مواطنين على آخرين بدعوى مخالفة الدين والإفطار في نهار رمضان. آخر هذه الاعتداءات كانت بمدينة وزان (شمال المغرب)، قبل أسبوع بحق طفلة لا يتجاوز سنها الـ14 بسبب تناولها للطعام داخل حافلة المدرسة، ومن حرض عليها زملاؤها، كان سائق الحافلة، ليتبين بعد ذلك أن لديها عذر شرعي.

خبر الاعتداء على فتاة أفطرت بعذر شرعي أثار غضب نشطاء مغاربة

أرجع الباحث في الدراسات الإسلامية والفاعل الفكري والديني بالمغرب، محمد عبدالوهاب رفيقي، القانون لحماية المفطر من التعرض للأذى، لكنه لم يفوت الإشارة إلى أن هذا عائد إلى كون الإشكال أصبح مجتمعيا خاصة في العقود الأخيرة.

وذهب رفيقي، في حديث لـ"الاستقلال" إلى القول: إن "الدولة إذا ليس لديها إشكال في اختيارات الأفراد، سواء في الاعتقاد عموما أو في الاختيارات الشعائرية كالصيام أو عدمه، فإن عليها العمل على توعية المجتمع بضرورة فتح الحرية للناس في اختيار الشكل الذي يتعبدون به دون إكراه وإرهاب مجتمعي".

وتابع الباحث قائلا: "صحيح أن الإفطار العلني قد يسبب توترات داخل المجتمع، وقد يؤدي إلى إشكالات أمنية، ولكن هذا ليس مبررا للإبقاء على هذا الوضع، بل يجب أن تكون هناك جهود توعوية داخل المجتمع لتسمح للناس بممارسة الشعائر أو عدم ممارستها بحرية، وحتى يتسنى لأهل الأعذار أن يمارسوا الرخصة التي منحت لهم بكل حرية. إذ لا يتمكن حتى المرخص لهم بذلك الإفطار في الشارع في نهار رمضان. الأمر مرتبط بالدين والعقيدة وينبغي أن تكون للناس كل الحرية في ممارستها".

قضية سياسية

خاض وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد، الذي ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية، مواجهات عديدة مع ناشطين وحقوقيين مغاربة وحتى شخصيات من داخل الحكومة، شددت في 2015 على أن القانون لن تتم الموافقة عليه. وكان وزير الإسكان والتعمير السابق، محمد نبيل بنعبد الله، قد أبدى رفضه للعقوبات ضد مُفطري رمضان، باعتبار أنه "ليس هناك أي انحراف يدفع لتشديد العقوبات".

مغاربة يحتجون أمام البرلمان على الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يجرم الإفطار علنا في رمضان

"رفض القانون ما زال مستمرا حتى بعد سنّه، والحركة الحقوقية في المغرب تسعى -ليس فقط لإلغاء الفصل (222) من القانون الجنائي- بل مجموعة من الفصول التي تحد من الحريات الفردية"، هذا ما أكده الرئيس الجديد للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي في حديث مع "الاستقلال".

وحمّل غالي مسؤولية ما اعتبره "تراجعا على مستوى الحقوق" للدولة، مشيرا إلى أنها "دائما ما توهم المغاربة بأنها تعطي الحقوق، لكن عندما نمر إلى التطبيق في الواقع يتم التراجع". ورأى أن سلطة المحافظين قوية في المغرب، وهي التي ترفض زحزحة مجموعة من الخطوط الحمراء من ضمنها الفصل (222). 

واعتبر المتحدث، أن مجابهة هذه السلطة يخضع لموازين القوى، لافتا إلى أن "القصر الملكي هو أيضا من المحافظين، وقد يكون المحافظ الأول، وبالتالي الصراع ليس مع الحكومة أو مع وزير هنا أو هناك، بقدر ما هو صراع مع منظومة متغلغلة وهي التي تتحكم في دواليب الدولة وترسم الخطوط الحمراء".

ومن جهته قال رفيقي، إن قضية التشديد على المفطرين في نهار رمضان ليست دينية ولا حتى اجتماعية، وإن أخذت بعدا اجتماعيا، ولكنها في الأصل قضية سياسية بامتياز.

وتابع قائلا: هذا الموضوع لم يكن معروفا لا في المجتمعات الإسلامية ولا في المجتمع المغربي، بل لم تكن معروفة حتى في العهد النبوي الأول، إذ نجد أن الصحابة رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسافرون معه، ويقول الراوي "منا الصائم ومنا المفطر"، ولم يكن يشكل هذا الأمر أي إزعاج، وليست هناك دينيا ولا شرعيا أي عقوبة دنيوية للمفطر علنا في نهار رمضان.

وأفاد المختص في الشأن الإسلامي، بأنها "قضية سياسية، بحكم أن أول من سن هذا القانون في المجتمع المغربي هو الماريشال لوي هوبير ليوطي (أول مندوب عام لفرنسا بالمغرب)، وقد سنه للجالية الفرنسية التي كانت بالمغرب خوفا من احتكاك الفرنسيين بالمغاربة واتباعا للسياسة الدينية، التي حاول ليوطي من خلالها التقرب من المغاربة وسن بها عددا من القوانين المرتبطة بالتقاليد الدينية".

المادة 222 من القانون الجنائي المغربي

ألغي هذا القانون لمدة قليلة بعد الاستقلال، بحسب رفيقي، ثم أُدرج في القانون الجنائي المغربي لأسباب سياسية، حتى يتم توظيفه ضد بعض التيارات التي كانت معارضة في ذلك الوقت، وكان كثير من أعضائها يفطرون في نهار رمضان.

وفسّر الباحث أنه، مع المدّ السلفي الذي عرفه المغرب في العقود التي تلت ذلك، تحول الأمر إلى قضية اجتماعية وأصبح الناس بحكم هذا القانون أولا، وبحكم المدّ السلفي يتعاملون بتشدد مع المفطر في رمضان سواء كان عن اختيار أو لعذر شرعي.

خوف من المجتمع

قد لا يكون الدافع دينيا بالدرجة الأولى، بل اجتماعيا إذ أفاد وزير حقوق الإنسان في المغرب، مصطفى الرميد، في آخر تصريح له حول الموضوع، بأن "المواطن حر بأن يفطر شرط أن يختبئ".

أغلب الذين شاركوا في هذا الاستطلاع كانوا ضد الإفطار دون عذر شرعي

عندما نتحدث عن الإفطار علنا، يجب التفريق بين مستويات عدة، بحسب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي تساءل الحقوقي كيف يمكننا التعامل مع 6 ملايين مغاربة يعانون من أمراض ترخص لهم شرعا الإفطار لكنهم لا يتمكنون من ذلك.

وأشار إلى أن السنة الماضية عرفت حادثة في حق رجل كان يشرب الماء في سيارته في نهار رمضان، عندما تعرض لهجوم من أشخاص كسروا سيارته وعرضوا حياته للخطر، قبل أن يتبين أنه مصاب بداء السكري.

ورأى عزيز غالي، أن هذا الجزء مغيب من النقاش تحت ذريعة عدم السماح بالإفطار العلني، أما الشق الثاني الذي لا تريد الدولة الاعتراف به، بحسب الحقوقي، فهم المغاربة غير المسلمين، سواء المسيحيين والذين من حقهم ممارسة شعائرهم دون إكراه، أو من يرى أنه غير ملزم بصيام رمضان، والدولة تتعامل مع هؤلاء بنوع من الخجل. 

رأي الدين

وفي حديث له مع "الاستقلال"، قال رئيس المجلس العلمي لعمالة (محافظة) الصخيرات-تمارة، لحسن السكنفل، إن صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام يجب على كل مسلم بالغ عاقل ذكر أو أنثى، ما لم يكن هناك عذر للإفطار كالمرض والسفر ودم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة.. ومن انتهك حرمة شهر رمضان بأكل أو شرب أو جماع عمدا بدون عذر فعليه القضاء والكفارة.

وأضاف: في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يقض عنه صيام الدهر كله، وإن صامه" (رواه أبو داوود).

واعتبر السكنفل، أن التشديد في القانون المغربي مستمد من روح الشريعة التي تضمن للمسلمين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية، وأن لا يمس شعورهم الديني أي أذى. لهذا لا يقبل المسلمون دينيا وخلقيا أن ينتهك أحد حرمة شهر رمضان فيفطر جهارا بدعوى حرية الاعتقاد.

وأوضح رئيس المجلس العلمي للصخيرات، أن عقوبة من فعل ذلك في الإسلام هي التعزير سجنا أو أي عقوبة يقدرها ولي الأمر، أو من يقوم مقامه حماية للشعور الديني للمؤمنين.

ويختلف رفيقي مع السكنفل في هذا الرأي، إذ قال: إنه "لو نظرنا إلى دول إسلامية أخرى لا نجد هذا التعظيم المبالغ فيه للصيام على حساب عبادات هي في الميزان الديني أقوى منه كالصلاة مثلا، وهذا مرتبط بسياق كل مجتمع، في دول أخرى ليس للصيام كل هذا التضخيم المبالغ فيه في التعامل، بينما قد تجدهم أكثر تشددا في شعائر وعبادات أخرى".

وخلص الباحث إلى أن القضية غير مرتبطة بالدين بقدر ما هي ثقافة اجتماعية بسبب هذه القوانين التي كانت فيما قبل وبسبب الأفكار المستوردة التي وردت على المغرب وجعلت المفطر في نهار رمضان علنا يعتبر مجرما في نظر المجتمع، بل نجد في الثقافة الشعبية الحديث عن أن "رمضان ينتقم ممن لا يصومه"، والثقافة الشعبية مثقلة بهذا التعظيم وهو ما لا يوجد في شعائر أخرى، إذ نجد أن صلاة الجمعة على أهميتها في المنظومة الدينية، نجد الناس يجلسون في المقاهي وخطبة الجمعة قائمة دون أن ينكر بعضهم على بعض ذلك.