تفاصيل مثيرة.. هكذا أشرف طحنون بن زايد على رحلة الأسد إلى الإمارات

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في مشهد يرسخ ضعف مكانة رئيس النظام السوري بشار الأسد "سياسيا" لدى الدول العربية، لعبت أبوظبي دورا في ذلك، حينما تولى مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، أمر جلبه إلى الإمارات وأدارها لوجستيا وأمنيا.

وكانت زيارة الأسد إلى الإمارات في 18 مارس/ آذار 2022، مثيرة بكل تفاصيلها، من ناحية التوقيت والرسالة والهدف منها المعلن وغير المعلن ونمط الاستقبال الذي أشرف عليه مستشار الأمن القومي، ابن زايد.

نقل سري

ورغم أن زيارة الأسد للإمارات كانت بعد 11 عاما لم يزر فيها بلدا عربيا واحدا، فقد اختار طحنون أن يكون في استقبال الأسد بمطار دبي الدولي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، منصور بن زايد آل نهيان.

ثم التقى الأسد بحاكم إمارة دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، بحضور ابنه ولي عهد دبي، حمدان، رفقة الوفد المرافق للأسد الذي ضم وزير خارجية النظام، فيصل مقداد، ووزير شؤون الرئاسة، منصور عزام، ونائب وزير الخارجية، بشار الجعفري.

وعقب ذلك، نُقل الأسد إلى قصر الشاطئ في أبوظبي للقاء ولي عهد، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، فيما طحنون كان جالسا يسار شقيقه في الباحة الخارجية للقصر، وبقي موجها رأسه في اتجاه واحد و"كأن على رأسه الطير"، وعليه ملامح "الاستخفاف بالأسد" لدرجة أنه لم يتفاعل مع الحديث الذي دار معه.

وفي حديثها عن طحنون، قالت المديرة السابقة لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي الأميركي، كرستن فونتروز، إن "الغموض يشكل جزءا من شخصيته".

وأضافت "إن طحنون هادئ ودائم التنقل، يكون في الولايات المتحدة اليوم، ثم تكتشف في اليوم التالي أنه أصبح في طهران، وهو مع ذلك لا يتحدث عن تحركاته"، وفق ما نقلت عنها صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في 25 يناير/كانون الثاني 2021.

ويدير طحنون، ملفا مترامي الأطراف يشمل الأمن القومي وقطاع الشركات الغامض في الإمارة الغنية بالنفط.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يثق محمد بشقيقه طحنون المتقن لـ"فنون الدفاع عن النفس للتعامل مع أكثر القضايا حساسية وتحديا" في البلاد، وهما ملفا إيران واليمن، فضلا عن الأمن والاستخبارات. 

ففي منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2019، وصل طحنون إلى إيران، للتهدئة بعد توتر بين طهران والرياض على خلفية استهداف ناقلة نفط إيرانية في مياه البحر الأحمر قبالة سواحل جدة.

كما أجرى طحنون زيارة سرية إلى تل أبيب في يونيو/حزيران 2020، واجتمع حينها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، بحضور السفير الأميركي، ديفيد فريدمان.

لواء التطبيع العربي 

ويؤكد دبلوماسيون سوريون انشقوا عن نظام الأسد، أن الإمارات تحمل لواء التطبيع مع الأسد عربيا، وتجتهد في إعادته إلى "الحضن العربي"، ولهذا كسرت عزلته بهذه الزيارة التي حدثت في يوم الذكرى الـ11 للثورة السورية ضده.

وبذلك، أعطت أبوظبي رسالة للسوريين أنها تقف إلى جانب الأسد المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه وتشريدهم وقتل مئات الآلاف منهم، وأنها ماتزال داعمة للثورات المضادة.  

وأكدت زيارة الأسد إلى الإمارات التي غابت عنها بروتوكولات ومراسم الاستقبال الرسمية، أنها لم تكن سهلة من الناحية الأمنية واللوجستية والتي تسلم طحنون بشكل كامل تنسيقها وترتيب جلب الأسد وعودته إلى دمشق، لكونه الشخص الموثوق به لدى ولي عهد أبوظبي، ويعمل "كرجل الظل".

وأنهت زيارة الأسد إلى الإمارات، سنوات من الالتزام "ظاهريا" بالقطيعة العربية المتخذة ضد رئيس النظام السوري منذ عام 2011، رغم أن تطبيع العلاقات رسميا بينهما بدأ منذ عام 2018 بفتح أبوظبي سفارتها في دمشق.

واستقبلت الإمارات رؤوس الأموال السورية المقربة من النظام عقب اندلاع الثورة، وربما هذا ما حدا بقائم أعمال سفارة أبوظبي، عبد الحكيم إبراهيم النعيمي، لوصف العلاقة مع الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2019 بأنها "متينة ومتميزة وقوية".

وفي 28 مارس/آذار 2022، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا قالت فيه إن "الأسد، سافر على متن طائرة تابعة لشركة الطيران الإماراتية الفاخرة (رويال جيت)، التي يرأسها أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي".

وهذه أول رحلة قام بها الأسد إلى دولة عربية منذ العام 2011، إذ نقلت الطائرة الإماراتية في 18 مارس/آذار 2022، الوفد السوري إلى دبي وأبوظبي.

وتنتمي طائرة "بوينج 737"، المخصصة للشخصيات المهمة، إلى شركة الطيران الإماراتية الفاخرة "رويال جيت"، برئاسة مستشار الأمن القومي، طحنون بن زايد، مهندس تطبيع نظام الأسد مع الإماراتي.

دبي أولوية

وعندما وصل الأسد دبي، كان في استقباله محمد بن راشد، برفقة نجليه حمدان ومكتوم.

ولم يكن هذا البروتوكول معتادا، فرجال الدولة عادة ما يرحب بهم أولا في أبو ظبي، وهذا يشير إلى الطبيعة "غير الرسمية" للزيارة والأهمية التي يوليها الأسد لدبي، حيث يُنفى عدد من كبار رجال الأعمال المقربين من دائرته الداخلية وعلى رأسهم شقيقته، بشرى.

ومنذ عام 2012، تعيش بشرى ابنة حافظ الأسد الوحيدة في دبي، بعد مقتل زوجها آصف شوكت، والذي كان يشغل نائب وزير الدفاع، في تفجير غامض استهدف اجتماعا لـ"خلية الأزمة" لقمع الثورة، في مبنى مكتب الأمن الوطني بحي الروضة الراقي وسط دمشق في 18 يوليو/تموز من العام المذكور.

وقتل حينها في التفجير، رئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء هشام اختيار، إلى جانب أربعة من أعمدة النظام السوري.

وبعد ساعة وربع، أقلع وفد الأسد مرة أخرى إلى مطار البطين في أبو ظبي، حيث هناك رحب به في محطة "VVIP" التي عادة ما تكون محجوزة للعائلة الحاكمة، قبل أن يلتقي أخيرا بمحمد بن زايد.

وشركة "رويال جيت" مملوكة بشكل مشترك لطيران أبو ظبي، وهي شركة تخدم حقول النفط برئاسة طحنون، وهيئة الطيران الرئاسية المسؤولة عن تنظيم الرحلات الجوية للسلطات الإماراتية.

وتكلف الشركة بانتظام بنقل الوفود الأجنبية التي تسعى أبوظبي لعدم لفت الانتباه إلى زيارتها إليها.

واستخدم وفد إسرائيلي، شركة "رويال جيت" للسفر إلى جزيرة سقطرى اليمنية عام 2020، وهكذا فعل الأسد، الذي عاد إلى سوريا مساء 18 مارس 2022.

الزيارة المتأخرة

وسبق أن أجلت عدة مرات، زيارة الأسد إلى الإمارات، التي كان من المقرر إجراؤها في البداية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بمناسبة "يوم سوريا" في معرض "إكسبو 2020 دبي".

ومنح "معرض إكسبو 2020" خلال الفترة بين 1 أكتوبر/تشرين الأول 2021 و31 مارس/آذار 2022، الشركات التجارية المقربة من نظام الأسد أرضية للعودة إلى ساحة الأعمال الدولية، ولا سيما في ظل العقوبات الغربية وعلى رأسها قانون "قيصر" الأميركي المخصص لمعاقبة النظام، والذي بدأ تطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020.

وشارك في المعرض العالمي، رجال أعمال من الدائرة الضيقة للأسد، كانت لهم عقود مع شركات أجنبية في أكثر من مجال، إلا أنها فسخت عام 2011، بعد العقوبات الغربية على النظام السوري والمتعاملين معه.

وحاليا تبدو أبوظبي جادة في جعل أراضيها منصة للأسد عبر أذرعه للتشبيك عربيا ودوليا.

ولهذا استقبلت الإمارات في 27 مارس وزراء من النظام السوري، للمشاركة في "أعمال وفعاليات أحداث إقليمية ودولية رائدة"، وعلى رأسها "القمة العالمية للحكومات 2022" التي أقيمت في دبي.

ويرى مراقبون أن الإمارات باتت حاليا العراب الرسمي لإعادة تأهيل النظام السوري وإعادته للحظيرة العربية، مستغلة الهوامش والموقف الدولي غير الحازم تجاه التعامل مع الأسد.