مثقفون عرب ركبوا قطار الربيع العربي وأيدوا الثورات المضادة

محمد ثابت | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ما الذي يجمع الشاعر المصري فاروق جويدة بمواطنيه المثقفين: محمد سلماوي ويوسف القعيد، بالممثل السوري دريد لحام، بالشاعر التونسي المنصف المزغني، بمواطنه رئيس نقابة المطربين المحترفين مقداد السهيلي؟

أغلب هؤلاء مبدعون ناصروا بقوة ثورات الربيع العربي إثر اندلاعها في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، وعندما أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، ونجحت الثورات المضادة في استعادة مكانتها في بعض الدول، وقف نفس هؤلاء المثقفين أيضا مع القادم الجديد ودعموه بنفس القوة.

عقب ساعات من لقاء قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي بعدد من الكُتّاب والمثقفين في 23 من مارس/آذار 2016م، قالت صحيفة "النبأ"، الخاصة المحسوبة على الانقلاب، أن أغلب الذين التقاهم السيسي هم أنفسهم الذين التقاهم مبارك في أكتوبر/تشرين الأول 2010، في القصر الرئاسي قبل خلعه بأشهر قليلة، وهم أنفسهم الذين التقاهم الرئيس محمد مرسي في عام حكمه الوحيد 2012، واللقاءات الثلاثة سادتها تقريبا نفس أجواء التأييد والدعم للحاكم.

من هؤلاء: الأديب محمد سلماوي، الشاعر فاروق جويدة، والأديب يوسف القعيد، الذين أسمتهم الجريدة بـ "مثقفي كل العصور وكل الأنظمة"، بالإضافة لآخرين كأحمد عبد المعطي حجازي، فريدة النقاش، وحيد حامد، وإقبال بركة وآخرين.

أجنحة الفراشة

الكاتب الروائي محمد سلماوي (مواليد 1945)، وله كتابات بالصحف وإنتاج روائي، ورأس اتحاد كُتّاب مصر والعرب، وحرص خلال فترة حكم مبارك على اللقاء به ضمن الكتّاب والمثقفين حتى قبل سقوط المخلوع بـ3 أشهر، ثم ادعى بعد خلعه أنه تنبأ عبر روايته "أجنحة الفراشة" بسقوط مبارك، وأنه رصد ذلك على مدار 10 سنوات قبل الثورة.

سلماوي نفسه الذي ادعى في 2018 على فضائية (دريم) أنه تنبأ بالثورة المصرية، هو الذي عاب أول برلمان لثورة 2011 على فضائية (الحياة)، زاعما أن: ''برلمان الثورة مثال للرجعية ولا يعبر عن ثورة 25 يناير، على رغم أن معظم ممثلي شباب الثورة الذين خاضوا الانتخابات البرلمانية نجحوا ويعتبروا هم الموجودون الآن في البرلمان''.

كما حض سلماوي المجلس العسكري على الإطاحة بشباب الثورة  والإخوان الذين وصلوا للبرلمان وشككك في نتيجة أول برلمان مصري بعد ثورة يناير، وكانت كلماته في مايو/آيار 2012 مقدمة وتمهيد لثورة مضادة.

بعد الانقلاب على الرئيس مرسي كان سلماوي من الجوقة المهللين للسيسي ورؤيته حتى للتجديد الديني المزعوم، وكرر سلماوي الكلمات التي طالما قيلت لمبارك: "صاحب رؤية لكن مؤسسات الدولة قاصرة عن ملاحقتها".

"ارحل"

أما الشاعر وصاحب المقالات في الأهرام، منذ عهد مبارك، فاروق جويدة (مواليد 1946)، واشتهر بمقابلاته المطولة مع مبارك ضمن المثقفين والكتاب، واشتهر في عهد المخلوع بأنه صاحب الشعر الرمزي الشديد الغموض في تناول قضايا الوطن، ثم ما لبث أن ألف قصيدة في ذم مبارك وعصره شديدة اللهجة بعنوان: "ارحل".

لاحقا عين الرئيس مرسي جويدة مستشارا له للشؤون الثقافية (قبل استقالة جويدة في 24 من نوفمبر/كانون الأول 2012)، لكن بعد الانقلاب أسفر عن وجهه الآخر شامتا في أول تجربة ديمقرطية في مصر.

في أحد مقالاته بصحيفة الأهرام كتب جويدة قائلا: "لم يقتنع الإخوان المسلمون حتى الآن بأن الرئيس السابق محمد مرسى قد خرج من مقر الرئاسة بالاتحادية ولن يعود، ولم يتأكدوا بعد وهم فى السجون أنهم كتبوا بأنفسهم قصة فشلهم في الحكم أمام رفض شعبي كاسح طالبهم بالرحيل".

وعن مذبحة فض اعتصام رابعة التي خلفت مئات القتلى والجرحى كتب قائلا: "لم يقتنع الإخوان المسلمون حتى الآن بأن قوات الجيش والشرطة قد نجحت فى فض الاعتصام فى رابعة والنهضة وأن ما حدث كان نموذجًا فريدًا فى إنجاز المهمة بأقل قدر من الخسائر".

وفي نهاية مارس/آذار الماضي وصف جويدة ما حدث على يد السيسي بـ"المعجزة الإلهية"، مؤكدا أنه "غير راض عن نتائج ثورة يناير التي أدت "لانقسام مجتمعي كبير"، وكعادته بعد الانقلاب هاجم الإخوان بل اتهمهم بـ"الانقلاب على الدولة وتشويهها"، ثم أقر بعدم التجاوب الشعبي مع قائد الانقلاب زاعما أنه: "السيسي بيجري وبيشتغل لوحده ومافيش تجاوب شعبي معاه".

المواطن مصري

الأديب يوسف القعيد (مواليد 1944)، بالغ في مدح مبارك حتى قال فيه في 24 سبتمبر/أيلول  1999: "هذا هو الرجل، شخصية قوية عقلية منظمة قدرة على التفكير في العمل، واقعي، منطقي، هادئ التفكير، إن الدرس الذي تعلمه منذ سنوات عمره الأولى أن الصدق أقصر طريق في التعامل بين الناس وأن الخط المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين".

ولم يكتف القعيد بالحضور والصمت في آخر لقاء للمثقفين والكتاب بمبارك في أكتوبر/تشرين الأول 2010، بل خرج من اللقاء مادحا مبارك في المقابلات التلفزيونية في القنوات المختلفة، وأيضا المقالات في الصحف، ثم ما لبث بعد ثورة يناير أن اتهم مبارك بمعاداة أعماله خاصة فيلم "المواطن مصري"، قائلا إنه "كان يقف ضد الكفاءات".

القعيد بالغ في التطبيل للنظام الانقلابي حتى عينه السيسي نائبا في البرلمان، ولم ينس القعيد شكر الرئيس حتى وصل به النفاق أن يكتب في "الأهرام" بأن مقولة السيسي "الناس (المصريين) شربت من العطش وشبعت من الجوع، هو نوع من البلاغة الجديدة".

كأسك يا وطن

ومن مصر لسوريا لا يختلف الأمر كثيرا، فنانها المسن دريد لحام (مواليد 1934)، اشتهر في مسرحية "ضيعة تشرين"، بمشهد التحقيق في أحد فروع المخابرات بصراخه: "أنا لا شيء.. أنا المواطن لا شيء"، وساعتها يصفعه المحقق على وجهه مستدرا دموع المشاهدين، وفي مسرحية "كأسك يا وطن" للراحل محمد الماغوط، حينما يتخيل المؤلف أن روح والد لحام تسأله عن حال العرب، فيقول الابن: "نحن بخير يا أبي.. ما ناقصنا غير شوية كرامة!".

غير أن الثورة السورية التي اندلعت قبل منتصف عام 2011، لم تجد دعما وتأييدا من لحام، الصارخ بوجوب الحرية والكرامة، فأعلن الفنان المسن أنه ضد ثورة الكرامة، رغم تغنيه من قبل بثورات الربيع العربي، لكن عندما وصلت إلى بلاده، آثر السلامة وأعلن موالاة نظام بشار الأسد.

وفي تونس فاجأت الثورة المثقفين والفنانين والأدباء، فلم يواكبوها إبداعيا على النحو الكافي، وبعد فترة حاول مثقفون وقف الحراك الثوري حتى أن شاعرا مثل المنصف المزغني انفرد بنشر قصيدة هجا فيها الرئيس السابق المنصف المرزوقي.

المزغني اتهم النظام السياسي الجديد (بعد الثورة) بقمع وردع المثقف، مع استمرار الأحوال التي لا تسر في البلاد، والتي لم يرها الشاعر نتاج فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وإنما زاد فكتب: "أما المثقف في هذا الصراع فدوره هو أن يكون مستقلا، ولا يمكن أن يكون كذلك إذا كان السياسي يحاصره في رزقه ويقترب من منابع معاشه اليومي".

والتقط طرف الخيط، تونسيا، رئيس نقابة المطربين المحترفين مقداد السهيلي، الذي رفض أن يمس (مجرد مساس) الفنانين الذين ارتبطوا بنظام الرئيس المخلوع بن علي قائلا: "علينا أن نحترم مبدعينا، ولن نسمح لأي كان بالمساس بهم، يذهب الساسة ويبٍقي الفنانون، يرحل الحكّام ويبقى الفن والإبداع، ورغم محاولات البغض الغمز من قناة هذا الفنان أو ذاك، فإن الأيام أثبتت أن الشعب لا يزال وفيا لرموزه الفنية والثقافية".